Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آسيا الوسطى بين النفوذ المحدود والتقارب المنشود

بعد ثلاثة عقود من استقلالها حققت حكومات دولها درجة عالية من النضج السياسي ولم تعد تقبل بأن تكون موضوع للتنافس بل باتت طرفاً فاعلاً

استقبلت مدينة جدة السعودية، أمس الأربعاء، القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى في ظل جهود حثيثة لتعزيز أفق التعاون بين الإقليمين (واس)

ملخص

حرب أوكرانيا أعادت أهمية دول آسيا الوسطى في العالم  

شهدت جدة، أمس الأربعاء، مناسبتين مهمتين، الأولى "اللقاء التشاوري الـ18 لقادة دول الخليج العربية"، والثانية "القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى"، وتأتي هاتان القمتان وسط ظروف عالمية معقدة ومتغيرات إقليمية ودولية متسارعة، مما يتطلب على المستوى الجيواستراتيجي شراكات سياسية ذات توجهات نوعية، وتعاون دولي وأممي يتناسب مع المعطيات الراهنة من مخاوف عالمية أبرزها أزمة التضخم والطاقة والأمن الغذائي التي سببتها جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية.

بكين كان لها رؤية مقاربة متمثلة في الاهتمام بمد النفوذ، إذ اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ كازاخستان لتكون وجهته الخارجية الأولى، ومنطقة آسيا الوسطى لتكون المنطقة الأجنبية الأولى التي يزورها بعد إغلاق أبواب بلاده لمدة سنتين جراء وباء كورونا.

 

جسور التعاون

وحول أهمية تعزيز الوجود الخليجي في آسيا الوسطى قال سفير طاجيكستان لدى السعودية أكرم كريمي في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" إن "الدول الآسيوية تربطها أواصل تاريخية وإسهامات في إثراء الحضارة العالمية وخصوصاً الثقافة الإسلامية وبناء على هذه الأوصال العميقة زاد اهتمام الجانبين ببعضهما، بسبب المصالح المشتركة والتحولات السياسية والجيوسياسية الحالية."

ولفت كريمي إلى أن "مبادرة مجلس التعاون محل التقدير من قادة آسيا الوسطى، ومما يدل على ذلك حضور رؤساء آسيا الوسطى في هذه القمة كافة"، مضيفاً أنها انطلاقة جديدة للتعاون وفتح صفحة جديدة للشراكة بين المنطقتين والدول على المستوى الثنائي، وكذلك على المستوى متعدد الأطراف، متوقعاً أن تشهد تطورات وتحولات إيجابية كبيرة.

 

 

وأضاف السفير الطاجيكي القول إن آسيا تتمتع بموقعها الاستراتيجي، فحتى اسم المنطقة يدل على أهميتها "وسط آسيا"، مشيراً إلى استحواذ طاجيكستان وحدها على 60 في المئة من مصادر المياه النقية في المنطقة متمثلة في الأنهار والكتل الجليدية والبحيرات وخزانات المياه الطبيعية والجوفية، كما يحتوي بحر قزوين الذي تمتلكه كازاخستان وتركمانستان على نحو نصف شواطئه، وتعد ثاني أكبر احتياطي عالمي من النفط بعد منطقة الخليج.

هذا ما أكده متخصص العلوم السياسية صالح الخثلان قائلاً إن "العلاقات بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى تأتي ضمن توجهات المجلس في بناء شراكات استراتيجية مع القوى والتكتلات الدولية بما يتناسب مع المرحلة الراهنة وما تشهده من تطور النظام الدولي الذي يتسم بدرجة عالية من عدم اليقين، وهو ما يقتضي تكثيف شبكة العلاقات الإقليمية"، مضيفاً أن "هناك أبعاداً تاريخية ودينية وثقافية مشتركة بين دول المجلس ووسط آسيا تمثل أرضية مناسبة لبحث توسيع نطاق العلاقات لتشمل المجالات كافة التي تهم الطرفين".

 

 

وأشار الخثلان الذي شغل منصب عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود إلى أن هناك أسباباً عدة ساعدت في سبق العلاقات الإيرانية مع الدول الخمس، قائلا  "لهذا تفسير بسيط ويتمثل في الروابط الجغرافية، إذ تمثل إيران بوابة لهذه الدول الحبيسة نحو العالم الخارجي وبديلاً عن روسيا، كذلك هناك روابط تاريخية وثقافية وعرقية بحكم النفوذ الذي تمتعت به إيران على أجزاء كبيرة من المنطقة لفترات تاريخية طويلة، كما تشترك طهران مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي، إلا أنه يبقى هناك درجة من الحساسية والحذر في العلاقات، بسبب محاولات الدولة الفارسية التأثير الثقافي المذهبي على شعوب المنطقة، كما أن استمرار العقوبات الأميركية على طهران يعوق فرص التعاون الكبيرة بينها وبين دول وسط آسيا".

قلب العالم

وحول أهمية موقع الجغرافي علق  الخثلان بأنه "من المفارقات أن آسيا الوسطى تعد منطقة حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات، ودولها تقع تحت رحمة جاراتها روسيا وإيران اللتين توفران لها منفذاً على العالم الخارجي، إلا أن موقعها بين القوى الكبرى وهي الصين وروسيا، وقربها من منطقة الشرق الأوسط وروابطها التاريخية معها، جعلها محل اهتمام وتنافس دولي قديم، لكنه تجدد بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وحصول جمهوريات آسيا الوسطى الخمس على استقلالها".

واعتبر السفير الطاجيكي أكرم كريمي أن آسيا الوسطى هي دول مكملة لبعضها بعضاً، إذ لديها موارد طبيعية وبشرية، وفرص وإمكانات تنموية واقتصادية، فبالتالي هي دول مهمة للدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الخليج التي تتجه حالياً نحو آسيا من أجل التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والتنموي".

متغير جيوسياسي

ويرى الخثلان أن المحدد الأساس لسياسة الصين تجاه دول آسيا الوسطى هو المتغير الجيوسياسي والخشية من أي تأثير محتمل لأي تغيرات في هذه الدول على منطقة غرب الصين حيث أقلية الإيغور في سينكيانج (تركستان الشرقية)، التي ترتبط مع شعوب آسيا الوسطى عرقياً ودينياً وثقافياً، كما تهتم بكين بالمنطقة من زاوية استراتيجية ضمن لعبة النفوذ بينها وبين روسيا والولايات المتحدة، إضافة إلى موقعها ضمن مبادرة الحزام والطريق، وتنويع مصادر الطاقة حيث تمتلك دول المنطقة ثروات من الغاز الطبيعي والنفط"، لافتاً إلى اهتمام الولايات المتحدة، التي تتعامل مع دول المنطقة من منظور التنافس الاستراتيجي مع بكين ومحاولات تحجيم موسكو.

 

 

ومع الأسابيع الأولى مع الحروب الروسية على أوكرانيا، فضلت دول آسيا الوسطى وجودها على هامش الصراع الأوكراني بعيداً من التحركات السياسية والعسكرية ضد حليفها الروسي، مع تعاون مع الغرب بتفاصيل مرتبطة بالمساعدات والعقوبات. وبناء على هذه المواقف تشجعت القيادات الأميركية والأوروبية لرفع مستوى اللقاءات والشراكات، إذ قام مساعد وزير الخارجية الأميركية دونالد لو برحلة إلى كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان بعد ثمانية أسابيع من الحرب، تلتها زيارة رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا بجولة في البلدان نفسها.

وجود غربي

وأجرى الاتحاد الأوروبي قمتين مع "قلب العالم"، عقدت الأولى في كازاخستان خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2022، والثانية في جارتها قرغيزستان خلال فبراير (شباط) الماضي، دعا فيها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال على نحو صريح إلى "شراكة صادقة"، مؤكداً أن الاتحاد بإمكانه أن يكون "شريكاً محترماً ويخلق الثقة والتعاون في مجالات تكنولوجيا المناخ وقضايا الطاقة والأمن والنقل والسياحة"، على أمل تعزيز الوجود الأوروبي في سياق محاولات لإضعاف روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع الأيام الأولى من دخول الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثاني، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية وصول أنتوني بلينكن إلى آسيا الوسطى في فبراير الماضي (شباط)، إذ أجرى فيها محادثات في كازاخستان ثم في أوزبكستان، والتقى في العاصمة الكازاخستانية آستانة وزراء خارجية الجمهوريات السوفياتية الخمس السابقة في آسيا الوسطى.

تراجع روسي

وأشار تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال "الأميركية منتصف العام الماضي إلى أن موسكو تواجه تحدياً غير متوقع من دول آسيا الوسطى الخمس التي لطالما اعتقد الكرملين أنها حليفة وامتداد طبيعي مستمد من تاريخها مع الاتحاد السوفياتي والإمبراطورية الروسية من قبله، إلا أن الحرب مع كييف غيرت مواقف تلك الدول وجعلها تراجع سياساتها الإقليمية والبحث عن تحالفات تتعدى حليفها التاريخي على رغم دعمه المستمر.

استدل الكاتب إيفان غيرشكوفيتش، المعتقل حالياً في موسكو، في تقريره بمساعدة روسيا لحليفتها القديمة كازاخستان، وهي الدولة الغنية بالنفط، وتشترك معها في حدود طولها 6467 كم، وتعد ثاني أطول حدود في العالم، وفي الأسبوع الأول من 2022 اندلعت اضطرابات عنيفة مناهضة لحكومة الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بادر إلى مد يد العون، وأرسل 2000 جندي لدعم توكاييف، التي نجحت في إخماد الاحتجاجات الشعبية.

وبعد شهر ونصف شهر من تلك الأحداث شاهد العالم دخول القوات الروسية للأراضي الأوكرانية، وأتيحت الفرصة لتوكاييف لرد جميل الكرملين، من خلال دعم الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن هذا لم يحدث، إذ أخذت كازاخستان موقفاً صارماً حيال الحرب، وأكدت تطبيق العقوبات الغربية المفروضة على موسكو على بعض صادراتها إلى روسيا، وزيادة حصة صادراتها النفطية إلى أوروبا بعد حظر النفط الروسي، إضافة إلى استقبال وفود أميركية وأوروبية عالية المستوى على أمل عزل روسيا عن شركائها التاريخيين.

موقف موحد

الموقف الكازاخي الصارم شاركت فيه الجارات الأربع، فلم تقم أي منهم بدعم روسيا، ولا الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك الشعبية ودونيتسك الشعبية اللتين انفصلتا عن أوكرانيا بعد استفتاء شعبي أشرفت عليه موسكو، مما جعل بيلاروسيا الدولة السوفياتية السابقة الوحيدة التي تقدم دعماً كاملاً لموسكو في حربها.

رئيس كازاخستان أكد خلال اجتماع مع نظيره الروسي في الكرملين نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن "روسيا كانت ولا تزال الشريك الاستراتيجي الرئيس لكازاخستان".

 

 

وفي تقرير لصحيفة "ذا غارديان" The Guardian نشرته مارس (آذار) الماضي أفاد، بحسب تحليلات خبراء تحدثوا للصحيفة البريطانية، بأن الحرب على أوكرانيا أدت إلى نتائج عكسية على روسيا، أبرزها فقدانها نفوذها وقوتها بالمنطقة وخاصة لدى حلفائها السوفياتيين السابقين، بسبب تصاعد مخاوف عدد من دول شرق آسيا من تعرضها لعدوان مماثل.

ويبرز تقرير الصحيفة أن ملامح هذا التراجع تظهر مع فقدان حكومات دول الجوار ثقتها بالكرملين، بخاصة بعد التضامن الدولي الواسع مع أوكرانيا والمساعدات العسكرية غير المسبوقة التي حصلت عليها كييف من الحلفاء الغربيين، إضافة إلى الثبات الذي أظهره الغرب في فرض عقوبات واسعة على موسكو.

هذا التراجع جعل روسيا، بحسب رأي الصحيفة، تهتم أكثر وتضاعف وجودها الدبلوماسي مع الدول المحيطة، إذ زار بوتين جميع دول آسيا الوسطى الخمس، وعقد أكثر من 50 اجتماعاً مع زعماء الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا في عام 2022.

بلاد ما وراء النهر

أطلق المسلمون الأوائل على آسيا الوسطى بـ"بلاد ما وراء النهر" نسبة إلى نهري سيحون "سرداريا" وجيحون "أموداريا"، التي ظلت أحد أهم حواضر العالم الإسلامي حتى منتصف القرن الـ19 عندما ضمتها الإمبراطورية الروسية القيصرية ومنه انتقلت لسيادة الاتحاد السوفياتي، ثم نالت استقلالها عام 1991 بعد قيام الجمهوريات السوفياتية الخمس السابقة في آسيا الوسطى التي تشكل اليوم بما يعرف بدول آسيا الوسطى بالانفصال، وهي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان.

وفي ظل المنعطفات السياسية المتسارعة والاهتمام الإقليمي بهذه "الدول الحبيسة" الذي ربما كان متأخراً إلى حد ما، يقول الجغرافي البريطاني جون ماكيندر، أحد مؤسسي علم الجيوبوليتك، مبيناً عن أهمية منطقة آسيا الوسطى أن "من يسيطر عليها يتحكم في العالم"، فإنها تمثل قلب الأرض.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة