Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحرب الأوكرانية" بين عودة الإمبراطورية الروسية وتحقيق الحلم الأميركي

يرى مراقبون أن موسكو تطمح في استعادة أمجادها القديمة بينما تسعى واشنطن إلى تفتيت القوميات السوفياتية قبل أن تنقل الصراع إلى الصين

تبدو الحرب في أوكرانيا وكأنها تصفية حسابات بين روسيا والولايات المتحدة (أ ف ب)

ملخص

تتلخص الحرب الدائرة في أوكرانيا برغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تعزيز نفوذ بلاده بـ"الفضاء الأوروآسيوي"، بينما تستهدف الولايات المتحدة حكم العالم وفق نظام جديد لا مكان فيه لروسيا أو الصين، وكل طرف منهما يستخدم نفوذه وأدواته السياسية وأسلحته العسكرية لتحقيق مبتغاه

بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى أن الولايات المتحدة باقية عند سابق مخططاتها الرامية لتحقيق ما كانت تضمره من نوايا تجاه تصفية حسابات قديمة مع روسيا، ومنها ما يعود تاريخه إلى ما يزيد على 100 عام. ومن هذه المخططات ما يتعلق بتقسيم هذه "المساحة الجغرافية الهائلة مترامية الأطراف متعددة القوميات"، وبما يحول لاحقاً دون استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وما استطاعت تحقيقه بعد ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 من لملمة شتات الولايات والخانات والقبائل في مختلف أرجاء آسيا الوسطى، لتجتمع ثانية تحت راية "الاتحاد السوفياتي"، اعتباراً من عام 1922.

مكاسب التغيير

يذكر التاريخ أن الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا، كانتا شديدتي الحرص على ألا يخرج الاتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية بمكانة كبيرة وامتيازات مهمة ومكاسب في شرق أوروبا، رغم كل جهودهما التي استهدفت تأخير افتتاح الجبهة الثانية في الحرب العالمية الثانية إلى ما قبل تحقيق النصر على الفاشية في مايو (أيار) 1945 بأشهر معدودة.

إلى ذلك، يضيف مراقبون أن الإدارة الأميركية تظل عند سابق أهدافها، بل وتتجاوزها إلى ما هو أبعد من مجرد التقسيم، لتصل حد الرغبة في تغيير "النظام القائم"، وهو ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب ألقاه بالقصر الملكي في قلب العاصمة البولندية وارسو في مارس (آذار) 2022، والذي شدد فيه على ضرورة التخلص من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتفق ذلك مع ما سبق وأوجزه في كلمتين هما "أميركا عادت"، في إشارة وتحذير يحملان بين طياتهما ما يتجاوز اللفظتين، بما يعني ضمناً "لأن الولايات المتحدة عادت لتحكم العالم وفق نظام عالمي جديد، لا مكان فيه لروسيا أو الصين".

صراع وخلخلة

ولعل ما قاله بايدن ويقرنه بكثير من الخطوات الرامية إلى تجسيد ما يقول، يأتي في وفاق مع ما سبقه من خطوات للملياردير الأميركي، المجري الأصل، جورج سوروس، ومنها مشروع "الثورات الملونة" في الفضاء السوفياتي السابق، وما ألحقها خلال الفترة القليلة الماضية، بتصريحات على غرار "من الضروري هزيمة بوتين إذا كنا نريد الحفاظ على حضارتنا". وفي ذلك تحديداً تنحصر الأهداف الحقيقية لما نشهده من صراع دام، يستمر للعام الثاني على التوالي تحت ستار "الحرب بين روسيا من جانب، وما يزيد على 50 دولة في الصدارة منها الولايات المتحدة وبلدان الناتو" التي أدرك كثيرون حقيقتها ومغزاها، وأنها يجب أن تستمر حتى "آخر جندي أوكراني" من جانب آخر، بل وهناك من يقول إن أوكرانيا كانت حتى قبل موعد "العملية العسكرية الروسية الخاصة" التي بدأتها موسكو 24 فبراير (شباط) 2022 في سبيلها إلى البدء فيما كانت أعدت له العدة لتحرير ما خرجت عن ولايتها من مقاطعات في منطقة دونباس، إضافة إلى شبه جزيرة القرم، وهو ما اعترفت به في وقت لاحق المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند في قولهما "إن اتفاقيات مينسك التي وقعت في 2014-2015 تحت رعاية مجموعة "نورماندي"، كانت تستهدف بالدرجة الأولى توفير المساحة الزمنية اللازمة لتسليح وإعداد القوات المسلحة الأوكرانية لتحرير أراضيها بالقوة"، وهو ما أكده الرئيسان الأوكرانيان، السابق بيتر بوروشينكو والحالي فلاديمير زيلينسكي، واستشهدا في ذلك بما نص عليه دستور بلادهما".

استعادة نووية

واتسمت هذه التصريحات بأهمية خاصة من منظور ما هدد به زيلينسكي خلال مشاركته في مؤتمر الأمن الأوروبي بميونيخ حول ضرورة استعادة بلاده وضعيتها النووية، وما دفع موسكو إلى الإعراب عن مخاوفها من امتلاك أوكرانيا هذا النوع من الأسلحة، إدراكاً من جانبها لحقيقة قدراتها على ذلك، وما تراكم لديها من قدرات وخبرات علمية، وكذلك محطات نووية منذ سنوات الاتحاد السوفياتي السابق.

 

وهذا ما يفضي بنا إلى صدارة الجدل الذي يحتدم في الداخل والخارج، حول ما يمكن أن تصل إليه المنطقة من مواجهة تتقود العالم إلى شفا "حرب عالمية ثالثة" بعد تجدد الاشتباكات في أرجاء متفرقة بداية من داخل الأراضي الأوكرانية وما أعقبها من وصول مسيرات كييف إلى الكرملين "قدس أقداس موسكو"، وما تلاه من أحداث شملت ولا تزال المناطق الحدودية داخل روسيا بما فيها مقاطعة "بيلغورود" المتاخمة للحدود المشتركة شمال "خاركيف" الأوكرانية، فضلاً عما لحق من تفجيرات بأحد أكبر السدود المائية "نوفايا كاخوفكا"، الواقع تحت سيطرة الجانب الروسي على نهر الدنيبر بمقاطعة خيرسون التي يتقاسمها مع الجانب الأوكراني.

اتهامات متبادلة

وجاء هذا الحدث بما أعقبه من اتهامات متبادلة حول مسؤولية "الآخر" عن ارتكابه، ليزيد من توتر الأجواء وينقل القضية إلى مجلس الأمن الدولي الذي لم يخرج بقرار في هذا الشأن، وبعيداً من تفاصيل الاتهامات المتبادلة، نكتفي بالإشارة إلى ما خلص له الرئيس الأوكراني زيلينسكي حول "خيبة أمله في الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي"، لا لشيء إلا لأنهما لم يسارعا إلى اتخاذ قرار "إدانة الجانب الروسي"، على النقيض من موقف "البيت الأبيض" الذي لم يجزم بعد، بمسؤولية روسيا عن ارتكاب تلك الحادثة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان الجانب الروسي قد انصرف إلى تعداد ما يتوفر من قرائن تقول بمسؤولية الجانب الأوكراني عن تفجير "سد كاخوفكا" استناداً إلى تصريحات معلقين وإعلاميين أميركيين منهم توكر كارلسون وغارلاند نيكسون، إضافة إلى ما أشارت إليه مصادر روسية واسعة الانتشار، إذ نشر موقع "روسيا اليوم" الناطق بالعربية، بعضاً مما أوردته في هذا الصدد، ومنها صحيفتا "كومسومولسكايا برافدا" و"موسكوفسكي كومسوموليتس"، ولعله يكون من المفيد في هذا الصدد العودة لكثير من "الوقائع" والتصريحات التي تشير بأصابع الاتهام إلى مسؤولين أوكرانيين لم ينكروا ما سبق وصدر عنهم تصريحات تدعو إلى ضرورة تدمير جسر القرم، ومواقع أخرى كثيرة في الداخل الروسي.

حملات ومخططات

أضف إلى هذا تخلص أوكرانيا من الروس والناطقين بلغتهم، وهو ما تحقق على أرض الواقع في إطار ما سبق وحدده زيلينسكي ومدير مكتبه ميخائيل بودولياك، ورئيس جهاز استخباراته كيريل بودانوف، في معرض تلك التصريحات التي عاد الجانب الروسي إلى استعراضها مجدداً في معرض ما يسوقه من أسانيد وقرائن على تورط كييف في هذه القضية.

يتمثل الأخطر والأهم فيما تعود موسكو إلى التحذير من مغبته، في إطار حملاتها المضادة لما تقول إنها المخططات الغربية وما تستهدفه من محاولات تنفيذ "الحلم الأميركي" بـ "تقسيم روسيا وإطاحة نظام بوتين"، استعداداً للتحول لاحقاً نحو الصين بوصفها "الحلم المؤجل".

وانطلقت الأجهزة الإعلامية الروسية في "حملات كاملة العدد" لتوضيح أن "الغرب يحشد كل إمكاناته وقدراته، ليس فقط دفاعاً عن أوكرانيا أو المقدسات الديمقراطية، والقيم التي صار مشكوكاً في كثير منها، بل وبحسب كل ما يتوفر من وثائق تاريخية واعترافات يجري الكشف عنها مع كل يوم جديد، سعياً وراء القضاء على روسيا بما تمثله من إرث تاريخي وحضاري يجمع كل البلدان السلافية وبلدان المنطقة التي تندرج اليوم تحت اسم الفضاء الأوروآسيوي".

تصعيد متعدد

وسارع الملياردير الأميركي جورج سوروس في الانضمام لهذه "الحملات الغربية" بقوله "يجب أن يكون الهدف التالي (بعد تفجير سد كاخوفكا) هو شبه جزيرة القرم، القاعدة الرئيسة للبحرية الروسية"، وذلك إلى جانب العمل على استعادة الأراضي التي تصل إليها بالأراضي الروسية عن طريق البر، وحرمانها من مصادر المياه العذبة عن طريق القناة التي تربطها بنهر الدنيبر.

 

ويتواكب ذلك مع ما تواصل موسكو "فضحه" من أحداث سابقة يجري تصنيفها في عداد "العمليات الإرهابية"، ومنها تفجيرات جسر القرم وخط أنابيب "التيار الشمالي" في بحر البلطيق، والدفع بالمسيرات إلى سماء الكرملين، إلى جانب الكثير من عمليات الاغتيال منها الصحافية داريا دوغينا، وكذلك ماكسيم فومين المعروف باسم "فلادديلين تاتارسكي" وغيرهما من الرموز القومية الوطنية الأخرى، والتي تتملص منها كل رموز أوكرانيا، على رغم ما صدر عنها من تصريحات تدعو إلى ارتكابها.

فرقة وانقسام

غير أن الملاحظ في صدد ما يجري على صعيد الأزمة الراهنة هو ما تشهده الساحة الأوكرانية من فرقة وانقسام بين أعضاء النسق الأعلى للسلطة، وهو ما يتوقف عنده مراقبون لأحداث الفساد الذي لطالما كان "حديث الساعة" في أوكرانيا، من منظور الاتهامات التي يتقاذفها كثيرون منهم، كل في حق الآخر، ومنها ما يطاول هنتر ابن الرئيس الأميركي جو بايدن، إبان سنوات عمله نائباً لحاكم البيت الأبيض الأسبق باراك أوباما، وثمة من يقول إن هذه القضية تحديداً لا بد أن تعود لتطفو إلى سطح الأحداث المرتقبة، وما سيواجهه كثيرون من قيادات كييف فور أن تضع "الحرب" أوزارها وتحين "ساعة الحساب".

قصارى القول، وبحسب كثير من الشواهد، وما أسلفنا من معلومات ووقائع، فإن الواضح والمؤكد أن الأزمة الأوكرانية، وما يدور حولها وتحت ستارها من معارك ضارية بين موسكو وكييف والصراعات الشخصية على صعيد الداخل، ليست الهدف الذي تريده الإدارة الأميركية وحلفاؤها الغربيون، بل وثمة ما يشير إلى أن القلق يراود كثيرين من قادة الغرب تجاه احتمالات تعثر زيلينسكي ورفاقه في تنفيذ ما أتفق عليه، وما بذل من أجله كثير من الجهد والمال، على خلفية ما شهدته ساحة أوكرانيا من انفراط "عقد الرفاق"، طوعياً كان أو قسرياً، كما حدث برحيل رئيس مجلس الرادا، دميتري رازومكوف الذي كان رئيساً لحزب "خادم الشعب" الحاكم، أو التصفية الجسدية، على حد ما تداولته المصادر السياسية والإعلامية في إطار تفسيرها لمصرع وزير الداخية الأوكرانية دينيس موناستيرسكي، ومسؤولين كبار من مساعديه في حادثة تحطم مروحية لا يزال الغموض يكتنف كثيراً من جوانبه.

السر المعلن

استناداً إلى ما تناولنا وما لا يزال قيد الدراسة وطي الكتمان، يقول مراقبون في موسكو إن أوكرانيا تبدو أقرب إلى احتمالات، ليس فقط أمام حتمية سداد فواتير أخطاء عدد من قياداتها، بل وأيضاً التضحية بما كانت تتمتع به من سيادة واستقلال، في الوقت الذي يبدو فيه بوتين أكثر إصراراً عن ذي قبل، على تنفيذ ما سبق وحدده من أهداف في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر الأمن الأوروبي بميونيخ فبراير (شباط) 2007 حول رفض بلاده النظام العالمي أحادي القطب، وضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب، وذلك فضلاً عما أودعه بمذكرتيه اللتين بعث بهما إلى كل من الإدارة الأميركية وحلف "الناتو" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 من مطالب حول توقف الحلف عن التوسع شرقاً ورفض انضمام أوكرانيا إليه، إلى جانب ما أعلنه في مستهل "العملية العسكرية الروسية الخاصة" من أهداف، ليس هناك ما يشير إلى احتمالات تخليه عن أي منها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل