ملخص
تفاؤل وتحديات أمام قمة الجوار المصرية لإنهاء حرب السودان
تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، غداً الخميس، قمة تجمع قادة دول الجوار لبحث سبل إنهاء الصراع السوداني وتداعياته السلبية على تلك الدول، ولما كانت القمة المرتقبة تأتي في أعقاب فشل كل الجهود الدبلوماسية والمنابر والمبادرات الدولية والإقليمية، التي سبقتها في الوصول إلى حلول توقف القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" الذي اندلع في 15 أبريل (نيسان) الماضي، آخرها اجتماع اللجنة الرباعية لمنظمة "إيغاد" بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الإثنين الماضي، أو حتى الجمع بين فرقاء الصراع على مائدة التفاوض، فما فرص نجاح هذا المؤتمر مع تلك الخلفية ووسط هذه الأجواء؟
تفاؤل عال المستوى
استباقاً للقمة وقبلها بأيام نقلت وسائل إعلام سودانية تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بأن الأوضاع في السودان تتجه نحو الاستقرار، مؤكداً أنهم سيسهمون "مع الأشقاء العرب والأفارقة والشركاء الدوليين في إعمار ما دمرته الحرب في السودان".
وأكد المستشار المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي، استضافة بلاده مؤتمر قادة دول الجوار لبحث سبل إنهاء الصراع السوداني الحالي وتداعياته، إلى جانب وضع آليات فاعلة لتسوية الأزمة السودانية بصورة سلمية بمشاركة دول الجوار وبالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى في ذات الإطار.
وأشار بيان الرئاسة المصرية، إلى أن المؤتمر يأتي في ظل الأزمة الراهنة في السودان، وحرصاً من الرئيس السيسي على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان، واتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب، وتجنيب البلاد الآثار السلبية التي تتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة عامة.
ترحيب سوداني
من جانبها رحبت الحكومة السودانية، في معرض بيان لوزارة الخارجية، بمؤتمر قمة دول الجوار التي تستضيفها مصر، ويتوقع أن يقود الوفد السوداني مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
وانتقد بيان الخارجية السودانية في الوقت ذاته، ما جاء في البيان الختامي للجنة "إيغاد" الرباعية بخصوص غياب وفد السودان من دون الإشارة إلى السبب المتمثل في اعتراضه على رئاسة الرئيس الكيني وليام روتو للجنة، مؤكداً حرص حكومة السودان على تذليل كل العقبات أمام انسياب المساعدات الإنسانية ووصولها إلى المحتاجين رفعاً للمعاناة عن كاهل شعبها.
وأكدت الوزارة رفض السودان نشر أي قوات أجنبية على أراضيه واعتبارها "قوات معتدية"، مهددة إزاء ما اعتبرته مساساً بسيادة الدولة السودانية وعدم احترام آراء الدول الأعضاء، بإعادة النظر في جدوى عضويتها في منظمة إيغاد.
حرص مصري
على نحو متصل، قال عضو مجلس النواب المصري النائب عبدالوهاب خليل، إن "استضافة مصر لقمة دول جوار السودان، تعكس الدور المحوري لمصر في إيجاد حل في أسرع وقت لهذه القضية التي باتت تؤرق الشعب السوداني، وتقف في طريق حقه المشروع في العيش بأمان والتطلع لمستقبل أفضل". وأضاف خليل، في تصريحات صحافية، أن "مصر تتطلع من خلال تلك القمة إلى وضع حلول فاعلة بالمشاركة مع دول الجوار للأزمة السودانية، بالشكل الذي يمثل وقفاً فورياً ودائماً للاقتتال القائم حالياً بين العناصر السودانية، وتسوية الأزمة السودانية وفقاً للمعايير الإقليمية والدولية.
في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية مصطفى أبو القاسم، أن "نجاح القمة يستدعي تهيئة البيئة المطلوبة التي تستبق الجلوس على مائدة المؤتمر تفادياً لأي سوء فهم أو تقاطعات، وتجنباً لمصير لقاءات ومبادرات سابقة مات بعضها في مهده وتجمدت أخرى في منتصف الطريق".
تمهيد مبكر
وأشار أبو القاسم إلى موافقة الأطراف المبدئية واطمئنانهما على التوازن في التعاطي مع القضية، لافتاً إلى أن "مصر مهدت بالفعل للمؤتمر عبر تحركاتها واتصالاتها الدبلوماسية منذ بدايات الحرب، عبر تواصلها الدبلوماسي مع طرفي الصراع، وجولات وزير خارجيتها سامح شكري المبكرة التي شملت عدداً من دول الجوار على رأسها دولتا جنوب السودان وتشاد، مما يشير إلى تمهيد مصري مبكر لهذا المؤتمر".
ونوه الأستاذ الجامعي السوداني بأنه "سبق لمصر أن تعاطت مع الأزمة السياسية السودانية باستضافتها ورش عمل للقوى المدنية والأحزاب في إطار البحث عن حلول لتشابكات المرحلة النهائية للعملية السياسية مما بعد التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، مما يؤكد امتلاك القاهرة خلفية جيدة لأبعاد الأزمة وجذورها، ووعيها بتطوراتها، ما يوفر فرصاً أفضل لإمكانية نجاح قمة الجوار.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "الأزمة السودانية باتت تكتنفها تعقيدات داخلية نتيجة تضاءل هامش الثقة بين الطرفين المتحاربين إلى درجة العدم، فضلاً عن تجاذبات وصراع الرؤى السياسية الداخلية، وتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية، ما يشكل تحديات تتطلب التعاطي معها بقدر كبير من الانفتاح والتوازن والتنازلات والحكمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتدال المواقف
كما رجح أستاذ العلوم السياسية، أن تكون مصر تلقت موافقة مبدئية من كل الأطراف السودانية بما فيها الجيش و"الدعم السريع" والأحزاب السياسية السودانية، بعد قناعة راسخة منها بأن استمرار الحرب لن يحقق الحل المطلوب بل سيفاقم من الأزمة وتداعياتها السالبة المتفاقمة يوماً بعد يوم على كل الصعد الإنسانية والسياسية والاقتصادية.
ويبدو الأكاديمي متفائلاً من منطلق أن "علاقات مصر الطيبة مع كل الأطراف السودانية، ومع دول الجوار التي تأذت وما زالت من الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، تؤهلها لإنجاح هذه القمة التي لا تخلو من تحديات كبيرة، والتي لا شك أن القاهرة قد استعدت لها بالشكل المطلوب، إضافة إلى الاهتمام والدفع الأميركي الذي من شأنه أن يدفع باتجاه نجاحها".
من جانبه، يعتقد الناطق الرسمي السابق باسم الخارجية السودانية، السفير خالد فرح، أن "دول الجوار تتأثر بصورة مباشرة بالحرب بكل تأكيد، ومن مظاهر ذلك التأثر تدفق أعداد متزايدة من اللاجئين وتداعيات ذلك اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وصحياً"، لافتاً إلى أن "اعتدال مواقف تلك الدول من الحرب، إن كان معتدلاً حقاً، فإن من شأن ذلك أن يعمل بالفعل على تعزيز فرص نجاح هذه القمة". ويضيف فرح، "إذا خلص المؤتمر إلى أن ما يحدث في السودان منذ منتصف أبريل الماضي، شأن داخلي، وتمرد من قبل كيان شبه نظامي تابع للقوات المسلحة السودانية ويعمل تحت إمرتها وخاضع لإرادتها وتعليماتها، بالتالي لها الحق في التعامل معه كما تتعامل كافة الجيوش الوطنية في العالم مع نزعات التمرد ضدها ولم تتعامل مع الوضع على اعتبار أنه صراع بين جنرالين أو بين طرفين كما يردد البعض بما يجرد الدولة السودانية من ممارسة سيادتها وإرادتها الوطنية فستكون فرصة في النجاح كبيرة جداً بكل تأكيد".
من جانبه توقع القيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، أن "تسهم القمة المرتقبة في التوصل إلى حلول للأزمة السودانية، بحكم الثقل الخاص والدور المهم لمصر مع خبراتها وأدوارها التي ما زالت تلعبها على صعيد الأزمة الليبية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وقف الحرب
ولفت كرار إلى أهمية أن تتوصل القمة إلى وقف فوري لإطلاق النار "لإنهاء معاناة المدنيين في مناطق الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، خصوصاً بعد مرور أكثر من 90 يوماً على الحرب من دون أن يحقق أي طرف نصراً حاسماً على الآخر".
وشدد القيادي الشيوعي على أن "دور مصر دور رئيس نظراً إلى خصوصية العلاقة بينها وبين السودان ولأن معظم اللاجئين السودانيين خرجوا إلى مصر وتلك قضية أساسية تؤثر أيضاً على مصر سياسياً وأمنياً، كما أن أطراف الصراع السوداني بمعظمها تحترم الدور المصري لحل أزمة السودان".
على نحو متصل، قال رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، إنه بحث مع الرئيس التشادي محمد إدريس دبي، خلال زيارته الأخيرة إلى أنجامينا كيفية وقف الحرب ومعالجة الأوضاع الإنسانية ومخاوف انتقال وتمدد الحرب إلى إقليم دارفور، وما يمكن أن يتمخض عنه مؤتمر قادة دول الجوار المرتقب بالقاهرة وإمكانية نجاحه في وقف الحرب وتحقيق السلام بالسودان.
جهود سابقة
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري ألقى كلمة أمام المؤتمر الرفيع المستوى لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة، الذي سبق ودعت إليه مصر في يونيو (حزيران) الماضي، أكد فيها اهتمام مصر الشديد بأمن واستقرار السودان باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي. وشدد على "تضامن مصر مع الشعب السوداني الشقيق لتجاوز محنته"، مشدداً على أن "مصر ستواصل جهودها ومساعيها مع كافة الأطراف لوقف المواجهات والعودة إلى الحوار".
وكانت كل الجهود الدبلوماسية والمبادرات والوساطات الإقليمية والدولية والمحلية المتمثلة في المبادرة الأميركية- السعودية ووساطة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "الإيغاد"، والآلية الثلاثية التي تضم كلاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد، التي بلورت اللجنة الرباعية، قد أخفقت في التوصل إلى إنهاء الحرب السودانية رغم تفاقم خسائرها البشرية والمادية وتسببها بموجة نزوح وتشريد ملايين المواطنين ما زالت مستمرة. وباتت المواجهات في الخرطوم تهدد بالتحول إلى حرب أهلية شاملة في البلاد قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.