Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما آثار تعدد المبادرات على الحرب السودانية؟

تلعب الاعتبارات الإقليمية دوراً بارزاً في المشهد الأمني في البلاد خصوصاً بعد انقسامه إلى دولتين

كل ما سبق يعني أن قيادتي الجيش و"الدعم السريع" لم تلتزما المبادرات المطروحة على رغم إعلانهما الموافقة عليها (غيتي)

ملخص

 لا تزال الوساطات الدولية تواجه عقبات تتعلق بتعدد الاستراتيجيات أو تهم الانحياز لأحد طرفي الصراع في السودان

مبادرات دولية وإقليمية سلكت طريقها وسط ضجيج المدافع لحل النزاع السوداني المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهذه المبادرات المشتركة مثل المبادرة السعودية - الأميركية التي بدأت بخطوات عملية واحتوت طرفي النزاع في مفاوضات عقدت في مدينة جدة بعد بدء الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي، أو مبادرات مكونة من منظمات إقليمية ودولية، ولا سيما من قبل الأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، إضافة إلى الأمم المتحدة وغيرها، مرت كل هذه المبادرات بتعقيدات أعاقت التقدم الإيجابي وتمثلت في عدم استجابة طرفي الصراع لدعوات وقف إطلاق النار والتزام شروط حل النزاع التي تم تحديدها أثناء عملية الوساطة، كما تعرضت لعدم رضا القيادة السودانية عن بعض الوسطاء.

 

وبعد أن بعث قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يطالبه فيها بتغيير مبعوثه فولكر بيرتس، ووافقته وزارة الخارجية السودانية بأن أعلنت بيرتس شخصاً غير مرغوب فيه، أعلن السودان عدم قبوله برئاسة كينيا لجنة "إيغاد" في شأن الأزمة والحرب السودانية، باعتبار أن كينيا "غير محايدة وتأوي المتمردين"، وكان ذلك بسبب تصريحات وزير الخارجية الكيني ألفريد موتوا بإدانة الجنرالين مما عده البرهان أنه يساوي بينه وبين محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكن موتوا عاد وقال إن "العالم يراقب القائدين البرهان وحميدتي وسيحاسبان إذا امتنعا عن الحوار، وأن الحل في السودان سيبقى أفريقياً".

وكل ما سبق يعني أن قيادتي الجيش و"الدعم السريع" لم تلتزما المبادرات المطروحة على رغم إعلانهما الموافقة عليها، أما الرفض العلني المتكرر للوسطاء فيشير إلى خلل في الحوار معهما، ومنذ شهرين لم تستطع قيادة الجيش التي يخاطبها الوسطاء باعتبارها الحاكم الفعلي للسودان حسم القتال أو التزام المبادرات بشكل فعال، أو مواجهة التحديات المرتبطة بحقيقة أن وقف إطلاق النار لا يزال محورياً، بينما تسعى الدول المبادرة إلى المساهمة بشكل إيجابي في ذلك، ويحتاج الوسطاء إلى البحث عن النتائج المرتبطة بمبادراتهم من دون النظر إلى تأثيراتها على المدى الطويل أو استعجال النتائج ووضع تصورات غير واقعية.

اعتبارات إقليمية

وتلعب الاعتبارات الإقليمية دوراً بارزاً في المشهد الأمني في السودان، خصوصاً بعد انقسامه إلى دولتين، وإن كانت الحرب الأهلية قد بدأت قبل ذلك بعقود، فإن ديناميات الانفصال أيضاً أوقعت دولة جنوب السودان في حرب أهلية داخلية منذ 2013، وأنتجت ضمن عوامل أخرى سقوط دولة السودان في الحرب الحالية، لأن الأثر المباشر للانفصال كان عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي للدولتين، وعدم الاستقرار السياسي لدولة الجنوب، كما أنها هزت الثقة في أي جهود لبناء السلام سواء في دارفور أو غيرها، وأبرزت مستوى جديداً من التعقيد إلى الحسابات السياسية التي حصرت الأزمة السودانية في عدم الانتقال إلى التحول المدني الديمقراطي، وعلى رغم أهمية هذا العنصر بوصفه أساسياً، فإن إهمال العناصر الأخرى التي تضرب في جذور المشكلة السودانية أدى إلى فشل دعوة المبادرات إلى وقف إطلاق النار كحل أولي تتبعه حلول أخرى وصولاً إلى السلام، واجتراح الحلول لأي من جهود بناء السلام حتى من دون استصحاب ديناميات طبيعة الأزمة السودانية يمكن أن يسهم في نجاح دعوات وقف إطلاق النار، مما يعني نجاح المبادرات حتى لو لم تصل إلى نهايتها بالسرعة المفترضة.

وكل المبادرات كانت تصب في وقف إطلاق النار لفتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب، أي إنها اتفقت على ضرورة التركيز على العمل الإنساني وهي الرسالة الأساسية التي يمكن أن يبنى عليها السلام بعد تجاوز هذه المرحلة التي لا يسمع فيها غير صوت الرصاص، وسعى بعض المبادرات إلى أن يدرج بعض الإضافات من منطلقين، الأول أن تعيد عقارب الزمن إلى ما قبل 14 أبريل، وهو اليوم الذي وقفت عنده الحياة السياسية التي كانت صاخبة قبل الحرب، أما المنطلق الثاني فهو رغبتها في مشاركة القوى السياسية في هذه المرحلة وعدم تهميشها، وقد لا يكون الحرص على إتاحة الفرصة للقوى والأحزاب السياسية هو السبب الحقيقي لهذا التحرك، إنما تكمن وراءه تحركات تتخذ من هذه القوى حليفها التقليدي إقليمياً ودولياً، ومفتاحها إلى المنظمات الدولية باعتبارها الصوت الذي ينادي بالديمقراطية في السودان.

جهد جماعي

وإلى جانب الجهود السعودية والأميركية، أعلنت "إيغاد"، في أعمال دورتها الـ14 التي انعقدت أخيراً بجيبوتي، أنها ستكثف الجهود باتجاه حل الأزمة بزيادة عدد الدول إلى اللجنة الرباعية المكونة من كينيا وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان بغرض محاولة إنهاء الحرب مما يتطلب جهداً جماعياً، يتجاوز مرحلة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة التي يبدو أنها لم يكن لها تأثير يذكر بسبب تواصل الهجوم وزيادة وتيرة العنف، وهناك جهود أخرى تذهب باتجاه أن تتبع نهجاً أقوى بالضغط على الطرفين.

وثمة من يرى في تكليف "إيغاد" رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد باستضافة لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بصيص أمل في التقدم نحو حل جذري للأزمة من خلال لقاء يجمع بين قادة الحرب لأول مرة، لكن آخرين يعولون على الوساطة السعودية - الأميركية، لأنها أخذت في الاعتبار أصحاب المصلحة من المواطنين وركزت على الجانب الإنساني. ويرى تيار ثالث أن يتم تكامل بين المبادرتين السعودية - الأميركية ومبادرة "إيغاد".

تلاشي الآمال

وبدلاً من أن يواجه السودان حدثاً واحداً تلاشت فيه الآمال من التحول الديمقراطي، وهو الإجراءات التي فرضها البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، بأن تهيئ للسودان مخرجاً من دائرة الصراع السياسي إلى تأسيس الدولة المدنية، انفتحت طاقة الحرب الجهنمية، ومنذ الأيام الأولى للحرب حذر الاتحاد الأوروبي من أن البلاد ستنفتح على أعمال عنف تطاول معظم أجزائها، وتبعت تلك التلميحات إضافة إلى العنف الدامي إجلاء الدبلوماسيين الأجانب ورعايا الدول المختلفة، ومع تواتر الأنباء عن تدخل أطراف خارجية في الحرب كان اختراق الهدن المتفق عليها هو الأقرب إلى التحقق، والفترات القصيرة استخدمت فيها عمليات وقف إطلاق النار لإعادة التسليح والتموضع وفرض السيطرة على أجزاء من العاصمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء دان سفير الاتحاد الأوروبي لدى السودان إيدان أوهارا مقتل والي غرب دارفور خميس أبكر، الذي عد مقتله مؤشراً إلى بدء عمليات تصفيات سياسية، في الوقت الذي بلغ عدد القتلى في مدينة الجنينة نحو 1000 شخص بحسب مدير الإعلام في حكومة إقليم دارفور موسى داؤود. ولوح أوهارا بالقانون الدولي الذي يلزم طرفي الصراع ويعرضهما للمساءلة إن لم يلتزما حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية.

استدامة الصراع

لا يزال مجال الوساطة الدولية يواجه عدداً من العقبات منها ما يتعلق بتعدد الاستراتيجيات أو تهم الانحياز لأحد طرفي الصراع، ويظل السؤال القائم هو متى يقرر طرفا النزاع توقف الحرب أو التزام هدنة إنسانية؟ ربما تحمل الإجابة عن هذا السؤال محاور عدة، أهمها، أولاً، أنه في خضم الحرب ومع شهوة تحقيق انتصار ما على الطرف الآخر بأي ثمن تكون الحسابات العسكرية أحد المبررات لاستدامة الصراع.

وأنشأ باحثون من معهد أبحاث السلام بأوسلو في النرويج مجموعة بيانات خارجية شاملة حول وقف إطلاق النار في مختلف الحروب الأهلية بين عامي 1989 و2020، وفحصوا نحو 2202 اتفاقية تم إبرامها خلال 109 صراعات أهلية في 66 دولة، ووجدوا أن السودان يأتي في مقدم الدول الخمس الأكثر وقفاً لإطلاق النار بنحو 169 مرة، وبعده الهند بنحو 167 مرة، ثم الفيليبين بنحو 157 مرة، وسوريا 140 مرة، ثم إسرائيل بنحو 103 مرات، وتعدد وقف إطلاق النار يعني في وجهه الآخر تعدد اختراقه وعدم التزامه، لتعاد الكرة مرة أخرى، ومن هذه الحالات توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن "وقف إطلاق النار غالباً ما ينتهي في الشهر الأول من النزاع، إذ يبدو أن الأطراف تختبر ما إذا كانت مصرة على مواصلة الحرب أم لا، وما إذا كانت هناك فرصة للتوصل إلى تسوية سلمية بعد كل شيء، وإذا لم ينجح وقف إطلاق النار المبكر هذا فسوف يستغرق الأمر أربع سنوات في المتوسط حتى تزداد فرص وقف إطلاق النار مرة أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المحور الثاني فهو أن التزام وقف إطلاق النار لا يتحقق عادة لمطالب إنسانية، حتى لو ادعى طرفا النزاع أنهما يراعيانها، لأن من يحمل السلاح أياً كان هدفه يحاول تصوير وضعه كمقاتل بأنه من أجل قضية مقدسة، وظهر ذلك في تصريحات متحدثين من الجيش و"الدعم السريع" معاً بأنهم يقاتلون من أجل الوطن، فماذا لو عانى المواطنون معهم؟ فهذا يعني أنه في هذه الحالة لا يتم وقف إطلاق النار إلا إذا توفر مكسب سياسي يحسب لأحدهما ويجعله متميزاً على خصمه، لذلك نجد أن آلة الدعاية للطرفين تحاول دائماً كسب نقاط على الأخرى، وإذا تساوى الطرفان في وقف إطلاق النار لا يعدانه إنجازاً.

وقف الدمار

ولا تقتصر المبادرات على الشق السياسي فقط وإنما هناك جانب إنساني أساسي سعى الوسطاء إلى الإعلاء منه وإبرازه فوق المبادرات السياسية. وكان بإمكان المبادرات الصحية أن تدخل في إدارة الصراع مثلما يحدث في مناطق أخرى من العالم، فعندما يكون هناك نزاع يكون المرضى والطواقم الطبية في مأمن، والمستشفيات مناطق حرة تواصل علاج المرضى مثلما تستقبل جرحى ومصابي الحرب، ولكن ذلك كله يقع تحت مهام منظمة الصحة العالمية و"اليونسف" وغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وفي الحرب السودانية انسحبت طواقم هذه المنظمات بعد تعرض بعض موظفي الإغاثة الدولية للقتل ونهب مخازن الإغاثات.

هذا الأمر والعنف المتواصل حرم السودان من مبادرة صحية كان يمكن أن تقود إلى سلام جزئي لو كان تحقق لحفظت أرواح كثيرة من أن تكون ضحية احتلال المستشفيات وتتحول إلى جزء من أرض المعركة، فضلاً عن حرمان المرضى من العلاج ومصابي الحرب الذين لم يستطع أحد إنقاذهم.

وعموماً فإن في هذه المبادرات بالنسبة إلى كثيرين لن تؤدي إلا إلى حل نخبوي غير قادر على التعامل مع الأسباب الكامنة للصراع، ولا تنظر إلى عدم رغبة الطرفين في تعزيز أي اتفاق لوقف إطلاق النار، بالمساعدة في السماح بتمرير المساعدات الإنسانية وتدعيم المصالحة حتى لا تؤدي إلى انهيار أي اتفاق، وبالنسبة إلى آخرين هي محاولة نحو الحل تتم في ظروف صعبة قد لا تحل المشكلات الكامنة وراء الصراع، لأن القضية الملحة في الوقت الحالي هي الحفاظ على الأرواح ووقف الدمار قبل الوصول إلى سلام نهائي.

المزيد من تحلیل