Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شهادات وذكريات صادمة لفارين من جحيم حرب الخرطوم

"لم يعد بمقدور بناتي تحمل رعب الانفجارات المدوية والشظايا المتطايرة فضلاً عن انقطاع الكهرباء والمياه على مدى شهر كامل"

تسببت الحرب المندلعة في الخرطوم بتشريد أكثر من ثلاثة ملايين شخص فرّ منهم حوالى 700 ألف إلى دول مجاورة (رويترز)

ملخص

ذكريات دم ودموع الحرب تلاحق الفارين من حرب السودان

كأن الحرب التي فاجأت السودانيين، صباح 15 أبريل (نيسان) الماضي، على نحو لم يختبروه من قبل، ستستمر إلى ما لا نهاية، فلا حسم عسكرياً تحقق لأي من طرفيها، ولا حلّ سياسياً يلوح في الأفق القريب، وبتخطي حرب الخرطوم الأيام الـ 10، يبدو أن دمارها لم يقتصر فقط على المباني والممتلكات، لكنها تخطتها بكثير لتهدم أحلاماً، وتشرّد أسراً في ولايات البلاد المختلفة ودول الجوار القريبة، ولكل نازح قصته وأوجاعه الخاصة.

شهادات مأساوية

ويتحدث المهندس أسعد إسماعيل محمود، من مواطني مرابيع الشريف شرق النيل، إحدى المناطق التي لا تزال ملتهبة بالمعارك، كيف كانت ليلة عيد الفطر المبارك من أفظع وأسوأ ليلة في أيام حياته وسكان المنطقة برمتها، حين انهمر الرصاص والقذائف على نحو مفاجئ فوق رؤوسهم، قبيل أذان المغرب مباشرة أكثر من ساعة ونصف الساعة حيث أمضوها وهم مختبئون يتملكهم الخوف والهلع، ثم تبدأ سلسلة من الانفجارات المدوية، ويتأخر إفطارهم الرمضاني إلى ما بعد أذان العشاء.

وبتفقدّهم مكان المعركة صباحاً، يتابع محمود "قمنا بجمع جثامين نحو 26 قتيلاً خلّفهم القتال من الجانبين، ثم وصل فريق من الجيش ليقوم بأخذها جميعاً، ولم نكن نعلم حتى تلك اللحظة ماذا حدث في قلب الخرطوم؟ إلى أن أفادني صديق بجهاز الاستخبارات، بتمرد قائد قوات الدعم السريع وقواته، ثم نصحني بالمغادرة فوراً إلى مكان آمن، عندها أدركت حجم الخطر وقررت إجلاء أسرتي فوراً إلى مسقط رأسنا بمدينة القضارف شرق السودان".

 

الواقع المرعب

أضاف المهندس أسعد إسماعيل محمود "كان قرار بقائي بالمنزل حتى الآن من أجل تأمينه وحمايته، لكنني لم أكن أتخيل أنني مقبل على أيام بكل هذا السوء الذي يتضاعف باستمرار، فقد وجدت نفسي معزولاً عن الداخل والخارج، من دون كهرباء ولا ماء ولا اتصالات، وبدأ معظم الجيران يغادرون مساكنهم، إلى أن وجدت نفسي وحيداً في الحي، مع بعض الأسر البسيطة جداً التي لم تكن تملك إلا البقاء لظروفها المادية، وعلى رغم صمودي ومقاومتي، لكن مع مرور الأيام، نفدت مؤونتي من الغذاء والمال وبتّ أواجه الجوع والإفلاس معاً، لدرجة اضطراري لتناول الخبر الجاف والتمر فقط أياماً عدة، إلى أن تفضل عليّ أحد الأصدقاء ببعض الدقيق والعدس والرز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال محمود أيضاً "أكثر ما أسعدني في تلك الظروف العودة الجزئية لخدمة الاتصالات، ما مكّنني من الاتصال بالأهل بعد شهر من الانقطاع، ليرسلوا لي بعض المال لشراء ضروريات الحياة، ما أجبرني على الصمود الخوف من احتمال نهب المنزل لغياب الشرطة والأمن بالمنطقة".

رعب وخطر

تجربة أكثر قساوة عاشها المواطن محسن عبدالعزيز بشارة، في منطقة الجريف شرق الخرطوم، حيث أمضى 45 يوماً من الرعب من دون نوم ولا ماء أو كهرباء، وسط ارتفاع وتيرة المواجهات بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، "كان الخروج من تحت السرير في الأسبوعين الأولين للحرب مغامرة، والخروج إلى الشارع أشد خطورة مع غياب الشرطة والقانون، فأصبحت وأسرتي محبوسين بالمنزل بينما ينفد طعامنا وشرابنا تدريجاً ولا اتصالات متوافرة طلباً للعون، والبقاء أكثر يعني الموت جوعاً وعطشاً، فقررت المغادرة بتدابير خاصة ومكلفة وشاقة حتى وصلت إلى مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض".

أيضاً، أسابيع من الرعب أمضاها عبدالقادر بابكر، من منطقة الفيحاء شرق النيل، مقاوماً مع ابنه ومعاونة الجيران أكثر من محاولة لسرقة منزله بقوة السلاح، ولم يجد بداً من الفرار، مع اشتداد القصف والمواجهات، عبر رحلة شاقة وطويلة إلى وادي حلفا (أقصى الشمال) وصولاً إلى مدينة السويس المصرية.

القلب المهجور

قصة أخرى يرويها المواطن عماد الرشيد "لم يعد بمقدور بناتي تحمل رعب الانفجارات المدوية والشظايا المتطايرة، فضلاً عن انقطاع الكهرباء والمياه على مدى شهر كامل، ومع انتشار النهب مع ندرة السلع الغذائية، لم أجد ما تقتات به أسرتي سوى بعض الطماطم والدقيق، فقررت الرحيل في الشهر الثالث من الحرب"، وبعد رحلة فرار مضنية، تمكن الرشيد، من الوصول، مع عائلته، إلى مسقط رأسه بمدينة شندي (ولاية نهر النيل).

وأثناء رحلته، يصور الرشيد مشاهد مؤلمة عن الأوضاع المفجعة بأحياء أم درمان التي مرّ بها، فالطرقات خالية وموحشة، وبدا حي العباسية العريق مهجوراً تماماً، وكل أبواب المنازل مفتوحة ومنهوبة.

أكثر من فاجعة

أما صاحب التجربة الأكثر مرارة ورعباً، فهو المواطن يوسف علي صالح الذي فقد في لحظة واحدة اثنين من أبنائه (بين 6 و11 سنة) بشظايا قذيفة مدفعية، فقرر الفرار للنجاة بأرواح من تبقى من عائلته وأهله، ولسوء حظ صالح، تم إنزاله عند إحدى نقاط التفتيش التابعة لقوات "الدعم السريع" مع مجموعة من الرجال الآخرين، ولدى البحث في هاتفه، عثر على بعض الرسائل التي يصف فيها قوات "الدعم السريع" بالميليشيات، فتم احتجازه وطلب من السائق المغادرة من دونه، وسط صراخ زوجته وتوسلات أطفاله ووالدته، إلى أن مرّ أحد ضباط "الدعم السريع" ليطلب منهم السماح له بالمغادرة إكراماً لوالدته وصغاره، فغادر إلى مدينة بربر (ولاية نهر النيل) حيث هو الآن في ضيافة أقاربه.

قلق وأمل

أما الطاهر عبدالمجيد، من سكان حي المعمورة بالخرطوم، فقد عاش في منزله قرابة ثلاثة أشهر على وقع أصوات الرصاص والقذائف المدفعية والغارات الجوية "تحملت الرعب طوال تلك الفترة أملاً في أن تتوقف هذه الحرب اللعينة التي تجرّعنا مرارتها، انفجارات حولنا وأصوات رصاص واشتباكات، وأعمال نهب وسلب، هنا بدأ يساورني الخوف والقلق على أسرتي، فأرسلتها إلى مصر وبقيت وحيداً في منزلي، برفقة اثنين من الجيران نلتقي يومياً في وجبة الإفطار".

80 يوماً من الصمود داخل الخرطوم غادر بعدها العاصمة نحو مدينة ود مدني عاصمة الولاية الوسطى، 180 كيلومتراً من الخرطوم، حيث أمضى قرابة أسبوعين ثم شرع بترتيب رحلة الالتحاق بأسرته في مصر.

وتحرك عبدالمجيد، من مدينة ود مدني صوب بورتسودان، 694 كيلومتراً، للحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر، اتجه بعدها إلى مدينة عطبرة ثم إلى وادي حلفا وصولاً إلى أسوان داخل الأراضي المصرية ليلتحق أخيراً بأسرته في الإسكندرية بعد سبعة أيام من السفر المتواصل براً، ويعتبر الرجل هذه الرحلة من أطول وأكثر رحلات حياته البرية معاناة، حيث وعورة الطرق وعدم توافر سكن في الفنادق لكثرة أعداد النازحين، فضلاً عن تضاعف أسعارها وأيضاً أسعار تذاكر الباصات والحافلات.

وتسببت الحرب المندلعة في الخرطوم بتشريد أكثر من ثلاثة ملايين شخص فرّ منهم حوالى 700 ألف إلى دول مجاورة، بينما لا يزال ملايين آخرون عالقين في ويلات النزاع، في وقت يهدد تنامي العنف العرقي في دارفور بحرب أهلية شاملة بخاصة بعد تمدد الحرب إلى كردفان والنيل الأزرق.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات