Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أبعاد تحميل موسكو واشنطن المسؤولية عن أزمة السودان؟

تجنبت روسيا منذ اندلاع الحرب إظهار دعمها لطرف من دون الآخر بينما كانت أميركا مترددة

كانت روسيا قد أوشكت على إنشاء قاعدة بحرية عسكرية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

ستكون روسيا إلى جانب من يحسم الحرب في السودان، لأن مصالحها تكمن في إقامة قاعدة عسكرية والاستثمار في الموارد السودانية

بعد شهرين من تصاعد الاتهامات الأميركية الموجهة إلى روسيا، بالضلوع في الحرب السودانية بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من خلال المشاركة بقوات مجموعة "فاغنر" المقربة من الكرملين، التي يُعتقد أن حميدتي مرتبط بها، والاستفادة من صفقات الذهب مع شركات تابعة لـ "الدعم السريع"، ردت موسكو على ذلك باتهام واشنطن بأنها هي من تسببت في الحرب السودانية.
ويظهر الاتهامان الروسي والأميركي، مدى الصراع الدولي على السودان، ضمن صراع شامل على القارة الأفريقية، ويفرض تساؤلات مهمة ليس بشأن المسؤولية وحدها وإنما ما نتج منها من فوضى دكت خطوط النفوذ القديمة، وفي إطار تشكيل خريطة نفوذ وهيمنة جديدة. ومع أنه لم تتضح معالمها بعد، ولكن لكل من هذه القوى إسهامها ودوافعها ومصالحها، ما يتعلق بأمنها القومي كما في حالة الولايات المتحدة، أو النفوذ العسكري والاقتصادي مثلما هي حالة روسيا، أو تعطشها للموارد كما في حالة الصين.
ويبدو أن الحرب السودانية خرجت من كونها تخص السودان بحكومته والفاعلين السياسيين والعسكريين فيه، وشعبه المحاصر والنازحين واللاجئين اللائذين بدول الجوار، إلى دور تمثله الولايات المتحدة وروسيا، ما لم تتدخل قوى دولية أخرى بشكل مستقل، أو قوى حليفة لأي منهما. وتقفز إلى الذهن مباشرة الصين بدورها الكبير في السودان خلال عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، بينما تمر العلاقة خلال هذه الحرب بجمود نسبي بدأ بعد اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ولذلك ربما يكون هنالك استعداد لدور أكبر يتخطى ثنائية واشنطن- موسكو.
وتعبر الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وموسكو عن تمازج اعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية، لم يكن السودان هو البلد الأول في أفريقيا الذي يمر بها، كمسرح رئيس أو انعكاس لمراكز تجاذبات إقليمية شديدة التعقيد بين فاعلين داخليين ومؤثرين خارجيين.

التصور الروسي

وتقوم فرضية موسكو كما نُقل عن نائبة المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، أنا يستجنيفا، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في السودان في 25 أبريل (نيسان) الماضي، على أن "دولاً عدة سرعت نقل السلطة إلى القوى المدنية في السودان، وأصدرت قرارات لم تنل شعبية بين المجتمع السوداني". وأضافت يستجنيفا أن "هذه الدول روّجت للاتفاق الإطاري الذي وقع في الخامس من ديسمبر(كانون الأول) على رغم أنه كان محل خلاف كبير، وربطت المساعدات الدولية بنقل السلطة إلى حكومة مدنية، مما أوقع الاستقرار الهش في البلاد ضحية لهذا النوع من الديمقراطية من خلال الضغط والابتزاز".
ويأتي هذا الاتهام ضمن تصور عام لدى موسكو بحسب وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أن الولايات المتحدة تحاول تدمير القمة الروسية- الأفريقية الثانية المزمع عقدها في سانت بطرسبرغ، في يوليو (تموز) المقبل، بغرض عزل روسيا. وفي إطار التدخل في الشأن السوداني، ترجع موسكو اتهام واشنطن لها، بأنه ضمن محاولات تدخلها في التعاون الروسي مع الدول الأفريقية.
وفي ما يتعلق بانعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على قضية الأمن الغذائي في أفريقيا، ربطت موسكو بينها وبين الضغوط الأميركية والتهديد بفرض عقوبات ووقف المساعدات المادية والإنسانية لبعض الدول الأفريقية. وألحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا التأثير بوعده منذ مارس (آذار) الماضي بإمداد أفريقيا بالحبوب مجاناً إذا لم يتم تجديد الاتفاق حول صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود خلال شهرين. كما أعلن أن بلاده ستلغي ديوناً مستحقة على الدول الأفريقية بقيمة 20 مليار دولار. ونظراً إلى هذا الوعد، يُلاحظ أنه تم وفق شروط تهديد للاتحاد الأوروبي أكثر منها تعويض مباشر للدول الأفريقية، كونه يتوقف على رفع بعض العقوبات الغربية التي تتضمن "استعادة إمكانية الوصول إلى نظام سويفت المالي للبنك الزراعي الروسي المملوك للدولة، واستئناف إمدادات الآلات الزراعية، وإلغاء تجميد الأصول والحسابات الأجنبية المملوكة للشركات الزراعية الروسية". وأُعلن عن تمديد الاتفاق لمدة شهرين، قبل يوم واحد على موعد نفاد صلاحيته في 18 مايو (أيار) الماضي، بعد مناقشته بين الأمم المتحدة وتركيا. وقبل تجديد الاتفاق في 17 يوليو (تموز) المقبل، حثت الأمم المتحدة على تسريع شحنات الحبوب من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.

صفقة عسكرية

وأوشكت روسيا على تنفيذ مشروع وجودها العسكري في السودان بتمركز سفنها الحربية على ساحل البحر الأحمر ليفتح لها معبراً سريعاً ومباشراً إلى المحيط الهندي، وكانت محمولة على جناح الوعود التي بذلها الرئيس السابق عمر البشير للرئيس فلاديمير بوتين، خلال زيارته سوتشي في ديسمبر 2017، مقابل توفير الحماية له من الولايات المتحدة. ولكن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أكد الفريق البرهان أن "الخرطوم لديها ملاحظات على الاتفاق مع روسيا بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، ويجب معالجة هذه الملاحظات قبل المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق". ولم يكن هذا رداً نهائياً، إذ إنه كما يبدو، فإن البرهان قد ترك الباب موارباً.
وما إن عادت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والسودان وافتتحت واشنطن سفارتها بالخرطوم في 24 أغسطس (آب) العام الماضي، بعد 25 عاماً على إغلاقها، حتى حذر السفير الأميركي جون غودفري، في 28 سبتمبر (أيلول)، بعد شهر واحد من تسلمه مهماته، من إتمام الصفقة بشأن القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر.
وفي الفترة ذاتها لعب حميدتي عندما كان نائباً لرئيس مجلس السيادة، دوراً موازياً لرئيس المجلس عندما زار موسكو مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية. وأكدت الولايات المتحدة أن قوات "فاغنر" تعمل في السودان التي توجد فيها منذ عام 2017 مع "الدعم السريع" في مناجم الذهب للاستحواذ على الموارد، بعيداً من الأضواء، ولكن دورها أخذ بعداً أمنياً مثلما يحدث في دول أفريقية أخرى بعد اشتعال الحروب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


موقف متردد

في هذه الأثناء، تمددت الحرب من الخرطوم وانتقلت أخيراً إلى إقليم دارفور غرب البلاد، ما سيزيد من تصاعد الاتهامات بين الولايات المتحدة وروسيا، بقدر الخسائر التي تتكبدانها. ويتوقع أن تكون خسارة روسيا سريعة وآنية بحكم مشاريعها المتحركة بين السودان وبعض الدول الأفريقية الأخرى، وسهولة نقل قوات فاغنر بين هذه المحطات، ونقل الذهب، إذ إنه بحسب التقارير التي تشير إلى سيطرة "الدعم السريع" على الجزء الأكبر من مناجم الذهب في السودان، فإنها تشير أيضاً إلى أن تهريب الذهب الخام إلى روسيا، لم يجد صعوبة سابقاً، وأن القوات لديها القدرة على التصرف فيه بسرعة. أما التكلفة الأكبر فستقع على عاتق الولايات المتحدة لأن هذه الحرب ووجود شبح روسيا سيهدد أمن مصالحها في أفريقيا، وقاعدتها العسكرية في جيبوتي، ومنطقة القرن الأفريقي والممرات المائية عبر البحر الأحمر وبحر العرب. وأهمية القاعدة العسكرية وحدها تكمن في كونها منصة تنطلق منها العمليات الأميركية مع حلفائها في القرن الأفريقي ومنطقة غرب آسيا، كما تراقب منها أي تهديد محتمل، وتدير منها عمليات مكافحة القرصنة والإرهاب.
وتجنبت روسيا منذ اندلاع الحرب إظهار دعمها لطرف من دون الآخر، بحجة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وفُسر ذلك الموقف ببراغماتيتها التي لن تثنيها عن اتخاذ أي موقف مهما كان تناقضه مع موقفها الأول. وينظر كثيرون إلى أنها ستكون إلى جانب من يحسم الحرب، لأن مصالحها في إقامة القاعدة العسكرية والاستثمار في الموارد السودانية مباشرةً أكبر من مصلحتها الآنية من خلال قوات "فاغنر"، خصوصاً بعد الخلافات الأخيرة بين قائد "فاغنر" يفغيني بريغوجين وقادة الجيش الروسي.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد كانت مترددة إزاء الحرب في السودان، قبل أن تنخرط في رعاية المفاوضات التي تشرف عليها السعودية في مدينة جدة. وكشفت الأيام الأولى من النزاع العسكري تراجع الدور الأميركي تبعاً لتراجعه في المنطقة ككل، بعد الانشغال بنقاط ملتهبة أخرى، تدير فيها صراعاتها. ولكن أخيراً بدا الموقف الأميركي إيجابياً، بيد أنه لم يفعّل كل الأدوات التي تمتلكها واشنطن لوقف الحرب في السودان، خصوصاً أن المبادرات بوقف إطلاق النار والوصول إلى هدن سابقة لم يتم الالتزام بها، ولم توفر إلا مساحة قصيرة من الوقت تسمح للمدنيين بالبحث عن مكان آمن، أو تمدهم بحاجاتهم الإنسانية.

سهام الاتهامات

ووضعت عوامل عدة السودان تحت سهام الاتهامات بين واشنطن وموسكو من دون أن تكون هنالك رؤية واضحة للدولة السودانية لا في ظل هذه الحرب أو قبلها. ومن أهم هذه العوامل، لعبت هشاشة الدولة وضعف هيكلها وفشلها في إدارة الحكم دوراً في الاستجابة السريعة للتجاذبات الدولية من دون النظر في مصلحة البلاد. وبُنيت الأفعال جميعها على المصلحة الذاتية الموقتة بالنسبة إلى الفاعل الأهم في الأحداث السودانية منذ سقوط نظام البشير، وهو المكون العسكري. ثم بعد الشقاق الذي طاوله، صاغ كل من البرهان وحميدتي أهدافهما الخاصة، وخضعا لحالات استقطاب شديدة تتضارب أحياناً وتتنافر أحياناً أخرى، وعليه زاد حجم تأثير التفاعلات الدولية على السودان. وإذا أُخذ تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية كواقع فإنه في الوجه الآخر ينبع منه صراع موازٍ بين روسيا والغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.
أما العامل الثاني فهو بروز انسحاب الحماية الأممية عن السودان وتأخر التفاعل معه، مما حفز قوى دولية أخرى لأن تفرض نوعاً من الحماية الزائفة والمواجهة على أرضه. واتضح ذلك مع تعرض قيادة الأمم المتحدة لانتقادات عدة خلال العقدين الماضيين، إزاء تحول اهتمامها الذي كان أساس نشأتها، عن الدول الأقل نمواً بوصفها الأضعف وسط بقية الدول الأعضاء في المنظمة، وكون إنشائها كان بغرض إنقاذ العالم من الحروب، فإن السودانيين يعتقدون أن بلادهم وقع عليها تعسف كبير خلال السنوات الأربع الأخيرة من قبل المنظمة الأممية. وإن كان السودان خلال ثلاثة عقود مضت وقف في مواجهة وتحدٍ مع المجتمع الدولي بمنظماته ودوله، فإنه بعد الثورة اعتقد قادته السياسيون، خصوصاً المكون المدني أن الشعب السوداني أنجز رسالة كان ينبغي مكافأته عليها لأنها تصب في التحول نحو الديمقراطية وأن يكون بلداً فاعلاً دولياً بدلاً من حالة الجفاء القديمة بينه وبين المجتمع الدولي.
أما العامل الثالث، فقد أفرزت بيئة الحرب حاجة ملحة للمساعدات الغذائية والصحية، وهذا العامل الإنساني له انعكاسات سياسية تؤثر في الاستقرار والأمن الإنساني في السودان والمنطقة، ليُصنّف السودان أحد الحلقات الضعيفة في القرن الأفريقي، مما يرسخ فكرة الاتكالية والانتظار الدائم للمساعدات، من دون تحريك لوسائل الإصلاح الاقتصادي الداخلي للحد من هذه المأساة الإنسانية. كل ذلك يجعل السودان متلقياً للقرارات الخارجية وتصفية الحسابات من دون أن يكون له أي وجه اعتراض عليها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل