Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يعزز الصلح العشائري التعايش في الأردن؟

نظام قديم قبل تأسيس الدولة هدفه حل النزاعات أسهم في الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية في المملكة

ملتقى عشائري في الأردن (وكالة الأنباء الأردنية)

ملخص

القهوة العربية حاضرة في طقوس الصلح العشائري وهي من أبرز ملامحه والراية البيضاء بمثابة إعلان لحقن الدماء

تحول الصلح العشائري في الأردن إلى قوة اجتماعية وأمنية ضاربة، بعدما فصل، وبشكل نهائي، في كثير من القضايا والجرائم التي هزت المملكة في السنوات الأخيرة، من أبرزها قضية مقتل الطالبة الجامعية إيمان إرشيد.

فبعد أكثر من عام على مقتلها داخل الحرم الجامعي في قضية شغلت الرأي العام، وبظروف مشابهة لقضية مقتل الطالبة المصرية نيرة أشرف، من المقرر أن يحسم صلح عشائري القضية ويسدل الستار عليها بعد أن طالها كثير من اللغط والإشاعات بعد انتحار قاتلها قبل القبض عليه والتحقيق معه.

ولا يزال هذا التقليد حاضراً بقوة في المملكة بخاصة بين القبائل، على رغم دولة القانون والمؤسسات التي أسست مع بداية تكوين الدولة الأردنية منذ 100 عام مضت.

نظام لحل النزاعات

ويعرف مراقبون الصلح العشائري بأنه نظام داخلي تقليدي بين العشائر والقبائل يهدف إلى حل النزاعات بينها منذ مرحلة ما قبل قيام الدولة الأردنية استناداً إلى قيم الشرف والكرامة والعدالة، لكنه ظل قائماً إلى يومنا هذا حفاظاً على السلم الأهلي والوحدة الوطنية في ظل عجز الأجهزة الأمنية عن ضبط المشهد الفوضوي في بعض الحالات.

وغالباً ما يتضمن الصلح العشائري دفع دية أو غرامة مالية إلى الطرف المتضرر، كما قد يتضمن الصلح العشائري تقديم اعتذار أو إعادة الاعتبار إلى الطرف المتضرر، ويعزز قيم التسامح والعفو بين الناس.

ويقود محاولات الصلح هذه في العادة شيوخ عشائر يتمتعون باحترام وتقدير كبيرين يسعون إلى حل الخلافات من خلال التفاوض بين الطرفين المتنازعين ومحاولة إيجاد حل يرضي الفريقين، وعلى رغم ذلك يواجه الصلح العشائري عقبات كصعوبة الإصلاح في النزاعات التي تنطوي على جرائم خطرة، وقد يكون مكلفاً إذ تتطلب بعض الجرائم دفع دية كبيرة وتعويضات مالية.

"العطوة" حجر الأساس

وشرح الباحث في التراث الأردني علي الفريح مفهوم "العطوة" بوصفها أحد أبرز بنود الصلح العشائري، وهي بمثابة مهلة من أهل المجني عليه لأهل الجاني لتدبير أمورهم ودفع الحقوق المترتبة عليهم نتيجة الخطأ الذي حدث من أحد أبنائهم بقصد أو بغير قصد، مضيفاً "العطوة تعني أيضاً تعهداً من قبل أهل المجني عليه بعدم الاعتداء على أهل الجاني انتقاماً، وهي هدنة موقتة يلجأ إليها العرف العشائري في القضايا الجزائية كالقتل والدهس والعرض والنزاعات"، ووصفها بأنها أرقى ما في القانون العشائري من مبادرات لإصلاح ذات البين بين الناس.

وحدد الفريح شروط من يتصدون للصلح وطلب "العطوة"، كقوة الشخصية وطلاقة اللسان ومعرفة الناس بهم. وقال إنه في العادة تتراوح مدة "العطوة" بين ثلاثة أيام وثلاثة أشهر تبعاً لخطورة القضية، وتسمى في قضايا القتل والعرض بـ"عطوة" "فورة الدم".

وتقسم إلى أربعة أنواع رئيسة، وهي "عطوة" التفتيش أو الإمهال، والغرض منها البحث عن أسباب المشكلة والوقوف على حقيقة الجاني وهويته، أما "عطوة" الاعتراف بالحق فتؤخذ بقصد إمهال الجاني الذي اعترف بجريمته لمدة معينة، في حين أن "عطوة" الحي أو الميت تؤخذ في القضاء العشائري عندما تكون إصابة المعتدى عليه بليغة وحياته معلقة بين الحياة والموت، أما "العطوة" الرابعة فتسمى "العطوة" التامة و"العطوة" الناقصة، وتشمل جميع القضايا العادية.

 طقوس الصلح

وحول طريقة الصلح العشائري قال الفريح "يذهب شيوخ ووجهاء عشيرة يتم اختيارها من قبل الجاني إلى منزل المجني عليه، وتستقبلهم هذه العشيرة ويسكب أحد أفراد عشيرة المجني عليه فنجان قهوة عربية واحداً يوضع أمام كبير السن، أو المتكلم باسم عشيرة الجاني الذي يتحدث بما يسهم في تهدئة الخواطر، طالباً قبول العطوة والمهلة، ولا يشرب القهوة إلا بعد تلبية طلبه، ولاحقاً يتكلم شخص من أهل المجني عليه ليعلن قبول أخذ العطوة، التي يتم توثيقها ورقياً وبتوقيع الشهود وتسمى صك العطوة، وهي بمثابة اعتراف وطلب مهلة من أهل الجاني، في مقابل مطالب وشروط يطلبها أهل المجني عليه، وبعدها يحمل أحد أبناء أو أقارب الجاني راية بيضاء بمثابة إعلان وإشهار للصلح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لما ترصده كتب التراث الأردني، فإن من طقوس الصلح العشائري أيضاً ما يسمى "فراش العطوة" وهو مبلغ مالي يتم تقديمه إلى أهل المجني عليه ريثما تحل القضية باتفاق الطرفين.

ومن شروط "العطوة" والصلح العشائري وجود كفيلين أحدهما كفيل لعشيرة المعتدى عليه من عدم الاعتداء عليه، ويسمى كفيل "الدفا"، والآخر كفيل الوفاء وهو الشخص الذي يكفل المعتدي بوفائه لحق المعتدى عليه.

أبرز حالات الصلح

ومن أبرز حالات الصلح العشائري التي شهدها الأردن، تلك التي قادتها، قبل أشهر، نائبة أردنية، في ظاهرة هي الأولى من نوعها في البلاد، إذ لم تجر العادة أن تتصدر امرأة صلحاً عشائرياً من قبل، وقادت النائبة ميادة شريم صلحاً عشائرياً بين عائلتين بنجاح، على رغم تعرضها للنقد الشديد، إذ رأى شيوخ عشائر أنه لا يجوز أن تترأس امرأة وساطة عشائرية، وأن ما جرى عليه العرف العشائري في المملكة أن يكون رأس الجاهة رجلاً.

وعام 2017 أصدر أحد القضاة العشائريين حكماً يقضي بقطع لسان شاب بعد تحرشه اللفظي بفتاة، واستبدل الحكم في صلح عشائري بعد دفع المتحرش مبلغاً مالياً ومصادرة سيارته.

وتدخل الصلح العشائري في قضية أخرى كان بطلاها نائبين سابقين في البرلمان الأردني، بعدما تعدى أحدهما لفظياً على الآخر، كما شهدت مدينة الكرك جنوب الأردن صلحاً عشائرياً يعد الأضخم في المملكة قبل سنوات، لحل إشكالية وقعت في المدينة عقب قيام شاب بقتل شخص من عشيرة أخرى.

القضاء العشائري

ويصف مراقبون القضاء العشائري بمثابة رديف للقوانين النظامية وثمة من يرى فيه مكملاً ومسانداً للدولة، ومع دخول الأردن مئويته الأولى ظلت الأعراف والقوانين العشائرية قائمة عبر عديد من الموروثات والعادات القديمة التي تعارف عليها الناس عبر السنوات بحيث أصبحت دستوراً بينهم.

واعتبر الباحث التراثي محمد أبوحسان أن القضاء والصلح العشائري في الأردن بلغ أوج نشاطه في الفترة بين عامي 1967 و1975، حيث كانت كل القضايا في المجتمع تدخل ضمن اختصاص محاكم البدو العشائرية وأعرافهم، ابتداءً من قضايا القتل والعرض، وحتى الذم والقدح، لكن بعد ذلك بأعوام ألغي قانون محاكم العشائر وحلت المحاكم النظامية محلها، إلا أن ذلك لم يمنع الأردنيين من الاستمرار في اللجوء إلى القضاء العشائري.

وحاولت الحكومة الأردنية عام 2016 تنظيم القضاء العشائري بخاصة في ما يتعلق ببعض مظاهره السلبية كـ"الجلوة"، وأقرت تعديلات حولها بحيث لا تشمل إلا الجاني وأبناءه ووالده فقط، وألا تزيد مدتها على سنة، و"الجلوة" هي حكم عشائري يلزم أهل الجاني في حالات القتل بالرحيل عن مساكنهم ومناطقهم حفظاً للدماء.

ولا تأخذ المحاكم النظامية في القضاء الأردني ببيانات القضاء العشائري الذي يسهم في كثير من الأوقات في إسقاط الحق الشخصي وتسريع عمليات التقاضي، ويوفر على السلطات عناء التدخل لوقف أي عنف متبادل والإصلاح بين الجهات المتنازعة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير