ملخص
الحكومة العراقية حاولت احتواء الأجواء المشحونة قبل الانتخابات المحلية بحظر تطبيق "تيليغرام"، لكنها اصطدمت بهجوم الميليشيات الموالية لإيران
مع استمرار حظر تطبيق "تيليغرام" في العراق تتزايد التساؤلات في شأن تلك الخطوة وما إذا كان "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" أكبر جناح سياسي موال لإيران يود التضحية بأشد أسلحته الإعلامية موقتاً لحين الانتهاء من ملف الانتخابات المحلية المقبلة.
وعلى رغم بيان وزارة الاتصالات في العراق الذي يعزو الحظر إلى "تهديد يتعلق بالأمن الوطني وحفاظاً على البيانات الشخصية للمواطنين"، فإن مراقبين أشاروا إلى جوانب سياسية تحيط بهذا القرار.
وفيما تتباين وجهات النظر بين قادة التيارات الموالية لإيران إزاء تلك الخطوة بين متحفظ ومعارض شديد، يرى مراقبون أن الحكومة العراقية تود ضمان أجواء هادئة خلال الانتخابات المحلية المقبلة.
ويبدو أن جملة من العوامل حفزت إطلاق تلك الخطوة، لعل أبرزها محاولة الحكومة العراقية كبح جماح الجماعات المسلحة قليلاً، بخاصة أن "تيليغرام" يشهد من سنوات فاعلية كبيرة للميليشيات الموالية لإيران في إثارة التصعيد والتحريض، سواء ضد مناهضي نفوذ طهران في البلاد أو المصالح الأميركية.
المنصة المفضلة للميليشيات
معهد واشنطن للدراسات وصف تطبيق "تيليغرام" بالمنصة المفضلة للميليشيات، موضحاً في تقرير أن الحظر ربما يكون موقتاً، إلا أن ردود الفعل تجاهه قد أبرزت "الانقسامات داخل إطار الميليشيات الشيعية".
ويعد "تيليغرام" الملاذ الأخير بالنسبة إلى الميليشيات الموالية لإيران، وتحديداً ميليشيات "كتائب حزب الله"، بعد حظر معظم منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لجأت تلك الجماعات إلى التطبيق في إنشاء منصات إعلامية تروج من خلالها بياناتها وخطابات التصعيد.
وأدارت تلك المنصات حملات عدة للتحريض على قنوات ومؤسسات إعلامية عراقية وعربية من بينها مكتب قناة "mbc" الذي تعرض للحرق والتخريب من قبل جماعات موالية لإيران في مايو (أيار) 2020.
وفيما أدارت تلك المنصات حملات تحريض وتهديد ضد ناشطي الاحتجاجات العراقية لعبت أيضاً دوراً رئيساً في تحريك الاحتجاجات المناهضة لمحاولات تشكيل التيار الصدري الحكومة العراقية بعد الانتخابات الأخيرة.
ويرى مراقبون أن تمسك تلك الجماعات المسلحة باستخدام التطبيق الروسي دون غيره، هو عدم خضوع تلك المنصات إلى أي ضوابط أو سياسات تحريرية، علاوة على إمكانية التبرؤ من تلك المنصات بسهولة وعدم التعرض لأي مسائلة قانونية، وهو ما جعلها بين الأوساط الموالية لإيران أكثر تأثيراً من وسائل الإعلام الرسمية التابعة لها.
البحث عن تهدئة
ويعتقد مراقبون أن وصول "الإطار التنسيقي" إلى السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، دفع معظم أطرافه إلى العمل على تهدئة الأجواء السياسية، بخاصة أن أي إرباك أمني أو سياسي سيمثل إخفاقاً بالنسبة إلى الحكومة التي شكلها حلفاء إيران في العراق.
ويقول الكاتب والصحافي أحمد الزبيدي إن كل المطلعين على أجواء "الإطار التنسيقي" يعتقدون أن القرار "صدر في إطار تهدئة تريدها القوى الشيعية في ظل الانهماك في ملف الانتخابات المحلية"، لافتاً إلى أن الخسارة المدوية التي منيت بها الأطراف الموالية لإيران في الانتخابات البرلمانية عام 2021، هي التي دفعت إلى محاولة "إدارة المشهد السياسي بشكل مغاير".
ويضيف الزبيدي في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن أطراف "الإطار التنسيقي" باتت "تخشى أي تصعيد قد يثير حفيظة التيار الصدري خلال الفترة الحالية وهو ما تقوم به منصات تابعة للميليشيات الموالية لإيران على (تيليغرام)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل وجود منصات "غير منضبطة ومجهولة المرجعية بات يثير قلق الأطراف الشيعية الكبرى بعد انتفاء الحاجة لوجودها"، كما يعبر الزبيدي الذي يشير إلى أن "استتباب السلطة للإطار عقب مرحلة صراع وصل حد الاقتتال، يجعل من بقاء تلك المنصات التي أسهمت في أكثر من مناسبة بالتحريض، مجازفة غير محسوبة العواقب".
ويلفت إلى أن قرار الحظر يؤكد "ما رشح من كواليس الإطار خلال الأسابيع القليلة الماضية حول مشكلات بين بعض القوى السياسية والفصائل المسلحة داخله، خصوصاً (كتائب حزب الله) التي ترفض حتى الآن دخول العملية السياسية بذراع سياسي صريح، ولا تخفي الاعتراضات على سياسة حكومة الإطار بما يتعلق ببعض الملفات، ومنها وجود القوات الأميركية".
ويختم بأن هذا القرار يمكن اعتباره "أول تحرك حقيقي لضبط المنصات الولائية المنفلتة مذ ظهورها إلى جانب فصائل الظل بعد اغتيال قائد (فيلق القدس) الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس (هيئة الحشد) السابق أبو مهدي المهندس".
خفض مستوى الصراع
ولا يعتقد المتخصص في الشأن العراقي مصطفى ناصر أن ما جرى يمثل "تضحية بالأسلحة الإعلامية للتيارات الموالية لإيران"، مشيراً إلى أن الخطوة تعطي انطباعاً عن استمرار محاولات رئيس الوزراء "خفض مستوى الصراع الذي نشب مبكراً بفعل تحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات". ويضيف أن الخلافات حول ملف الانتخابات المحلية "تسببت في تصدير الخلافات الخفية داخل أروقة الإطار إلى العلن"، مبيناً أن تشظي قوى الإطار التنسيقي في عدة قوائم انتخابية يبين حجم التشظي داخل كتله. ويشير إلى ثلاثة أسباب ربما تقف خلف قرار حظر "تيليغرام" في البلاد، لعل أبرزها "محاولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خفض مستوى الصراع الإعلامي، لا سيما أن قنوات (تيليغرام) ليست لديها أية محددات أو قواعد اشتباك"، في حين يعود السبب الآخر إلى أنه يحاول "التخلص من الانشغال المستمر بما تصدره تلك المنصات من أخبار مضللة وإشاعات، سواء من قبل منصات الميليشيات الموالية لإيران أو التيار الصدري".
أما السبب الثالث، بحسب ناصر، فيرتبط بـ"محاولات السوداني إرسال رسائل لواشنطن بأنه ماضٍ في الإيفاء بالتعهدات التي تشكلت وفقها حكومته"، مبيناً أن ما عجل في إطلاق تلك الخطوة هو "استمرار المنصات الموالية لإيران خلال الفترة الماضية بنهجية القمع والتوثب لإطلاق ملاحقات ترهيبية ضد ناشطي حقوق الإنسان".
اتهامات لواشنطن
ولعل ما يعطي انطباعاً بوجود خلافات داخل أروقة "الإطار التنسيقي" هو الانتقادات التي وجهتها قنوات تابعة للفصائل المسلحة على "تيليغرام" لحكومة السوداني ووزيرة الاتصالات في حكومته هيام الياسري على أثر قرار الحظر.
واتهمت تلك المنصات وزيرة الاتصالات التابعة لـ"الإطار التنسيقي" و"هيئة الإعلام والاتصالات" بـ"الانصياع" لأوامر السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانوسكي.
وتتهم المنصات والشخصيات الموالية لإيران واشنطن بالوقوف خلف قرار حظر التطبيق، في حين لم تقتصر الاتهامات على الجهات العراقية، إذ قالت منصة "إيران بالعربية" إن حجب "تيليغرام" بالعراق جاء على أثر ضغوط أميركية.
في المقابل، وصف القيادي في ميليشيات "عصائب أهل الحق" سند الحمداني، تطبيق "تيليغرام" بأنه "ميدان مناصري الإطار والمقاومة والسوداني"، متسائلاً "هل هناك إرادة لحجب (فيسبوك) الأميركي وإيقاف عبثه؟".
أما زعيم ميليشيات "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، فكتب تغريدة على منصة "إكس" أو "تويتر سابقاً" ضمت أسماء معظم المنصات الموالية لإيران على "تيليغرام"، قائلاً "إنما الزرع زرعكم فاصبروا وصابروا ورابطوا وانتظروا، إني معكم من المنتظرين".
وعلى رغم اعتراض رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي على القرار، وتشديده على ضرورة "التفريق بين المنصات الداعمة للدولة والحكومة، وتلك التي تحرض على الكراهية والعنف والتعدي على خصوصية الآخرين"، وصف نواب في كتلته قرارات الحظر بـ"الجيدة".
وقال النائب الكتلة محمد الزيادي إن هذه القرارات هي مسؤولية الدولة لـ"منع مرتكبي الجرائم، ومنع العبث بمعلومات الدولة ومواطنيها".
في المقابل، قلل العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي، من ادعاء الحكومة العراقية حجب "تيليغرام" بسبب تسرب المعلومات، مشيراً إلى أن "تسريب المعلومات مستمر وأصبح متاحاً للعلن".
واختتم حديثه بتغريدة في منصة "إكس"، بأن "كل ما يمر به العراق هو نتاج للإفلات من العقاب"، فيما يرى قانونيون أن قرارات الحظر تلك تعد مخالفة صريحة للقانون والدستور.