ملخص
منح فن الدوبلاج الفنون العربية عموماً والأردنية خصوصاً بعداً جديداً اتسم بالعالمية من خلال فكرة مشاركة النص الأصلي مع ثقافات محلية.
عند الحديث عن فن الدوبلاج في المنطقة العربية يتذكر الأردنيون فترة ازدهاره ببلادهم من السبعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضي، بخاصة في مجال الرسوم المتحركة، حيث تضافرت جهود عربية وقتها لتوفير بيئة إنتاجية فنية ناجحة، حققت نهضة مباغتة شملت جميع جوانب العمل الإبداعي.
وأسهم تدفق رؤوس الأموال في تطوير الفن الأردني، الذي صار مركزاً حضارياً مهمته إنتاج وترجمة نصوص عالمية تحمل مضامين ومبادئ ثقافة التعايش بين الحضارات والشعوب عقب الكوارث والنزاعات الكبرى، وهو ما ظل صداه يتردد إبداعياً في منطقة الشرق الأوسط حتى وقعت تغيرات إقليمية وعالمية أخرى، إذ خفت بريق هذه الظاهرة كلياً مطلع عام 2006 تزامناً مع انتشار الفضائيات والمحطات المتخصصة في برامج الأطفال.
وعبر فن الدوبلاج الأردني وقتها عن ضرورة خلق وترسيخ ثقافة التعايش بين الحضارات والشعوب التي ينبغي أن تسود بعد النزاعات الدموية التي عصفت بالمنطقة العربية تحديداً والعالم عموماً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فالنصوص الغربية وتحديداً الأميركية واليابانية والفرنسية التي أنتجت في الأردن وانتشرت عربياً، كانت تخضع لمعالجات عدة قبل أن يوضع العمل على شاشة المتلقي أردنياً وعربياً وعالمياً، مع ذلك لم يربط نقاد ومبدعون حالة هيمنة الأردنيين على هذا الفن لعقدين من الزمن بأشخاص أو حتى مؤسسات فنية عريقة محددة مثل المركز العربي و"بسام حجاوي" وغيرهما من المؤسسات في القطاعين العام والخاص على أهمية أدوارهم، حتى بعد دخول هذا الفن حالياً في حالة الضمور المحيرة.
ثقافة إنسانية جديدة
تناول فن الدوبلاج الأردني في أوج تقدمه المواضيع الإنسانية كلها ضمن مفردات حديثة ركزت على "غسل" العقول وتنظيفها من الشوائب الفكرية التي تناوبت على بثها أنظمة شمولية كانت على وشك الإجهاز على الثقافة الغربية السائدة، مثل صعود الشيوعية وتنامي التطرف الديني بعد هزيمة الولايات المتحدة أمام السوفيات في أفغانستان.
وشهدت تلك الفترة اتساع الحاضنة الشعبية للأفكار المتطرفة، فكان الدوبلاج الأردني الذي عكس ثقافة العرب الحديثة بمثابة رأس حربة هذه الفنون ضمن هذا الصراع، بدءاً بـ"الغواصة الزرقاء" وهو النص الفرنسي الأول الذي امتلك الأردنيون حقوقه الفكرية وكان بثه عربياً وإقليمياً شرارة الانطلاق في هذا المجال. ويقول المخرج والمنتج الأردني بسام حجاوي إن 20 محطة أرضية اشترت وقتها حق البث.
مخزون أخلاقي
على رغم حاجته إلى جهد كبير ووقت طويل في العمل منح فن الدوبلاج الفنون العربية عموماً والأردنية خصوصاً بعداً جديداً اتسم بالعالمية، من خلال فكرة مشاركة النص الأصلي مع ثقافات محلية والتعبير عن ذلك باللغة العربية.
ويقول الفنان الأردني بكر قباني عن تلك الحالة "كان التمثيل الإلكتروني وقتها يستغرق زمناً طويلاً من أجل تطبيق الكلام على الفترة الزمنية الموجودة بالمسلسل الكرتوني، وتكون الصعوبة أكبر إذا كانت الشخصيات الكرتونية بشرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع ذلك قدمت الساحة الفنية العربية من خلال الأردن وقتها مئات الأعمال المنقولة من الثقافة الغربية، وظهرت شركات متخصصة جديدة مثل "الشرق الأوسط" و"صوت وصورة" و"العنود"، ومع ازدهار أعمال الدوبلاج التي تناولت مواضيع شتى مثل غزو الفضاء عبر برامج مثل جونغار وجريندايزر، ومواضيع الأسرة التي تناولت الأم والأخ والصديق، وبرامج اللغة العربية من خلال "كيف وأخواتها" و"المناهل" وغيرها كثير، والتي يمكن القول إنها استهدفت مباشرة التعبير عن مكنونات المخزون الأخلاقي للشعوب العربية من خلال ثقافة الشعب الأردني، إذ ظهرت في الوقت ذاته أعمال الدراما المحلية الأردنية الشهيرة التي شكلت الرديف القوي الذي عزف على وتر ثقافة التعايش ذاتها من منظور اجتماعي وأخلاقي، إضافة إلى سلسلة طويلة من الأعمال البدوية التي تعكس أصالة الشعب الأردني بوصفه امتداداً للثقافة العربية العريقة والتي مجدت دوره القومي في الضيافة وإغاثة الملهوف، وكل هذه الأعمال ركزت على محور العلم والأسرة وأهمية التعايش بين الناس والاندماج في بوتقة ثقافية إنسانية جديدة.
مرحلة شراء الخدمات الفنية
فسر كثير من المراقبين والخبراء في هذا المجال انسحاب المنتج الخليجي من الساحة الأردنية في جميع قطاعات الفنون ومنها الدوبلاج، وفق نظرية اختلاف الموقف السياسي من الأردن بعد حرب الخليج، مع ذلك يؤكد عدد من المخضرمين في هذا المجال ومنهم بسام حجاوي أن حالة حرب الخليج "لم تؤثر في مجال الكرتون الأردني لعدم وجود بديل له حتى ذلك الوقت، فالمحطات الرسمية ومنها محطات المغرب العربي اهتمت كثيراً بعرض الرسوم المتحركة باللهجة العربية بدلاً من الفرنسية، وعدت اعتماد اللهجة العربية نوعاً من التأثير الثقافي المهم".
مع ذلك يؤكد المنتج الأردني عدنان العواملة أن تراجع فن دوبلاج الكرتون جاء مع ازدهار دوبلاج الدراما، موضحاً أن "مشكلة الرسوم المتحركة أنها تأتي من الخارج، ولا تتلاقى مع عاداتنا من ناحية المعتقدات الدينية، ومنها عادات الطعام والشراب، مما يؤدي إلى اقتطاع مشاهد وأجزاء كبيرة من العمل، إذ تضيع الحبكة ويفقد المشاهد اهتمامه بقصة العمل، لتظل الحال كذلك منذ 1990 حتى 2006، لتبدأ بعد ذلك مرحلة انتقال هذا النشاط إلى مراكز ذات بعد حضاري جديد كان منها الخليج العربي الذي اكتفى لاحقاً بشراء الخدمات الفنية من الأردنيين لفترة من الوقت".