Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كل الكوارث تؤدي لانتصار الشجرة فماذا لو تكلمت؟

منذ ملايين السنين تنفذ مخطط التكامل الطبيعي بكفاءة وصمت وغيابها كفيل بانهيار النظم البيئية على هذه الأرض

تمكنت من التكيف مع كل الظروف منذ 400 مليون سنة وقاومت الانقراض حتى اليوم (أ ف ب)

ملخص

إن الاعتقاد بأن الأشجار تعطي من دون مقابل ليس سوى إسقاط لمشاعر البشر على الشجر، وتلك هي الحقيقة.

هل يصح ما يتداول في أدبيات وثقافات البشر من أن "الأشجار تموت واقفة" للدلالة على كبريائها وصمودها في وجه الرياح العاتية والمناخ القاسي والظروف المختلفة؟ وهل يمكن تأكيد مقولات أخرى ألصقها البشر بالأشجار للدلالة على كرمها وعطائها من دون مقابل.

في هذه المقولات كثير من الأخطاء التي أظهرتها لنا العلوم الحديثة والدراسات حول الأشجار وأجهزتها التي تجعل منها إحدى الكائنات الحية المعمرة على كوكب الأرض، التي تمكنت من التكيف مع كل الظروف منذ 400 مليون سنة، وقاومت الانقراض حتى اليوم.

بتوقيت الأشجار

والأشجار التي نراها جامدة هي في الحقيقة دائمة الحركة، وهو ما يسميه العلماء "توقيت الأشجار"، ففي حال تصوير نمو شتلة صغيرة خلال أسبوع وقيامنا بتسريع الصور سنلاحظ هذا التوقيت الخاص الذي يظهرها وكأنها تركض نحو الأعلى بأوراقها ونحو الأسفل بجذورها من دون توقف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتصل الأشجار بالفضاء عبر أغصانها وأوراقها المتصاعدة نحو الضوء وكأنها كائنات طائرة، وتتجذر في الأرض كما لو أنها تنمو في الاتجاه المعاكس مما يجعلها كائناً تحت - أرضي. ويتوسط بين السماء وما تحت التراب الجذع الذي يعمل كأنبوب أو مصعد يصل ما بين القسمين الأعلى والأسفل من الشجرة.

أما الاعتقاد بأن الأشجار تعطي البشر من دون مقابل، فهذا ليس سوى إسقاط لمشاعر البشر على الشجر. فالشجرة تنفذ مخطط التكامل الطبيعي، وتأخذ من الهواء ومن التراب غذاءها، وتتعاون مع الفطريات والبكتيريا تحت الأرض لتوزيعها في داخل البناء المعقد للشجرة. والفائدة متبادلة في إطار النظام البيئي المتكامل بين عناصره، وأي انقطاع لحلقة من حلقات هذه السلسلة سيؤثر في كل النظام، فمثلاً لو انخفضت نسبة الأوكسجين في الجو أو كمية الضوء التي تصل إلى الشجرة، فإن بقاء الأشجار سيتأثر بشدة، ولو انقرضت الفطريات والبكتيريا من الأرض أو ارتفعت حرارة الجو درجة ونصف الدرجة أو درجتين فقط، أو اختفت أنواع كثيرة من الطيور والحشرات التي تدور حول عالم الشجرة وتستفيد منه وتفيده، فإن الأشجار ستتعرض لخطر وجودي حقيقي. وهو ما بدأ يحدث في هذه الآونة من عمر الأزمة المناخية التي يعانيها الكوكب، ويحذر العلماء من أضرارها الكبيرة منذ عقود. وهذه التغييرات أدت إلى تدهور حجم الغابات حول العالم بشكل مطرد في العقود الأخيرة، وإلى انقراض بعض أنواعها بشكل نهائي.

ماذا لو انقرضت؟

تعتبر الأشجار من أكبر وأقدم الكائنات الحية على وجه الأرض. وهي تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحويله إلى أوكسجين عن طريق عملية التمثيل الضوئي. كما توفر مأوى للحيوانات والحشرات وتحافظ على التوازن البيئي والتنوع الحيوي.

لذا إذا اختفت الأشجار من سطح الأرض فسيحدث تأثير كبير في البيئة والحياة، أولاً ستزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وهو غاز ضار يسهم في تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة. وسيؤدي تآكل التربة وفقدانها إلى تدهور الأراضي الزراعية وانهيار النظم البيئية، وإلى فقدان التنوع الحيوي وخسارة كائنات كثيرة لمواطن تكاثرها الطبيعية.

 

 

للأشجار تأثيرها المباشر في المناخ من خلال تبريد الهواء وحبس الرطوبة وتبخير الماء الذي يتحول إلى مطر وخصوصاً في المناطق الاستوائية والمدارية حيث الغابات الكثيفة، ومن دون الأشجار سيزداد ارتفاع درجات الحرارة وتتزايد التغيرات المناخية السريعة والتقلبات الجوية الشديدة.

أما في التأثير المباشر في البشر فإن عديداً من المجتمعات البشرية يعتمد على الأشجار لتوفير الغذاء والمواد الخام والطاقة والمأوى، واختفاء الأشجار سيؤثر في القطاعات الزراعية والصناعية والاقتصادية بها.

وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ((FAO، فإن مساحة الغابات في العالم انخفضت من نحو 4.1 مليار هكتار عام 1990 إلى نحو 3.9 مليار هكتار في 2020.

وبحسب المعطيات العلمية الحالية، فإنه ليست هناك ترجيحات مستندة إلى أرقام ودراسات تشير إلى أن الأشجار قد تنقرض نهائياً في المستقبل القريب. مع ذلك هناك مخاطر وتحديات قد تؤثر في الغابات والغطاء النباتي بشكل كبير، أو تؤدي إلى تدهور حالها وتناقص أعدادها، ومنها ارتفاع درجات الحرارة ونقص الماء بسبب الجفاف والتصحر وحرائق الغابات، وعمليات التدخل البشري في استصلاح الأرض من أجل الزراعة، وقطع الأشجار بشكل غير قانوني وغير مستدام من أجل الحصول على الأخشاب الثمينة بخاصة في البرازيل وأفريقيا، على رغم الجهود العالمية التي تبذل لحماية الغابات والحفاظ على التنوع البيولوجي.

مولدات آلة الشجرة

ترتبط جذور الشجرة بالأرض وتمتص الماء والعناصر الغذائية من التربة، كما أنها تقيم شراكات وعلاقة تعاون مع فطريات "الميكوريزا" للمساعدة في امتصاص المواد الغذائية، ويشبه العلماء هذه الفطريات بالبكتيريا المعوية في جهازنا الهضمي، التي تساعدنا في هضم أنواع مختلفة من غذائنا.

يقوم الجذع بتوفير الدعم الهيكلي وينقل الماء والعناصر الغذائية والسكريات بين الجذور وبقية أجزاء الشجرة، ثم تقوم الأوراق بعملية التمثيل الضوئي، وهي التي تقوم فيها الشجرة بتحويل أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء إلى طاقة (سكريات) وأوكسجين.

 

 

هذه السكريات المغذية تنتقل من الورق إلى الجذور والفروع بواسطة الزغب، وتعد عملية النقل هذه أمراً حاسماً لتوفير الطاقة لأجزاء الشجرة. وعملية النقل المقابلة، أي من الجذور نحو الأوراق، تتم بواسطة اللبان وهو نسيج أوعية ينقل الماء والمعادن المذابة، ويقوم بترطيب الشجرة والحفاظ على دورة الماء فيها لئلا تيبس. ثم يأتي دور البكتيريا والكائنات الدقيقة في الجذور وحولها لتثبيت النيتروجين الجوي وحماية الشجرة من الأمراض الضارة.

وتقيم الأشجار شراكات أخرى مع الحشرات والطيور والحيوانات الأخرى التي تعمل في التلقيح. وهذه الشراكات التي تستفيد منها الأشجار للبقاء على قيد الحياة تدلنا على حجم الآلة التي تشكلها الشجرة الواحدة، وهي آلة أو مصنع يؤمن العمل والإنتاج لمجتمعات بيئية كثيرة.

كتب وأعواد ثقاب

من الصعب تحديد عدد أعواد الثقاب التي يمكن صنعها من جميع الأشجار على كوكب الأرض بدقة. لكن حسابات برامج الذكاء الاصطناعي تفترض أن معدل الإنتاج السنوي للأخشاب ثلاثة أمتار مكعبة لكل شجرة، وهناك تقريباً نحو 3 تريليونات شجرة على سطح الأرض. وبذا سيكون الحجم الذي ستبلغه أعواد الثقاب نحو 9 تريليونات متر مكعب سنوياً، أو 900 تريليون كيلو متر مربع. وهذه الأرقام هي تقديرات تقريبية وليست أرقاماً دقيقة.

 

 

أما إذا أردنا تحويل الأخشاب التي ينتجها البشر خلال عام واحد إلى كتب ورقية، فيمكن إجراء الحساب التالي: متوسط كمية الأخشاب اللازمة لإنتاج طن واحد من ورق الكتب يتراوح بين 2 إلى 3.5 متر مكعب من الخشب، وتقدر المنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) إنتاج الخشب العالمي عام 2020 بنحو 1.7 مليار متر مكعب، لذا يمكن صنع نحو 680 مليون كتاب من خشب الأشجار المنتجة في العالم.

لكن بعيداً من هذه الافتراضات، فإن الأخشاب لعبت دوراً حاسماً في تطور الجنس البشري وعدم انقراضه على رغم الظروف الاستثنائية التي عايشها خلال ملايين السنين الأرضية، فقد استخدم البشر النار للتدفئة والإضاءة وطهي الطعام، وفي بناء المساكن والأبنية والسفن والأدوات، فسهولة الحصول على الخشب وتشكيله وخفة وزنه ومتناته كلها عوامل ساعدت في تقدم التكنولوجيا المعمارية والهندسية وتوسع المستوطنات البشرية. كما استخدم البشر خشب الأشجار لصنع الأدوات والأسلحة مثل الأقواس والسهام والرماح والمطارق والمقابض. وأسهمت هذه الأدوات والأسلحة في تسهيل الصيد والحصول على الموارد الغذائية وتوفير الحماية وتعزيز البقاء وتحقيق تفوق البشر في المنافسة مع الحيوانات الأخرى، ويمكن القول إن استخدام خشب الأشجار كمصدر للنار والطاقة أسهم في تقدم البشر وتطورهم على مر العصور.

المزيد من تحقيقات ومطولات