Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إجماع سوداني على عدم العودة إلى الحكم الشمولي وتفكيك دولة البشير العميقة بـ"القانون"

"قوى الحرية والتغيير لن تتبع الخصومة والإقصاء مع الإسلاميين... لكنها تريد أن يدركوا خطأهم التاريخي"

يتطلع السودانيون عقب توقيع "المجلس العسكري الانتقالي" و"قوى الحرية والتغيير" الإعلان الدستوري، إلى إنهاء حقبة الحكم العسكري التي امتدت لـ 52 عاماً مقابل 11 عاماً من الحكم الديمقراطي منذ استقلال البلاد عام 1956، وذلك بتأسيس سلطة مدنية وفق نظام برلماني، في ظل إجماع وقناعة كل القوى السياسية المنضوية تحت لواء "قوى الحرية والتغيير" وخارجها، فضلاً عن المجتمع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللّذين وعدا بحزمة مساعدات من شأنها أن تحدث تحولاً كبيراً في مجال التنمية.
واتفق سياسيون سودانيين في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" على أن قضايا السلام والإصلاح ومعالجة التدهور الاقتصادي يجب أن تكون من أولويات الحكومة الانتقالية المقبلة، إضافةً إلى سرعة تصفية وتفكيك "دولة النظام السابق" التي تسيطر حالياً على مفاصل الحكم، وفق مفاهيم العدالة والحرية والسلام وبعيداً من الخصومة والثأر.

كيان قومي

رئيس "حزب المؤتمر السوداني" السابق إبراهيم الشيخ قال إن "ما حدث من اتفاق نهائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يفتح آفاقاً واسعة أمام التحول الديمقراطي وتحقيق السلام في البلاد خلال الأشهر الستة الأولى من بدء أعمال الحكومة الانتقالية، فضلاً عن أنه يمثل لحظة تاريخية للسودان الذي ذاق مرارة الحكم الشمولي لثلاث فترات حكم عجاف منذ الاستقلال"، لافتاً إلى أن "ترسيخ دعائم الدولة المدنية وحراسة الفترة الانتقالية هما من أولويات كل القوى السياسية من دون استثناء لأن استرداد الحياة الديمقراطية جاء بثمنٍ غالٍ، دفع مهره شهداء فاق عددهم الـ 500 شهيد منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير في أغسطس (آب) الماضي، ناهيك عن الجرحى الذين بلغ عددهم الألف. لذلك، فإن التفريط في الديمقراطية يُعدّ مسؤولية الجميع وسيعيدنا إلى مربّع مجهول يصعب الخروج منه". وأضاف أن "من أهم القضايا التي سيتم التركيز عليها في المرحلة الأولى من عمر الحكومة الانتقالية، هي تحقيق السلام العادل في ربوع السودان وإطلاق برنامج إسعافي اقتصادي عاجل يسعى إلى حل مشاكل شح السيولة وأزمات الوقود والدقيق وغيرها من السلع الاستراتيجية، ووقف التدهور الاقتصادي بشكل عام، إضافة إلى تطهير أجهزة ومؤسسات الدولة من سيطرة عناصر النظام السابق وتحريرها من قبضة التمكين وفتحها لأبناء وبنات السودان من دون تمييز وولاء حزبي". وأوضح أن "قوى الحرية والتغيير لن تتبع الخصومة والإقصاء مع الإسلاميين وتحويل الوطن إلى ثأر، لكنها تريدهم أن يدركوا خطأهم التاريخي، والعمل على إعادة بناء السودان بطريقة حضارية تقود إلى إقامة كيان قومي واحد وفق مفهوم العدالة والحرية والسلام، بعيداً من الصراعات السياسية والقبلية والجهوية".


أولويات المرحلة

من جانب آخر، أوضح رئيس "حزب الأمة" مبارك الفاضل المهدي أن الاتفاق على الوثيقة الدستورية جاء تتويجاً لنضال الشعب السوداني الذي استمر 30 سنة متواصلة دون كلل وملل، ودُفع فيه ثمن باهظ من الأرواح التي أُزهقت من أجل الحرية واستعادة دولة المواطنة وحق الشعب في السلام والعدالة والعيش الكريم"، مؤكداً ضرورة أن "تكون قضية السلام العادل من أولويات المرحلة الانتقالية باعتبار أن قوى الهامش والمكتوين بنار الحرب، كانوا شركاء فاعلين في كل مراحل النضال"، ومعرباً عن أمله في أن يضع الاتفاق حداً للحرب ويعالج قضايا النازحين واللاجئين في مناطق النزاع ويضمن الإجراءات كافة التي تقود إلى سلام مستدام. واعتبر أن "تفكيك الدولة العميقة التي بنتها الحركة الإسلامية السياسية في السودان بقيادة البشير، إلى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية تتطلب وحدة القوى السياسية لا سيما قوى الحرية والتغيير"، مضيفاً أن "الشعب السوداني حدد بإصرار خياره في تحوّل ديمقراطي يحقق له الحرية والسلام والعدالة ومستقبل مشرق لشبابه وسطّر ذلك بالدماء، ما يستوجب من القوى السياسية أن ترتقي لمستوى تضحيات شعبها وتسمو فوق خلافاتها وأجندتها الحزبية الضيقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رفع الطوارئ

في المقابل، أكد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف أن الوثيقة الدستورية التي وُقِّعت بين "المجلس العسكري" و"قوى الحرية والتغيير" "لم تخلُ من العيوب المهددة للحرية والديمقراطية، مثل تبعية الأجهزة العسكرية إلى مجلس السيادة وهو أمر لم يكن متفَقاً عليه داخل مكونات قوى الحرية والتغيير، ما يُعدّ نقطةً سلبية لأن الأمن هو صمام أمان الأنظمة الحاكمة سواء كانت ديمقراطية أو شمولية"، لافتاً إلى أنهم "لا يثقون في المؤسسة العسكرية لأنها وراء تخلف البلاد لفترة 30 سنة خلال حقبة واحدة غير الحقبتين السابقتين في عهدي الرئيس إبراهيم عبود (1958-1964) والرئيس جعفر نميري (1969-1985)، لكنه قال إن "الاتفاق يحمل في الوقت ذاته إيجابيات تتمثل في السلطة التنفيذية التي أُنيطت بمجلس الوزراء الذي سيعيّن وزراءه من الكفاءات الوطنية المدنية"، مشدداً على أن حزبه سيدعم كل ما هو إيجابي في نشاط الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي وغيره وسيكون رقيباً ومعارضاً لكل السياسات غير المتفق عليها، "لذلك رأى الحزب الشيوعي ألا يشارك في السلطة التنفيذية خلال حكومة الفترة الانتقالية وهذا لا يعني أننا خارج منظومة قوى الحرية والتغيير، بل نحن جزء أصيل وسنظل داعمين لكل خطوة تسعى إلى تحقيق أهداف الثورة الشعبية"، فيما توقع أن تُرفع خلال الفترة المقبلة حالة الطوارئ ويُلغى أي قانون مخالف للوثيقة الدستورية.

تطلعات الشارع

في سياق متصل، أشار القيادي في الحزب الاتحادي المعارض المعز حضرة إلى أن "الإجماع بين القوى السياسية الذي تُوِّج بميثاق قوى الحرية والتغيير لم يحدث في تاريخ السياسة السودانية منذ الاستقلال، إذ كانت هناك تحالفات على مر التاريخ قائمة على الحد الأدنى تضم أعداداً بسيطة من الكيانات، لذلك جاء اتفاق قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري ناضجاً ومجمَع عليه لأن مكونات قوى الحرية والتغيير تضم غالبية أهل السودان وهذا ما أعطاه ميزةً لم يسبق لها مثيل وليس أدلّ على ذلك الجماهير التي خرجت في 30 يونيو (حزيران) الماضي تأييداً لهذه القوى، مؤكداً أن "الوثيقة الدستورية أتت معبرة عن روح الثورة وتطلعات الشارع السوداني، فهي لم تعتمد على المحاصصة وتقاسم السلطة وغيرها من القضايا، لذلك لا خوف على استمرارية السلطة المدنية لأنها أتت بإجماع وبعيداً من الأطماع"، محدداً "أولويات هذه الحكومة في تصفية وتفكيك الدولة العميقة التي خلّفها نظام البشير، بواسطة القانون، من أجل بناء دولة قائمة على المؤسسات والقانون، لا دولة الحزب الواحد".

المزيد من العالم العربي