Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا والصين وفضيلة الاستمرار في خفض سقف التوقعات

الأهداف المتواضعة والدبلوماسية النشطة بإمكانها إعادة توجيه العلاقات

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية الصيني تشين غانغ في بكين، يونيو 2023 (رويترز)

ملخص

تعمل الصين والولايات المتحدة على إعادة رسم العلاقة بينهما مع توجه إلى تحقيق ذلك عبر نشاط دبلوماسي واسع يرافقه عمل مركز على خطوات تغييرية واضحة وصغيرة وعملية.

في الأيام التي أعقبت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين هذا الشهر، وقد تحققت بعد ترقب طويل، أعرب كثير من المعلقين عن أسفهم من أن تلك الرحلة لم تحقق سوى نتائج ضئيلة الأهمية.

وعلى رغم أنها شكلت أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى الصين منذ خمسة أعوام، والتقى بلينكن خلالها بالرئيس الصيني شي جينبينغ، إلا أن الرحلة لم تسفر عن تقدم أو تغيير كبير في العلاقات بين البلدين. ولم تظهر مؤشرات على أن أياً من الجانبين بصدد تغيير تقييمه الاستراتيجي الأساسي للطرف الآخر.

في المقابل، وبالتحديد، قد يمثل غياب التقدم الكبير أو المبادرات المميزة، الغاية المنشودة. فمن الواضح الآن أنه لن تحدث عملية إعادة ضبط أو يدخل أي تحسن كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، خلال الأشهر المقبلة. ولن يتخلى أي طرف منهما أيضاً عن الإجراءات التنافسية أو يقلل من الجهود الرامية إلى تعزيز الدفاعات ضد الآخر. عوضاً عن ذلك، ستتطلب هذه الفترة ما شبهه وزير الخارجية السابق جورج شولتز بعملية "البستنة المستمرة".

في الواقع، سيحتاج الجانبان إلى تنمية الصلات وتوضيح النوايا المتبادلة والتحلي بمعرفة صبورة بأن مثل تلك الجهود ستعزز وضعيهما بشكل يتيح لهما التحكم بالضغوطات والبحث عن فرص من أجل العمل على قضية موحدة في مجالات ضيقة قد تثير اهتمامهما المشترك.

وعوضاً عن تجديد آمال غير مبررة في التقارب بين الولايات المتحدة والصين، فإن التأطير المتواضع لرحلة بلينكن يقدم ربما نموذجاً فاعلاً للتعامل مع بكين خلال الأشهر المقبلة. بالنسبة إلى إدارة بايدن، فإن إبقاء سقف التوقعات منخفضاً، حتى أثناء عملها على تقليل أخطار الصراع والبحث عن أجندة مشتركة مع الصين، سيكون حاسماً في وقف مسار الانحدار في العلاقات بين واشنطن وبكين.

البركة في القليل

في الوقت الحالي، لا تتحسن العلاقات الأميركية - الصينية ولا تتدهور. وكذلك فإنها ليست عالقة في مسار خطي أو محدد مسبقاً. في الواقع، تمر العلاقة بفترة استكشافية. ويعني ذلك أنه على رغم ضآلة احتمالات تحقيق تقدم كبير، يمكن لبايدن وشي الاستفادة من التواصل بين الطرفين من أجل توجيه العلاقة. وستتاح لهما فرصة للاجتماع هذا الخريف حينما يحضران قمة "مجموعة الـ20" في نيودلهي في سبتمبر (أيلول) واجتماع قادة "منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ" في سان فرانسيسكو في نوفمبر (تشرين الثاني).

كذلك سيُمهد للقاء عبر سلسلة من المناقشات بين كبار مستشاري الزعيمين، ويشمل ذلك في الجانب الأميركي، وزيرة الخزانة جانيت يلين ووزيرة التجارة جينا ريموندو ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان والمبعوث الرئاسي الخاص بشؤون المناخ جون كيري.

ومن أجل تحقيق أقصى استفادة من هذا التواصل، يجب أن تكون واشنطن واضحة في شأن أهدافها، وتمتلك خطة لتحقيق تلك الأهداف. ومن بين مقاييس النجاح الاستراتيجي الأميركي هذا الخريف، الحد من خطر اندلاع الصراع والالتزام المشترك من الجانبين كليهما بتقليص مجال حصول حسابات استراتيجية خاطئة، وزيادة الإسهامات الصينية في جهود مواجهة التحديات العالمية.

جدير بالذكر أن نتيجة مماثلة من شأنها أن تعزز قدرة واشنطن على إدارة المنافسة الحتمية مع بكين من دون صراع، وستعود بفوائد ملموسة على الصحة والازدهار في الولايات المتحدة.

 

حتى في ظل تجدد التواصل، فإن التقدم بعيد كل البعد من الحتمية

 

من شأن التوصل إلى علاقة ثنائية أكثر ديمومة وإنتاجية بين البلدين أن يخدم مصالحهما الطويلة الأجل. وعلى رغم ذلك، حتى في ظل تجدد التواصل بينهما، يبقى هذا التقدم بعيداً كل البعد من حتمية حدوثه. ومن أجل التحرك نحو علاقات أكثر فاعلية، ستحتاج واشنطن وبكين إلى صياغة أجندة مشتركة تخلق أهدافاً مشتركة في علاقة متوترة في المجالات الأخرى كافة. وسيتعين عليهما أيضاً تجنب عثرات كثيرة.

قبل كل شيء، سيحتاج الجانبان إلى خفض توقعاتهما ومعاييرهما. وتشكل التوقعات غير الواقعية عدواً للتقدم. ومثلاً، لن يعترف أي من الطرفين بعيوب أساليبه ويتخذ إجراءات تصحيحية من أجل علاج دوامة الانحدار في العلاقات. ولن يحدث أي اتفاق في الأفكار والآراء حول مبادئ توجيه العلاقات أو وضع إطار مشترك لوصف طبيعتها.

واستطراداً، لن تفتح قنوات الاتصال العسكرية مجدداً بشكل كامل. إذا بُنيت توقعات مختلفة عما ذكر ثم باء تحقيقها بالفشل، سوف يقوي ذلك شوكة خصوم الدبلوماسية المباشرة في البلدين كليهما، ويقودهم إلى اتهام قادتهم بالوقوع في فخ المشاركة، إذ سيذكر النقاد أن بكين وواشنطن قد علقتا في سلسلة لا نهاية لها من الاجتماعات الثنائية التي أصبحت بديلاً عن الإجراءات الرامية إلى تعزيز دفاعات كل جانب ضد الآخر.

ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يؤدي في واشنطن إلى تعالي الأصوات المطالبة بالتخلي التام عن الدبلوماسية مع بكين، والتوجه إلى اتباع أجندة عقابية صارمة تهدف إلى وقف تطور الصين الشامل.

تجنب التاريخ

حتى لو نجحت واشنطن وبكين في تلبية التطلعات، فثمة عثرات محتملة أخرى تلوح في الأفق. من المتوقع في الأشهر المقبلة أن يتخذ كل جانب إجراءات قد تحبط الجانب الآخر. يركز قادة الصين حالياً على تقوية بلادهم في وجه الضغوط الغربية، مما يتطابق تماماً مع نهوض صناع السياسة الأميركيين بمهمة تسريع الجهود الرامية إلى الحد من نقاط ضعف بلادهم في ما يتعلق بالصين. ويتمثل الاختبار الحقيقي في مدى تمكن صانعو السياسة من إدارة هذه الضغوطات من خلال الدبلوماسية الحذرة، أو الحث على الانتقام.

علاوة على ذلك، لن تكون الحكومة الأميركية والقيادة الصينية ودودتين تجاه بعضهما بعضاً في أي وقت قريب، إذ يمتلك الجانبان أطراً سياسية واقتصادية مختلفة ورؤى عالمية متنافسة. في الوقت نفسه، ليست هناك استمرارية في العلاقات الدولية، إذ بات خصوم الولايات المتحدة السابقين كاليابان وألمانيا، أقرب شركائها الآن. إذاً، يجب أن يظل القادة في كل من واشنطن وبكين متواضعين في شأن قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل. بعبارة أخرى، ليس من المفترض أن يستبعد أي من الطرفين احتمال حدوث تبدل في العلاقات، مهما بدا الأمر بعيد المنال الآن.

وبهدف تجنب الحسابات الاستراتيجية الخاطئة، سيحتاج القادة الأميركيون والصينيون إلى مقاومة إغراء اللجوء إلى المقارنات التاريخية من أجل فهم اللحظة الحالية. في الوقت الراهن، لا توجد قوى تدفع العلاقة نحو لحظة "بنادق أغسطس" [كتاب للمؤرخة باربارا توكمان عن الحرب العالمية الأولى] التي أدت فيها الأخطاء الدبلوماسية والافتراضات المضللة حول الجانب الآخر إلى اندلاع كارثي للحرب عام 1914. وعلى نحو مماثل، لا تختبر الولايات المتحدة والصين بعضهما من خلال الحروب بالوكالة أو اختبارات مماثلة للإرادة والعزم، على غرار ما حدث في الأعوام الأولى من "الحرب الباردة".

إذاً، لا يوجد تناظر أو مثيل تاريخي للديناميكية الحالية بين الصين والولايات المتحدة. في الواقع، يواجه العالم توترات متصاعدة بين قوتين كبريين مسلحتين نووياً ومتعسكرتين بشدة وتتشاطران في الوقت نفسه ترابطاً اقتصادياً وبيئياً واجتماعياً عميقاً. وأدت سلسلة من القرارات التي اتخذها القادة في البلدين كليهما إلى هذه الحال من التنافس المتزايد. وعلى نحو مماثل تماماً، ستحدد قرارات القادة في البلدين كليهما الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات في المستقبل.

 

إن رهان شي الكبير على روسيا باعتبارها حصناً منيعاً في وجه الضغط الغربي يبدو الآن أقل تفاؤلاً

 

في الجو السياسي السائد حالياً، قد يميل كل زعيم إلى استخدام الآخر من أجل تحقيق مصلحته والتفوق سياسياً في وطنه. في فبراير (شباط) 2023، خلال خطابه عن حال الاتحاد، سخر بايدن من شي معتبراً أنه لا يوجد أي زعيم يرغب في تبادل الأماكن مع الزعيم الصيني بسبب حجم المشكلات التي تواجهها الصين.

وبعد أيام قليلة من زيارة بلينكن هذا الشهر، وصف بايدن شي في حملة لجمع التبرعات السياسية بأنه "ديكتاتور" لم يكن على دراية بأن منطاد تجسس كان يعبر الولايات المتحدة قبل إسقاطه. وتسبب ذلك التعليق في توتر لا جدوى منه مع بكين.

في المقابل، بدد شي الغضب الصيني في خصوص المشكلات المحلية المتصاعدة من خلال إلقاء اللوم على الولايات المتحدة وشركائها في سعيهم إلى "احتواء وتطويق وقمع" الصين. إذا ظلت العلاقات الثنائية رهينة المتطلبات السياسية المحلية في البلدين كليهما، فسيحد ذلك من التقدم الممكن إحرازه في إنشاء علاقات أكثر استدامة بينهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أجل تجنب هذا المأزق، سيحتاج بايدن وشي إلى اكتساب ثقة بأن كلاً منهما يفهم حاجات الآخر. من الناحية العملية، يعني هذا الاعتراف بأن شي لديه متطلباته الخاصة في سعيه إلى تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة من دون أن يبدو أنه يقدم تنازلات أو يلطف موقفه تجاه واشنطن.

في الحقيقة، يواجه شي تراجعاً في النمو الاقتصادي وأزمة عقارية وارتفاعاً في ديون الحكومة المحلية وزيادة في نسبة البطالة بين الشباب وانخفاضاً في الإنتاجية في الداخل، وتنسيقاً أكثر إحكاماً ودقة بين الولايات المتحدة والغالبية العظمى من الدول المتقدمة في شأن القضايا المتعلقة بالصين. كذلك، تضاءل تفاؤل شي في شأن رهانه الكبير على روسيا كي تكون حصناً منيعاً في وجه الضغط الغربي، في ضوء التمرد الأخير الذي نظمته قوات "فاغنر" شبه العسكرية. إذا ضعفت مكانة بوتين في وطنه، فقد يتسبب ذلك في سعي الصين إلى تقليل التوتر الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، طالما أن واشنطن تتجنب الإجراءات التي يمكن أن تفسرها بكين على أنها استغلال لنقاط ضعفها المتزايدة.

بعبارة أخرى، إن الوقت غير مناسب الآن ليمنح شي الولايات المتحدة وشركاءها حافزاً يدفعهم إلى زيادة الضغط الاقتصادي أو التكنولوجي أو المالي على بلاده. وعلى نحو مماثل، يدخل بايدن موسماً سياسياً يريد فيه إظهار كفاءة إدارته في المنافسة الأميركية مع الصين. وسيسمح له ذلك بإثبات أن إدارته أفضل من إدارة منافسه المفترض في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024.

أخيراً، يتعين على صانعي السياسة في الولايات المتحدة والصين تجنب التورط في مناقشات حول "حواجز الأمان" ومبادئ إدارة العلاقة. يعتقد شي بأن الصين يمكنها الصمود إذا حاولت تحقيق الأمن من خلال النضال، وتخاطر بهلاكها إذا سعت إلى الأمن من خلال التسويات والتنازلات.

من هذا المنطلق، فإن أي جهد أميركي يرمي إلى الحصول على تأكيدات صينية بأن القوات العسكرية الأميركية يمكنها العمل بأمان قرب شواطئ الصين، سوف يتجاهل عمداً الحوافز التي تدفع المسؤولين الصينيين إلى الحد من قدرة القوات الأميركية على الاقتراب من تلك الشواطئ.

إذا أراد المسؤولون الأميركيون تقليل الأخطار، فعليهم عوضاً عن ذلك تقديم مقترحات ملموسة في شأن القضايا التي تتطلب ضبطاً متبادلاً للنفس، على غرار اقتراح بعدم السماح لأي من الدولتين اعتماد نظام موجه بالذكاء الاصطناعي لإطلاق رأس حربي نووي. سيكون من مصلحة الجانبين كليهما إرساء معيار دولي تكون فيه القرارات في شأن الإطلاق النووي في أيدي البشر وحدهم.

 

 

مبررات مختلفة، نهايات مشتركة

سيكون من الضروري أيضاً أن يطور الجانبان جدول أعمال مشتركاً يمكنه أن يعطي هدفاً لعلاقتهما. والجدير بالذكر أن مثل هذه الجهود لن تلغي أو توازن الآليات التنافسية الهيكلية والقديمة العهد بين الصين والولايات المتحدة.

في المقابل، من شأن تحديد المصالح المشتركة والعمل بناء عليها أن يوسع العلاقة إلى ما هو أبعد من التركيز الضيق الحالي على مجالات الخلاف. ومثلاً، سيستفيد البلدان كلاهما من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتقليل التهديدات الآتية من المنطقة.

وكذلك يملك البلدان مصلحة مشتركة في منع إيران من الحصول على سلاح نووي. واستطراداً، تستفيد واشنطن وبكين أيضاً من أمن الطاقة والغذاء، مع وجود أسباب خاصة لدى كل منهما، إذ تعتبر الصين أكبر مستورد للوقود والغذاء في العالم، فيما تجد الولايات المتحدة صعوبة في خفض التضخم المرتفع بشكل حاد.

واستكمالاً، يدرك القادة في واشنطن وبكين أيضاً أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي في ساحة المعركة، وحاجات تلك البلاد بعد الحرب ستكون هائلة. ونظراً إلى النفوذ الصيني الفريد مع موسكو، فمن المرجح أن تلعب بكين دوراً في أي عملية سلام، بما في ذلك دور الضامن لأي اتفاق شامل يقتضي وقف إطلاق النار أو إنهاء الأعمال العدائية. ومن المحتمل أيضاً أن يطلب من الصين الإسهام في إعادة بناء أوكرانيا.

 

بالنسبة إلى واشنطن، يتمثل المغزى ببساطة بالاستفادة من توق شي ورغبته الشديدة في الاعتراف به كقائد عالمي

 

بطبيعة الحال، قد تكون دوافع بكين للتعاون مع الغرب في موضوع أوكرانيا مستندة إلى الرغبة في تحسين العلاقات مع أوروبا أكثر من رغبتها في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. ولا بأس بذلك. بالنسبة إلى واشنطن، يكمن المغزى ببساطة في الاستفادة من توق شي ورغبته الشديدة في الاعتراف به كقائد عالمي، من أجل دفع الصين إلى تحمل عبء أكبر في مواجهة التحديات العالمية الكبرى. إذا عملت الصين على تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، على غرار ما فعلت هذا الربيع عبر وساطتها في التوصل إلى اتفاق بين إيران والسعودية، أو تعزيز أمن الغذاء والطاقة العالمي أو بذل جهود من أجل سلام عادل ودائم في أوكرانيا، فستكون بذلك اتخذت إجراءات تخدم مصالحها الخاصة. والجدير بالذكر أن كل هذه القضايا تختلف فيها مصالح بكين عن مصالح موسكو.

ولدى واشنطن وبكين أيضاً حوافز متبادلة للتنسيق مع بعضهما بعضاً على نطاق واسع في شأن الاقتصاد الكلي العالمي ومعالجة مشكلات ديون البلدان النامية. ولكي تكون أي خطة رامية إلى تخفيف عبء الديون عن البلدان النامية ذات مصداقية، فإنها تتطلب مشاركة أكبر اقتصادين في العالم. وفي الواقع، يحترم قادة الصين خبرة يلين [وزيرة الخزانة الأميركية] وبصيرتها، وسيرحبون بها في بكين.

الصبر الفاعل

بالنسبة إلى إدارة بايدن، سيؤدي السعي إلى الدبلوماسية بغية تخفيف حدة التوترات وصياغة أجندة مشتركة مع الصين إلى مواجهة اتهامات بالمهادنة والتسوية من منتقديها في الكونغرس. ويعرف البيت الأبيض ذلك. وعلى رغم ذلك، ثمة أسباب عدة تدفع بايدن وفريقه إلى تجاهل الأصوات المستندة إلى رؤى ماضوية والمضي قدماً في الجهود المبذولة لتحقيق أهداف محددة.

أولاً، تغيرت سياسات السباق الرئاسي الأميركي لعام 2024 مع تزايد التحديات القانونية التي يواجهها الرئيس السابق  دونالد ترمب. وعلى رغم أن مسار ترمب القانوني لا يزال غير واضح، فمن المنطقي توقع أن تنهكه تلك القضايا وتتعب المرشحين الجمهوريين الآخرين الذين سيضطرون إما إلى الدفاع عنه أو إبعاد أنفسهم عنه.

ثانياً، حين النظر إلى الاقتصاد الأميركي في سياق عالمي، فإن أداءه قوي، إذ تواصل الشركات الأميركية تحفيز الابتكار، بما في ذلك في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومعدل البطالة منخفض وعززت البلاد موقعها كقوة عظمى في مجال الطاقة.

إضافة إلى ذلك، يعتبر نظامها المالي مركزياً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، مع حفاظ الدولار على مكانته الثابتة باعتباره العملة الاحتياطية العالمية. وعلى رغم البيانات الحديثة التي تظهر شيخوخة السكان، فإن الخصائص الديموغرافية الخاصة بالولايات المتحدة سليمة أيضاً بالمقارنة مع الحال في معظم دول العالم المتقدم، خصوصاً الصين.

في الواقع، تسمح نقاط القوة هذه لإدارة بايدن بأن تكون أكثر فاعلية وثقة واعتدالاً في اللهجة التي تعتمدها في دبلوماسيتها مع بكين، حتى لو استمرت في الوقت نفسه بانتهاج استراتيجية أساسية شديدة التنافسية مع الصين.

ثالثاً، يريد حلفاء الولايات المتحدة من واشنطن أن تبقي الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية، حتى حينما تكون بكين غير مستعدة للدخول عبر هذا الباب. من خلال الإصرار على سعيها إلى علاقة أكثر ديمومة مع الصين، تستطيع الولايات المتحدة أن تظهر للعالم بأنها لا تشكل عائقاً أمام علاقات أكثر استقراراً بين القوى الكبرى. وبالتالي، سيؤدي ذلك إلى فتح المجال أمام شركاء الولايات المتحدة للتنسيق بشكل أكثر شمولية مع واشنطن في شأن مخاوف محددة تتعلق بالصين، إذ لن ينظر إلى ذلك حينها على أنه انضمام إلى تحالف مناهض للصين.

بالطبع، قد تفشل هذه الجهود بطرق لا حصر لها. وقد رفعت إدارة بايدن نفسها إلى موقع قوي من خلال الاستثمار في الداخل وتعزيز التنسيق مع الحلفاء في الخارج. وبالتالي، صار بإمكانها الآن بذل جهود منسقة مع بكين من أجل تقليل أخطار الصراع وتقليص ارتكاب حسابات خاطئة والحصول على إسهامات صينية أكبر في مواجهة التحديات العالمية. وإذا استطاعت الإدارة عبر الصبر والإصرار على بناء علاقات وتعزيز أجندة متواضعة بطريقة متحفطة وملطفة، إضافة إلى خفض سقف التوقعات في ما يتعلق بإحراز تقدم كبير، فقد تملك تلك الأجندة فرصة أكبر للنجاح.

 

* رايان هاس زميل رفيع الشأن، أستاذ "كرسي تشن-فيو وسيسيليا ين كو لدراسات تايوان" و"كرسي مايكل هـ. أرماكوست" في برنامج السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز". وبين عامي 2013 و2017، شغل رايان هاس منصب مدير ملف الصين وتايوان ومنغوليا في مجلس الأمن القومي الأميركي.

مترجم من فورين أفيرز، مايو (ايار)/ يونيو (حزيران) 2023

المزيد من آراء