Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل "يحن" المصريون لعهد مبارك فعلا؟

تردي الأوضاع الاقتصادية أعاد بعض مسؤولي النظام السابق إلى الواجهة والأعين تترقب إقدام جمال مبارك على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة

دانت محكمة جنايات القاهرة الرئيس الأسبق مبارك وابنيه بالاستيلاء على المال العام في قضية "القصور الرئاسية" في مايو 2015 (أ ف ب)

ملخص

يرجع باحثون الحنين المتزايد لعهد مبارك إلى تمسك المصريين بفكرة "المخلص" في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية الحالية

أكثر من 12 عاماً مضت على سقوط نظام حسني مبارك في الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011، لكن حكمه الذي دام ثلاثة عقود ما زال حاضراً في أحاديث المصريين، فالمقارنة بين "أيام مبارك ودلوقتي" يمكن سماعها في الشارع والمقاهي والمواصلات، وكذلك على مواقع التواصل التي يتصدرها من حين لآخر هاشتاغ جمال مبارك، أو تغريدة لشقيقه علاء، أو حتى تلك الأخبار المتواترة حول مسؤولي الحكم السابقين.

وإذا كانت ثورة 2011 قامت على رفض ما سمي بمشروع توريث الحكم من مبارك لنجله جمال، فإن الساحة الآن لا تخلو من حديث عن عودة الابن الأصغر للرئيس السابق إلى قصر الرئاسة عبر الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها مطلع العام المقبل، إذ تتكرر مشاهد الاحتفاء الشعبي وتجمع المواطنين لالتقاط الصور في كل مرة يشارك في حدث عام، وعززت تلك التكهنات تغريدة لشقيقه علاء ينفي فيها أن يكون جمال ممنوعاً من ممارسة حقوقه السياسية بحكم القانون بعدما دين في قضية فساد عرفت بـ"القصور الرئاسية".

وانتقلت التساؤلات من مواقع التواصل إلى وسائل الإعلام، بمطالبة رئيس "مجلس أمناء الحوار الوطني" ضياء رشوان بأن يعلن جمال مبارك نيته الترشح إذا كان بالفعل سيخوض السباق الرئاسي، مما أثار انتباه الأوساط السياسية كون رشوان يشغل منصباً حكومياً وهو رئيس الهيئة العامة للاستعلامات. ورد علاء مبارك عبر "تويتر" برسالة حادة، متهماً رشوان بالتدخل في ما لا يعنيه قائلاً "وإنت مالك عايز ولا مش عايز (يريد الترشح أم لا يريد) أما حشري صحيح، حاجة متخصكش (أمر لا يعنيك) ومالك ومال الشعب".

صمت الدولة

أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد جمال زهران وصف "الحنين إلى عصر مبارك ودعوة نجل الرئيس الأسبق إلى الترشح للانتخابات الرئاسية"، بأنها "خطوة أخيرة للقضاء التام على ثورة الشعب المصري في الـ25 من يناير 2011".

وقال زهران لـ"اندبندنت عربية" إن "جمال وعلاء يتحدثان على الملأ على رغم كونهما ممنوعين من العمل السياسي بسبب إدانتهما في إحدى القضايا المخلة بالشرف، كما الحال بالنسبة لأبرز المسؤولين في عهد الرئيس الأسبق مبارك"، مضيفاً أن "عليهما أن يخجلا ويبتعدا عن العمل العام نهائياً".

ودانت محكمة جنايات القاهرة الرئيس الأسبق مبارك وابنيه بالاستيلاء على المال العام في قضية "القصور الرئاسية" في مايو (أيار) 2015، وقضت بحبسهم ثلاث سنوات، وهو الحكم الذي أيدته لاحقاً محكمة النقض ليصبح نهائياً، وتعد تلك الإدانة "مخلة بالأمانة والشرف"، مما يحرمهم من ممارسة حقوقهم السياسية وفق قانون الانتخابات الرئاسية الصادر عام 2014، الذي يشترط في المرشح للرئاسة ألا يكون حكم عليه في قضية مخلة بالشرف أو الأمانة حتى ولو كان رد إليه اعتباره.

لكن تقارير صحافية أشارت إلى أن تلك المادة يمكن الطعن في دستوريتها أمام المحكمة الدستورية العليا، لإمكان تعارضها مع المادة 92 من الدستور لعام 2012، التي تنص على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".

وأبدى زهران تعجبه من صمت الدولة على ما يتردد عن إمكان ترشح جمال مبارك، مرجحاً أن يكون ذلك وراء استمرار سيطرة ما يعرف بـ"الدولة العميقة" وتواصل الفساد وتدهور الاقتصاد. وعن الترحيب الشعبي في الشارع بجمال مبارك، تابع زهران وهو برلماني معارض سابق في عهد مبارك، إن ذلك قد يكون "مجرد مسلسل مدفوع الأجر"، لكنه لم يستبعد أن "يكون نكاية بالنظام الحالي"، مشدداً على رفضه التام لأفكار الاستعانة بأي من مسؤولي النظام السابق كمستشارين للحكومة المصرية.

غياب السياسيين الجدد

واعتبر نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عماد جاد أن "التفكير في عودة مسؤولي عهد مبارك للحياة السياسية يرجع إلى إغلاق الدولة للمجال العام، مما جعل الساحة تخلو من سياسيين جدد، ولا يمكن للأحزاب أن تقوم بدورها، سوى تلك المدعومة من الدولة والأجهزة الأمنية". وأضاف أن "جمال مبارك لم يعلن حتى الآن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية"، مشيراً إلى أن "صمته أحدث إرباكاً للدولة، وهو ما دفع ضياء رشوان، وهو صاحب منصب حكومي كرئيس للهيئة العامة للاستعلامات إلى مطالبته بتوضيح موقفه من الترشح"، وقال إنه "يجب ترك جمال يقدم أوراقه إذا أراد، ثم تفصل الجهات القضائية في أهليته للترشح من عدمه".

كما أشار جاد إلى أنه "بعد تجريف الساحة السياسية من الشخصيات المدنية عبر الاتهام والتخوين، أصبحت الساحة خالية أمام جمال مبارك للترشح، باعتباره الوحيد القادر على خوض معركة انتخابية".

وعلى رغم تأكيده على أن جمال مبارك ومشروع التوريث كان السبب في ثورة 2011، إلا أنه حالياً هناك جو من الحنين للعهد الماضي وبعضهم يقول "ولا يوم من أيام مبارك" بسبب السياسات الحالية التي أغلقت المجال العام وقيدت الإعلام وأدت إلى أزمة اقتصادية، بحسب قوله. متوقعا أن يقدم جمال مبارك على خوض الانتخابات "إلا إذا تعرض لضغوط شديدة"، مدللاً على ذلك بحال الاهتمام والحديث المستمر من جانب شقيقه علاء.

وفي الأيام الأخيرة جاء حكم القضاء بتبرئة وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي من اتهامات بالتربح واستغلال السلطة، ليتصدر اهتمام البرامج التلفزيونية الشهيرة ومواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار حديثاً عن إمكان الاستعانة بخبرة غالي الاقتصادية في وقت تمر فيه مصر بأزمة مالية غير مسبوقة دفعت الجنيه إلى خسارة 50 في المئة من قيمته خلال نحو عام.

مستشار اقتصادي

وقضت محكمة جنايات شمال القاهرة، في السادس من يوليو (تموز) الجاري، ببراءة يوسف بطرس غالي من اتهامات بالتربح واستغلال سلطته، مما يلغي حكماً أول درجة بالسجن 15 عاماً الذي صدر غيابياً، إذ سافر الوزير السابق إلى لندن منذ سقوط نظام مبارك.

وعقب صدور الحكم احتفى كثيرون بتبرئة غالي، إذ كتبت الإعلامية لميس الحديدي على "تويتر" إنه كان "مفترى عليه" وأمضى سنوات قاسية في الغربة، فيما قال الإعلامي عمرو أديب إن الوزير السابق اضطر إلى العمل في لندن كي ينفق على أبنائه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطرح الدبلوماسي وسكرتير الرئيس مبارك للمعلومات سابقاً مصطفى الفقي، فكرة الاستفادة من خبرات بطرس غالي عبر تعيينه مستشاراً للدولة المصرية للشؤون الاقتصادية، وإدارة العلاقات مع المنظمات الدولية الاقتصادية، "كونه اسماً معروفاً دولياً وكثير من الدول تستشيره وتتعامل معه، إضافة إلى أنه يشكل دعماً قوياً للاقتصاد المصري في المستقبل".

وبحسب الفقي فـ"لن يكون هناك حرج في الاستعانة به من الحكومة المصرية، لأن القضايا التي كانت عليه ليست قضايا مخلة بالشرف، وهو لم يكن خائناً ولا لصاً، وفي أعقاب الثورات يظلم كثيرون ولكن تنتهي الأمور لصالحهم".

وخرج يوسف بطرس غالي بتصريحات أكد فيها أنه سيعود إلى مصر "في أقرب وقت ممكن" بعدما انتظر حكم البراءة لأكثر من 12 عاماً، وأوضح في تصريحات صحافية أنه سيعود "كمواطن عادي لا علاقة له بالعمل العام"، ولم يحسم ما إذا كان سيلعب دوراً حكومياً في الفترة المقبلة أم لا، إذ قال إنه "لن يتأخر" إذا طلبت منه الدولة استشارات خاصة بالقطاع المالي.

وينتمي يوسف بطرس غالي لعائلة عريقة في السياسة المصرية، إذ شغل والد جده بطرس غالي رئاسة وزراء مصر بين عامي 1908 و1910، وعمه هو الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي. وبعد العمل كأستاذ للاقتصاد بجامعة القاهرة ثم خبيراً في صندوق النقد الدولي، شغل يوسف مناصب وزارية عدة، بداية من العمل كمستشار اقتصادي لرئيس الوزراء (1986-1993) ثم تعاقب على وزارات التعاون الدولي والاقتصاد والتجارة الخارجية، حتى عام 2004 حين تولى وزارة المالية واستمر بها حتى سقوط نظام مبارك. كذلك كان أحد أركان الحزب الوطني الحاكم حينها (تم حله بعد الثورة)، وضمن الدائرة الوزارية التي كان ينظر على أنها مقربة من جمال مبارك.

ترشيحات الحكومة

لم يكن غالي الأول من مسؤولي نظام مبارك الذي طالب بعضهم بالاستعانة به في أجهزة الدولة، فمحمود محي الدين المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي حالياً، ووزير الاستثمار في أخر حكم مبارك، تردد اسمه أكثر من مرة للاستعانة به رئيساً لوزراء مصر. وعلى رغم ظهوره إعلامياً بكثافة في القنوات المصرية لكن محيي الدين تجنب دائماً الحديث حول عودته لتولي منصب في مصر.

وارتبط اسم محيي الدين بإبرام الدولة صفقات لخصخصة شركات ومصانع كثيرة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، كان منها عقد بيع سلسلة محال "عمر أفندي"، أبطلته المحكمة لاحقاً بسبب الثمن الزهيد للصفقة مقارنة بتقييمها المالي.

وشملت بورصة ترشيحات رئاسة الوزراء أيضاً وزير الصناعة والتجارة في حكومة ما قبل ثورة يناير رشيد محمد رشيد الذي تردد اسمه أيضاً، بما له من خلفية اقتصادية كرجل أعمال، سليل عائلة عرفت بالاستثمار الصناعي، كما أنه تصالح مع الدولة قبل سنوات ولم يعد مطلوباً في أية دعوى جنائية.

المهم السياسات

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد يرى أن "العبرة ليست بالأشخاص ولكن بالسياسات"، معتبراً أن "إعادة وزراء عصر مبارك لن يؤدي إلى النتيجة نفسها في أيامه، طالما كانت السياسات الحالية مطبقة". وقال إنه "من المعروف أن رئيس الجمهورية هو من يضع السياسات في مصر، وإذا كان هناك احتفاء ببراءة يوسف غالي من بعض رجال الأعمال والأكاديميين فهذا اعتراف بمهارته كوزير مالية".

واعتبر السيد أن "غالي كان ينفذ سياسات اقتصادية تتطابق مع ما يطالب به صندوق النقد الدولي حالياً، لكن مع تغير الوضع تعاظم دور الدولة في الاقتصاد في السنوات الأخيرة"، موضحاً أن "بعض المتابعين قد يعتبر غالي مصلحاً للاقتصاد المصري في أزمته الحالية".

وكانت مصر توصلت إلى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي بنهاية العام الماضي، يشمل إقراضها 3 مليارات دولار في مقابل تنفيذ إصلاحات ضريبية وهيكلية في الاقتصاد وتخارج الدولة من بعض القطاعات.

من جانبه يرجع الباحث الاقتصادي وائل النحاس ذلك الاهتمام برموز العهد السابق إلى تمسك المصريين بفكرة "المخلص" في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية الحالية، مشيراً إلى أن "عديداً من المشاريع الكبرى التي تنفذ حالياً خطط لها في عهد مبارك".

وقال النحاس إنه "من الخطأ الاعتقاد بأن يوسف بطرس غالي أو غيره كان عبقرياً لذلك كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل في عهد مبارك، وإنما كان هناك فريق عمل اقتصادي يقف خلف السياسات التي كان الحزب الوطني ينفذها"، مستبعداً أن "تستعين الدولة بأي من رموز نظام مبارك وإذا عرض عليهم فلن يستجيبوا".

المزيد من تقارير