بعد أكثر من 10 سنوات من التفاوض المتعثر بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا في شأن أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق وتخشى دولتا المصب من تأثيره في حصتيهما المائية، جاء إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المشترك على "انجاز اتفاق خلال أربعة أشهر ليحيي الآمال والشكوك معاً حول إمكان حلحلة الأزمة التي استعصت على الجهود الدولية والإقليمية طوال الأعوام الماضية.
وجاء الإعلان المشترك للبلدين مساء أمس الخميس بعد أقل من شهر على إعلان إثيوبيا في الـ 22 من يونيو (حزيران) الماضي استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزان سد النهضة الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، وقبل يوم واحد من إظهار صور حديثة بالأقمار الاصطناعية للسد عن بدء الملء بشكل فعلي، فيما تتمسك القاهرة بضرورة الوصول إلى حل عبر التوصل لاتفاق قانوني ملزم لإدارة وتشغيل السد.
اتفاق خلال 4 أشهر
ووفق ما جاء في البيان المشترك الذي نشرته الرئاسة المصرية فقد اتفق الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على الانتهاء خلال أربعة أشهر من صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة، مشيراً إلى أن اللقاء الذي جمع الرجلين على هامش اجتماع الدول المجاورة للسودان في القاهرة ناقشا خلاله "سبل تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي" المتوقفة منذ أبريل (نيسان) 2021.
وتابع البيان أن السيسي وأحمد اتفقا على"الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، واتفقا على بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر"، مضيفاً أنه "خلال فترة هذه المفاوضات أوضحت إثيوبيا التزامها أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023 - 2024 بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الحاجات المائية لكلا البلدين".
وجدد السيسي وآبي أحمد "تأكيد إرادتهما السياسية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين سياسياً واقتصادياً وثقافياً، انطلاقاً من الرغبة المشتركة في تحقيق مصالحهما المشتركة وازدهار الشعبين بما يسهم أيضاً بشكل فعال في تحقيق الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة، وقدرة الدولتين على التعامل مع التحديات المشتركة".
من جانبه غرد رئيس الوزراء الإثيوبي عبر صفحته على "تويتر" قائلاً "سعدت بلقاء الرئيس السيسي في القاهرة لإجراء محادثات اتسمت بروح التعاون في القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
وبحسب مصدر حكومي مصري تحدث لـ "اندبندنت عربية"، فإن اللقاء الذي جمع السيسي وأحمد في القاهرة "شهد أجواء إيجابية وتضمن تأكيدات إثيوبية على الاستعداد للتوصل إلى اتفاق في شأن سد النهضة في أسرع وقت ممكن، مع عدم إلحاق أي ضرر بحصة مصر المائية"، موضحاً أن" القيادة المصرية التي ترى في استئناف التفاوض سرعة التوصل إلى حل لتلك الأزمة العالقة منذ أكثر من عقد من الزمان، هو الخيار الأمثل"، معرباً عن تطلع بلاده لأن "ينعكس الزخم السياسي الذي أحدثه اللقاء على مسار المفاوضات خلال الفترة المقبلة".
وفي السادس من يوليو (تموز) الجاري أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال الدورة العادية الـ 28 للبرلمان الإثيوبي أن حكومته اتخذت قراراً بالتقليل من وتيرة التعبئة الرابعة لسد النهضة، على أن تنجز في نهاية شهر أغسطس (آب) أو أوائل سبتمبر (أيلول) المقبلين، بدلاً من نهاية يوليو الجاري، مشيراً إلى حرص بلاده على عدم إلحاق الضرر بدولتي المصب مصر والسودان.
ترحيب دولي
وفي سياق ردود الفعل على الاتفاق كتب مبارك أردول، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات التمرد في السودان ويعد مقرباً من الجيش، عبر حسابه على موقع "تويتر"، "على رغم غيابنا ولكننا ندعم بالكامل هذا البيان الثنائي في شأن سد النهضة"، مضيفاً أن السودان "سينضم قريباً لجعل الاتفاق ثلاثيا من دون وسطاء خارجيين".
بدوره أثني رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي على لقاء السيسي وأبي أحمد "وقرارهما المشترك لتعزيز العلاقات الثنائية، بما في ذلك استئناف المفاوضات لحل القضايا العالقة في شأن سد النهضة لمصلحة شعبيهما"، كما رحب الاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة بقرار القاهرة وأديس أبابا البدء في مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق في شأن ملء سد النهضة وقواعد تشغيله، إذ قال ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عبر صفحته على "تويتر"، "نرحب بقرار إثيوبيا ومصر تعزيز العلاقات الثنائية بما في ذلك حل القضايا المتعلقة بسد النهضة"، مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي لا يزال مستعداً لدعم مثل هذه الجهود التي تفيد ملايين الأشخاص".
حذر وترقب
وبقدر الزخم السياسي الذي أحدثه الاتفاق المشترك بين القاهرة وأديس أبابا على استئناف المفاوضات والانتهاء منها في غضون أربعة أشهر، تلقت الأوساط المصرية الإعلان بـ "قليل من التفاؤل وكثير من الترقب والحذر"، وسط كثير من الأسئلة عما ستفضي إليه الفترة المقبلة من نتائج، بحسب من تحدثوا لـ "اندبندنت عربية".
ويقول أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي إن "مجرد استئناف المفاوضات ليست النهاية ولا يمكن اعتبارها إنجازاً في حد ذاتها"، معتبراً في حديثه أنه "ليس لدينا أي تأكيد أو توافق حول ما إذا كانت النقاط الخلافية التي أوصلت الجولات التفاوضية السابقة إلى طريق مسدود يمكن تجاوزها هذه المرة، وألا تعرقل الأمور مجدداً".
وتابع شراقي أن "مجرد تحديد جدول زمني خلال أربعة أشهر أمر مقبول، لكن في النهاية تبقي الضمانات في عزم الطرفين على الوصول إلى حل ووجود إرادة سياسية لتحقيق ذلك"، مضيفاً "خلال الأعوام الـ 10 الماضية توقفت المفاوضات أكثر من مرة وتم استئنافها على مستوى أعلى قيادة في البلدين، لكن في النهاية لم نصل إلى حل، وعليه يجب ألا نضع كثيراً من الآمال والطموحات في استئناف المفاوضات في حد ذاتها بسبب تاريخ التفاوض السابق بين البلدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أبريل 2021 فشلت آخر جولة مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، والتي عقدت على مدى أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، في تحقيق أي تقدم نحو حل أزمة سد النهضة، وكانت تسمى حينها "مفاوضات الفرصة الأخيرة"، ومنذ ذلك الحين تبادلت البلدان الثلاثة الاتهامات حول التسبب في تعثر المسار التفاوضي على وقع ما سمته "تعنتاً في المطالب".
واعتبر شراقي أن التزام إثيوبيا بعدم إلحاق الضرر بدولتي المصب خلال عملية الملء الرابع "لا يعدو كونه تصريحات دبلوماسية وغير واقعي، إذ إن تصريف المياه بات محكوماً من فتحات السد، وهي بوابتان فقط في جسم السد مما لا يتناسب والحاجات المائية اليومية لمصر"، مقراً في الوقت ذاته بأهمية "الزخم السياسي الذي أحدثه البيان المشترك بين القاهرة وأديس أبابا".
ومضى قائلاً إن النقطة الفاصلة تكمن في "القدرة على تجاوز النقاط الخلافية والتوصل إلى اتفاق شامل وملزم يحدد قواعد الملء والتشغيل ويراعي المصالح المائية لدولتي المصب".
وكشفت صور حديثة بالأقمار الاصطناعية لموقع السد أمس الخميس فتح بوابتي التصريف، مما يعني أن إثيوبيا ستبدأ الملء الرابع فعلياً. وأظهرت الصور كذلك أن إثيوبيا فتحت بوابتي التصريف الغربية والشرقية بعدما أكملت الإنشاءات في الممر الأوسط تمهيداً لتعويض الكمية الناقصة من البحيرة والبالغ قيمتها 3 مليارات متر مكعب، واستقبال مياه الأمطار والفيضان لبدء التخزين الرابع، وفق شراقي.
وفي الاتجاه ذاته تقول مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية السفيرة مني عمرو "راودنا الأمل بالموقف المختلف والإيجابي من الجانب الإثيوبي، إلا أن الحذر لا يزال قائماً ولا يمكن استعادة الثقة مرة واحدة"، موضحة أنه "بجانب إيجابية التطور الحاصل على صعيد الأزمة تبقى ترجمة التصريحات المتبادلة على أرض الواقع وانعكاسها في سرعة التوصل إلى اتفاق الأمر الحاكم لذلك التطور".
واعتبرت عمرو أن "فكرة وضع استئناف التفاوض في إطار زمني خلال أربعة أشهر أمر جيد"، مشيرة في الوقت ذاته إلى إمكان إنجاز "الكثير في حال البناء على ما تم التوصل إليه سابقاً، وتوافر الإرادة السياسية لتجاوز النقاط الخلافية والعالقة".
من جانبه يرى وزير الموارد المائية والري الأسبق محمد نصر علام أن "أي تقدم ملموس على صعيد الأزمة لا يمكن أن يحدث من حوار سياسي بين البلدين"، معتبراً أن "الخلاف حول سد النهضة سياسي بالأساس بين القاهرة وأديس أبابا، ولا يمكن تجاوز الخلافات الفنية في التفاوض من دون وجود قرارات سياسية على صعيد البلدين في ذلك الشأن"، مشيراً إلى صعوبة الوصول إلى هذه الحال في ظل ما سماه "عدم الاعتراف بحقوق الآخر المهيمنة على العلاقات في الوقت الراهن".
وخلال جولات التفاوض السابقة تمحورت نقاط الخلاف بشكل رئيس حول فترة ملء وكيفية تشغيل سد النهضة، إذ تطالب مصر بأن تمتد فترة ملء السد إلى 10 أعوام مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف، بينما تتمسك إثيوبيا بأربع إلى سبع سنوات بدلاً من سنتين إلى ثلاث، بحسب مصادر حكومية إثيوبية.
وكانت مصر تقدمت بمقترح قالت إنه يهدف إلى تجنب الجفاف ويقضي بأن لا تبدأ إثيوبيا بملء السد من دون موافقة مصر، وهو ما رفضته إثيوبيا.
وشهدت الأعوام الماضية الملء الأول والثاني والثالث للسد الإثيوبي من دون توافق مع مصر أو السودان، وسط تنديد الأخيرتين وتمسك أديس أبابا بموقفها.
وتجمدت المفاوضات حول السد منذ أكثر من عام بين مصر وإثيوبيا والسودان، إذ تتمسك القاهرة والخرطوم بالاتفاق أولاً مع إثيوبيا على ملء السد وتشغيله لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه المقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
وفي المقابل تواصل أديس أبابا رفض الاتهامات معللة ذلك بأن السد الذي بدأت تشييده عام 2011 "لا يستهدف الإضرار بأحد"، وفي فبراير (شباط) 2022 دشنت أديس أبابا رسمياً إنتاج الكهرباء من السد الذي تقدمه على أنه من بين الأكبر في أفريقيا، وتم تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5 آلاف ميغاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، كما يتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية عام 2024.