Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأحزاب العراقية... تسعة عقود من الصراع السياسي

تواءمت مع توجهات السلطة عبر الزمن وهيمنت عليها المصالح مع افتقاد التعددية والمشاركة

الأحزاب السياسية على مدى تاريخها كانت أكثر التحاماً مع السلطات الحاكمة والمصالح عن ارتباطها بالشعب (أ ف ب)

ملخص

ماذا فعلت الأحزاب العراقية على مدى 90 عاماً؟

يعود تاريخ نشوء الأحزاب السياسية في العراق الحديث لتاسيس أول حزب يساري (الحزب الشيوعي العراقي) عام 1936، مقترناً بتأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد 10 سنوات من إعلانها في 1921 حتى شكلت ظاهرة عامة حين تبنت منهاج عمل مناؤى للوجود البريطاني الذي كان وراء تفعيل دولة بصيغة الانتداب السياسي بدوافع إنجليزية.

المؤسسة الحاكمة

وخلال مرحلة التأسيس منذ العشرينيات حتى منتصف الأربعينيات كانت تستهدف خدمة طموحات المجموعة المؤسسة لتلك الأحزاب في الوصول إلى سدة الحكم وتحقيق مصالح الحكومة في ذلك العهد، إذ أفرزت تلك الحقبة ظاهرة الصراع والخصومات السياسية بين أعوان النظام الملكي نفسه، وهي تظهر وتموت مع انتهاء حاجة المؤسسين إليها، بعكس أحزاب أيديولوجية كانت تعمل بطريقة مختلفة من خلال هياكلها التنظيمية والارتكان إلى إرادة شعبية.

وشهدت هذه المرحلة قرار الحكومة منع وتجريم العمل الحزبي المناوئ للنظام الملكي الذي استمر حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم اضطر النظام الى إعادة إجازة تشكيل الأحزاب والعمل وفق أجواء المناخ الدولي الذي سمح بذلك.

الباحث والمؤرخ السياسي مؤيد الونداوي قال "ظهرت أحزاب بعد عام 1946 منها حزب الأحرار لمؤسسه توفيق السويدي والوطني الديمقراطي لمؤسسه كامل الجادرجي وكذلك الاستقلال الذي أسسه محمد مهدي كبة، إضافة الى تأسيس جمعيات مثل جمعية ’مكافحة الصهيونية‘"، لافتاً إلى أن الحزب الشيوعي العراقي لم يمنح إجازة لممارسة عمله السياسي وكان من الأحزاب المحظورة.

وأشار إلى أنه في الخمسينيات أيضاً تأسست أحزاب أخرى جديدة تخدم قادة من أعوان النظام الملكي، فأسس رئيس الوزراء نوري السعيد حزب الاتحاد الدستوري، وظهر حزب الأمة الاشتراكي الذي أسسه صالح جبر وزير الداخلية في حكومة السعيد، حتى أصبحا قطبي السياسة العراقية في ذلك الوقت.

اليمين واليسار

 ودرج توصيف عموم الأحزاب العراقية خلال تلك الحقبة بأنها أحزاب يمينية وتشمل الأحزاب القومية بدءاً من حزب الاستقلال وحزب البعث عام 1947 المصنفين في أقصى اليمين، مقابل الحزب الشيوعي والأحزاب الاشتراكية الأخرى في اليسار، مع وجود أحزاب ليبرالية توصف بالوسطية مثل الحزب الوطني الديمقراطي.

ويرى الونداوي أن "لعبة الحكومة والمعارضة لم يسمح بها الحرس القديم في العراق، لذلك كان تمثيل المعارضين ضعيفاً دوماً داخل البرلمان، مثلما كان تحت سطوة الأحكام العرفية التي تقمع العمل السياسي الحزبي، على رغم تصاعد المد القومي الكبير في الخمسينيات، ومع نشوء الحرب الباردة وتنامي أداء الحزب الشيوعي العراقي استقر الأمر بهيمنة مستمرة لحزب الاتحاد الدستوري لنوري السعيد، في وقت لم تكن الانتخابات نظيفة".

ولفت إلى أن التحول الحزبي حدث عام 1957 عندما ظهرت "الجبهة الوطنية" المؤلفة من خمسة أحزاب، حين اتفقت مجموعة حزبية منها الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي والشيوعي والبعث والاستقلال ودعت إلى ضرورة تغيير هيكلية النظام السياسي العراقي وأسسوا هذه الجبهة التي كان لها حضورها بشكل أو آخر مع التمهيد الشعبي لإطاحة النظام الملكي في الـ14 من يوليو (تموز) 1958.

العهد الجمهوري

 افتتح العهد الجمهوري برئاسة عبدالكريم قاسم بحمامات دم من خلال اغتيال العائلة المالكة الذي ولّد شرخاً كبيراً في البنية السياسية والمجتمعية العراقية، ودخلت البلاد تحت سلطة "العسكريتاريا" و"سلطة الضباط الأحرار" المتأثرة بنظام الحكم في مصر، ويصف مؤرخو هذه الحقبة المحتدمة من تاريخ العراق السياسي قاسم بأنه لم يؤمن بالتعددية الحزبية والحريات الليبرالية ويوصف بأنه كان يلعب على حبال الأحزاب السياسية، لكنه كان يحاول أن يلم بحكومة ممثلة للطيف العراقي ولو على أنقاض النظام الملكي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وضمت الحكومة أحزاباً مثل حزب البعث والشيوعي والوطني الديمقراطي، وسرعان ما دخلت البلاد في صراع حزبي مرير، انتهى بسلسلة من الإعدامات، ولم تتأسس تجربة برلمانية أو تعددية حزبية واضحة، واستمرت حتى انقلاب عام 1963 الذي قاده حزب البعث الذي تولى السلطة لمدة ثمانية أشهر.

وفي شمال البلاد كانت للأكراد تجربة حزبية لم يبرز منها غير الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مصطفى البرزاني مع ظهور المعارضة الكردية المسلحة ضد النظام في بغداد التي خلفت مئات آلاف الضحايا على مدى نصف قرن.

 وتوصف حقبة الستينيات في زمن الأخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف بأنها متأثرة بتجربة الاتحاد الاشتراكي في مصر، بل صدى لها، إلا أنها جوبهت برفض شعبي حتى إسقاطها عام 1968.

الحزب القائد

تولى البعث السلطة مرة أخرى لتدخل البلاد في نظام قومي أعلن أنه يعتمد ما أسماه "الثورة البيضاء"، لكنه سرعان ما أقصى خصومه السياسيين والحزبيين وانتقل إلى نظام "الحزب القائد" الذي رفض المشاركة السياسية الحقيقية في إدارة الدولة على رغم إعلانه تأسيس "الجبهة الوطنية الديمقراطية" التي حدد شروطها ومنع تنظيمات العمل في قطاعات حيوية مثل القوات المسلحة، لكن سرعان ما انهارت تلك الجبهة التي وصفت بأنها شكلية وكانت نهاية الشيوعيين والقوميين العرب من نتائجها.

العلامة الفارقة في هذه المرحلة هي الحوار الحزبي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي توجّ ببيان الـ11 من مارس (آذار) ومنح الأكراد الحكم الذاتي عام 1970، وهو اتفاق سلام من أجل إنشاء منطقة حكم للأكراد تضم مناطق ذات غالبية سكانية كردية شملت أربيل والسليمانية ودهوك، ليحسم الصراع العراقي- الكردي الذي استمر لعقود طويلة، وفيه اعترفت الحكومة العراقية للمرة الأولى بالحقوق القومية للكرد مع ضمانات بمشاركتهم في الحكم واعتماد اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية في المحافظات الثلاث.

تفرد حزب البعث في السلطة لمدة 35 عاماً شهدت غياب التعددية السياسية، وتحول نشاط الأحزاب إلى العمل السري جراء سياسة النظام وظروف الحرب العراقية -الإيرانية 1980-1988، ثم غزو الكويت وحقبة الحصار 1990- 2003 التي انتهت بتأسيس أحزاب معارضة خارج البلاد، دأبت وعملت ليل نهار على إسقاط النظام البعثي بمساعدة الولايات المتحدة والغرب عموماً الذي أعلن توصيف النظام في العراق بأنه "مارق".

انفلات وتعددية

لم تكن تجربة التعددية الحزبية بعد الاحتلال في 2003 بمستوى الشعارات التي رفعت لدفع  المظلومية عن العراقيين، لا سيما العرب الشيعة في الوسط والجنوب والتي تعلقوا بها للخلاص من آثار حروب النظام السابق.

وعلى رغم الإعلان عن وجود 553 حزباً مسجلاً في مفوضية الانتخابات ودائرة الأحزاب السياسية، إلا أنها تفتقد إلى مشاريع واضحة ومصادر تمويل معلنة، إذ تتوالد بحسب رغبة مصالح مؤسسيها في الوصول إلى البرلمان القائم على المحاصصة والتعددية الطائفية والقومية والمذهبية، وكذلك تفتقر إلى البرامج السياسية والإدارات الكفوءة، فضلاً عن خلط ما هو ديني بالسياسي، إضافة إلى تأسيس أجنحة عسكرية ولجان اقتصادية لتمويلها على حساب موازنة الدولة واستنزافها والضغط باتجاه توظيف منتسبيها من الحزبيين والموالين في الجهاز الحكومي، حتى أخذت أكثر من 70 في المئة من موازنة الدولة بهدف الترويج لمشاريعها الانتخابية.

فورة حزبية

إقرار قانون الأحزاب المتأخر نسبياً في أواخر عام 2015 الذي يفرض تنظيم الإطار القانوني للأحزاب السياسية على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية وتحقق مشاركة أوسع في الشؤون العامة لم يكن كافياً، إذ إنه حظر تبني الأحزاب أي شكل من أشكال التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية أو الارتباط بأي قوة مسلحة، وفي الوقت نفسه لم يحول دون بروز الأجنحة العسكرية والمسلحين في المنظومة الحكومية تحت مبررات ومسوغات غير قانونية.

ويمنع القانون التمويل الخارجي للأحزاب سواء كان في شكل تبرعات من مؤسسات أو دول أو تنظيمات خارجية، إلا أن الأحزاب فعلياً لا تكشف عن مصادر تمويلها وإنفاقها الضخم وتسليحها الذي يتطلب موازنات كبيرة.  

الأحزاب المشاركة في الانتخابات العامة الأخيرة لم تتمكن من حشد الشراكة المجتمعية إلا بنسبة 20 في المئة، بحسب ما أعلن زعماء الكتل الكبيرة، كما عجزت عن حث جمهور الناخبين على المشاركة الواسعة أو الوصول إلى النسبة التي حققتها في انتخابات 2010 والتي فازت بها القائمة الوطنية العراقية بزعامة إياد علاوي.

ويتوقع كثير من المراقبين تقلص ظاهرة الأحزاب الحالية خلال الأعوام المقبلة سواء بالاندماج أو التجميد والتلاشي، ومعها فقدان الفورة التي عاشها المجتمع بعد التغيير.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير