ملخص
السياسي المصري حسام بدراوي في حوار مع "اندبندنت عربية"
على وقع حالة سياسية يختلط فيها المشهد العام المصري، ويتبارى المؤيدون والمعارضون حول "أولويات وضرورات المرحلة"، تعيش النخبة المصرية حالة من الترقب لما ستكون عليه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، التي تأتي في وقت تتعاظم فيه التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فيما يمضي قطار الحوار الوطني الذي انطلق فعلياً في مايو (أيار) الماضي، بعد أكثر من عام من الدعوة الرئاسية لعقده، وسط تباين في الرؤى وتساؤلات حول "جديته"، بعد أن تجنب النقاش كل ما هو متعلق بالأمن القومي، والسياسة الخارجية، ودستور البلاد، وتأجيل إنهاء ملفي المحبوسين احتياطياً والحقوق والحريات.
وأمام واقع "يبدو سهلاً في توصيفه، صعباً في تجاوز تحدياته، لغياب الإدارة الكفؤ والتطبيق الحقيقي للأفكار والحلول"، وفق توصيف السياسي المصري حسام بدراوي، خلال حواره مع "اندبندنت عربية"، تكثر أسئلة الساسة في البلاد حول جدية السلطات القائمة في فتح المجال العام، وإطلاق الحقوق والحريات، والسماح بالتعددية، فضلاً عن التعاطي الفعّال مع تفاقم التحديات الاقتصادية، التي انعكست في انهيارات متتالية لسعر صرف العملة الوطنية، وارتفاع نسب التضخم، فضلاً عن تراجع مستوى الاستثمارات الأجنبية، والشكاوى المستمرة من مزاحمة القطاع العام لنظيره الخاص في مسيرة التنمية.
بدراوي، (70 سنة)، وهو طبيب وسياسي بارز، ترأس الحزب الوطني في آخر أيام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل سقوط نظامه في عام 2011، وكان اختيارا لاقى قبولا حتي من المعارضين وقتها، ويشغل حالياً منصب مستشار الحوار الوطني، وله صلات واسعة مع كل التيارات السياسية، شدد في حواره على ضرورة "تطبيق فلسفة الدستور في العدالة والتنمية الإنسانية"، فضلاً عن تأكيد "أهمية تداول السلطة في البلاد، باعتبارها الضامن الوحيد لاستدامة التنمية، مع تحقيق مبدأ حياد أجهزة الدولة في الانتخابات المقبلة لضمان نزاهتها وشفافيتها وعدم الانحياز إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي حال عزمه خوض غمار المنافسة".
حوار مرتكزه السياسة
وفق توصيف بدراوي، فإن الحوار الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل (نيسان) 2022، "لمناقشة كل القضايا" في مصر "هو سياسي بالدرجة الأولى". موضحاً أنه "قائم على عمودين أساسيين، الأول العدالة وتطبيقها، والثاني التنمية الإنسانية".
يمضي بدراوي في شرح رؤيته للحوار الوطني، الذي دعيت إليه كل الأطياف السياسية المصرية، باستثناء "جماعة الإخوان" المصنفة مصرياً "إرهابية"، "هذان العمودان سقفهما سياسي، فإذا لم يتم تطبيق فلسفة الدستور المصري، وهنا لا أتحدث عن المواد بعينها إنما فلسفة الدستور في تداول السلطة وحرية التعبير واحترام الآراء المختلفة، واحترام الحريات، والنظر في اللامركزية، وإعطاء المجتمع مساحة قدرته على التعبير عن رأيه السياسي، إذا لم يكن كذلك فكأن شيئاً لم يحدث".
يتابع "الجانب الآخر هو العدالة، وهو في غاية الأهمية، لأنه لا إقامة لدولة أو استدامة لها من دون تطبيق حازم للقانون"، الأمر الذي يستدعي، وفق تعبيره، "مراجعة للقوانين المقيدة للحريات وقوانين أخرى مشابهة، ومراجعة الحبس الاحتياطي، وما يجري فيه من إجراءات"، مشدداً على أن "الحبس الاحتياطي له قواعد وحدود".
يبدي بدراوي انزعاجه من آلية الحبس الاحتياطي في مصر، "لا يجوز أن يظل شخص في الحبس الاحتياطي من دون توجيه تهمة إليه خلال مدة زمنية محددة، ولا يجوز في نهاية الحبس الاحتياطي أن أوجّه إلى الشخص المحبوس تهمة جديدة، كي يظل محبوساً ثلاث أو أربع سنوات أخرى، لا سيما أنه ليس هناك ما يقول إنني لست قادراً على أن أقدمه إلى القضاء للمحاكمة العادلة، هذا معناه أنني ليس لدي كفاءة إثبات التهمة. أيضاً ليس معقولاً أننا لا نعرف عدد المعتقلين في مصر، ولا أماكنهم، كل هذا الكلام ضد الدستور، وهذا كلام خطر جداً".
ودائماً ما تنفي السلطات المصرية وجود معتقلين سياسيين في سجونها، وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2021، أطلقت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بهدف النهوض بهذا الملف من خلال تعزيز احترام وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، إلا أنه في المقابل، تقدر منظمات حقوقية وجود آلاف السجناء السياسيين في البلاد، فضلاً عن تصنيف مصر في مراتب متأخرة على مستوى الحقوق والحريات.
وخلال الأشهر الأخيرة، أفرجت السلطات المصرية عن عشرات من المحبوسين، عبر لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تشكيلها لهذا الغرض، بالتوازي مع دعوة الرئيس المصري إلى الحوار العام الماضي، غير أن قوى المعارضة "اعتبرت أن الأعداد التي أفرج عنها غير مرضية، ولم تعكس بعد جدية السلطات في الحوار الذي أطلقته".
وكان لافتاً إشارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته بالمؤتمر الوطني للشباب، الشهر الماضي، في معرض رده على أحد الأصوات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، قائلاً "ده (هذا) إنقاذ وطن اللي هيحاسبني عليه (من يحاسبني) مش أنت، اللي هيحاسبني عليه ربنا هيقولي ضيعت 100 مليون واتشردوا في كل حتة (مكان) أنا مابخفش أبداً ولو خفت كنت كلكم زمانكم في خراب ودمار".
الحوار الوطني يجب أن يركّز على القضايا الرئيسية بدل الانزلاق إلى حوارات هامشية وهذا ما أنتظره من فعالياته
لكن في مقابل هذه الرؤية يقول بدراوي، "مع احترامي لكلام السيد الرئيس من أن تلك الإجراءات إنقاذ للدولة المصرية، لكن الإنقاذ الحقيقي للدولة هو تطبيق القانون، وليس الخروج عنه"، معتبراً أن "الخروج معناه خروج شخصي، أي رؤية شخص أو جهاز أمن، والأفضل عندي عدم اتهام 99 شخصاً لأن بينهم متهماً واحداً حقيقياً. القاعدة العامة تقول هذا. بالطبع هناك أمور لا نعلم عنها شيئاً وهي خطرة بالتأكيد، لكن يظل تطبيق القانون هو الأساس وليس الاستثناء".
وعليه يضيف بدراوي، "بالعودة إلى جانب العدالة، فإننا في حاجة إلى مراجعة وتطوير أدوات العدالة، أقصد النظام القضائي، ونظام العدالة الذي يشمل حقوق المواطنين، إضافة إلى الجهاز المكلف بتطبيق العدالة ألا وهو الشرطة". مضيفاً، "الجانب الآخر هو رؤية مصر 2030 في التنمية التي ترتبط بلا شك بالرؤية العالمية للتنمية. الهدف أو الفكرة ألا يكون لدينا كلام مكتوب فقط، إنما كلام له استراتيجية لها معايير ويمكن مراقبتها، ويجب محاسبة الحكومة عليها، هذا هو ما يفترض في الحوار الوطني المصري"، على حد وصفه.
جهد من دون تطبيق
واستكمالاً للحديث عن الحوار الوطني، وما وصل إليه إلى الآن، يضيف بدراوي: "أرى أن هناك جهداً جيداً يبذل، من حيث أن يبدي الجميع آراءهم، لكن أرى أن الحوار لا يركز في القضايا الرئيسة، أرى حوارات هامشية تجري في كثير من الأحيان". متسائلاً: "هل هناك من يختلف على الأسلوب الذي يجري من خلاله مواجهة التحدي الاقتصادي؟ لا أعتقد. الحلول موجودة، لكن الفكرة أن تلك الحلول لا تطبق، نحن لا نتحدث عن نظريات، نتحدث عن حلول واقعية. اليوم، حينما تقول إن القطاع الخاص شريك للدولة. لكن واقعياً هو ليس شريكاً بل تنافسه أجهزة الدولة في منافسة غير عادلة وتستنفذه وتحاربه من تحت لتحت، لدينا أمور عديدة في مصر تحتاج إلى حل بشكل قاطع ومؤكد، كي نستطيع أن نقول بكل ثقة، إن الحوار الوطني في مصر نجح بالفعل".
يتابع "لدينا أناس يتحدثون عن الحوار الوطني وكأنه الحكومة المصرية، والحقيقة لا، الحكومة مسؤولة أمام برلمان، وتحاسب أمامه، ومن الممكن أن تستبدل، وآخرون يتحدثون في الحوار الوطني عن تغيير قوانين، أقول لهؤلاء هذا ليس دور الحوار الوطني، تغيير القوانين في مصر دور البرلمان، وإذا كان البرلمان المصري، الذي من المفترض به أن يتمتع بالاستقلالية، سينظر إلى كل هذه الأمور والتوصيات فقط، ولن يخرج بالتعديلات الواجبة، فالحوار الوطني وقتها لن يقدم شيئاً، سنقول كلمتنا ورؤيتنا وسنمضي".
وعن تقديره للنتائج المرتقبة من الحوار، قال بدراوي: "أولاً توصيات سياسية واضحة المعالم، ثانياً، توصيات في تعديل العمود الرئيس للدولة، وهو القضاء والقانون، وكذلك المؤسسات التي تحكم نحو المؤسسة التشريعية والتنفيذية. العدالة لا بد أن تكون بحق مستقلة عن بعضها، وتكون فعلاً قادرة على اتخاذ قرارها. في اللحظة التي تكون فيها كل مؤسسات الدولة تابعة للسلطة التنفيذية وقتها تكون قد قلبت (الديمقراطية) إلى (ديكتاتورية)".
وفي أواخر أبريل من العام الماضي، دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إجراء "حوار وطني حول مختلف القضايا"، واستغرق الإعداد والتمهيد له أكثر من عام، إذ انطلقت أولى جلساته الفعلية في الثالث من مايو (أيار) الماضي، مركزة بشكل رئيس على ثلاثة محاور: سياسية واقتصادية ومجتمعية.
إدارة التغيير تحتاج إلى كفاءة أكبر
ووفق توصيف بدراوي، فإن "العقبة الرئيسة أمام مصر أننا نقول ما لا نفعل ونفعل غير ما نقول، وأن إدارة التغيير تحتاج إلى كفاءة أكبر كي أطبق ما أقوله"، موضحاً: "ما يقال جيد، والحلول حقيقة جيدة، سواء كانت اقتصادية أو تعليمية... إلخ، لكن الأزمة أن تلك الحلول لا تطبق. نحن ندور حول أنفسنا فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضرب بدراوي مثالاً لتوضيح ما يقصده، "ويكشف ما عليه الوضع الحالي في مصر"، بحسب ما يقول، "حينما تكون ذاهباً إلى محافظة الإسكندرية (شمال مصر) وتركب القطار المتجه إلى أسوان (جنوب مصر)، مهما أديت في طريقك إلى أسوان نحو رصفه بطرق عالمية أو جئت بسائق محترف، في نهاية الرحلة أنت ستصل إلى أسوان لا الإسكندرية، التي كان مفترضاً أن تكون قبلتك من الأساس".
يمضي بدراوي في حديثه: "نحتاج إلى كفاءة في إدارة الدولة كي يتم تطبيق ما يطرح من آراء جيدة قد يكون بعضها خارجاً من نفس الحكومة أيضاً، فالأزمة كلها في التطبيق". ويتساءل: "الحوار الوطني دائر، وستخرج منه أفكار ورؤى، لكن، هل الحكومة ستطبق ما خرج من توصيات؟ أرى أن الحكومة أنجزت أكثر من مؤتمر اقتصادي، وأعلنت أكثر من إعلان عن وسائل لتجاوز التحدي الاقتصادي الرهيب في البلاد، لكن ليس كل ما يقال يطبق، وهذا ما كشفته تلك المؤتمرات الخاصة بالاقتصاد. هنا السؤال: مسؤولية من عدم التطبيق؟ قطعاً مسؤولية الحكومة. هل من أمور ومشروعات تنجز جيدة؟ نعم، لدينا مشروعات جيدة تنجز، لكن لدينا أموراً أخرى الحكومة وعدت بها اقتصادياً ولم تطبق. المعضلة في مصر أننا لا نطبق ما نقوله".
تداول السلطة الضامن الوحيد للتنمية
وخروجاً من الحوار الوطني في البلاد إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة أوائل العام المقبل، التي ينظر إليها كثير من قوى المعارضة بكثير من "التشكيك"، وقليل من "جدية السلطات في ضمان شفافيتها ونزاهتها"، يقول بدراوي، وهو أحد الأسماء المطروحة في الأوساط السياسية والشعبية باحتمالية خوضه المنافسة الرئاسية، رغم نفيه، "لا بد أن أكون واضحاً في حديثي عن انتخابات الرئاسة في مصر، أولاً كنت معترضاً على التعديل الدستوري (جرى إقراره في عام 2019) الذي يمنح الرئيس مدة ثالثة للبقاء في الحكم، لكني أحترم الدستور طالما صوت عليه المواطنون. ثانياً، تداول السلطة هو الضامن الوحيد لاستدامة التنمية، إذ لم يكن لدى الناس إحساس بالقدرة على تداول السلطة فإنهم يكبتون ويغضبون وينفجرون في لحظات لم يكن أحد يتصورها".
الأحزاب المصرية مكبلة بالضغوط الأمنية واندماج الأيديولوجيات يمنحها فرصة تشكيل جبهات
يتابع في شرح تصوره، "هل كان أحد يتصور ما جرى في يناير (كانون الثاني) 2011؟ لا، لم يكن أحد يتصور، لكنه حصل. لا نريد لمصر بكيانها التاريخي في كل فترة زمنية أن تبدأ من أول وجديد. وكي تستدام التنمية لا بد أن أعترف بالجيد، وما يصلح وآتي بالبديل لما لا أوافق عليه، لا أن نهدم كل شيء ونبدأ من الصفر". مشدداً، وفق تصوره، على أن "تداول السلطة هو الضامن لذلك".
يمضي بدراوي في حديثه، "بعد 2011 مصر بدأت من الصفر. صراحة، مصر تستحق أفضل من ذلك، كان لدينا إنجازات جيدة، وهناك أمور كانت تحتاج إلى تعديلات، ومصر كانت تقف على منصة لانطلاق اقتصادي بنمو 7.5 في المئة لم نصل إليه إلى اليوم، هل كان هناك أخطاء؟ نعم، هل كان الأمر يستدعي التغيير؟ طبعاً، لكن ما يضمن عدم تكرار ذلك؟ الإجابة تداول السلطة".
يستكمل "الآن، لدينا دستور يتيح فترة ثالثة للرئيس، وهذا حقه، هل الرئيس السيسي أنجز؟ بالقطع أنجز. هل أنقذ البلاد من مأساة كانت ستطيحها في حكم الإخوان؟ بالقطع نعم. هل أحييه على ذلك؟ أرفع له القبعة، لكن انتخابي له في الفترة الرئاسية المقبلة ليس مكافأة على الماضي، إنما من الممكن أن أنتخبه على ما يعدني به في الفترة المقبلة،وتصديقي له أخذا بما وعد والتزم به سابقاً ونجح في تطبيقه".
يستذكر بدراوي بعضاً من نقاشاته مع الرئيس الأسبق حسني مبارك (ظل في السلطة 30 سنة) حول تداول السلطة، "في زمن مبارك، وعلى رغم أني كنت داخل الحزب الحاكم وقتها، فإني كنت أطالب بتداول السلطة، كان يقال علي وقتها إنني إصلاح من الداخل، أو المعارضة من الداخل، وأعتقد أن قيمتي أنني رجل صادق ولا أرغب في مناصب، وما قلته زمن مبارك ما زلت أردده وأطالب به حتى يومنا هذا".
وأضاف "كانت هذه مطالبي في زمن مبارك في حكمه وهو كان الحاكم الأوحد، وطالبت به أيضاً في آخر أيام الرئيس مبارك حينما دعوته إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على ألا ينافس لا هو ولا أحد من أسرته في هذه الانتخابات"، مشيراً إلى أنه كان يعتقد حينها أن مصر "أمام فرصة تاريخية تنقل البلاد نقلة حضارية سياسية من دون فوضى أو هدم، لكن هذا لم يحدث. هذه المطالب كنت أطالب بها قبل أن أنضم إلى الحزب الوطني. وفي رأيي أن تراكم الدفع نحو ذلك يكوِّن حجماً حرجاً يسمح بحدوثه، الأمور لا تحدث على طريقة فرد يقرر ومن ثم يعمل، أنت تكوِّن رأياً عاماً وأناساً مؤمنة، وفي لحظة ما يصبح ذلك حجماً حرجاً كما قلت يؤدي إلى تداول السلطة من دون انقلابات ومن دون تظاهرات ومن دون هدم، وفي إطار يسمح بتقدير الفعل في ما سبق وتحسين الفعل في ما سيأتي".
حياد أجهزة الدولة يضمن نزاهة الانتخابات
وبينما لا تزال الضبابية تحيط بشخوص من ينتوون الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، سوى إعلان النائب السابق أحمد طنطاوي (معارض)، ورئيسي حزب حماة وطن والوفد (مؤيدين)، كما لم يعلن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي موقفه الرسمي بعد، رغم توقع كثيرين أن يخوض الانتخابات المقبلة ليمدد فترة بقائه في الحكم حتى 2030، يرى بدراوي أن "الرئيس السيسي إذا لم يترشح لفترة رئاسية ثالثة سيدخل التاريخ. وإن ترشح فهذا حقه، لأنه مواطن مصري"، مستدركاً، "لكن ما ليس من حقه أن يستخدم أجهزة الدولة لصالح بقائه، هذا ليس من حقه".
يقول بدراوي: "أجهزة الدولة في مصر تعمل لصالح السلطة القائمة، هذا ما يحدث اليوم، وحدث أمس زمن الرئيس مبارك، وقبله أيام الرئيس السادات، وقبله الرئيس عبدالناصر. وعليه أتمنى من المؤسسات المصرية أن تعمل لصالح البناء والتداول، وليس في صالح الهدم والبقاء".
القوات المسلحة وضعت نفسها أمام تحدي التنمية والقطاع الخاص يواجه منافسة غير عادلة
مضى بدراوي في حديثه: "في قناعة النظام الحاكم المصري، وبحسن نية، أنه لو لم يكن موجوداً الدنيا تخرب"، مضيفاً "منطقه أننا لو لم نكن موجودين الفوضى ستعم، ويغيب الاستقرار، وهذا الكلام جزئياً صحيح، لكنه أيضاً جزئياً ليس صحيحاً"، موضحاً: "كنت أرى أن المكسب الوحيد لثورة 2011 هو تحديد فترات الرئاسة بولايتين محددتي المدة، وقد خسرنا هذا المكسب ومن الممكن أن نخسر أكثر منه مستقبلاً".
وتنص المادة 140 من الدستور المصري المعدلة عام 2019 على أن "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين، وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بـ120 يوماً في الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بـ30 يوماً في الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".
يستذكر بدراوي حديثاً سابقاً دار بينه والرئيس الراحل حسني مبارك، "أنا لا أقلل من إحساس أي حاكم لأنه مفتاح الأمان، الرئيس مبارك قال لي بشكل شخصي: (أنت عارف يا دكتور أنا لو مشيت هيحصل إيه؟ يا الجيش يا الإخوان)، هذا كلام الرئيس مبارك إليَّ. كان يقوله وهو مؤمن به، لكن 30 سنة لم يسمح الرئيس بالبدائل. فطبيعي أنك تنتهي وقتها إلى خيار إما الجيش وإما الإخوان".
تابع "اليوم، يكمن التحدي في أن الإخوان لم تعد بديلاً، والقوات المسلحة العظيمة القادرة التي نرفع لها القبعة وضعت نفسها أمام تحدي التنمية. فالناس عندما تفشل التنمية سيلقون اللوم على المؤسسة العسكرية". داعياً إلى تراجع المؤسسة العسكرية عن الاستثمار والمنافسة، وأن "تظل حامية الدولة، والدستور، والشعب، يلجأ إليها وقت الضرورة حتى لا تحدث الفوضى. نحن وصلنا إلى مرحلة أنه ليس أمامنا بديل غير بقاء الأمر كما هو عليه. مع الأسف".
وفي أبريل الماضي، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية (تضم مجموعة من الأحزاب المدنية)، ما قالت إنه "ضوابط ومعايير لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة مع قرب الانتخابات الرئاسية" التي من أبرزها: إتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين، وحرية وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وحياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين، وخضوع العملية الانتخابية برمتها للمتابعة من قبل هيئات ومنظمات محلية ودولية مشهود لها بالحياد والموضوعية، واستقلال ونزاهة وشفافية الهيئة المشرفة والمديرة للعملية الانتخابية.
ذكر بدراوي إشكالية أخرى متعلقة بتطبيق الدستور في البلاد، "دستورنا في كل أزمة سياسية نغيره، مع أن هدف الدستور أن يكون المرجعية وقت اختلاف الفصائل، الدستور المصري يتلون بلون الكسبان". مستشهداً بواقعة أخرى في هذا الشأن بعد ثورة يناير 2011، "كان هناك خلاف بيني وبين المشير حسين طنطاوي (رئيس المجلس العسكري بعد سقوط مبارك) بعد الثورة، ذهبت إليه ومجموعة من الناس، قلنا له يجب أن تكون هناك انتخابات رئاسية قبل الانتخابات البرلمانية. لأن الانتخابات البرلمانية بعدما جرى حل الحزب الوطني الذي كان يمثل القوة في الشارع أمام الإخوان، تعني وكأننا أعطينا الإخوان أغلبية برلمانية على طبق من فضه، ما يمكنهم من وضع دستور جديد يتلون بلونهم، فيأتي الرئيس منهم، وهذا ما حدث. ولما الشعب المصري ثار على الإخوان (يونيو (حزيران) 2013) عملنا دستوراً جديداً (دستور 2014)"، مضيفاً "إذاً في كل أزمة سياسية ومرحلة تغير مرجعيتك، أقصد الدستور. ومن هنا أفقدناه قيمته. اليوم، حينما نقول لدينا مثلاً 18 بنداً في الدستور لم يطبق. يكون الرد عادي، الدستور قال إنك ستتحول إلى اللامركزية خلال فترة زمنية، ولم تتحول، يكون الرد ما المانع، الأمر عادي. هل نحن فعلاً بهذا نحترم دستورنا؟".
عاد بدراوي إلى التشديد على حياد مؤسسات الدولة، "من الآن إلى وقت الانتخابات، أحتاج إلى أن أسمع وأرى وأسأل كي أقرر أنتخب من، هل لبقاء الأمر كما هو عليه، أم لبديل"، مضيفاً "طالما السلطة التنفيذية في يد أحد المرشحين إذن فنحن أمام عدم عدالة، السلطة التنفيذية سواء شرطة أو استخبارات عامة أو قوات مسلحة يجب أن تكون محايدة عند اختيار الشعب لرئيسه"، مع إقراره في الوقت ذاته، أن "الواقع السياسي يقول إن أجهزة الدولة تقف مع الرئيس فتمنحه فرصة أكبر في أنه ينجح في الانتخابات"، مضيفا: "الأخطر هو القناعة في العقل الجمعي للسياسيين أنه سيتم أذية أي منافس جاد، معنويا وماديا، إن ظهر له تأييد شعبي".
يتساءل بدراوي: "هل الرئيس (السيسي) "كويس"؟ بالقطع نعم، وفي رأيي أنه قدم إنجازات لمصر تحترم، لكن في رأيي أيضاً أن تداول السلطة الأفضل لمصر".
الأفضل "رئيس مدني"
وحول ما إذا كان بدراوي يدعم فكرة مرشح مدني لرئاسة البلاد في الفترة المقبلة، يقول "لا يوجد دولة في العالم لا تضع لقواتها المسلحة مكانة في الحكم، لكن الفكرة أين تضعها وكيف؟ مثلاً الولايات المتحدة لا أحد يستطيع الخروج من القوات المسلحة ويعمل في السياسة إلا بعد مرور خمس سنوات، في نظم أخرى خصوصاً في دول العالم الثالث، جيوشها وقواتها المسلحة هي الضامن الوحيد، للاستقرار، مثل مصر"، مضيفاً، "الذكاء هو كيف تستفيد من مؤسستك العسكرية في بناء نظام مؤسسي غير قائم على شخص. ومدني يحقق مشاركة المجتمع، لذا أقول إن المسؤولية على القوات المسلحة المصرية كبيرة جداً. صعوبة الأمر أنه إذا تعودت على السلطة المطلقة تتحقق مفسدة مطلقة، أكرر لا توجد دولة قواتها المسلحة ليست جزءاً من النظام، في ما يتعلق بمصر فلا بد للقوات المسلحة أن تكون بلا شك جزءاً من النظام، لكن هذا الجزء ما كيفيته؟ هذا هو ما يستوجب أن نتحاوربشأنه بلا حساسية".
تابع بدراوي: "لكن، فكرة أن يكون هناك رئيس مدني، فهذا هو الصحيح حسب فلسفة الدستور. فكرة أن يحترم هذا الرئيس القوات المسلحة فهذا هو الصحيح الذي يضمن استدامة الاستقرار. فكرة أن القوات المسلحة لا تتدخل في الاقتصاد؟ هذا هو الصحيح، الذي تدعمه رؤية البلاد ودستورها. دستورك المصري فلسفته تقول إنك دولة مدنية حديثة، هذا ما يقوله الدستور. ويؤكد في موضوع آخر أن الدولة حكومتها مدنية. هل الحكومة المدنية تضرب عرض الحائط بمؤسساتها الحاكمة الأخرى؟ بالطبع لا. اليوم لو نزلت الشارع وسألت معظم المؤسسات السياسية الكل يريد أن يتلحف بالسلطة التنفيذية. الكل يبحث عن رضاء تلك السلطة، لأنه لن يستطيع أن ينجز أي شيء إلا برضا تلك السلطة عنه. من يبني مصر المستقبل يجب أن يضع أمام عينيه خلق البدائل السياسية والمؤسسية التي تسمح باستدامة التنمية واحترام حريات المواطنين".
تعدد الموازنات والصناديق الخاصة هروب من المحاسبة وعلى الجميع أن يدخل تحت الموازنة العامة ولا استثناء لأحد
ووفق بدراوي: "منذ زمن الرئيس عبدالناصر إلى وقتنا هذا لم تتغير الأمور، شخص من داخل المؤسسة العسكرية يحكم حكماً مطلقاً، هل مصر في حاجة إلى تغيير هذا الكلام؟ نعم. هل نحتاج إلى مشاركة مدنية؟ نعم، هذا الاندماج المدني هو ما نهض بدول مثل أوروبا، ممكن يقولون إن التجربة في الصين تقول غير ذلك، وكذلك روسيا. الطبيعة البشرية تميل إلى فكرة الحاكم الأوحد، فما يضبطها؟ تضبطها المؤسسات القادرة على القيام بعملها، وتحاسب الحكومات التي تأتي بانتخابات. هل الحكومة المنتخبة تكون كفؤاً؟ لا، ليس شرطاً. يمكن أن تكون ديمقراطية، لكنها ليست كفؤاً، هنا من يضبط الأمر؟ الإجابة قطعاً تداول السلطة".
الأحزاب "ضعيفة ومكبلة"
بسؤال بدراوي عن واقع الحياة الحزبية في مصر، وعما إذا كانت قادرة على المشاركة في التغيير في البلد، ذكر بدراوي أن "واقعها ضعيف جداً، لأنها مكبلة بالضغوط الأمنية التي تمارس ضدها، ولا حرية للأحزاب في مقابلة الجماهير، ولا عرض وجهة نظرهم، والمسألة كلها مقيدة مكبلة".
أضاف "الأحزاب حقيقة دورها ضعيف. وفي رأيي، من الذكاء، يجب أن تتحرك الأحزاب في البلاد لتكوين اندماجات في الأيديولوجيات المتشابهة لتشكيل جبهة تمثل اليسار، وأخرى تمثل اليمين، وثالثة ليبرالي اجتماعي".
برأي بدراوي كذلك، فإن ضعف الحياة الحزبية في مصر لا تتحمله فقط السلطة القائمة، إنما "تتحمل الأحزاب جزءاً من واقعها المأزوم"، إذ إنها وفق تعبيره، "كثير منها رؤيتها فردية، يتحرك وفق رغبة في الحصول على مميزات، فيما تتحمل الدولة الجزء الآخر المتربط بغياب الحرية السياسية التي تكفي لحدوث معارضة فعالة". وأردف "في الوقت ذاته لا يوجد بدائل للوضع الحالي. مصر في مأزق لا القطاع السياسي يقدم بدائل ممكنة، ولا يقدم معارضة غير مستأنسة. والنظام يدفع الجميع إلى جهتين، إما المعارضة التي تهدم كل شيء، وإما الموالاة التي تؤيد كل شيء، وهذا ليس في صالح المجتمع".
"خنق الحريات يخلق التطرف"
وفي ما يتعلق بما يراه البعض "انسداداً سياسياً محكماً" على المشهد، والتضييق على مساحات الحريات، رغم النفي الدائم من قبل السلطات القائمة، يقول بدراوي: "حينما يغلق باب الحريات يتطرف الناس، المعارضة وقتها تصبح معارضة هدم، تصطاد الأخطاء من أجل أن تظهر أن النظام الحاكم سيئ، وفي المقابل يزداد النفاق، فأي شيء تقدمه يصور وكأنه أمر عظيم. وهنا لا يوجد توازن".
تابع بدراوي، "هذا التوازن يحتاج إلى زمن وقيادة. والسؤال من بيده تعديل تلك الأمور؟ الإجابة الرئيس. فمثلما كان في يد حسني مبارك، وأنور السادات، وجمال عبدالناصر. مصر لديها تحديات لن تختفي، هل هذا معناه أننا نظل في أماكننا ولا نتحرك للأمام؟ لا. من يملك كل الخيوط الآن؟ الرئيس، وأنا أحمله المسؤولية بأن ينقل البلاد إلى شكل مؤسسي يضمن تداول السلطة".
لا ألوم الدولة على استدانتها إنما على كيفية الإنفاق والمشروعات القومية يجب أن تستكمل حتى نحكم عليها
ووفق توصيف بدراوي، فإن "الرئيس مبارك (حكم من 1981 إلى 2011) كان في يده كل الخيوط وسقط، والرئيس أنور السادات (حكم من 1970 حتى 1981) كانت في يده كل الخيوط وقتل، والرئيس جمال عبدالناصر (حكم من 1956 إلى 1970) كانت في يده كل الخيوط وانهزم هزيمة شنيعة في 1967، وحتى هذه اللحظة الرئيس السيسي في يده كل الخيوط، لذا أريد أن أسأله وأسمع منه هل المرحلة المقبلة ستشهد انفتاحاً في التنمية الإنسانية أو الاقتصاد أو في تداول السلطة أو في الحكم اللامركزي أو في إعطاء الناس عدالة ناجزة، هذا ما أريد أن أسمعه. أريد من الرئيس السيسي أن يعدني بذلك كي أمنحه صوتي. الذي منحته له مرتين، وهذه المرة لن أمنحه صوتي مكافأة على ما جرى، أمنحه انتظاراً لما سيحدث".
هل يترشح جمال مبارك؟
وفي شأن حنين كثيرين إلى عصر حسني مبارك الذي أطاحته ثورة شعبية في يناير 2011، وتزايد الحديث عن احتمالات أن يخوض نجله الأكبر جمال مبارك (60 سنة) الانتخابات الرئاسية المقبلة مع انتشار عديد من الصفحات التي تدعمه على مواقع التواصل الاجتماعي، قال بدراوي: "حينما تكون هناك أزمة تحدث انفعالات وحنين، وحينما تسير الأمور على ما يرام، تشتبك الناس مع ما يحدث".
تابع "شعبية شخص ليست مرتبطة بأنني حينما أنزل الشارع فالناس تلتف من حولي، قياس الشعبية له علم واستطلاعات رأي، ومن أجل هذا تجرى الانتخابات. حقيقة الديمقراطية ليست فقط فوز من يحصد أعلى الأصوات، لكن احترام الآخرين الذين لم يصوتوا للفائز، وأن الكل يعلم أن هذا الفائز له فترة محددة وسيترك الكرسي، وهنا يتولد لدي الجميع أمل بأنه خلال الفترة المقبلة يتم تقديم مبادرات واقتراحات".
في شأن جمال مبارك، يقول بدراوي: "لا أستطيع أن أتحدث بالنيابة عنه"، معرباً عن اعتقاده أن نجل الرئيس السابق "لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية"، قائلاً: "هذا ليس وارداً، على ما أظن، في الوقت الحالي، أعرف جمال مبارك وهو رجل ذكي، ولم أر منه أمراً مسيئاً ولا تعالياً على الآخرين، عرفته رجلاً يعمل في السياسة ويحترم الآخرين، واعتقد أنه يعرف أن حدوده انتهت في الوقت الحالي، ولا أعتقد أن له دوراً في المرحلة المقبلة. وعلى رغم أنني أرى جمال مبارك كمواطن شخصية تصلح أن يكون رئيساً وعنده خبرات مكتسبة فإنني أرى أن هذا الوقت قد لا يكون مناسباً في استرجاع أحد أسباب ثورة يناير 2011".
وخلال الفترة الأخيرة تزايدت الأصوات المطالبة بترشح نجل الرئيس المصري السابق جمال مبارك، وذلك في وقت يقول فيه البعض، إن الحكم الذي طاله وشقيقه علاء ووالده في عام 2015، بالسجن ثلاث سنوات في القضية المعروفة إعلامياً في مصر بقضية "القصور الرئاسية"، "قضية مخلة بالشرف"، ما يمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، فيما يجادل آخرون بإمكانية حصول جمال مبارك على حكم قضائي بـ"رد الاعتبار" لممارسة حقوقه السياسية، وذلك بعد مرور المدة القانونية عقب الحكم الذي صدر بحقه.
الاقتصاد و"أولويات الإنفاق" وعبء الديون
من السياسة إلى الاقتصاد، الذي يخيم بتحدياته وأزماته وما خلفه من موجات غلاء متواصلة على المواطن المصري، أوضح بدراوي، وفق رؤيته، "هناك أسباب الحكومات دائماً تدافع عن نفسها بها، وهي الأسباب العالمية، الخارجة عن إرادتها، كأزمة كورونا، والحرب الروسية - الأوكرانية، ولا شك في ذلك، لكن هذا لا يمنع أننا في مصر يوجد إنفاق قد يكون ليس من أولويات اللحظة، ما أوقعنا في النهاية في مأزق ارتفاع الدين العام وتراجع قدرة البلاد على السداد".
يتابع بدراوي: "ما من شك أن القطاع الخاص الركيزة الرئيسة للتنمية يواجه منافسة غير عادلة من أجهزة الدولة التي تتمتع بفرص أفضل منه"، مشيراً إلى أن "الإمبراطورية التي تبنت أن الدولة هي المستثمر الرئيس وقعت وانهارت، الاتحاد السوفياتي سقط، لكن الوكيل ما زال يعمل في مصر، ويدعم فكرة أن الدولة هي التي تستثمر"، على حد وصفه.
وبعد تشديده على تركز دور الدولة على ضمان العدالة، ووضع الرؤية، ومساندة الاستثمار، وفتح آفاقه بدلاً من الانخراط في مزاحمة القطاع الخاص، مضى بدراوي في حديثه" "أليست السياحة مصدراً رئيساً للدخل؟ قارن مطار القاهرة وحركة المسافرين بداخله ومطار جدة أو مطار أبوظبي ستجد أنك في مصر تنتظر أربع ساعات وهناك نصف ساعة، الفارق رهيب. هل من المعقول أنني حينما أريد أن أشاهد الهرم في مصر لا بد أن يكون معي إذن مسبق؟ أو أن يستوقفك أحد وينبه عليك بأن التصوير ممنوع، هذه إجراءات لا علاقة لها بالسياحة، هل نحن في المدارس نؤهل طلابنا لأن يستقبلوا السياح ويحترموهم ويحترموا الاختلاف؟ هل يصح أن مصر التي تملك 70 في المئة من ثروة العالم السياحية التاريخية يدخل إليها 15 مليون سائح ودول الخليج 22 مليوناً وفرنسا 90 مليوناً".
يضيف "مصر لديها أجمل البحار شمالاً وشرقاً، كل هذه الأوضاع يمكن تصليحها. نعم لدينا أزمة مالية، فالحكومة تزود الضرائب والجمارك وتمنع دخول المواد الأولية للصناعة. كل هذا ضد فكرة أننا نحتاج إلى أن يكبر وينمو القطاع الخاص".
يستذكر بدراوي حديثاً في عام 2009 دار بينه ووزير المالية حينها يوسف بطرس غالي قائلاً: "في ذلك التوقيت كان معدل نمو الاقتصاد المصري 7.4 في المئة، سألته متى يكون النمو 12 في المئة؟ قال لا نقدر، لأننا نحتاج إلى طرق أكثر وموانئ أكثر، وكفاءة في إدارة المطارات أكبر، نحن من المفترض أن نوسع البنية التحتية كي نستوعب استثماراً جديداً". ويتابع "صحيح لا تنمية من دون بنية تحتية، والناس يقولون نحن استدنا كي نقيم هذه البنية. وأقول لهم لا توجد دولة لا تستدين، لكن الفكرة هل أنت تقترض لسداد ديون أم تقترض لتوسيع كعكة الاستثمار؟ هذه فلسفة".
ويوضح: "القضية الأخرى تكمن في: هل أنفقت الدولة بشكل فعال أم خطأ؟ هل هذه أولوياتي اليوم أم لا؟ وإن كانت هذه هي الأولية وفق القائمين على الأمور فنحن نحتاج إلى من يشرح ويفسر لنا، لا نحب أن نسيء الظن، لكن الفكرة أنه في مصر يوجد قدر كبير من عدم الشفافية التي تجعل الناس يشتكون ويغضبون، مع العلم أنه يمكن أن الناس لا تشتكي ولا تغضب لو عرفت التفاصيل".
يستكمل بدراوي: "هل يوجد من يعترض مثلاً على مشروع تبطين الترع للمحافظة على المياه؟ بالقطع لا، لكن حينما تقول للمواطنين إنني سأنشئ أكبر جامع وأكبر كنيسة... إلخ، وقتها أقول لك إن هذا إنفاق لا داعي له. هل العاصمة الإدارية الجديدة مشروع جيد؟ هو مشروع في فلسفته جيد، هل أنفق المال فيه بشكل جيد؟ صراحة لا أعرف. هل من الممكن اليوم أن نقول نقطة ومن أول السطر؟ بالطبع لا، انتهى الأمر نحن أنفقنا، ولا بد أن نترك تلك المشروعات حتى تكتمل وتعمل، ومن ثم تظهر حقيقتها للناس. إنما التوقف لا يجوز ونحن في ثلاثة أرباع السكة. سواء أنا رافض أو موافق لتلك المشروعات لا بد من استكمالها".
ومع إشارته إلى أن "الديون المصرية وصلت إلى مساحة لا يصح أن نتوسع عن ذلك"، وأنه "لا يلوم الدولة على الاستدانة، إنما على كيفية الإنفاق"، عاد بدراوي للحديث عن قضية أخرى متعلقة فيما بات يسميه اقتصاديون "تعدد موازنات الدولة" (موازنات فرعية وخاصة لهيئات وصناديق سيادية)، قائلاً: "وجود موازنات لمؤسسات وهيئات خارج نطاق موازنة الدولة أمر يقلقني"، موضحاً: "كل الفلوس ملك للشعب، موازنات مؤسسات الدولة يجب أن تدخل داخل موازنة الدولة الكلية، شاملة القوات المسلحة والشرطة والعدالة وكافة المشاريع الآخرى. وعكس ذلك خطر شديد وغياب للمحاسبة".
يتساءل بدراوي: "لماذا توجد في البلاد المؤسسية حكومة ووزارة مالية وبرلمان؟ لأن البرلمان عمله الرئيس الموازنة والمحاسبة على الانفاق، الكونغرس في الولايات المتحدة عمله الأهم والرئيس الموازنة. هنا في مصر تريد أن تخرج عن المحاسبية فتدشن موازنات وصناديق خاصة، وزير المالية المصري أعلن أن لديه أكثر من 50 جهة خارج موازنة الدولة. وهذا أمر لا أقدر على استيعابه ولا أقبله". مستذكراً واقعة سابقة قبل عام 2011، قائلاً: "أثناء وجودي في الحزب الوطني حينما كنت أسائل الوزير يوسف بطرس غالي، وهو وزير اقتصاد قوي، قال لي إنه لديه مشكلة أنه توجد ثلاث جهات خارج موازنة الدولة. اليوم يوجد فوق الـ50 جهة خارج موازنة الدولة، هذا ليس نجاحاً، هذا هرب من المحاسبة".