Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كنيسة تيغراي تنفصل عن أديس أبابا بـ"اسم مصري"

"الأرثوذكسية" الإثيوبية احتجت على ترسيم 10 أساقفة بعيداً من سلطتها وطالبت آبي أحمد بالتدخل لحل الأزمة

اعضاء كنيسة "سلامة كيساتي برهان" في إقليم تيغراي (مواقع التواصل)

ملخص

حولت كنيسة أكسوم التاريخية في تيغراي اسمها إلى "سلامة كيساتي برهان"، واعتبرت نفسها مستقلة، ويعود هذا المسمى إلى الأسقف المصري الإسكندراني فرومنتيوس سلامة، الذي يعد أول أسقف رسمه البابا المصري أثناسيوس أسقفاً للبلاد الحبشية في عام 326 ميلادي.

رفعت الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية في أديس أبابا احتجاجاً ضد كنيسة إقليم تيغراي لترسيمها 10 أساقفة لقيادة إبراشيات بعيداً من سلطة الكنيسة الأم. 

وقالت الكنيسة، في بيان صادر عن مجمع السينادوس المقدس، إن "الإجراءات التي اتخذتها كنيسة تيغراي باطلة، وتتنافى مع قانون الكنيسة"، فضلاً عن أنها "تكرس الانقسام داخل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية التي حافظت على وحدتها لقرون عدة كإحدى أقدم الكنائس الشرقية في أفريقيا".

وأضاف البيان أن الإجراء الأخير "ينتهك المادتين 37 و38 من قانون الكنيسة، كما ينتهك الإدارة المركزية للكنيسة ويضر وحدتها".

وطالب السينادوس المقدس رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد باستخدام صلاحياته الدستورية لرفض "الترسيم المتعارض مع قوانين الكنيسة"، كما دعاه إلى تفعيل دوره كسلطة عليا في البلاد، للتدخل وإفساح المجال للتوسط بينها وبين الكنيسة التي تم استحداثها أخيراً في تيغراي، على خلفية الخلاف الذي نشأ بين كنيسة إقليم تيغراي والكنيسة الأم.

إعلان الاستقلال

وكانت الكنيسة الأرثوذكسية في إقليم تيغراي قد أعلنت استقلاليتها عن الكنيسة الأم في أديس أبابا، ورفضت التعامل معها، متهمة إياها بالتواطؤ ضد التيغراويين من خلال دعمها العمليات العسكرية ضد شعب الإقليم، ومساهمتها في جمع الأموال للحرب التي استمرت لمدة عامين بين جبهة تحرير تيغراي والجيش النظامي حلفائه.

وأعلنت الكنيسة في 16 يوليو (تموز) الجاري عن ترسيمها 10 أساقفة لقيادة الإبراشيات في تيغراي والجاليات في الخارج. ومن بين المرسمين الأب سيرقي برهان ولدسامويل، وهو كاهن من الإقليم مقيم في أستراليا، كانت قوات الأمن الإثيوبية قد احتجزته في مطار أديس أبابا الدولي في أثناء توجهه إلى مقلي، وبقي موقوفاً بالمطار لثلاثة أيام قبل أن يتم إبعاده إلى أستراليا.

وفي تحد جديد لكل من كنيسة أديس أبابا ورئيس الوزراء آبي أحمد، أعلنت تيغراي أن مراسم القداس ستقام (الأحد) في مدينة أكسوم، لدهن الأساقفة الجدد بالزيت المقدس، وهو آخر إجراء من طقوس ترسيمهم، مما يسد الباب أمام الوساطة المرتقبة لرئاسة الوزراء الإثيوبية.

هل تتبع مصر؟

حولت كنيسة أكسوم التاريخية في تيغراي اسمها إلى "سلامة كيساتي برهان"، واعتبرت نفسها مستقلة، ويعود هذا المسمى إلى الأسقف المصري الإسكندراني فرومنتيوس سلامة، الذي يعد أول أسقف رسمه البابا المصري أثناسيوس، أسقفاً للبلاد الحبشية في العام الميلادي 326.

وتحمل هذه التسمية دلالة واضحة لإمكانية ربط الكنيسة الأرثوذكسية في تيغراي بالكنيسة القبطية في مصر (الإسكندرية) التي ظلت تابعة لها حتى عام 1959، حين استقلت الكنيسة الإثيوبية عن تبعية مصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت كنيسة سلامة في تيغراي قد أعلنت أن نحو 100 عضو صوتوا لـ10 أساقفة مرشحين من قائمة تضم 26 مرشحاً، في الاجتماع الذي أقيم بمدينة أكسوم التاريخية داخل محراب القديسة مريم صهيون، الذي يعد أحد أقدس مواقع الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا.

وأكدت الكنيسة أن الأساقفة الذين تم ترسيمهم سيمارسون أعمالهم في خمس مناطق داخل تيغراي والجاليات التابعة للكنيسة في الخارج ابتداءً من تاريخ ترسيمهم.

طلب فيه العفو

يأتي ذلك في تجاهل للدعوات التي أطلقها المجمع الكنسي في أديس أبابا ومحاولاته للصلح، بعد أن أصدر بياناً طلب فيه العفو من شعب تيغراي على عدم وقوفه ضد الحرب التي شنت ضد الإقليم.

كما انتقل وفد كبير من السينادوس المقدس يضم البطريرك وعدداً من الأعضاء إلى إقليم تيغراي لتقديم الاعتذار، إلا أن آباء تيغراي رفضوا لقاء الوفد، وأغلقوا أبواب الكنائس دونهم، مما دفع الوفد إلى أداء الصلوات على عتبات الكنيسة، ولقاء بعض الرسميين قبل أن يعود أدراجه إلى أديس أبابا من دون أن يتمكن من لقاء أي عضو ممثل لكنيسة تيغراي.

من جهة أخرى، أعلن السينادوس المقدس في أديس أبابا ترسيمه تسعة أساقفة جدد لإبراشيات في إقليم أوروميا والمناطق الجنوبية. 

واستغل البطريرك أبونا ماتياس الأول الفرصة لانتقاد ما سماه "الترسيم الذاتي"، الذي يظهر في مواقف غير متوقعة وغير عادية في الكنيسة، وحذر من أنه "يجب كبحها".

وحذر البطريرك مرة أخرى من أن أي مشكلة داخل الكنيسة "يجب حلها من خلال المناقشة والتشاور وتعويض المظلومين"، في حين احتج بعض الآباء الأورومو على بعض التعيينات، متحفظين على أشخاص بأعينهم، متهمين إياهم بالمساهمة في تسعير الخلاف بين كنيسة أوروميا المحلية والكنيسة الأم في أديس أبابا، أثناء أزمة الكنيسة في مايو (أيار) الماضي.

أزمة سياسية وروحية 

بدوره يرى الكاتب الإثيوبي المتخصص في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية تادلي يعقوب أن "إعلان استقلال كنيسة تيغراي واستحداث اسم جديد يوحي وكأن الأمر يتعلق بدولتين وليس نزاعاً بين الأصل والفرع داخل كنيسة دولة واحدة".

وأضاف يعقوب أن استقلال الكنيسة يشي "بنزعة انفصالية لدى آباء تيغراي، ويتجاوز الواقع الروحي ليلامس الواقع السياسي"، مشيراً إلى أن تاريخ الأرثوذكسية في الحبشة، ككنيسة واحدة متجانسة يعود إلى القرن الرابع الميلادي، لا سيما أن هذا المذهب ظل يمثل دين الدولة حتى منتصف السبعينيات، وهو مظهر من مظاهر وحدة الدولة وتماسكها، مؤكداً أن "كنيسة أكسوم في إقليم تيغراي الحالي تعد أولى الكنائس الشرقية التي اعتمدت المسيحية ديناً رسمياً للدولة". 

وأوضح إلزامية وحدة الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا لارتباطها بعدة جوانب روحية وإيمانية، إذ تؤمن الكنيسة الإثيوبية أن "تابوت العهد موجود في كنيسة السيدة مريم صهيون بمدينة أكسوم في تيغراي، وهو التابوت الذي حفظت به ألواح العهد وفق العهد القديم"، مما يصعب وفق هذا الاعتقاد السماح لكنيسة أكسوم بالانفصال عن تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، لما يمثله ذلك روحياً للمؤمنين الأرثوذكس في البلاد عموماً.

وأضاف المتخصص الإثيوبي في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية، أن "من مصلحة الدولة الإثيوبية حل هذا النزاع ذي البعد الروحي والسياسي"، مشيراً إلى "أن تقاليد الكنيسة وأعرافها مرتبطة بتاريخ إثيوبيا كدولة مؤثرة وذات تاريخ عريق". ولفت إلى خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي في وقت سابق خلال حديثه عن الكنيسة الأرثوذكسية أنها تمثل "رأس المال الروحي للدولة الإثيوبية". 

ونوه بأن السلطة في أديس أبابا "لن تتنازل عن هذا الرصيد التاريخي"، الذي يمثل مصدراً من مصادر الشرعية السياسية والدينية. ورأى أن من مسؤولية الإدارة السياسية الحالية ممارسة مزيد من الضغط على حكومة تيغراي الموقتة، لإقناع كنيسة أكسوم بالعدول عن موقفها الحالي.

واعتبر أن الشروط المسبقة التي يضعها آباء أكسوم تنزع للغلو المفرط، إذ يطالبون بعزل عدد من الأساقفة أعضاء السينادوس الكنسي المنتخب في أديس أبابا، ومنعهم من ممارسة "خدمة الرب" وتحويلهم إلى مجلس التأديب، باعتبار أنهم دعموا الحرب في تيغراي.

وذكر بمواقف آباء تيغراي المؤيدة للحرب الحدودية مع إريتريا، تحت مبررات لا تختلف كثيراً عن مبررات أساقفة أديس أبابا، وهي "نصرة الدولة".

بين دعم التدخل والنهي عنه 

يلاحظ الكاتب المتخصص في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية أن ثمة تناقضاً وقع فيه المجمع الكنسي في أديس أبابا، بين مواقفه أثناء الأزمة مع كنيسة أوروميا في مايو الماضي، حين طالب الحكومة بالكف عن التدخل في شؤون الكنيسة الداخلية، فيما دعا بيانه الآن رئيس الوزراء آبي أحمد إلى استخدام سلطاته لثني كنيسة تيغراي عن الانفصال، وهو شأن داخلي للكنيسة. 

وفسر ذلك بأنه من "فقه الضرورات"، حيث لم يعد للكنيسة قدرة على منع هذا الانفصال، لكنه "قد يعد سابقة يمكن البناء عليها لاحقاً" من قبل السلطة الإثيوبية لتبرير التدخل في شؤون الكنيسة، بخاصة أن الدعوة الآن أتت من قبل أعلى سلطة روحية للكنيسة.

وأشار إلى أن هذا الموقف قد يدفع بآبي أحمد إلى التدخل بغرض تكريس السابقة، لاستغلالها في إقليم أوروميا أو في مناطق أخرى، بما يتناسب والأغراض السياسية لإدارته.

ونوه بأن إدارة آبي تبدو غير متعجلة التدخل، لكنها لم تمارس أي ضغوط تذكر تجاه كنيسة تيغراي حتى الآن. إلا أن تسجيلاً مصوراً كان قد تسرب لرئيس الوزراء أثناء زيارته المقر البابوي في أديس أبابا، مرفوقاً بالآباء الذين كانوا قد انشقوا في إقليم أوروميا (مايو الماضي)، حين مازح البطريرك حينها بالقول "لقد أتيت إليك بالخراف المفقودة، إيذاناً بعودة خراف تيغراي"، في إشارة إلى القصة الإنجيلية الشهيرة التي علمها يسوع المسيح لطلبته وأتباعه عن التوبة، إذ إن عودة خاطئ واحد يتوب أكثر أهمية من تسعة وتسعين من الصالحين الذين لا يحتاجون إلى التوبة، مما يؤكد عزمه على استعادة آباء تيغراي الكنيسة الأم، لكن ليس قبل أن يحقق أقصى أهدافه السياسية.

المزيد من تقارير