Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبكة من المصالح الاقتصادية والأمنية تربط النيجر بالقوى الغربية

أعلنت الأمم المتحدة أن تسليم المساعدات الإنسانية مستمر على رغم تعليق الجيش الرحلات الجوية التي تحمل المعونات

تشيع بين مواطني النيجر مشاعر مختلطة إزاء الانقلاب، فبينما يرى بعضهم أن غياب الأمن لم يكن بالدرجة التي تبرر خطوة الانقلاب يدعم آخرون هذه الخطوة (أ ب)

ملخص

ذكرت واشنطن في وقت سابق من عام 2021 بأنها زودت النيجر بأكثر من 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية وبرامج التدريب منذ عام 2012

 

إثر حدوث انقلاب النيجر الذي نفذه الحرس الرئاسي على الرئيس المنتخب محمد بازوم، كان تركيز الدول الغربية على كيفية تعاملها مع ردود الفعل المحتملة على الانقلاب العسكري إذا لم يسترجع الحكم الديمقراطي، وكذلك على مستقبل علاقاتها مع البلد الغني بالثروات المعدنية واليورانيوم والذي بلغ أهمية جيوسياسية بوصفه معبراً لتهريب البشر واللجوء إلى أوروبا، إضافة إلى تركز الجماعات الإرهابية بوقوعها ضمن حزام تنشط فيه تنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"بوكو حرام" مع تنظيمات محلية متفرعة منها، وتعمل على حدوده مع جيرانه مثل مالي وبوركينافاسو.
ولم يترك هذا القلق مجالاً للنظر في الأسباب التي أدت إلى الانقلاب، إذ إنه عند فوز بازوم بالانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) 2021 كأول رئيس من قبيلة عربية في البلد متعدد الإثنيات، كان يعتقد أن الاعتبارات الإثنية في المجتمع النيجري قد ضعفت لتفسح المجال أمام التنوع، لكن الحقيقة هي أن فوزه لم يجد ترحيباً كاملاً من المجموعات الإثنية المسيطرة.
ويمثل بازوم أقلية عرقية في النيجر، إذ ينتمي إلى قبيلة "الميايسة" المتفرعة من قبيلة "أولاد سليمان" العربية القادمة من ليبيا، كما أنه لم يحصل على رضا الجيش الكامل مما أخرج رئيس وحدة الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تياني عن صمته لينفذ الانقلاب مستبقاً إقالته من قبل بازوم، وهذا الوضع بالنسبة إلى الغرب ليس وضعاً خاصاً بالنيجر وحدها وإنما يجري على كل الدول الأفريقية حديثة العهد بالديمقراطية، إذ شهدت النيجر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 أربعة انقلابات عسكرية ناجحة، إضافة إلى محاولات انقلابية عدة فاشلة.

الحليف الوحيد

وباعتبار النيجر الحليف الوحيد الباقي لفرنسا في المنطقة، فإنها أثارت قلقاً كبيراً أخذ بالتشكل منذ بداية انسحاب باريس التدريجي من دول الساحل، وهنا تنظر باريس إلى ما قد يحدثه الفراغ السياسي على مصالحها الاقتصادية والعسكرية، فبعد أن أُجبرت على الانسحاب من مالي إثر انهيار العلاقات بينها والمجلس العسكري هناك اتجهت إلى النيجر، ورحب بازوم بحوالى 1500 جندي فرنسي في بلاده لمواصلة القتال ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل.
وقالت فرنسا التي كانت النيجر ضمن إمبراطوريتها الاستعمارية إنها لا تعترف بقادة الانقلاب ولن تقر بغير بازوم رئيساً للدولة، كما صرح الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه "لن يتسامح مع أي هجوم ضد فرنسا ومصالحها في النيجر، وأن باريس سترد على الفور ومن دون هوادة"، وإضافة إلى ذلك دانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا "أية محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة".

وقال رئيس مركز الأبحاث "آي بي إس إي" المتخصص في الأمن في أوروبا إيمانويل دوبوي إن "فرنسا فقدت أقرب حليف لها في المنطقة، والحليف الوحيد الذي تم انتخابه ديمقراطياً عام 2021"، مضيفاً أنه "منذ الانقلاب الأول في مالي عام 2020 فإن أربع دول مما تبقى من منطقة الساحل، وهي بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر صارت في أيدي الجيش".

وأشار دوبوي إلى أن "سبب اندلاع التمرد في النيجر لا يزال غير واضح، لأن شكاوى ومطالب قوة الدفاع والأمن وقائد الحرس الرئاسي غير دقيقة إلى حد ما، مما يعني أن هناك شيئاً متجذراً في السياسة النيجرية".

ويشدد دوبوي على أن "هناك خلافاً بين أفراد الحرس الرئاسي وبين الجنود والحرس الوطني والقوات الخاصة حول ما إذا كان سيتم دعم الانقلاب أم لا".
وتستخرج فرنسا اليورانيوم من شمال النيجر لتشغيل شبكتها الواسعة من محطات الطاقة النووية، وقال رئيس الحزب الذي يتزعمه ماكرون، سيلفان مايار، إن "فرنسا تتابع الوضع في النيجر عن كثب، ليس فقط في حال تعريض السكان للخطر ولكن أيضاً لتأثيره في مصالحها الاقتصادية"، مضيفاً أن "اليورانيوم جزء من المعادلة ولذلك فنحن نراقب ما يحدث باهتمام شديد".


مشاعر مختلطة

من ناحية أخرى قام متظاهرون مؤيدون لقادة الانقلاب بتخريب السفارة الفرنسية في العاصمة نيامي، وبحسب تقارير إعلامية فإن المتظاهرين كانوا يهتفون "يعيش بوتين وتسقط فرنسا"، وحذر قصر الإليزيه في بيان من أن "أي شخص يهاجم الرعايا الفرنسيين الذين يتراوح عددهم بين 500 و600 شخص أو الجيش أو الدبلوماسيين أو القواعد الفرنسية فستنتقم منه فرنسا على الفور".

وأضاف البيان أن "رئيس الجمهورية لن يتسامح مع أي اعتداء على فرنسا ومصالحها"، وذكر القصر الرئاسي الفرنسي أن "باريس تدعم أيضاً كل المبادرات الإقليمية الهادفة إلى استعادة النظام الدستوري وعودة الرئيس المنتخب محمد بازوم".

يذكر أن هذه الاحتجاجات نظمتها الحركة المدنية "إم-62" التي اعترضت من قبل على "عملية برخان" التي نفذها الجيش الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء، وهكذا نجد أنه يشيع بين مواطني النيجر مشاعر مختلطة إزاء الانقلاب، فبينما يرى بعضهم أن غياب الأمن لم يكن بالدرجة التي تبرر خطوة الانقلاب، يدعم آخرون هذه الخطوة.

الشريك الرئيس

وتعد الولايات المتحدة الشريك الرئيس للنيجر، حيث تعمل الأخيرة كقاعدة لمئات القوات الأميركية بغية المساعدة في مهمات مكافحة الإرهاب، وفي بداية الانقلاب اكتفت الولايات المتحدة بتأكيد دعمها الثابت لرئيس النيجر المعزول محمد بازوم، كما أكد مسؤولون أميركيون أنهم يركزون على الجهود الدبلوماسية لاستعادة الحكم الديمقراطي.

ولم تعلن واشنطن صراحة أن ما حدث هو انقلاب، إذ إنه بموجب القانون الأميركي "فإذا صنفت وزارة الخارجية الأميركية رسمياً هذا الاستيلاء على السلطة على أنه انقلاب، فسيتطلب ذلك من واشنطن قطع المساعدة الأجنبية والعسكرية عن حكومة النيجر"، وهو ما قد تكون له عواقب وخيمة على الحرب ضد الإرهاب واستقرار المنطقة.
والشيء ذاته فعلته مع السودان، إذ لم تبادر إلى وصف الإجراءات التي نفذها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق عبدالفتاح البرهان في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 على أنها انقلاب حتى لا ترفع يدها نهائياً عن السودان، وخصوصاً أنها كانت راعية للحراك الثوري الذي أسقط الرئيس السابق عمر البشير، كما أنها عدت أن خطوتها كانت ستكبل البلاد خلال فترة انتقالية تسير نحو الحكم المدني الديمقراطي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وتعرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ضغوط من الكونغرس للرد على الوضع في النيجر من كبار المشرعين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وقال السيناتور الديمقراطي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي بوب مينينديز والعضو الجمهوري في اللجنة جيم ريش في بيان، "يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ إجراء سريعاً لمحاسبة القوى المناهضة للديمقراطية وإرسال إشارة واضحة بأن الهجمات على الديمقراطية الدستورية لن تقابل بالإفلات من العقاب"، وأشارا إلى أن "الاستيلاء على السلطة بالقوة والإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً بازوم سيعرض تعاون الولايات المتحدة الكبير مع حكومة النيجر إلى الخطر، ويهدد الشراكات الأمنية وغير الأمنية القائمة".
وبعد ذلك وصفت واشنطن ما حدث بأنه "انقلاب عسكري"، ووفق بيان أصدرته وزارة الخارجية الأميركية أكدت فيه دعمها الرئيس بازوم بصفته رئيساً منتخباً للنيجر بشكل ديمقراطي وإدانتها للاستيلاء على السلطة بالقوة، شدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أن استمرار المساعدات التي تقدمها واشنطن للنيجر مرهون بـ "الحفاظ على الديمقراطية"، وحذر من عواقب احتجاز بازوم قائلاً إن "مئات الملايين من دولارات المساعدات باتت في خطر".

كما تحدثت مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في مع وزير الخارجية النيجري حسومي مسعودو والرئيس السابق محمدو يوسفو لإدانة جهود الاستيلاء على السلطة، وكذلك شجعت دورهما في تسهيل المفاوضات بين الرئيس بازوم والمحرضين على الانقلاب.


تعليق التعاون

أما الاتحاد الأوروبي فأيد جميع الإجراءات التي اتخذتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) كرد فعل على الانقلاب في النيجر، وقال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "سندعمهم بسرعة وحزم، ومن المهم احترام إرادة شعب النيجر كما عبرت عنها الأصوات"، كما أيد الاتحاد موقفي الولايات المتحدة وفرنسا الرافضين للاعتراف بقادة الانقلاب، وأعلن بوريل تعليق التعاون الأمني مع النيجر قائلاً إن "التعاون الأمني ومساعدات الموازنة علقتا إلى أجل غير مسمى"، ويذكر أن الاتحاد الأوروبي أطلق في النيجر خلال وقت سابق من هذا العام مهمة تدريب عسكري بقيمة 30 مليون دولار.

ويضاف إلى ذلك إدانة منظمات دولية وإقليمية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إذ دعا مجلس الأمن الدولي إلى إطلاق بازوم فوراً ومن دون شروط، كما دان "الجهود التي تدفع إلى تغيير غير دستوري للحكومة الشرعية في النيجر"، وأيضاً طالب الاتحاد الأفريقي الجيش في النيجر بالعودة لثكناته في غضون 15 يوماً.

تسليم المساعدات

من جهة أخرى أعلنت الأمم المتحدة أن تسليم المساعدات الإنسانية في النيجر مستمر على رغم تعليق الجيش الرحلات الجوية التي تحمل المساعدات، وذكرت القائمة بأعمال منسق الشؤون الإنسانية والمقيمة في الأمم المتحدة نيكول كواسي أن "4.3 مليون شخص كانوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل الانقلاب العسكري، و3.3 مليون شخص يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي وغالبيتهم من النساء والأطفال".
من جانبه صرح مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في النيجر جان نويل جنتيل أن "الاستجابة الإنسانية مستمرة على الأرض، والأمم المتحدة تقدم مساعدات نقدية وغذاء للأشخاص في المناطق التي يمكن الوصول إليها، والوكالة تقيم الوضع باستمرار لضمان الأمن والوصول".
بدورها ذكرت واشنطن في وقت سابق من عام 2021 أنها زودت النيجر بأكثر من 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية وبرامج التدريب منذ عام 2012، وهو أحد أكبر برامج الدعم في أفريقيا وجنوب الصحراء، ولديها أكثر من 1000 مجند من أفراد الخدمة في البلاد.
وبحسب وزارة الخارجية الأميركية فإنه "في عام 2022 صوت مجلس إدارة مؤسسة تحدي الألفية (إم سي سي) بالموافقة على أول اتفاقات إقليمية متزامنة للوكالة على الإطلاق مع النيجر وبنين على التوالي، وتم تصميمها لتقليل كلف النقل وتحسين العمليات على طول الممر بين نيامي وميناء كوتونو في بنين"، مضيفة أن "اتفاق النيجر للمياه والزراعة المستدامة مع مؤسسة تحدي الألفية البالغة 442 مليون دولار دخلت عامها الأخير، وتشمل مشاريع أكبر محيط للري وتصوير الأقمار الاصطناعية والتقييمات الهيدروجيولوجية".

وكانت الولايات المتحدة تخطط لـ "تقديم 101 مليون دولار من المساعدات الثنائية التي بدأتها عام 2022 للنيجر من أجل الأمن الغذائي والتعليم والديمقراطية والحكم والمساعدة الصحية والأمنية"، كما استثمر الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا، سابقاً بكثافة في النيجر، وأرسلت باريس موارد وقوات إلى البلاد، والتزم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 40 مليون يورو للمساعدة في تدريب وتجهيز الجيش النيجري.

المزيد من تقارير