Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جامع اليهود" مبنى جزائري يمزج الديانات منذ 350 عاما

خططه مهندس مسيحي وبناه قادة مسلمون وزينه يهودي بالنقوش

بحسب الروايات التاريخية يعود بناء "جامع اليهود" في الجزائر إلى عام 1666 (اندبندنت عربية)

ملخص

"جامع اليهود" في الجزائر عمره أكثر من 350 عاماً، شارك في تشييده أمهر الحرفيين من الديانات السماوية الثلاث، إذ خططه مهندس مسيحي وبناه قادة مسلمون ونقشه يهودي بالزخارف.

كيف يكون لليهود مسجد؟ تساؤل يطرح باستغراب مع كل نطق لـ"جامع اليهود"، وإذا كان الأمر عادياً في الجزائر بالنسبة إلى المثقفين وكبار السن من العاصميين، فإن الوضع يختلف مع الجيل الحالي الذين يجهل أغلبهم أسباب التسمية، كما هي الحال مع الأجانب الذين يأخذهم الفضول لمحاولة فك شفرة هذا التناقض.. فما القصة؟

استغراب وروايات

يعتبر من أشهر المساجد في الجزائر، وله مكانة خاصة لدى سكان عاصمتها لا سيما قاطني المدينة العتيقة "القصبة"، ولا يتعلق الأمر بالهيكل العمراني في حد ذاته، ولكن للتاريخ الذي يختفي وراءه، إنه "جامع اليهود" المشتق اسمه من تبادل أدوار بين "مسجد ابن فارس" و"كنيس ربان يلوك" الذي يعود بناؤه إلى نحو 357 عاماً مضت أي عام 1666.

وتذكر كتب التاريخ أن فقيهاً وتاجراً ثرياً قدم من الأندلس، يدعى عبدالرحمن بن فارس، اشترى عقاراً و"ضيعة" لعائلته في مدينة القصبة، وشيد على جزء منها مسجداً حمل اسمه، وظل كذلك حتى جاء الاحتلال الفرنسي للجزائر، الذي عمد في سياق سياسته الاستعمارية إلى القضاء على كل ما هو عربي وإسلامي، فهدم المسجد في 1845 وأقام مكانه كنيساً حمل اسم "ربان يلوك"، كمعبد للأقلية اليهودية.

رواية أخرى تقول، إن المسجد تأسس في 1400 كجامع صغير أطلق عليه اسم "سيدي الحربي" نسبة لأحد أولياء الله الصالحين، وبقي كذلك حتى الاحتلال الفرنسي للجزائر في 1830، حيث قام الفرنسيون ببيع المساحة المحيطة بالمسجد لليهود الذين قاموا بهدم المسجد وبنوا مكانه معبداً لهم في 1845 تحت اسم حاخام يدعى "أبراهام بلوخ".

مشاركة دينية

ما يميز المسجد أنه كان محل مشاركة أمهر البنائين من الديانات السماوية الثلاث، إذ عمل يهودي متخصص في النقش على تزيين خشبه بنقوشه طيلة قرابة عام بمعية مجموعة من النجارين، كما كان لأسير مسيحي يلقب "رمضان العلج" يوصف في الوثائق الرسمية بخبير البناء المسيحي دور في تشييده، إلى جانب عدد من البنائين المسلمين على غرار خبير الري موسى الحميري الأندلسي، وكذلك القائد حسن اليوناني ويوسف الإيطالي اللذان اعتنقا الإسلام واشتركا في بناء المسجد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد حصول الجزائر على الاستقلال في 1962 أعيد الكنيس ليكون مسجداً، حيث تمت إزالة كل الآثار الداخلية التي تشير إلى كونه كان معبداً يهودياً في السابق، وأضيف إلى هيئته الخارجية مئذنة وصومعة وقبة، فضلاً عن حفر المحراب وتزيينه بالآيات القرآنية، لكن احتفظ سكان "المحروسة" الجزائر العاصمة بتسميته "جامع اليهود" حتى الآن.

تغيير وبقاء

المتجول في أزقة "القصبة" بالجزائر العاصمة لا يكاد يلاحظ "جامع اليهود" لولا المئذنة التي تقف منتصبة، وذلك بسبب الحركية الكبيرة للتجار والباعة والزبائن التي يعرفها محيطه، وباتت المنطقة تشكل قلباً تجارياً نابضاً، فهو يقع بجانب سوق نشيطة تتحول مع طلوع الشمس إلى خلية متحركة تستقبل المواطنين من داخل المدينة القديمة ومن خارجها لعدة اعتبارات، أولها الأسعار المنخفضة لمختلف المواد والمنتجات الاستهلاكية المعروضة، بدءاً بالفواكه والخضراوات، مروراً بالستائر والمفروشات التقليدية وأدوات المطبخ، وانتهاء بالمعجنات والحلويات وعدد لا يحصى من المأكولات، ما يجعل الحي بصخبه وحيويته يشبه البورصة.

ويبقى الحي محافظاً على تسمية "جامع اليهود" رغم أن السلطات منحته منذ 61 عاماً اسم الفدائي الجزائري الشهير "علي عمار" المكنى بـ"علي لا بوانت" الذي قاد معارك أسطورية ضد قوات الاحتلال الفرنسي على مستوى "القصبة"، كما تقوم الجهات المعنية بمجهود كبير لمواجهة شبح الانهيار الذي يهدد بعض بناياته وأقواسه.

الطائفة اليهودية

حظي أبناء الطائفة اليهودية في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي بالجنسية الفرنسية بموجب مرسوم "كريميو" 1870، على خلاف السكان المسلمين الذين لم تكن تمنح لهم إلا بشروط ولأقلية قليلة منهم، فكان تفضيل طائفة على الأخرى سبباً في تعزيز الانتماء إلى فرنسا عند اليهود والدافع الذي يفسر اختيار الغالبية الكبرى الهجرة إليها عشية استقلال الجزائر، فيما اختارت أقلية منهم الذهاب إلى إسرائيل، حيث يقول الفرنسيون، إن نحو 150 ألف يهودي غادروا الجزائر بعد الاستقلال، ولم يبق منهم سوى عدد ضئيل جداً وبصورة شبه سرية لا يمكن القول إنهم يشكلون طائفة منظمة.

وعلى رغم عدم وجود جاليات يهودية في الجزائر، فإن عدة آثار ظلت تشير إليهم لا سيما عبر التسميات مثل "جامع اليهود" و"المعبد اليهودي" بحي "باب الوادي" الشعبي، و"درب اليهود" وهو أحد أهم الأحياء في مدينة تلمسان (غرب)، الذي يوجد فيه ضريح الحاخام أفراييم ألانكاوه، كما تشكل المقبرة اليهودية الكائنة في حي "مالكوف" في بلدية بولوغين بالعاصمة ومقابر تلمسان وقسنطينة أهم مقاصد اليهود الذين يزورون البلاد بجوازات سفر فرنسية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي