Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوشم والحناء... وصفة لـ"كبرياء الجسد"

جذورهما تضرب في أعماق التاريخ للتزين والولادة والعلاج ودفع الشرور واكتساب القدرة على الصراع والحياة

تتخضب العروس وصديقاتها في ليلة الحناء وهو اليوم الذي يسبق الزفاف (بيكسلز)

ملخص

يسارع الفتيان والفتيات اليوم لتزيين أجسادهم والرسم عليها إما بالحناء أو بالوشم، ولكل من الفريقين فكرة يريد إيصالها أو زينة يريد إبرازها، فما الفارق بينهما؟

يسارع الفتيان والفتيات اليوم لتزيين أجسادهم والرسم عليها إما بالحناء أو بالوشم، ولكل من الفريقين فكرة يريد إيصالها أو زينة يريد إبرازها، فما الفارق بينهما؟ وما الخلفيات الثقافية التي تقف خلف كل واحدة منهما؟ وهل لديهما تاريخ مع الشعوب والحضارات أم يقتصر الأمر على المجتمع العربي؟ وهل تختلف مكونات وأدوات الحناء عن الوشم؟

ثقافة قديمة

عرفت الثقافة الشعبية على أنها ثقافة الناس العاديين، وتتشكل تبعاً للواقع اليومي وعبر النشاطات العادية والمتجددة، فهي تشمل مختلف إنجازات الإنسان التي من خلالها يستطيع التعبير عن حياته والأساليب التي ينتهجها في التفكير والعمل والسلوك، ولا سيما إذا أخذ في الاعتبار كونها خلاصة تفاعله مع الطبيعة من جهة، ومع غيره من البشر من جهة أخرى، ولا يتم هذا إلا في إطار ثقافي محدد ترتضيه الجماعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحناء فن عرفته المجتمعات منذ أكثر من 5000 عام في الهند وأفريقيا وباكستان والشرق الأوسط، وتظهر السجلات الأخرى أنه يعود إلى 9000 عام، لكن من الصعب تحديد المكان الذي نشأ فيه استخدام الحناء بالضبط بسبب هجرة القبائل وثقافتها، وقد أثبتت ثقافة الحناء أنها مشهورة بخصائصها الطبية وكمستحضرات تجميل.
تظهر الأبحاث الأثرية أن السومريين والبابليين استخدموا الحناء لتزيين أيادي النساء أو العروس في المناسبات الاحتفالية، وفي مصر القديمة كانت أصابع وأقدام الفراعنة ملطخة بالحناء قبل التحنيط.
أما الأسطورة الأوغاريتية فتقول إن استخدام الحناء بدأ لتزيين أجساد الفتيات في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات والزواج والأعياد بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد زينت الإلهة عنات نفسها بزخارف الحناء لاستقبال بعل بعد هزيمته لأعدائه. وذلك في أقدم نص معروف يذكر الحناء في ما يتعلق بالزواج واحتفالات الخصوبة وتزين النساء لمقابلة الأزواج.

حناء الأبجدية

والحناء كلمة وردت في معاجم اللغة العربية للإشارة إلى شجر ورقه كورق الرمان وعيدانه كعيدانه وله زهر أبيض كالعناقيد، ويتخذ منه خضاب أحمر، كما عرفت الحناء على أنها مسحوق لنبات عشبي من شجرة تساقطت أوراقها في موسم آخر، وهي من النباتات ذات الرائحة المميزة، وعرفت أيضاً بأنها ماده تلوينية قديمة.

ويقال عن الحناء إنها من نباتات الجنة، ومن يحرقها فقد اقترف ذنباً وإثماً، فهي ليست كبقية الأشجار، إنها شجرة مباركة ولها صلة وثيقة بالأفراح والمناسبات، وتوحي بالفأل الحسن، كما يروى عنها أنها نبتت بعد أول دمعة سقطت من عين حواء على الأرض بعد نزولها من الجنة.

 

 

وقد ذكرت بعض المراجع أن للحناء خصائص التبريد الطبيعي، مما زاد شعبيتها بين الناس الذين يعيشون في الصحاري، فصنع عجينة من أوراق الحناء المجففة والمكسرة ونقع اليدين والقدمين له تأثير على التحكم في درجة حرارة الجسم وتبريده، وسيظهر هذا التأثير طالما بقيت على الجلد.

لكن للحناء في الوقت الحالي أنواعاً عدة متباينة تبعاً لبلد المنشأ والصناعة والمواد المضافة إليها، فهناك نوعان، الطبيعية وهي التي يزرعها الفلاح ويجمع أوراقها ويجففها لمده ثلاثة أيام في الشمس ثم تجمع وتطحن لتتزين بها المرأة، والحناء غير الطبيعية، التي أضاف إليها الإنسان مواد كيماوية، ولها أشكال عدة.

وللحناء أيضاً ألوان منها الأحمر والأسود والعنابي الذي يميل للسواد والبني، كما أن لها أنواعاً منها حناء التاج الممتاز وحناء الباشا والحناء السودانية وحناء الصبغة وحناء دبي.

ليلة الحناء

تعتبر الحناء عادة أساسية من عادات الزواج في مجتمعات عدة وعلى رأسها المجتمع العربي. يقول الكاتب محمد الجوهري في كتابه "علم الفلكلور"، "تعد الحناء أحد طقوس التزيين التي يحرص على أدائها كل من أسرتي العروسين، حيث يقام احتفال كبير بهذه المناسبة يتميز بوجود وليمة يشارك في إعدادها الأهل والجيران ويصاحبها الغناء، ويرسل جزء من الحناء المعجونة من منزل العريس إلى منزل العروس، وبعد انتهاء الحفل تقوم العروس بتخضيب اليدين والقدمين".

هناك دراسات وأبحاث لعلماء اجتماع وأنثروبولوجيا تروي أن العروس وصديقاتها يتخضبن بها في ليلة الحناء، وهو اليوم الذي يسبق يوم الزفاف، ولا يقتصر الأمر على العروس في بعض التقاليد أو مشاركة الرجل في جزء من هذا الطقس، فمن عادات وتقاليد النوبيين في مصر أن لدى الرجل ليلة حناء خاصة به، فوضع عجينة الحناء للعريس في هذه الليلة بالتحديد يخضع لكثير من الطقوس والضوابط المحكمة.

كما توجد للحناء فوائد علاجية، إذ توضع على الجروح أو الكسور لشفائها، كما يوجد رابط بين الحناء والإنجاب، فهناك اعتقاد لدى بعض المجتمعات بدور الحناء في تسهيل عملية الولادة، إذ تفضل بعض النساء أن تحنى المرأة بالكامل قبل الولادة لأنهن يعتقدن أنه فعل حسن، بل وتفضل أن يكون لون الحناء هو الأحمر أي لون الدم، كما تحنى الوالدة نفسها بعد الولادة ولدى مرور 40 يوماً على مقدم المولود استبشاراً وفرحاً.

عبر التاريخ

أما الوشم فقد عرف كفن ورمز لكثير من المفاهيم واستخدام لعديد من الأغراض ذات المعاني لدى الشعوب، وعلى رغم أنه ليس حكراً على بلد أو حضارة من دون غيرها، فإنه يبقى مرتبطاً بشكل أو بآخر بثقافة المجتمع الخاص به، إذ ارتبط في البدء بالديانات القديمة التي اعتبرته رمزاً لآلهتها، كما عرف كوسيلة لمحاربة الشيطان والقضاء على السحر الأسود، وكذلك كعلاج حيث كان العرب في شبه الجزيرة العربية والشام يضعون وشماً على وجه المريض وجانبي رأسه حين يشعر بالصداع، وكذلك على الظهر واليدين والقدمين حين يعاني آلاماً في العمود الفقري أو في مفاصل الأطراف.

 

 

وظهر الوشم قبل الميلاد، وأول رسم معروف لوشم على جسم الإنسان يعود لنحو 6000 عام قبل الميلاد ووجد في رسوم الكهوف بأوروبا، أما الرومان والإغريق فكانوا يستخدمونه في دمغ العبيد، كما يعتبر من أقدم العادات التي مارسها السومريون منذ مطلع التاريخ إذ كانوا يزينون أجسادهم به.

عبر التاريخ تبدلت معاني الوشم، ففي الماضي كان الإنسان البدائي يطبع صورة الحيوانات التي يخاف منها على ذراعه أو على صدره ظناً منه أنها تكسبه قوة، كما ارتبط الوشم بالديانات الوثنية التي انتشرت شرقاً وغرباً كحامل لرموزها الدينية وأشكال آلهتها، واستخدم الوشم كتعويذة ضد الموت والعين الشريرة والحماية من السحر، أما العرب فقد استخدموه كوسيلة للتزين والتجمل وكرمز للتميز في الانتماء إلى القبيلة.

ويمثل الوشم ظاهرة قديمة في المجتمعات البشرية، فقد عرف منذ قديم الزمان في مصر، حيث وجدت آثاره على بعض المومياوات المصرية، وكان أحد طرق التجميل القديمة بخاصة عند النساء، إذ كانت المرأة المصرية ترسم وشماً أسفل الوجه وتحت الشفة وعلى ظهر اليد والرسغ، أما الرجل فكان يكتفي بوشم صورة لطائر ما على الصدغ لحماية الرأس من الصداع. واقتصر الوشم عند الشباب على وضع نقطة فوق الذقن وأخرى على الجانب الأيمن من الأنف للحماية من آلام الأسنان وثالثة في بداية الجفن للحماية من أمراض العين.

وشم أم "تاتو"؟

و"التاتو" هو اللفظ الأجنبي للوشم، ويستخدم لرسم الشفاه وتحديدها بشكل ثابت أو رسم العين بألوان الكحل ليكون ثابتاً أو تغيير شكل الحواجب، فهو عبارة عن مكياج دائم يتم عمله من خلال مادة صبغية تبقى لسنوات مثله مثل الوشم قديماً، والفرق بينهما أن الوشم يصل إلى الطبقة السابعة من الجلد، أما "التاتو" فيصل للطبقة الثالثة منه.

و"التاتو" عبارة عن إبرة رفيعة تحقن بها مادة معينة على شكل حبيبات تحت الجلد فتعطي ألواناً مختلفة، ومن أمثلة ذلك أن حبيبات الكبريت تمنح اللون الأصفر، وصدأ الحديد يُظهر اللون الأسود، وأكسيد الكروم يعطي اللون الأخضر، والكوبالت يهب اللون الأزرق الفاتح، الزئبق والصبغات النباتية تثمر اللون الأحمر.

واللفظة الإنجليزية "تاتو" أي العلامة المرسومة على الجسد البشري، هي كلمة اشتقت من اللغة البولينيزية "تاهيتي"، وتحمل كلمة tattoo المقطعta  ويعني علامة، وقد دخلت على اللغة الفرنسية وكتبت tatouage ومنها انتقلت إلى اللغات الأوروبية.

ومن أهم المواد المستخدمة في الوشم الكحل ورماد النار وعصارة النباتات، وكذلك تستعمل مواد كيماوية وأكسيد المعادن كالحديد والكوبالت والزئبق وصبغات نباتية وملونات ذات أصل حيواني والزعفران والتوت والفحم.

أما حبر الوشم فيتكون من منتجات أكسدة المعادن الثقيلة مثل الحديد والنحاس والرصاص والليثيوم والميركوري. واللافت أن هذه المعادن لها ألوان مختلفة مثل الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأسود، أما الأدوات التي يستخدمها الواشمون فهي الإبر الثاقبة للجلد، وسكاكين دقيقة تمكن من إحداث جروح جلدية، وإبر موصولة بجهاز صغير بواسطة أنبوب وتحتوي على صبغة ملونة، وكل مرة تغرز فيها الإبرة تدخل قطرة صغيرة من الحبر في الجلد لحين اكتمال الوشم.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات