Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاربة الفساد في الجزائر بين القرار والتحديات

هذه الاستراتيجية تهدف أيضاً إلى تشجيع مشاركة المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الوقاية من هذه الآفة ومكافحتها

إطلاق استراتيجية وطنية جديدة للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته مبنية على نهج تشاركي يستوعب كل فعاليات المجتمع المدني (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تمت صياغتها بعد استشارات وطنية ودولية بالاستعانة بتجارب دول في هذا المجال

تتجه الجزائر إلى رصد مزيد من القوانين والآليات لمكافحة الفساد بشتى أشكاله وتفعيل المعايير الدولية والوطنية لمحاربته على مستوى المؤسسات والإدارات العمومية والقطاع الاقتصادي، إلا أن ثمة تساؤلات ملحة تطرح بشدة حول جدوى هذه الترسانة القانونية في حال لم يتمّ إرفاقها بآليات تطبيق، وفي مسعى من الحكومة الجزائرية، تم إطلاق استراتيجية وطنية جديدة للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته مبنية على نهج تشاركي يستوعب كل فعاليات المجتمع المدني.

مناخ سياسي

وبحسب وثيقة نشرتها السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته "يندرج إطلاق هذه الاستراتيجية في سياق تجسيد توجيهات الرئيس عبد المجيد تبون، الرامية إلى خلق مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي مناهض للفساد، وبناء دولة الحق والقانون تكرّس فيها مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة ووضع منظومة قانونية ومؤسساتية فعالة ومؤهلة"، وترتكز هذه الاستراتيجية، بحسب الوثيقة، على خمسة مبادئ ينبثق منها 17 هدفاً و60 مشروعاً، تتمحور "حول تعزيز الشفافية وأخلقة الحياة العامة، لا سيما من خلال ترقية نزاهة الموظف العمومي وتعزيز المساءلة في تسيير الشأن العام، فضلاً عن تعزيز الشفافية والنزاهة في القطاع الاقتصادي عبر الوقاية من تبيض الأموال ومكافحته"، كما تسعى الاستراتيجية إلى تشجيع التعاون الدولي واسترداد الموجودات لا سيما من خلال تعزيز آليات استرداد الموجودات وتسييرها عبر وضع إطار قانوني لمتابعة تسيير الأموال المحجوزة أو التي تمت مصادرتها، مع السهر على دعم دور وقدرات أجهزة الرقابة وسلطات إنفاذ القانون.

وجاء في الوثيقة أن هذه الاستراتيجية "تهدف أيضاً إلى تشجيع مشاركة المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الوقاية من الفساد ومكافحته، من خلال تعزيز الديمقراطية التشاركية والرقابة المجتمعية على تسيير الشأن العام مع تعزيز قدرات الجمعيات في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته".

وقال الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، لدى إشرافه على إطلاق الاستراتيجية، إن دستور عام 2020 "أسس للعديد من الإجراءات والتدابير المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته وفقاً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، وكذلك مختلف المواد التي تناولت مواضيع ذات صلة، منها ما تعلّق بحماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، وتفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية، وواجب التصريح بالممتلكات وتفادي وضعيات تعارض المصالح، وألا تكون الوظائف والتعهدات في مؤسسات الدولة مصدراً للثراء ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصة".

وأكد أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تمت صياغتها بعد استشارات وطنية ودولية بالاستعانة بتجارب دول في هذا المجال، و"ستصبح وثيقة ملزمة لكل الأطراف والحكومة ملتزمة بدعم ومرافقة الهيئة للعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجية"، وأفاد بن عبد الرحمن بأن "دولاً وهيئات دولية تطالب بلادنا بمكافحة الفساد، لكنها لا تقدم لها المساعدة اللازمة لاسترجاع أموال تم تهريبها" خلال حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، مضيفاً "لا يستقيم أن تطلب منا دول وهيئات (لم يحددها)، مكافحة الفساد والرشوة، ولا تمدّ لنا يد المساعدة من أجل استرجاع الأموال المهربة من الحقبة السابقة، بل وتوفر أحياناً الملاذ الآمن لها، نطلب من كل هذه الهيئات والدول التي استفادت من توطين هذه الأموال المهربة، مساعدتنا في استرجاعها بالآلية التي تسمح لهذه الشعوب بأن تستفيد من هذه المقومات".

وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عام 2021، أن سلطات بلاده "باشرت اتصالات لاستعادة الأموال المهربة للخارج، وحتى عقارات، وأن السفراء يتولون هذه المهمة".

هيئات رقابة

وتضاف الاستراتيجية الجديدة إلى ست هيئات رقابية أخرى لمكافحة الفساد في الجزائر، هي الديوان المركزي لقمع الفساد الذي أنشئ، عام 2006، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي باتت هيئة دستورية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ومجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية، إضافة إلى هيئة "من أين لك هذا؟ التي استحدثها الرئيس تبون في يناير (كانون الثاني) 2022، مهمتها محاربة الفساد والثراء غير المشروع لدى الموظفين العموميين والسلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته تتولى رصد أي مظاهر ثراء مفاجئ تظهر على المواطنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال البرلماني الجزائري علال بوثلجة إن الاستراتيجية الجديدة تعتبر نقطة تحول كبيرة لمحاربة الفساد وإقرار الشفافية، وأوضح أن الاستراتيجية تعدّ تجسيداً على ما جاء به دستور 2020، وخطوة إلى الأمام لدخول الجزائر إلى نادي الدول التي تحارب الظاهرة بوضع كل الآليات لمكافحتها، وأضاف أن الاستراتيجية ترتكز، بشكل خاص، على تعزيز الشفافية وآليات مكافحة الفساد وعلى أخلقة المجتمع وعمليات التسيير والتعاطي مع المال العام، وأشار إلى أن الجزائر مرت بفترات صعبة في موضوع الفساد، ودخلت حالياً في مرحلة أخلقة الحياة العامة وهو المسار الذي يجب على الجميع الانخراط فيه من مجتمع مدني ومؤسسات، لأن محاربة الفساد لا تنحصر في هيئة معينة بل هي عملية شاملة لكل أطياف المجتمع، وأكد بوثلجة أن الوقاية تبقى أحسن حل لمكافحة الفساد عن طريق انخراط جميع مكونات المجتمع من مدارس ومساجد وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والمسؤولين في كل المستويات.

وشدد المتحدث على ضرورة استباق مكافحة الفساد عبر رصد مؤشراته الأولية ومعالجتها فوراً عبر أخلقة الحياة العامة للوقاية من مظاهر التعاملات المشبوهة في المجتمع، أما إذا وقعت عمليات فساد ميدانياً فيتدخل القانون لضمان العدالة عن طريق المتابعات القضائية.

خطة جديدة

من جهتها، كشفت رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته سليمة مسراتي، في تصريحات صحافية، عن تلقي السلطة 700 بلاغ ضدّ الفساد، في سنة واحدة من تأسيسها، وأنه يتم التحضير لقانون جديد لحماية المبلغين قريباً، وأوضحت مسراتي أن هذه الاستراتيجية تعتبر خطّة الدولة ككل، وكل الوزارات والسلطات ملزمة بتطبيقها وتنفيذ مضمونها، مشدّدة على أن السلطة، ستعمل على دعم صلاحيات مراقبة المؤسسات عبر إقرار نصوص تنظيمية جديدة هي قيد التحضير حالياً تتعلّق بتسيير الشأن العام، واحترام الشفافية ومراعاة القانون في حركة الصرف والمعاملات المالية، وأضافت أن "الاستراتيجية تأسّست وفق خمسة مبادئ ينبثق منها 17 هدفاً و60 إجراء تتمحور حول تعزيز الشفافية وأخلقة الحياة العامة"، مؤكدة أن الأسس التي قام عليها تحضير هذه الاستراتيجية، هي البدء بتشخيص واقع الفساد في الجزائر بناء على دراسات وإحصاءات السلطات القضائية من خلال استمارات كانت ترسل إلى الإدارات العمومية تتحدث عن الفساد في القطاعات الوزارية.

وبخصوص استرجاع الأموال المنهوبة، أكدت مسراتي أن العملية مصنفة ضمن أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، إذ يتم حالياً تنسيق الجهود على المستوى الوطني والدولي بهذا الخصوص، كما سيتم تقديم مشروع للسلطات المعنية لحماية المبلّغين عن الفساد في الوقت المناسب.

وغالباً ما يثير موضوع التبليغ عن الفساد نقاشاً واسعاً في الجزائر، ويعبر حقوقيون في مناسبات عدة عن مخاوف إزاء عدم توافر ضمانات كافية لحماية المبلغين قد يقعون ضحية عمليات انتقامية من طرف المتورطين في قضايا فساد.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، أكد وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، أمام المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان)، أنه "ينبغي حماية المبلغين عن العمليات المشتبه فيها"، مشيراً إلى أنه "لن تكون هناك متابعات قضائية ضد الأشخاص الذين يقومون بالإخطار عن الشبهات".

ورأى أستاذ العلوم السياسية الجزائري فاروق طيفور أن مكافحة الفساد في الجزائر مسار وليس قرار أو استراتيجية أو خطاب سياسي، وقال طيفور إن "الفساد أصبح مهيكلاً ومؤسساً ويحتاج إلى رؤية شاملة لاجتثاث أصوله المحلية والمركزية ومظاهره وأنواعه الإدارية والمالية والأخلاقية أيضاً"، وأضاف أن "توافر الإرادة السياسية لمكافحته بعد الحراك الشعبي أصبحت مطلباً ملحاً لأنه ما زال إلى اليوم ينخر الاقتصاد الوطني وهو ليس فقط إرادة حكومية بل مجتمعية كذلك"، وأشار إلى أن ضرورة إشراك الجميع، "كل في موقعه لتحقيق تقدم في هذا المسار الذي لا ينبغي أن يتوقف لأن الفساد متمكن من الذهنية العامة التي أصبحت البيروقراطية تسندها وتدعمها وتوفر لها المسارات لتبقى، كما يجب أن ترافقها حملات إعلامية سواء لكشف المفسدين أو للتبليغ عنهم مع تقنين حماية المبلغين".

المزيد من تقارير