Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفاهيم خاطئة حول النفط

تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار إلى مستويات قياسية يجعله بلا قيمة ويهدر حق الأجيال القادمة

شعار أرامكو على صهريج في منشأة نفط بحقل الشيبة النفطي في الربع الخالي (رويترز)

أحد أقدم وأعرق التخصصات في علم الاقتصاد فرع اسمه "اقتصاديات الموارد الناضبة"، والتي يندرج تحتها النفط والغاز والفحم وكل المعادن.  كل الموضوعات المتعلقة بأسواق هذه الموارد أُشبعت بحثا على مدى أكثر من 200 عام. كما قام الفقهاء المسلمون بالحديث عنها منذ مئات السنين، وناقشوا بالتفصيل ما إذا كانت تملك ملكية خاصة أم عامة، ونصيب بيت المال فيها، وفرقوا ما بين إذا تم  الاستثمار فيها لاستخراجها أم أنها وجدت بدون أي جهد؟.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه الموارد موجودة في أنحاء العالم كافة، وتعامل معها الخبراء في الاقتصاد والقانون والتمويل على مدى عقود من الزمن، وتم تطوير نظريات وقوانين وأعراف وسياسات بناء على ذلك.

المقصود من هذه المقدمة أن الأمر أُشبع بحثا من قبل المتخصصين، ولا مجال للرأي الشخصي فيها، خصوصا من قبل غير المتخصصين. 

ماذا يحصّل مالك المورد الطبيعي مقابل تملكه للمورد؟

المالك أمام خيارين، إما يطّور المورد بنفسه، أو يسمح للآخرين بتطويره.  فإذا سمح للآخرين بتطويره، فإنه يحصل مقابل ذلك على "ريع". هذا الريع يتحدد حسب العرف والتقاليد في المنطقة، أو حسب القانون الذي تسنّه الحكومة، أو على القوة التفاوضية بين الطرفين.  إلا أن الشائع الآن في الولايات المتحدة، حيث الملكية الخاصة للموارد، هو أن تدفع الشركة للمالك مبلغا محددا من البداية، عادة ما يكون كبيراً نسبيا، ثم تقوم بدفع مدفوعات شهرية هي عبارة عن الريع كنسبة من الإنتاج.

أما خارج الولايات المتحدة فإن الحكومة هي المسيطرة نيابة عن أهل البلد، فتقوم الشركة المستثمرة بتقديم دفعة مبدئية، ثم تدفع الريع كنسبة من الإنتاج، ثم تدفع الضرائب للحكومة، وعادة ما تكون نسبة هذه الضرائب كبيرة. ما تبقى بعد ذلك هو عائد الشركة على استثماراتها المتمثلة في رأس المال، والتكنولوجيا الخاصة بها، والمهارات الإدارية.

أرامكو شركة سعودية، تدفع ريعا للحكومة، وتدفع ضرائب للحكومة، وجزءاً كبيراً من أرباحها للحكومة.  الفكرة هنا أن أرباح أرامكو ليست عائدا على أصل، العائد على الأصل هو "الريع"، وربما الضرائب لأن هناك خلافا بين الخبراء حولها.  إلا أن الأرباح هي عائد على رأس المال المستثمر.  فإذا ما تم الاكتتاب في أرامكو، فإن جزءاً من الأرباح سيوزع على الحكومة السعودية وبقية المستثمرين في أرامكو. إلا أن الحكومة السعودية ستظل تحصل على "الريع" و "الضرائب" بشكل مستقل عن الأرباح.  بعبارة أخرى، بفرض أن الشركة لم تحقق أي أرباح، فإن الحكومة السعودية ستحصّل على الريع والضرائب على كل الحالات. 

فكرة الريع والضرائب محل بحوث كثيرة على مدى العقود الماضية، وتتركز حول الريع الأمثل والضرائب المثلى. الريع الأمثل والضرائب المثلى يجب أن تساوي العائد الذي تحصل عليه الحكومة في حالة قيامها بعمليات التنقيب والإنتاج بنفسها، بافتراض أن ما تقوم به من عمليات يتم على الطريقة الأمثل. ولولا وجود أرباح، لما تم الاستثمار إطلاقا، وبالتالي ليس هناك إيرادات حكومية.

وهناك خلاف بين الأكاديميين حول التكلفة الحقيقية للمصدر الناضب: أقله تكلفة الاستخراج، وأكثره تكلفة الاستعمال. تكلفة الاستعمال تشمل تكلفة الاستخراج بالاضافة إلى تكلفة النفط كمصدر ناضب، وهنا بيت القصيد، ما تكلفة النفط كمصدر ناضب؟ البعض يرى أنها تكلفة إنتاج البرميل البديل.  فإذا كانت تكلفة إنتاج البرميل الفعلية دولارين، ولكن إيجاد برميل بديل يكلف 10 دولارات، فتكلفة هذا البرميل 10 دولارات وليست دولارين.

ويرى آخرون أنها تكلفة الطاقة من المصادر البديلة. فإذا كانت تكلفة الطاقة البديلة 20 دولارا، فتكلفة البرميل 20 دولارا، وليست دولارين. بغض النظر عن هذا الخلاف، ليس هناك قوة سوقية كاملة لأي حكومة أو شركة للتسعير كما يشاؤون، وبالتالي يجب التعامل مع معطيات السوق، وبالتالي لا يمكن لأي دولة اختيار السعر الذي تريد إذا أرادت تسويق نفطها.  

خلاصة الأمر هنا أن أرباح شركات النفط ليست عائداً على مصدر ناضب لأنه عائده الريع والضرائب، بينما أرباحها هي عائد على الاستثمار والتكنولوجيا والإدارة.

تخفيض الإنتاج والأجيال القادمة

هذا موضوع مكرر، ويتكرر بسبب تكرار الناس له، وقد يكون بعض القرّاء قد ملّ منه. المنطق يحتم أنه لا يمكن التذمر من الوضع الحالي ولوم النفط، ثم الإصرار على تخفيض الإنتاج وحفظ هذا النفط للأجيال القادمة، كي يستمر الوضع الحالي! 

إدارة الموارد النفطية الضخمة في دولة مثل السعودية تتطلب أمرين، وهما وجهان لعملة واحدة: تعظيم الكمية المستخرجة من الاحتياطيات وبيعها بأعلى سعر ممكن، بأفق زمني معين. هذا يتطلب التأقلم مع أحوال الطلب في الأسواق العالمية، وإلا لا يمكن تحقيق هذا الهدف.  تخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط إلى مستويات عالية سينهي عمر النفط لصالح مصادر الطاقة الأخرى في وقت أسرع، وفي وقت أقل من الأفق الذي يضمن تحقيق الهدف. هذا يعني أن الأجيال القادمة سيكون لديها نفط بكميات كبيرة، ولكن لا قيمة له! عندها سيلومون من قبلهم على رفع أسعار النفط إلى مستويات قتلت الطلب على النفط.

العالم لن يستمر بطلب النفط مع الارتفاع المستمر في الأسعار.  لقد رأى العالم بأم عينيه كيف انخفض الطلب على النفط بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا عما كان متوقعا في السابق بسبب ارتفاع أسعار النفط في الماضي.  لقد رأى العالم كله كيف استغنت بعض القطاعات الاقتصادية عن النفط بالكامل مثل قطاع الكهرباء في عدد كبير من الدول، وكيف تحسنت كفاءة استخدام السيارات للمنتجات النفطية.  لقد رأى العالم بأم عينيه كيف تخلى كثير من الأميركيين عن ركوب سياراتهم وبدأوا باستخدام المواصلات العامة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البنزين في عام 2007 لدرجة أن استخدام المواصلات العامة وصل إلى أعلى مستوى له وقتها. 

والحقيقة أن أغلب ما يعتقد الناس أنه منتج من النفط من الأشياء المستخدمة يوميا في حياتنا العادية هو في الحقيقة منتج من الغاز والسوائل الغازية وليس من النفط! ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير سيجعل العديد من الدول تصر على منع بيع السيارات التي تستخدم المنتجات النفطية بحلول 2030 أو 2040. خسارة النفط لملايين البراميل وقتها ستخفض أسعاره إلى أقل من المستويات الحالية، وبالتالي ما فائدة الحفاظ على النفط لبيعه بأسعار أقل؟

سبب الانخفاض النسبي في الأسعار، الذي أزعج الدول المنتجة بشكل كبير، هو أن الإنتاج الحالي أكبر من الطلب بحوالي نصف مليون برميل يوميا.  نصف مليون برميل يوميا فقط!  ما بالك لو كان الانخفاض 4 ملايين برميل يوميا بسبب السيارات الكهربائية؟ هل تعلم أنه وفقا لحسابات وكالة الطاقة الدولية وأوبك فإن الانخفاض في الطلب على النفط بسبب التحسن في كفاءة محركات السيارات خلال الـ20 سنة المقبلة سيكون بين 8 و12 مليون برميل يوميا!

إيرادات النفط

يعتقد البعض، خطأ، أن ما تحصل عليه أي دولة نفطية من إيرادات هو سعر النفط في السوق مضروبا بعدد البراميل المنتجة. فإذا كانت السعودية تنتج 10 ملايين برميل يوميا وسعر خام برنت الذي يذاع في الأخبار 50 دولارا، فهم يعتقدون أن الحكومة السعودية تجني 500 مليون دولار يوميا. الحقيقة الأولى أن متوسط أسعار النفط الخليجية عادة أقل من خام برنت بسبب اختلاف النوعية. الحقيقة الثانية أن هناك تكاليف تنقيب وإنتاج ونقل، وهناك تكاليف إدارية. الحقيقة الثالثة أن الشركات الوطنية تحتاج إلى أموال ضخمة للحفاظ على مستويات الإنتاج من جهة، وزيادة الإنتاج من جهة أخرى. فمن الطبيعي أن تجد شركة نفط وطنية تنفق 20 مليار دولار سنويا على مشروعاتها ( ما يعادل 54 مليون دولار يوميا تقريبا). لهذا فإن ما تجنيه الحكومة أقل بشكل ملحوظ من 500 مليون المذكورة.

خلاصة الموضوع أنه من المؤلم أنه بعد حوالي 90 سنة من تاريخ النفط في المنطقة، أكتب ما كتبته أعلاه!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء