Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإفلاس أزمة الأفراد والدول...كيف تجنب الوقوع في فخه؟

الأوبئة والظواهر الطبيعية العنيفة قد تؤدي إلى عجز الحكومات عن سداد ديونها والوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع الرواتب والأجور

إفلاس بنك "وادي السيليكون" الأميركي أثار مخاوف تكرار أزمة 2008 (أ ف ب)

ملخص

في حال إفلاس فرد أو شركة يتملك الدائنون أصول المتعثرين لكن هذا الواقع لا ينطبق على الدول التي لا يمكن للدائنين مصادرة أصولها

من بين القضايا المثيرة للانتباه في حاضرات أيامنا، تأتي قضية الإفلاس، وهي الظاهرة التي تصيب الأفراد، كما تصيب الجماعات دفعة واحدة.

والإفلاس هو تعبير يصف الوضعية القانونية التي يوجد عليها شخص طبيعي، أي فرد عادي أو معنوي، مثل شركة، مدين بالمال لأطراف أخرى، أفراد أو شركات، كالموردين أو البنوك، لكنه متوقف عن سداد ديونه وعاجز عن الوفاء بالتزاماته المالية تجاه دائنيه.

عادة ما تعلن حالة الإفلاس بحكم قضائي من طرف محكمة متخصصة، وبمبادرة من طلب الجهة المفلسة نفسها أو من الدائنين أو من الدولة.

وتدرس المحكمة طلب إعلان الإفلاس وفقاً لمسطرة قضائية محددة من أجل التأكد من توفر واستيفاء جميع الشروط، قبل النطق بالحكم الذي تكون له تبعات قانونية على المفلس.

على أن هذا التوصيف القانوني ينسحب على الأفراد، ويمكن أن يجري الأمر نفسه على الشركات، مع تطبيق القانون التجاري في هذه الحالة، غير أن مفهوم الإفلاس بالنسبة إلى الدول، يكتسب عادة شكلاً آخر، ويطرح علامات استفهام أكثر إثارة، من نوعية هل تفلس الدول كما يفلس الأفراد؟ أم أن لها تكييفاً قانونياً عالمياً خاصاً؟ يرتبط ارتباطاً جذرياً بأحوال الاقتصاد العالمي، ومحددات ومعايير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ثم تبقى هناك أسئلة أهم وهي لماذا وكيف للكيانات الدولية أن تفلس، وهل الأمر مجرد تنظير فكري فقط، أم أن هناك حالات فعلية لدول تعرضت للإفلاس؟

على أن الأسئلة في شأن الإفلاس لم تعد تتوقف عند العالم الثالث بدوله ومؤسساته وأفراده، بل باتت تنسحب كذلك على عديد من الدول المنتمية للعالم المتقدم، وهو ما رأيناه في حالات مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال، في العقد الماضي، قبل أن تبادر بقية دول الاتحاد الأوروبي لاستنقاذها، ليظل التساؤل ما هي كلف هذا الاستنقاذ سواء على صعيد الأوضاع الاقتصادية لتلك الدول، أو في ما يخص السيادة السياسية؟

مفهوم يختلف من دولة إلى أخرى

ينبغي بداية الإشارة إلى أن فكرة الإفلاس تختلف من دولة إلى أخرى، وبحسب قوانين كل واحدة منها، فهناك دول يقود فيها الإفلاس إلى السجن وتشويه السمعة الأدبية للمفلس، وهناك دول أخرى تحميه، لا سيما إذا كانت هناك ظروف قاهرة تسببت في الأمر.

وهنا يثار تساؤل، هل حماية المفلس سواء كان فرداً أو شركة أمر جيد لاقتصاد دولة بعينه على المدى الطويل ويفضل على التصفية القضائية، والحبس وبقية الإجراءات العقابية القاسية؟

من الناحية النظرية، تبدو مسألة القدرة على تقديم طلب بالإفلاس ذات نفع أكبر على الاقتصاد ككل من خلال السماح للأفراد والشركات بفرصة ثانية للحصول على الائتمان أو تقسيط سداد الدين، كما يساعد الدائنين على استعادة جزء من أموالهم ومستحقاتهم.

في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، ترفع قضايا الإفلاس عبر المحاكم الفيدرالية، ويتخذ القضاء قرارات تشمل ما إذا كان المدين مؤهلاً لهيكلة ديونه، وما إذا كان ينبغي إعفاؤه من دفعها.

ولعل أكثر تعبير يفهم منه أن شخصاً بعينه أو شركة بذاتها قد وصلت إلى حالة الإفلاس، القول إنها ستطلب الاستعانة بالفصل "11" الخاص بالإفلاس في المحاكم.

ووفقاً لهذا الفصل، يمكن لقانونية عملية الإفلاس أن تساعدك في إعفائك من التزامك القانوني بدفع ديونك، والاحتفاظ بمنزلك أو عملك أو قدرتك على العمل اعتماداً على نوع التماس الإفلاس الذي تقدمه.

غير أنه من المحتمل أيضاً أن يؤدي ذلك إلى خفض تصنيفك الائتماني، مما يزيد من صعوبة الحصول على قرض أو رهن عقاري أو بطاقة ائتمان أو شراء منزل أو مشروع تجاري أو استئجار شقه.

كما تشمل الإيجابيات السماح للمدينين بالخروج من دائرة التخلف عن السداد، وكذلك التخلص من بعض الديون غير المؤمنة، وتجنب الأحكام القانونية.

على أن علامة استفهام مثيرة وخطرة في الوقت ذاته، وهي هل يمكن أن يفلس الأفراد بطريق غير مباشر، بمعنى آخر أن يستيقظ المرء فجأة على إفلاسه من خلال ضياع مدخراته في بنك من البنوك التي أفلست؟

 

إفلاس البنوك... أسبابه وتأثيره على الأفراد

هل إفلاس البنوك أمر حديث الوقوع، أم أن هناك حالات تاريخية عدة سابقة؟ ربما كانت أقرب نازلة حلت كالصاعقة على الأفراد، كانت تلك التي ارتبطت بإفلاس بعض كبريات البنوك الأميركية، مثل "ليمان براذر" عام 2008، فيما عرف وقتها بأزمة الرهانات العقارية أو "التوريق"، بمعنى بيع العقار أكثر من مرة، فيبدو سعره على الورق، غير متطابق مع قيمته الفعلية، مما أدى بالآلاف من الأميركيين إلى الإفلاس، وحياة التشرد.

وأخيراً، جاء الإعلان عن إفلاس بنك "وادي السيليكون" الأميركي الشهير، وبنكين آخرين، ليثير المخاوف من تكرار أزمة 2008، وبات التساؤل الذي يسعى الجميع لمعرفة الجواب عليه، ما السبب الذي يدفع منشأة مالية كبرى (بنك)، للإفلاس، وضياع موجوداته؟ ناهيك بما يتسبب فيه من خسائر عميقة للأفراد وحتى للمؤسسات التي ائتمنت القائمين عليه على أموالها.

الشاهد أن هناك أسباباً عدة، في مقدمتها ما أشرنا إليه سلفاً من إدارة القروض بشكل سيئ، أي الإقراض الوهمي أو شبه الوهمي، ومن غير أن تكون هناك ضمانات حقيقية لاسترداد قيمة القرض في وقت سداده.

تفلس البنوك كذلك عندما لا تستطيع تمويل مشاريعها الخاصة بها، أو إقراض الأفراد، ما يتسبب في أزمات كبيرة يمكنها أن تنهي أي نجاحات سابقة حققها أي بنك.

ومن أسباب الإفلاسات البنكية أيضاً، ألا تتساوى أصول البنك مع الأعباء الواقعة على عاتقه، وهناك أبعاد دولية، يمكنها أن تصيب أي بنك في مقتل، وفي مقدمتها إعلان جهات دولية مقاطعة بنك ما، الأمر الذي يؤدي إلى تحجيم تحركاته المالية ويصبح غير قابل على الإقراض أو الاقتراض وبعدها بقليل يصل إلى حافة الانهيار.

من بين الأسباب التي يرجع كبار الاقتصاديين إفلاس البنوك إليها، الأنشطة غير المصرفية التي يقوم بها بنك بعينه، التي قد تصل في وقت بعينه، لأن تفوق عملياته المصرفية، وساعتها يصبح الإفلاس قادماً لا محالة.

هل الفساد الداخلي لموظفي بنك بعينه يمكن أن يقود في نهاية الأمر لإفلاس هذا البنك أو ذاك؟

ذلك قولاً وفعلاً، وهو ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي، حين أقرضت بنوك أميركية عدة كثيراً من موظفيها، قروضاً كبيرة لشراء عقارات، ما أدى إلى انهيارها بعد توقف موظفيها عن السداد، وعدم وجود ما يضمن أصل القروض.

أما النتيجة الحتمية التي تحدث للأفراد، فهي غالباً الوقوع في أزمات مالية كارثية، ما لم يكن هذا البنك أو غيره مضموناً ضماناً كاملاً من حكومة الدولة، وبما يحفظ حقوق المودعين، وفي حالة بنوك عام 2008، لم يكن هناك أي ضامن لأموال الأفراد، ما أدى إلى كارثة مجتمعية كبرى قولاً وفعلاً.

والمؤكد أنه إذا كانت البنوك تفلس للأسباب المتقدمة، فإن علامة الاستفهام التالية، وهي ماذا عن أشهر الشركات العالمية التي أعلنت إفلاسها بالفعل، وما أسباب إفلاسها؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شركات كبرى أفلست ما السبب؟

على رغم أن الإفلاس ظاهرة تصيب جميع الشركات في العالم برمته، فإن إفلاس الشركات الأميركية بنوع خاص، يكون عادة الأكثر وقعاً وتأثيراً على الاقتصاد العالمي، وذلك من منطلق كونها ذات استثمارات عالمية، تتجاوز الحدود الجغرافية للبلاد.

لعل كثيرين يعتبرون "ليمان براذر" مجرد بنك، فيما الحقيقة أن هذا الكيان كان "شركة خدمات مالية عالمية"، ورابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، قبل أن تشهر إفلاسها في 2008.

تأسست "ليمان براذر" في عام 1850، وبلغ عدد موظفيها عام 2008 نحو 26 ألفاً.

ومن المؤكد أن إفلاس هذه المجموعة المالية الكبرى، كان له كبير الأثر في انفجار الأزمة المالية العالمية عام 2008.

يمكن للاحتيال وسوء الإدارة والفساد كذلك، أن يتسبب في أسوأ حالات الإفلاس، وهذا ما حدث عام 2001، مع واحدة من أكبر وأشهر شركات الطاقة في الداخل الأميركي، وهي شركة "إنرون" العملاقة القائمة في ولاية تكساس، التي كان يعمل بها نحو 22 ألف شخص، ووصلت إيراداتها إلى 101 مليار دولار تقريباً، وفي الرابع من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2001، أفلست "إنرون" وكانت أصولها قد بلغت نحو 65 مليار دولار.

يصفها خبراء الطاقة بأنها كانت واحدة من أكبر الشركات في وقتها وإفلاسها أربك سوق النفط العالمي، ناهيك عن ضياع مستحقات الآلاف من عمالها، واضمحلال قيمة أسهمها.

لم تكن شركة "إنرون" للطاقة الشركة الوحيدة من نوعها في هذا المجال التي تعلن إفلاسها، فقد سبقتها عام 1987 شركة "تكساكو" للنفط، التي كانت أصولها في ذلك الوقت تبلغ نحو 35 مليار دولار.

جاء الإعلان بعد قرار محكمة قالت إنها مدينة لشركة "بنزاويل" الأميركية أيضاً بما يصل إلى 10.3 مليار دولار كتعويض عن أضرار لحقت بالشركة نتيجة اتفاق اندماج سابق.

غير أن شركة "تكساكو"، تعد نموذجاً جيداً على النظام القضائي الأميركي الذي يدعم الشركات التي تتعرض للإفلاس، فقد دفعت في نهاية المطاف مبلغ ثلاثة مليارات دولار لشركة "بنزاويل"، ونهضت من الإفلاس بعد نحو عام، لتضحى جزءاً من شركة "شيفرون" العالمية للطاقة.

طال الإفلاس كذلك بعض شركات الطيران الأميركية العالمية مثل شركة "بان أميركان" العريقة، تلك التي تأسست في عام 1927، وظلت عاملة في قطاع الطيران الدولي حتى عام 1991، وقد مثلت في تلك الفترة واحدة من كبرى الشركات.

اضطرت "بان أميركان" لإشهار إفلاسها في الثامن من يناير (كانون الثاني) 1991، بعد تراكم الديون واشترت شركة "دلتا إيرلاينز" أصولها المربحة المتبقية بالشركة.

والثابت أن الحديث عن إفلاس الشركات الكبرى، والبنوك العالمية، أمر في حاجة إلى مؤلفات قائمة بذاتها، وعلى خطورة هذا النوع من الإفلاس، إلا أن الحديث عن إفلاس الدول يبقى هو الأخطر والأكثر تبعات كارثية... ماذا عن هذا؟

هل تفلس الدول حال عجزها عن السداد؟

يختلف أمر الإفلاس في حالة الدول عن الأفراد، إلى الحد الذي لا يستقيم فيه انسحاب كلمة الإفلاس على الدول، بل التوقف عن السداد.

يحدث "الإفلاس" جوازاً، في حالة الدول، حين تضحى الحكومات عاجزة عن سداد ديونها، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع الرواتب والأجور، أو دفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، وفي مثل هذه الوضعية تكون الدولة ضعيفة مالياً، وغير قادرة على تسيير أمورها الاقتصادية والاجتماعية.

تبدو مسألة إفلاس الدول أمر معقد، ذلك أن الوصول إليه يحتاج إلى سنوات وربما عقود، بمعنى أنه لا يحدث بين عشية وضحاها، وتمر فيه الدول بمراحل متتالية من العجز، وصولاً إلى التوقف التام عن السداد.

يحدث العجز في الدول لأسباب متعددة، تبدأ من عند انخفاض الموارد المالية، بسبب سوء الإدارة، أو قلة الإيرادات، وهناك أسباب مرتبطة بظروف الحروب وتحويل موارد الدولة إلى المجهود الحربي، على أن غالبية أنواع أزمات إفلاس الدول مردها الإدارة السيئة لاقتصاد دولة بعينها.

ومع أن تخلف دولة ما عن سداد ديونها أمر غير شائع، إلا أن معظم البلدان تخلفت عن سداد بعض ديونها، أو أعادت هيكلتها في مرحلة من تاريخها.

ولعل الفارق بين إفلاس الدولة وإفلاس الأفراد، هو أنه في حال إفلاس فرد أو شركة يتملك الدائنون أصول المتعثرين، لكن هذا الواقع لا ينطبق على الدول التي لا يمكن للدائنين مصادرة أصولها، كما لا يمكن إجبار الحكومة على الدفع بأموال لا تملكها في حال التخلف عن السداد.

غالباً ما تسعى الدول الأعضاء إلى صندوق النقد الدولي، قبل إعلان تخلفها عن سداد قروضها، أملاً في أن يتوافر لها من القروض العاجلة والخبرة الفنية ما يمكنها من السير في طريق الإنقاذ المالي، مع الأخذ في عين الاعتبار أن أموال الإنقاذ لا تأتي أبداً من دون قيود كالتقشف وتخفيض قيمة العملة وتحرير التجارة.

وعلى رغم صعوبة تصفية الدول اقتصادياً، كما يحدث مع الأفراد حال حدوث الإفلاس، فإن دخول دولة بعينها في هذه الدائرة المغلقة والخطرة، يحدث ولا شك هزة اقتصادية قوية على الصعيد المحلي، إذ يندفع المستثمرون وأصحاب المدخرات لسحب أموالهم من الحسابات المصرفية ونقلها خارج البلاد، ومن أجل تجنب ذلك تقوم بعض الحكومات بإغلاق البنوك وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال.

هل من أمثلة عن دول بعينها قديماً وحديثاً تعرضت لحالات الإفلاس أو التوقف عن سداد مديونياتها للآخرين؟

أشهر الدول التي عرفت طريقها للإفلاس

تبدو القصة قديمة، قدم الوجود الإنساني، ومنها قصص لا نعلمها علم اليقين، والقليل الذي وصلنا، فمنذ القرن 16 يمكننا أن نبدأ الحكاية في ثوبها المعاصر نسبياً، ففي ذلك الوقت أشرف ملك إسبانيا، فيليب الثاني، على أربعة إفلاسات في بلده.

حديثاً نقضت اليونان والأرجنتين التزاماتهما تجاه مالكي السندات سبع وثماني مرات على التوالي، خلال القرنين الماضيين.

وفي عام 2001 أفلست الأرجنتين، مع ديون تجاوزت الـ81 مليار دولار، عرضت الأرجنتين على دائنيها أن تدفع ثُلث ما يترتب عليها.

أما اليونان فحين وقعت في الإفلاس عام 2021، أجبر مالكو السندات الحكومية على تحمل خسارة بلغت حد 50 في المئة من قيمة سنداتهم الأصلية، وهو ما يسمى عملية "قص الشعر".

وفي حالات أقل حدة، من الممكن للحكومات أن تعيد هيكلة دينها عبر طلب مزيد من الوقت للدفع، وينتج عن هذا الفعل خفض قيمة السند ما يوقع المستثمرين في الخسارة، وهو الخيار الذي كان مطروحاً لحالة أوكرانيا.

هل ارتفاع نسبة الديون العالمية تقود حكماً إلى إفلاس؟

بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، فإن ديون الاقتصادات الناشئة ارتفعت من تريليون دولار في عام 2005 إلى 3.2 تريليون دولار في عام 2019، ثم تصاعدت هذه النسبة بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لا سيما بعد حادثتين كبيرتين في التاريخ الإنساني، جائحة كورونا، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وعن ذلك يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة "ستانفورد" الأميركية رامن تولوي، أن "ارتفاع حجم ديون الاقتصادات الناشئة يمثل تحدياً كبيراً للاقتصاد العالمي، وفرص انتعاشه من الجائحة العالمية".

أخيراً تبدو هناك عدة دول من خلفيات الاقتصادات الناشئة، أقرب ما تكون عن التوقف عن السداد، من بينها بلد عربي واحد هو لبنان، والبقية غالبيتها من دول أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل، والإكوادور، ودول أفريقية مثل رواندا، وزامبيا، عطفاً على جزر المالديف، أما سيرلانكا الآسيوية فقد وقعت في فخ الإفلاس شبه الكامل مرة واحدة.

هنا يمكننا القطع بأن الدول التي نجحت في العقود الثلاثة الأخيرة في تخليق كيانات جماعية سياسية ناجحة، استطاعت القفز فوق حواجز الإفلاس.

على سبيل المثال، لتفادي الإفلاس في منطقة اليورو التي تضم 16 دولة، تلقت المجر ولاتفيا ورومانيا في الأعوام الماضية مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

ففي عام 2008 حصلت المجر على موافقة لتلقي 20 مليار يورو، لكنها اكتفت باستدانة تسعة مليارات يورو، بعد أن نجحت الدولة في تنفيذ تقشف كبير، كما حصلت لاتفيا التي تعاني بطالة عالية على 7.5 مليار دولار، من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 

هل سرعت كورونا عمليات الإفلاس للأفراد والشركات والدول؟

بدت جائحة "كوفيد-19" وكأنها أداة قدرية سرعت من أبعاد أزمة إفلاس عديد من الدول، لا سيما تلك الموسومة بالهشاشة، إذ تسبب الفيروس في إجراءات احترازية غير مسبوقة منذ زمن الأنفلونزا الإسبانية في العقد الثاني من القرن 20، إجراءات بدأت بإغلاق الحدود، الأمر الذي قاد تلقائياً إلى توقف حركة التجارة البينية بين الدول والقارات، الأمر الذي ترك تأثيراً سلبياً على تدفقات السلع والبضائع.

إضافة لذلك، جاء توقف حركة الطيران العالمي، ليصيب غالبية دول العالم في مقتل، فقد خسرت تلك الشركات بشكل فائق الوصف، وانعكس الوضع على انعدام حركة السياحة بين الدول والقارات، ما جعل قطاعات عديدة حول العالم تعتمد على موارد السياحة، تعيش أزمة غير مسبوقة.

في هذا السياق بدا أن الدول ذات الاقتصادات القوية، قد استطاعت عبور الأزمة، أما تلك التي عرفت الحروب الداخلية والأزمات الأهلية، مثل سيرلانكا، فقد كان الإفلاس لها بالمرصاد، وهي التي تواجه في الأصل أزمة مالية وإنسانية عميقة وبخاصة مع ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وزيادة أسعار المواد الغذائية ونفاد خزائنها.

وبحسب إحصائيات البنك الدولي، فإن 500 ألف شخص سريلانكي سقطوا تحت خط الفقر منذ بداية الوباء، وهو ما يعادل خمس سنوات من التقدم في مكافحة الفقر، كما تسببت الأزمة في فقدان ما يقارب من 200 ألف شخص وظائفهم داخل القطاع الخاص بالسفر.

وعلى رغم فقدان سريلانكا إيرادات قطاع السياحة وقطاعات أخرى تأثرت بالحالة العالمية، فإن هناك عاملاً آخر أسهم في تفاقم الأزمة وهو الإنفاق الحكومي المرتفع والتخفيضات الضريبية التي أدت إلى تآكل إيرادات الدولة.

يعن لنا أن نتساءل في نهاية هذا الطرح "هل الإفلاس قدر مقدور في زمن منظور على الأفراد والشركات والدول، أم أنه أمر يمكن ببعض الحكمة الاقتصادية والتدابير العقلانية مع الاستعانة بالخبرات العالمية، وذيوع وشيوع الوعي الاقتصادي تجنبه، مهما كانت النوازل قاسية؟ إذ يجب أن تراجع تجربتان دوليتان سابقتان، وهما اليابان التي ضربت بالقنابل الذرية ذات لحظة تاريخية مأسوية، وألمانيا التي دكت مدنها، وقسمت إلى دولتين، وعاشت سنوات من الضنك الحقيقي.

اليوم تبدو اليابان وألمانيا، في طليعة الدول الرأسمالية الناهضة، ما يفيد بأن الإفلاس العقلي سابق ومتقدم على الإفلاس الاقتصادي.

اقرأ المزيد