ملخص
فقد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية رونقه بسبب تكثيف الحواجز الأمنية على طوله، بينما يتذمر أصحاب المقاهي والمطاعم
يكتنز شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة رمزية خاصة، ويحمل دلالات عميقة لتاريخ تونس المعاصر، فهو الذي احتضن أحلام التونسيين في أفق أرحب، كما رسموا فيه ملاحم نضالاتهم ضد جور السلطة، بدءاً بمرحلة الاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى النضال ضد سلطة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حين دفعت الاحتجاجات الشعبية العارمة وقتها رأس النظام إلى ترك مقعد الرئاسة والفرار للخارج.
يحضر تاريخ السلطة في هذا الشارع الرمز الذي يحتضن الحركات الاحتجاجية بمختلف تنظيماتها وقطاعاتها، ومنذ 2011 يختنق بالحواجز الأمنية على طوله، وفي مختلف منعطفاته وتفرعاته، بسبب وجود وزارة الداخلية تلك البناية الرمادية التي تتربع في وسطه.
بات الشارع في حالة لا يمكن معها اعتباره واجهة مشرفة للعاصمة، بسبب الاختناقات المرورية اليومية، والحواجز الأمنية، وكذلك أعين الرقابة الأمنية البشرية والإلكترونية في كل مكان، وعلى رغم أنه يعبره يومياً آلاف المارة والسياح، بينما تشكو مقاهيه ومطاعمه ضعف المردودية بحكم تلك الحواجز التي تقض راحة مرتادي تلك الفضاءات.
كثافة أمنية
وجه أصحاب المقاهي مطالب عدة من أجل رفع الحواجز أو التقليل منها، حتى يحافظوا على موارد رزقهم، إلا أن السلطة لم تستجب، بينما تستمر الحواجز الحديدية، والسيارات الأمنية في كل مكان، في الوقت الذي يشق فيه المارة عبورهم نحو فروعه التي تخترق خاصرة شارع الحبيب بورقيبة.
نزار، خريج جامعي، يعمل نادلاً بمقهى معروف وسط شارع الحبيب بورقيبة، ارتبك في البداية ولم يرغب في الإجابة عن سؤالنا، ثم أكد أن "المشهد يثير الخوف، حيث تتمركز السيارات الأمنية، فيرتبك رواد المقهى ولا يأمنون للفضاء"، مضيفاً أن مقهاه "فقد عديداً من رواده، بسبب الوجود الأمني المكثف والحواجز التي تحتل المكان". وتابع "لقد طوقوا المقهى من كل جهة. أشعر كأنني أعمل في ثكنة عسكرية، وليس في فضاء عمومي، ولم يعد المكان يستوعب المارة الذين باتوا يفضلون مواقع أخرى بعيدة عن أعين الأمن والحواجز الحديدية".
أصحاب المقاهي
من جهته أكد نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي بمنظمة الأعراف صدري بن عزوز أن "إغلاق شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة منذ 2011 ألحق أضراراً بأصحاب المقاهي، مما دفع عدداً منهم إلى تسريح العمال وتسجيل خسائر في العائدات المالية طاولت نحو 70 في المئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تقتصر الحواجز الأمنية على شارع الحبيب بورقيبة، وأمام وزارة الداخلية، بل تم أيضاً إغلاق شارع جمال عبدالناصر أمام السيارات، وتم وضع حواجز أسمنتية تحيط بمقر السفارة الفرنسية التي تحتل مساحة شاسعة في طرف الشارع الرئيس، علاوة على الوجود الأمني والعسكري المكثف الذي يثير التساؤل حول مدى فاعلية كل تلك الوحدات.
وشدد بن عزوز على أن "أصحاب المقاهي والمطاعم لم يعد بمقدورهم مواصلة العمل في هذه الظروف"، معتبراً أن "تواصل تركيز الحواجز الحديدية بتلك الكثافة يشوه وجه العاصمة، التي فقدت بريقها"، منوهاً بأن رفعها يعيد لتونس حركتها التجارية وللشارع رمزيته وحيويته الاقتصادية.
الدواعي الأمنية
وكان رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بتونس رازي بربوش قد وجه دعوة عاجلة إلى وزير الداخلية كمال الفقيه، وكذلك مناشدة رئاسة الجمهورية والحكومة من أجل "التدخل العاجل واتخاذ قرارات برفع الحواجز الحديدية في عدد من طرقات وشوارع العاصمة، وبخاصة شارع الحبيب بورقيبة".
واتخذ وزير الداخلية في وقت سابق قراراً بمنع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، حيث كان الاحتجاج اليومي يتسبب في تعطيل عمل عشرات المحال والمقاهي والمطاعم على طول الشارع.
وشدد بربوش على أن "الدواعي الأمنية لم تعد مبرراً للإبقاء على هذه الوضعية من إغلاق للشارع، بخاصة مع نجاح تونس في القضاء على الإرهاب ومحاربته.
كاميرات المراقبة
في المقابل، وبينما لم تتفاعل السلطة مع مطالب أصحاب المطاعم والمقاهي في الشارع الرئيس، اقترح الأكاديمي المتخصص في الشأن الأمني والتاريخ العسكري بالجامعة التونسية فيصل الشريف، أن يتم "تقليص عدد الحواجز الأمنية، والتوجه نحو استخدام التكنولوجيات الحديثة، مثل كاميرات المراقبة، والتعويل أكثر على أعوان الأمن المدنيين، وذلك من أجل إعطاء صورة تليق بتونس".
وأضاف الشريف أن "الصورة الحالية مسيئة للبلاد، بسبب تمركز وحدات عسكرية وأخرى أمنية، وسط شارع الحبيب بورقيبة، كما تطوق النصب التذكاري لابن خلدون، بينما تراهن الدولة على السياحة"، متسائلاً عما سيحمله السائح عن تونس المدججة بالحواجز الأمنية في شارع له رمزية وتاريخ.
ودعا الأكاديمي المتخصص في الشأن الأمني إلى "تركيز الحواجز الأمنية في مداخل المدينة وتكثيف الأمن المدني، لدوره الفعال في تطويق الجريمة بأنواعها"، لافتاً إلى أن "الحواجز الأمنية لا يتم اعتمادها في الدول الغربية".