Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدراجات البحرية السريعة خيار الهاربين إلى المجهول

يرغب الشباب في المغرب في معانقة ما يطلقون عليه "الفردوس الأوروبي" حتى لو عبر امتطاء القوارب التي تمخر عباب البحر المتوسط

أجهضت السلطات المغربية أكثر من 40 ألفاً و600 محاولة هجرة غير نظامية نحو أوروبا (أ ف ب)

ملخص

بات منظمو الهجرة السرية يلجأون إلى خدمات الدراجات البحرية السريعة "جيت سكي" لنقل المهاجرين من الضفة المغربية إلى نظيرتها الإسبانية

يقف الشاب المعروف بلقب "السيمو" وسط أقرانه منذ فترة غير قصيرة كل مساء قبالة شاطئ سيدي قنقوس بمدينة طنجة في انتظار فرصة قد تأتي وقد لا تأتي لامتطاء أحد القوارب التي تقل المهاجرين غير النظاميين عبر مضيق جبل طارق صوب الأراضي الإسبانية.

يرغب "السيمو" في معانقة ما يطلق عليه الشباب المغربي "الفردوس الأوروبي" حتى لو عبر امتطاء القوارب التي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط، وهي القوارب التي صارت معروفة باسم "قوارب الموت" من فرط ما تخلفه من ضحايا ومآس اجتماعية ونفسية.

محاولات مجهضة

وإذا كان "السيمو" يمني النفس بالهجرة السرية إلى الضفة الإسبانية عبر قارب أو زورق بشكل عشوائي من دون تنظيم مسبق برفقة عدد من زملائه الآخرين، فإن عدداً آخر من القاصرين والشباب المغاربة يجرب هذه الطريقة للهجرة (الحريك) بتنظيم وتدبير مسبقين.

نبيل، شاب في الـ18 من عمره، أحد الذين حاولوا الهجرة السرية بحراً عبر مضيق جبل طارق، يقول إنه سبق أن حاول الهجرة غير النظامية عبر قوارب الموت أكثر من مرة.

ويشرح أنه قبل عامين قرر تجريب الهجرة عبر البحر إلى إسبانيا وأنه اتفق مع شخص اشتهر في منطقة الشمال بأنه ينظم هذه الرحلات السرية عبر زوارق مطاطية إلى الضفة الأخرى، مقابل مبلغ مالي يمنح نصفه كدفعة أولى، ثم البقية عند الوصول.

وأعلن نبيل أن محاولة الهجرة غير النظامية عبر الزورق المذكور باءت بالفشل، إذ لم يكد ينطلق شيئاً فشيئاً في وسط البحر، وعلى رغم إطفاء جميع الهواتف النقالة حتى لا يتم رصد الزورق من قبل أفراد البحرية الملكية التي تمشط المنطقة، حتى وقعوا في قبضتهم لتتم إعادتهم إلى البر المغربي، ثم إلى أسرهم.

وإذا كان نبيل حاول الهجرة غير النظامية عبر قوارب الموت وباءت محاولاته بالفشل لسبب أو لآخر، فما زال حياً يرزق على رغم خوضه تجارب قاسية وسط البحر وفي جنح الظلام، فإن عدداً من الشباب المغاربة الآخرين لقوا حتفهم بسبب "قوارب الموت"، بينما فقد آخرون وتعرضوا للغرق وسط أهوال أليمة.

أرقام

وتمتلئ صفحات الجرائد والمنابر الإلكترونية المغربية بكثير من أخبار وفيات المهاجرين السريين الذين اختاروا طريقة "الحريك" عبر قوارب الموت، في وقت لا توجد أرقام أو إحصاءات رسمية في هذا الشأن.

وتفيد أرقام كشفت عنها وزارة الداخلية المغربية في يوليو (تموز) 2022 بأن السلطات المغربية أجهضت أكثر من 40 ألفاً و600 محاولة هجرة غير نظامية صوب أوروبا وفككت 124 شبكة لتهريب المهاجرين.

وعام 2021، تبعاً لأرقام رسمية أيضاً، أجهضت السلطات المغربية 63 ألفاً و121 محاولة للهجرة غير الشرعية ونزوح غير نظامي وفككت 256 شبكة إجرامية لتهريب المهاجرين السريين، كما تمكنت من إنقاذ 14 ألفاً و236 مهاجراً في عرض البحر.

ولا تزال السلطات المغربية تشن ما وصفتها بـ"الحرب الضروس" على شبكات تنظيم الهجرة السرية، وآخر فصول هذه الحرب الأمنية ما وقع في شهر يونيو (حزيران) 2023، عندما أوقفت أربعة أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 30 و47 سنة، متورطين بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والإتجار بالبشر.

ووفق مصادر إعلامية، ألقي القبض على أفراد الشبكة متلبسين بالتحضير لتنفيذ عملية هجرة غير شرعية عبر البحار، كما أسفرت إجراءات التفتيش المنجزة عن حجز قارب للصيد ومحرك بحري يشتبه في استعمالهما في هذا النشاط غير القانوني.

أنواع وأسعار

وتطورت وسائل الهجرة السرية بحراً من المغرب إلى إسبانيا، إذ لم تعد تلك الزوارق الخشبية أو المطاطية وحدها التي تشق أمواج المتوسط الذي كثيراً ما يتحول إلى مقبرة لجثث هؤلاء المهاجرين الشباب الذين يبحثون عن تحسين معيشتهم وظروفهم الاقتصادية.

وتجاوز منظمو الهجرة السرية استعمال "قوارب الموت" البطيئة التي تقل أحياناً عشرات الشبان وباتوا يلجأون إلى خدمات الدراجات البحرية السريعة "جيت سكي" لنقل المهاجرين من الضفة المغربية إلى نظيرتها الإسبانية.

ويبدو أن الفارق الرئيس بين قوارب الموت ودراجات "جيت سيكي"، وفق الحوسين زلماط، مهاجر غير نظامي، هو أن القارب يمكن أن ينقل أشخاصاً عدة، بينما "الجيت سكي" يحمل راكباً واحداً فقط أو اثنين لا أكثر.

وهناك فارق مهم أيضاً، تبعاً لزلماط، يتمثل في أن سعر الرحلة لقارب الهجرة السرية أرخص بكثير من الهجرة السرية عبر الدراجات المائية فائقة السرعة، فمثلاً يطلب منظمو الهجرة غير النظامية 30 ألف درهم (حوالى 3000 دولار) لكل طالب هجرة عبر القارب التقليدي المطاطي أو الخشبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويطلب منظمو "الحريك" عبر دراجات "جيت سكي" مبالغ مالية أكبر تتجاوز 60 ألف درهم (6000 دولار) للشخص الواحد باعتبار أنها وسيلة أكثر أماناً من القوارب العادية، كما أنها أكثر سرعة ويمكنها أن تصل في بضع دقائق إلى الضفة المنشودة.

ووفق مهتمين بخبايا الهجرة السرية عبر البحر في المغرب، فإن أسعار النقل سواء بقوارب الموت، أو بالدراجات المائية السريعة، تخضع لقانون "العرض والطلب" مثل أية سلعة أخرى. فإذا كان الطلب كبيراً على الهجرة السرية في حالات "ارتخاء المراقبة الأمنية"، فإن الأسعار ترتفع، والعكس صحيح عندما تشتد المراقبة تنخفض أسعار القوارب والدراجات المائية السريعة.

عرض وطلب

وفي هذا الشأن قال الخبير بملف الهجرة السرية في الشمال المغربي محمد بنعيسى إن هناك ضغطاً على الحدود الشمالية للمغرب نتيجة ارتفاع أعداد الراغبين في الوصول إلى القارة العجوز كأمل وحيد لهم في تحقيق ذاتهم".

وأشار إلى أن هؤلاء "الحراكة" يعولون على تحسين وضعيتهم الاقتصادية من خلال تلك الخدمات غير المشروعة التي يقدمونها للمهاجرين المغاربة ومعظمهم من الشباب، أو المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء، أو من جنسيات آسيوية، أو لاجئين فارين من ويلات الحروب والصراعات.

وأردف "هذا الضغط الكبير الذي يمكن أن نطلق عليه بلغة الاقتصاديين (الطلب) نتج منه عرض من طرف شبكات الإتجار بالبشر في المنطقة، إذ بحسب المعلومات المتوافرة، شهد تهريب المهاجرين عبر الحدود تزايد الوسطاء وتنوعهم، كما ارتفعت عائداتهم المالية".

ويشرح بنعيسى "أصبحنا أمام شبكات تقليدية تنشط عبر قوارب الموت، وشبكات أخرى غير تقليدية تنشط عبر دراجات جيت سكي، أو حتى عبر اليخوت السياحية، فضلاً عن تضاعف العائدات المالية المتحصل عليها".

ويتابع "إذا كانت رحلة عبر دراجة جيت سكي تكلف سابقاً نحو 5 آلاف دولار عبر مضيق جبل طارق، فإنها حالياً تصل إلى حوالى 8 آلاف دولار، كما أن الوصول إلى مدينة سبتة سباحة يكلف ما يقارب الـ 2000 دولار، بعدما كان قبل جائحة كورونا يحق لكل مواطن مغربي يقطن في مدينة تطوان ويحمل جواز سفر أن يدخل إلى تلك المدينة الخاضعة للسيادة الإسبانية من دون تأشيرة".

أبعاد سوسيولوجية

من جانبه يعلق أستاذ السوسيولوجيا في جامعة أغادير زهير البحيري على الموضوع بقوله إن الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت نحو إسبانيا ظاهرة اجتماعية معقدة تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والسياسية والأمنية أيضاً.

وتحدث عن بعدين اثنين، الأول بُعد "ماكرو- سوسيولوجي" يحدد السياق العام المنتج للظاهرة التي لا يمكن أن تكون إلا نتيجة طبيعية لنظام اقتصادي رأسمالي يحمل في طياته كل أشكال التباين والتفاوت.

ويشرح "الهجرة السرية عبر قوارب الموت نحو الضفة الثانية من المتوسط لا تشكل في حقيقة الأمر إلا مرآة تعكس ذلك التوزيع غير المتكافئ لما يمكن أن نسميه ’الثروة المشتركة‘ بين الدول، وذلك الاستغلال التي تمارسه الدول الغنية المتقدمة على كثير من الدول الأخرى".

ولفت البحيري إلى أن "السياسة الصارمة لدول أوروبية عدة للحد من الهجرة الأجنبية، كان لها بالغ الأثر في ارتفاع أعداد المهاجرين السريين عبر قوارب الموت وغيرها من وسائل، كما كانت الحال بالنسبة إلى الأزمة البترولية لعام 1974 وما أعقبها من تنامي الأيديولوجيا العنصرية تجاه المهاجرين، أو مع تأسيس الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية Frontex عام 2004، أو في سياق تقييد وتشديد إجراءات وشروط الحصول على تأشيرة دخول فضاء شينغن، كما هو حاصل اليوم".

هروب من الواقع؟

أما البعد الثاني، وفق البحيري، فهو بعد "ميكرو- سوسيولوجي" في مقاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إذ يرتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة للبلدان المصدرة لها.

ويشرح "على رغم قوة العامل التاريخي في فهم وتفسير ظاهرة الهجرة السرية، إلا أن فشل دول العالم الثالث في تبني سياسات تنموية حقيقية قادرة على الاستجابات المتزايدة لحاجات سكانها ومسايرة التحولات الاجتماعية المحلية والكونية، من العوامل التي تدفع إلى التفكير في الهجرة عبر قوارب الموت كأحد الحلول الفردية لأزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية بنيوية معقدة".

وخلص البحيري إلى أن "الهجرة عبر قوارب الموت تمثل هروباً من واقع اجتماعي لا يضمن للفرد تحقيق ذاته ووجوده وطموحه الشخصي والجماعي، إلى محاولة البحث والتأسيس لواقع جديد ربما يكون افتراضياً متخيلاً أكثر من كونه واقعياً في كثير من الأحيان".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير