ملخص
لطالما تميزت مائدة الطعام التونسية في عيد الأضحى بالتنوع حسب اختلاف المناطق لتوضح في النهاية خريطة ثقافة الطعام بالبلاد.
بين الثقافة والتاريخ ربما تختزل مائدة الطعام التونسية، كثيراً من ملامح البيئة والسياق التاريخي الذي تكون فيه، لتشكل رصيداً رمزياً للمجتمعات التي صنعته. ويقول الأنثروبولوجي الفرنسي "كلود ليفي شتراوس" إن "الطعام والمطبخ يقفان بين الطبيعة والثقافة ويتوسطان بينهما، ويعدان وسيلة من وسائل التعبير عن الغنى الثقافي والاجتماعي".
في تونس، وعلى رغم صغر مساحة هذا البلد الأخضر، فإنها تحتفظ بفسيفساء متنوعة من الأطعمة التي تعكس البعد الجغرافي والثقافي لكل جهة، حيث تتكون الأكلات في المناطق الساحلية أساساً من المنتجات البحرية، بينما يكون لحم الضأن المكون الأساسي للأطعمة التي تنتمي للمناطق الفلاحية والغابية البعيدة عن البحر.
والطعام مظهر من مظاهر الاحتفال والفرح، إذ يتقاسم الناس الطعام الذي تعكس وفرته ولذته عمق الروابط الحميمية بين الضيف ومضيفه. وهنا يقر أكاديمي الأنثروبولوجيا الثقافية في تونس الأمين البوعزيزي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، بأن "المجتمعات التقليدية التي يحضر فيها منطق الجماعة تتقاسم الفرح عبر مشاركة الطعام، لذلك تحضر الأكلات بأنواعها في المناسبات التونسية ويختلف الطعام بحسب الجهة والمكانة والوجاهة الاجتماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف البوعزيزي أن "الطعام يشبه اللباس، وهو يختزل ثقافة المجتمعات، وفي تونس هناك تنوع لافت في أنواع الطعام بين جهة وأخرى ما يعكس ثراء وتنوع الأكلات في البلاد من الشمال إلى الجنوب".
"القلاية والفتات" شمالا
منطقة الشمال الغربي مثلاً تختص بأكلة "القلاية" يوم عيد الأضحى، التي تتكون من الكبد والقلب واللحم مع إضافة بعض التوابل وقليل من الزيت، وهي أكلة دسمة وغنية.
ويقول الطباخ التونسي المحترف من مدينة الكاف نزار اليعقوبي، في تصريح خاص، إن "منطقة الشمال الغربي تختلف عن الوسط والجنوب في بعض الخصوصيات إلا أن القاسم المشترك بين جميع التونسيين في مختلف الجهات تقريباً هي أكلة (العصبان) التي تتطلب تحضيرات واستعدادات خاصة من ضمنها التنظيف الجيد لأحشاء الخروف أو ما يعرف في تونس بـ(الدوارة)، ثم تحضير الخضر من سلق وبقدونس وبصل ونعناع جاف والبهارات والهريسة العربي، ويتم حشوها بالخضر واللحم".
وتختص محافظة باجة، بإعداد طبق "الفتات" وهي أكلة من اللحم والإكليل وهو من أشهر الأطباق التقليدية التي تميز الجهة في عيد الأضحى. و"الفتات" عبارة عن رقائق عجين يتم إعدادها بعد تتبيل اللحم وطهيه في الماء، ثم يضاف إليهما الإكليل الجبلي من أجل نكهة نوعية، وفقاً لليعقوبي.
أسعار الأضاحي
أجواء اللمة العائلية في تونس تمتزج برائحة البخور وتبادل تهاني العيد في أجواء روحانية بينما تنطلق من مكبرات المساجد أصوات التكبير، ويعتبر يوم العيد شاقاً للمرأة التونسية، إذ تقول وردة النفزي، إن أغلب الأعياد الدينية في البلاد "شقاء وتعب ومصاريف إضافية"، موضحة "أن أسعار الخرفان نار هذه السنة، خصوصاً أنها اقتنت خروفاً متوسط الحجم بـ750 ديناراً (250 دولاراً)".
وعبرت وردة عن قلقها إزاء غلاء الأسعار وقلة ذات اليد، موضحة أنها عكفت يوم العيد قبل طلوع الشمس إلى الغروب على إعداد اللحم "المشوي" و"العصبان" و"تشويط" رأس الخروف الذي يتم تحضيره للعشاء ويتم طبخه بالإكليل، وبعض البهارات الأخرى، بينما يتم الاحتفاظ بالخروف كاملاً تقريباً ليجف ويتم تقطيعه في اليوم التالي أي ثاني أيام العيد.
وذكرت أنها "حضرت كمية من (القديد) وهو لحم يتم خلطه بالفلفل الأحمر والملح ثم يعلق ليجف تحت أشعة الشمس ثم ينظف ويتم قليه في الزيت ويوضع في آنية من البلور ويضاف إليه الزيت ويحفظ ليتم استعماله في فصل الشتاء".
"بازين" صفاقس
إلى محافظة صفاقس (وسط) المعروفة بأكلة "الشرمولة" في عيد الفطر، بينما يتم يوم عيد الأضحى إعداد "بازين النشاء بالقلاية". وتعرف سامية بن عياد هذه الأكلة بأنها "دقيق يخلط بالماء ويتم إعداده في شكل عصيدة، ثم يتم طبخ القلاية من اللحم والكبد ويتم سكبها حول العصيدة أو ما يسمى في صفاقس بالبازين". ويتم يوم العيد إعداد الشاي الأخضر بالنعناع وعصير الليمون وعدة مشروبات أخرى.
"مرقة بالعيش" جنوباً
وفي الجنوب التونسي، تطبخ العائلات "المرقة مع العيش"، فتقول فضيلة كمالة من منطقة غمراسن في محافظة تطاوين (جنوب)، إن منطقتها تعد "مرقة المعلاق" وهي أكلة تتكون من الكبد والقلب تخلط بالبطاطا والبهارات والهريسة العربي وتؤكل مع "العيش" وهي عصيدة من الدقيق يتم تناولها في منتصف النهار.
وفي الليل، يتم تحضير رأس الخروف و"العصبان" على أن يتم تقطيع الخروف في ثاني أيام العيد. وتشير "فضيلة" إلى عادة تونسية قديمة بدأت في الاندثار بالجنوب الشرقي، وهي طبخ الكتف اليمنى من الخروف في "المرقة" المكونة من الماء ومعجون الطماطم والفلفل والبهارات ويتم الاحتفاظ به ليوم الغد ليؤكل بارداً".
وتشترك أغلب المناطق التونسية في أكل الكسكسي، ثاني أيام العيد، وهو من أشهر الأكلات التونسية.
وبعيداً من الشهية التونسية، يحذر المتخصصون في التغذية من الإفراط في تناول اللحوم الغنية بالدهون والمشروبات الغنية بالسكريات يوم العيد، خصوصاً بالنسبة إلى مرضى السكري وضغط الدم.
ودعت المتخصصة في التغذية ليلى علوان إلى "شي اللحوم من خلال عزلها عن النار مباشرة، حفاظاً على سلامتها الصحية، موصية بضرورة شرب كميات جيدة من الماء وممارسة رياضة المشي آخر النهار لحرق الدهون".