Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يعد احتفاء أميركا بمودي رسالة قوية للصين؟

تنظر نيودلهي إلى بكين على أنها تهديد لكنها تريد الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي

جانب من الاستقبال الرسمي لمودي في البيت الأبيض، في 22 يونيو الحالي (أ ب)

ملخص

تراهن الولايات المتحدة على مجموعة متنوعة من المجالات التي يمكن أن تلعب الهند فيها دوراً بناء للغاية وبخاصة في سلاسل التوريد المتنوعة والمرنة

في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المتوترة إلى بكين، التي تلاها وصف الرئيس جو بايدن للرئيس الصيني شي جينبينغ بأنه "ديكتاتور"، جاءت زيارة الدولة الأولى لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة، وإلقاء ثاني خطاب له أمام الكونغرس والاحتفاء غير العادي في استقباله، لتقدم رسالة هادئة وغير مباشرة لاحتواء التحدي الصيني، إذ يراهن المسؤولون الأميركيون على نقطة انطلاق جديدة في العلاقة مع الهند، ووضع معايير غير مسبوقة في التعاون الصناعي والتكنولوجي والدفاعي لكسر المحظورات القديمة، والتغلب على التردد الذي اتسمت به تلك العلاقة لفترة طويلة، فما الذي تقدمه واشنطن لنيودلهي، وما الذي تريده منها، وهل يمكن ضمان خروج الهند عن استقلالها المعهود في السياسة الدولية؟

سبب تقارب المصالح

على مدى سنوات، دانت البيانات المشتركة الصادرة عن الولايات المتحدة والهند، تجارب الصواريخ التي أجرتها كوريا الشمالية. ودعت إلى إنهاء العنف في ميانمار، كما دعت حركة "طالبان" إلى احترام حقوق الإنسان، لكن لم يكن هناك أي ذكر صريح للخصم الأساسي للهند وهو الصين. ومع ذلك فإن رغبة نيودلهي في تقليل الاتهامات التي يمكن أن تصعد التوترات مع القيادة في بكين، لم تمنع أن تحل الصين محل باكستان كتهديد أمني رئيس للهند في السنوات الأخيرة، وحولت الاشتباكات على طول حدود أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم، إلى منافسين مرة أخرى في المحيطين الهندي والهادئ.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، أدى عودة هذا التنافس بعد عقود من الانفراج، إلى تقارب المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، الذي تعكسه الحفاوة البالغة التي حظي بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في واشنطن ضمن زيارة الدولة التي تكتسب أهمية كبيرة وسط الرياح الاقتصادية والجيوسياسية العالمية المعاكسة، وتأتي في أعقاب زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المتوترة إلى الصين، التي أعقبها تصريح من الرئيس الأميركي بايدن أثار غضب بكين، حين وصف، الثلاثاء الماضي، نظيره الصيني شي جينبينغ بـالديكتاتور.

وعلى رغم أن بايدن ومودي لم يصورا تعاونهما المشترك على أنه يدور في المقام الأول حول احتواء التحدي الصيني، فإن المعنى الضمني واضح في ما يقوله المسؤولون في واشنطن بأن الأمر يتعلق بإظهار الزخم في العلاقة على أساس مجموعة من المصالح المشتركة وضخ طاقة جديدة في العلاقات يكون لها تأثير في النظام العالمي، ورفع الهند كقوة صاعدة تمثل أكبر ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان، على رغم أنها ليست ديمقراطية كاملة، كما تعكس هذه الحفاوة التحول في سياسة أميركا إزاء زعيم حرم قبل سنوات من الحصول على تأشيرة للسفر إلى الولايات المتحدة بسبب مخاوف أميركية في شأن انتهاكات لحقوق الأقليات المسلمة قبل سنوات، حينما كان آنذاك رئيساً لوزراء ولاية غوجارات في غرب الهند.

تعاون عسكري غير مسبوق

وفي حين نفى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن هذه الزيارة تتعلق بالصين، فإنه أوضح قبل الزيارة أن دور الصين في المجال العسكري وعلى الصعيد التكنولوجي والاقتصادي مطروح على جدول الأعمال، وهو ما تبين بشكل واضح من خلال صفقات عدة غير مسبوقة، يتمثل أولها في اتفاق لتصنيع مشترك في الهند لمحركات نفاثة لطائرات مقاتلة من شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، ضمن عملية لم تتقاسمها أميركا حتى مع حلفائها في الناتو، ولديها القدرة على ربط الصناعات الدفاعية للبلدين لسنوات مقبلة.
ويقول الخبير في معهد السلام الأميركي سمير لالواني، إن "تصنيع هذه المحركات المتقدمة في الهند، يعد تقنية حساسة مرغوبة طلبتها نيودلهي منذ نحو 20 عاماً وقد تؤدي إلى ظهور أجيال متعددة من المحركات النفاثة"، مشيراً إلى أن "هذه هي طريقة للولايات المتحدة لتكون شريكاً لها وتدعم تطورات الابتكار الدفاعي في الهند على مدار الـ20 إلى الـ30 عاماً القادمة، حيث تسعى الهند إلى تطوير صناعة الدفاع المحلية الخاصة بها". وتدرك حكومة مودي أنه من أجل التنافس مع الصين التي دخلت في تحديث عسكري استمر لعقود، ستحتاج إلى معرفة كيفية تطوير الشركات التكنولوجية الناشئة حتى تتمكن من تصميم التقنيات على نطاق عسكري.
ويعد الإعلان عن صفقة أخرى تشتري بموجبها نيودلهي طائرات درون مسلحة من نوع "أم كيو 9 بي" المتطورة من شركة "جنرال أتوميكس"، تلبية لرغبة هندية منذ سنوات طويلة يمكن أن تساعدهم في اكتشاف التحركات المضادة من قبل الجيش الصيني.
وعلى صعيد التكنولوجيا أيضاً، تعتزم شركة "ميكرون تكنولوجي" العملاقة في ولاية أيداهو، وهي أكبر صانع لشرائح الذاكرة في الولايات المتحدة، بناء مصنع تجميع واختبار وتعبئة الرقائق في ولاية غوجارات الهندية التي تعد مسقط رأس مودي، ما يعد أول استثمار كبير لشركة أميركية تطبيقاً لهدف إدارة بايدن في إعادة التوازن في سلاسل التوريد بعيداً من الصين، وبخاصة في صناعة أشباه الموصلات.

فطم الهند عن روسيا

من منظور الهند، تحقق هذه المبادرات الجديدة مع الولايات المتحدة هدفين أساسيين، أولهما فطم الهند عن اعتمادها على روسيا في المعدات العسكرية، حيث تشير البيانات التي تم تحليلها بين عامي 2017 و2022 إلى أن الهند هي أكبر مستورد للأسلحة في العالم، ولا تزال روسيا تستحوذ على 45 في المئة من ورادات الأسلحة الهندية، بتراجع كبير عن حصتها في عام 2016 حين بلغت 65 في المئة، حيث رصدت الولايات المتحدة فرصة أدت إلى زيادة حصتها إلى 11 في المئة.
أما الهدف الثاني، فهو تنشيط قطاع التصنيع المحتضر، الذي تعمل الحكومة على تحفيزه منذ سنوات عدة، فيما كان المستثمرون يبحثون عن مواقع بديلة للصين أثناء وباء كورونا، بحسب ما يشير أرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق لمودي.
لكن ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستؤتي ثمارها يعتمد على ما إذا كان بإمكان الهند القيام بعديد من الإصلاحات مثل تخفيض وتيرة تدخل الدولة المفرط وإنهاء التطبيق التعسفي للقوانين، بينما تسعى إلى استضافة قمة مجموعة الـ20 هذا العام، وتطمح إلى وضع القوة العظمى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ليست حليفاً لأميركا

وفي الوقت الذي يتزايد فيه دور الصين الحازم في المنطقة، بإجراءاتها العسكرية ضد تايوان بعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي إلى تايبيه في أغسطس (آب) الماضي، وتحديثها قدراتها العسكرية الهائلة، ومناوراتها الخطرة بالقرب من سفن وطائرات الولايات وأستراليا وكندا في المحيط الهادئ، تتجنب الهند الانحياز الواضح مع روسيا أو الصين، وتفضل تنصيب نفسها كبطل للعالم النامي، حيث لا ترغب في أن تجبر على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.
وعلى رغم أن زيارة مودي لواشنطن كانت مصدراً للانتقاد والتوتر غير المعلن بسبب معاملة حكومته للأقلية المسلمة، وقمع الصحافة والمعارضة السياسية، فإن مسؤولي الإدارة الأميركية، تغاضوا نسبياً عن هذه الأمور، وركزوا على الدور الاستراتيجي الذي يمكن للهند أن تلعبه كشريك اقتصادي وعسكري رئيس وكحصن ضد الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي يعد المكان الذي من المحتمل أن تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى نفوذ الهند أكثر من أي مكان آخر في الوقت الحالي، حيث تنظر أميركا إلى الهند على أنها قوة موازنة لنفوذ الصين المتنامي في المنطقة.
لكن المسؤولين في واشنطن يعتقدون أن الهند لن تكون أبداً حليفاً لأميركا على غرار اليابان أو أستراليا، وهم يدركون أن نيودلهي ليس لديها نية للتخلي عن استقلاليتها الاستراتيجية أو السعي إلى أن ينظر إليها على أنها متحالفة مع حلف الناتو والغرب بعد أن رفضت حكومة مودي إدانة روسيا في حرب أوكرانيا أو الانضمام إلى العقوبات ضد موسكو.

أكثر حزماً مع الصين

ومع ذلك، لم تتردد الهند في اتخاذ قرارات تثير غضب الصين، وأجرت تدريبات عسكرية مع القوات الأميركية العام الماضي في ولاية أوتارانتشال التي تشترك في حدود الهيمالايا مع الصين، وواصلت أيضاً المشاركة بنشاط في رباعية "كواد" التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان رغم ردود الفعل الغاضبة من بكين.
وما تغير بشكل واضح في العقد الماضي هو أن الهند أصبحت تنظر إلى الصين على أنها تهديد، منذ أن خاض البلدان معركة دموية مريرة على طول حدودهما في جبال الهيمالايا منذ عام 2020، التي أودت بحياة 20 هندياً، كما أن الرأي العام في الهند وصل إلى أدنى مستوى له في شأن الصين منذ حرب عام 1962 التي غزت فيها الصين الهند، ومن أكبر الشواهد على نظرة الهند السلبية للصين أن نيودلهي حظرت تطبيق "تيك توك"، إلى جانب أكثر من 100 تطبيق صيني آخر، كما منعت عملاقتي الاتصالات الصينيتين "هواوي" و"زد تي إي" من إنشاء شبكات الجيل الخامس "5 جي".
وأصبحت الدبلوماسية الهندية أكثر حزماً في شأن الإعلان عن لحظة صعود الهند على المسرح العالمي، بعد أن أضحت حالياً واحدة من النقاط الاقتصادية المضيئة في العالم، بينما تعمل الجغرافيا السياسية في صالحها، وتريد معظم الدول بديلاً صناعياً للصين، ويتوافر لدى الهند سوق ضخمة مع طبقة وسطى مزدهرة، وهذا يجعلها خياراً رائعاً للدول والشركات العالمية.

مصلحة مشتركة

وعلى رغم أن المراقبين يميلون إلى تقليص العلاقة بين الولايات المتحدة والهند إلى مجرد مصلحة مشتركة في مواجهة الصين عملاً بمبدأ "عدو عدوي، صديقي"، لا يتوقع المسؤولون الأميركيون أن تساعد نيودلهي واشنطن في الدفاع عن تايوان بحال غزت الصين الجزيرة.
وبحسب ما يقول مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، فإن "الولايات المتحدة لا تراهن على حرب ما في المستقبل وإنما على مجموعة متنوعة من المجالات التي يمكن أن تلعب الهند فيها دوراً بناء للغاية وبخاصة في سلاسل التوريد المتنوعة والمرنة، وعلى هذا النحو فإن المصالح يمكن أن تحمي الاستقلال الذاتي للهند بينما تعمل في الوقت نفسه على تعميق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، من دون أن يكون هناك أي تناقض بين الأمرين".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات