Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب الظل في تيغراي... أرقام صادمة وازدواجية غربية

مراقبون يتهمون الإعلام الأوروبي والأميركي بـ"عنصرة" المعارك الأوكرانية

معهد أبحاث السلام في أوسلو تحدث عن أن قتلى الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي فاق حصيلة المعارك الأوكرانية (أ ف ب)

ملخص

معهد نرويجي أعد تقريراً صادماً عن ضحايا الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي متهماً الإعلام الغربي بازدواجية المعايير بين الاهتمام بالحرب الأوكرانية مقارنة بتجاهل الأوضاع في أفريقيا.

أغلقت إثيوبيا الصفحة السوداء لمعارك تيغراي شمال البلاد باتفاق سلام احتضنته جنوب أفريقيا، أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن رائحة الدم تزكم الإقليم مع صدور تقرير يصنف المواجهات العسكرية بأنها من أكثر الحروب دموية، ولا تزال قائمة القتلى أكثر من غيرها من النزاعات الدولية التي يشهدها العالم بما فيها الحرب الأوكرانية.

معهد أبحاث السلام في أوسلو (PRIO) تحدث في تقرير له عن أن "الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي تسببت في مقتل أكثر من مئة ألف شخص خلال عام 2022، أي أكثر من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي تسبب في مقتل 81 ألف شخص"، وفقاً لبيان اتجاهات الصراع الجديد الصادر من المنظمة النرويجية (غير الحكومية) في السابع من يونيو (حزيران) الجاري.

المعهد في تقريره قال إن الأرقام الجديدة تشير إلى أن أعداد القتلى المرتبطة بالنزاعات حول العالم بلغت أعلى مستوى لها منذ 28 عاماً، مرجعاً ذلك إلى حربي تيغراي وأوكرانيا إلى حد كبير.

وبحسب الأرقام الجديدة لتقرير المعهد النرويجي فإن حالات قتلى وقعت جراء النزاعات على مستوى الدولة خلال العام الماضي أكثر من أي عام منذ عام 1994، وكانت المعارك في أوكرانيا وإثيوبيا المساهمين الرئيسين في أكثر من 237 ألف حالة قتل مرتبطة بالمواجهات المسلحة.

فظائع غير معلنة

الأكاديمي المتخصص في معهد أبحاث السلام سيرى أس رستاد، علق على الأرقام السابقة بقوله "فيما أثار الغزو الروسي لأوكرانيا، عناوين الصحف العالمية، كانت الفظائع على نطاق غير مسبوق ترتكب في الظل بإثيوبيا"، من دون أن تجد ذات الصدى الذي وجدته معارك كييف.

ومضى في تعليقه "نشهد زيادة مقلقة في النزاعات القائمة على أساس الدولة خلال العقد الماضي، مع أكثر من 50 صراعاً من هذا القبيل كل عام، على مدار السنوات الثماني الماضية"، مرجعاً ذلك جزئياً إلى "توسع تنظيم داعش الإرهابي عبر أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وتورطه في صراعات داخل 15 دولة خلال عام 2022".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التقرير نفسه أقر بأنه "على رغم الزيادة في الوفيات المرتبطة بالمعارك، ظل عدد النزاعات المسلحة على مستوى الدولة مرتفعاً بشكل ثابت العام الماضي، وتم تسجيل 55 نزاعاً نشطاً في 38 دولة وتصنيف ثمانية من هذه الصراعات على أنها حروب".

أما المتخصص في الشأن الإثيوبي جيداون بكيلي، فأشار إلى أهمية هذه التقارير، "كونها تكشف اتجاهات وأولويات الإعلام العالمي، فعلى رغم كل ما يقال عن تأثير تكنولوجيا الاتصال الحديث، فإن النظرة التقليدية، لا تزال مسيطرة على اتجاهات الإعلام".

وتابع "لا شك، أنه عند بداية الحرب في تيغراي، كان هناك اهتمام كبير من الإعلام العالمي، حول مزاعم الفظائع التي ترتكب في الإقليم الشمالي الإثيوبي، والتي تصل إلى درجة جرائم حرب وتصفية عرقية، إلا أن اندلاع الأوضاع في أوكرانيا، جعل ذلك الاهتمام يتراجع"، مشيراً إلى أن خبراء كثراً تحدثوا حينها عن التناول الإعلامي الذي اتصف بنوع من الازدواجية.

ودلل بكيلي "على الخطاب الإعلامي الغربي، الذي تحدث أن الضحايا الأوكرانيين ليسوا أفارقة، أو من منطقة الشرق الأوسط، بل هم أوروبيون"، وقد تكررت هذه المقولات في أكثر من منبر إعلامي من دون الشعور بالذنب.

ويفرق الباحث الإثيوبي، بين "اتجاهات الإعلام الذي ينبغي أن يكون محايداً وإنسانياً في تناوله للحروب وضحاياها، وبين مواقف الدول التي تخضع لحسابات الربح والخسارة، ولما يمكن تسميته بالمصالح القطرية والقارية".

وقال في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إنه في حين "يمكن تفهم مواقف الدول وسياساتها، في إطار الاستقطابات السياسية القائمة، لا يمكن تبرير معالجات الإعلام الغربي، الذي تخلى عن مهنيته، وحاول تبرير اهتمامه بأوكرانيا على حساب الحروب الأخرى".

تبرير الازدواجية

المتخصص في الشأن الإثيوبي جيداون بكيلي، المقيم في الولايات المتحدة، مضى في تقييمه بقوله "إننا كأبناء جاليات إثيوبية يحمل معظمنا الجنسية الأميركية، أصبنا بصدمة كبيرة، تجاه التناول الإعلامي لكبريات القنوات الأميركية التي ظلت تخبرنا أن الأوكرانيين ليسوا أفارقة أو عرباً كي يتحولوا إلى قتلى ولاجئين".

في المقابل، أشاد المتحدث ببعض البرامج الأميركية الساخرة من هذا التناول، مشيراً إلى أحد أكثر البرامج مشاهدة على غرار daily show الذي أعد مذيعه تريفور نوح (ذو الأصل الأفريقي) عدة حلقات للسخرية من هذه الازدواجية التي يمارسها الإعلام الغربي عموماً، والأميركي بشكل خاص، بعد أن اعتمد على التصنيف العرقي في تناول النزاعات الدولية.

وقال بكيلي "ورغما عن ذلك، فالملاحظ أن الاهتمام بتداعيات الحرب في تيغراي تراجع تماماً بعد اندلاع الغزو الروسي في أوكرانيا"، موضحاً أن التدابير الحكومية اللاحقة تتماشى تماماً، مع هذا التوجه الإعلامي والسياسي، بما في ذلك إيقاف المساعدات الإغاثية لأبناء الإقليم تحت ذرائع الفساد في توزيع المواد الاغاثية"، على حد قوله.

ونبه إلى أنه "على رغم صحة بعض تلك الاتهامات، فإن قرار تعليق المساعدات تحت تلك الحجج يعرض حياة ملايين الإثيوبيين للموت المحقق"، مضيفاً "أن الفساد الإداري لا يقتصر على المسؤولين المحليين في أفريقيا فحسب، بل يطاول موظفي الهيئات المانحة في الكثير من الحالات". ولخص رأيه في "أن قرار تعليق المساعدات غير مبرر تماماً، قياساً بما يمثله ذلك من مخاطر الموت والجوع"، بالتالي فالقرار خاضع لحسابات أخرى قد تتعلق بتوجيه الاهتمام لدعم الحرب في أوكرانيا".

المصالح أولاً

المتخصص في الشأن الإثيوبي الناشط التيغراوي محاري سلمون رأى بدوره "أن اهتمام المجتمع الدولي والإعلام العالمي بالنزاع في تيغراي، كان في أوجه، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إلا أن الاهتمام تراجع بداية من فبراير (شباط) 2022، مع بداية الحملة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا"، كما ترافق ذلك بجملة من الإجراءات، من بينها "الضغوط الأميركية والغربية، على طرفي النزاع، لإنهائه بشكل فوري".

وقال سلمون في تصريحات خاصة، "إن الضغوط الأميركية من خلال الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة علاوة على الاتحاد الأوروبي، كانت ستبدو أكثر جدية وفعالية أو أنها حديث منذ بداية النزاع" إلا أن "غياب الإرادة السياسية لتلك القوى نظراً إلى عدم وجود وازع استراتيجي تحقق من خلاله مصالح معينة، أرجأ الضغوط إلى حين اندلاع الحرب في أوكرانيا".

وذهب إلى "أن سياسات القوى العظمى تحركها مصالح حيوية لشعوبها، سواء المتعلقة بالثروات الطبيعية، كالنفط والغاز، أو الموقع الاستراتيجي للمنطقة، وتأثيره في مجريات المصالح الأساسية للقوى العظمى"، مضيفاً "أن خطابات السلم والأمن الدوليين، وحق الشعوب في العيش بسلام، تظل عديمة الجدوى في المناطق التي لا ترى فيها القوى الكبرى، كنقاط ارتكاز لمصالحها العليا".

واستدرك بقوله "لا يمكن لوم المجتمع الدولي، أو القوى المسيطرة عليه، في تفجر النزاعات الداخلية بالقارة الأفريقية، فالمسؤولية الأولى تقع على عاتق أنظمة المنطقة" لكن لا يمكن إغفال "الدور الخارجي سواء في دعم طرف بعينه، أو عدم بذل ما يكفي من الجهود لإيقاف هذه الحروب التي تستنزف مقدرات شعوب المنطقة".

ودلل على حديثه بقوله إنه بمجرد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً قاسية على الحكومة المركزية الإثيوبية، والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لتوقيع اتفاق السلام، ونجحت في ذلك، موضحاً "أن الوازع الحقيقي لم يكن تحقيق السلام في هذه المنطقة، بقدر ما كان الأمر مرتبطاً بسعي القوى الغربية للتفرغ لمجريات الحرب في كييف.

وأشار إلى أن دفع الطرفين لتوقيع الاتفاق، لم يترافق مع "أي تعهدات لإطلاق مشاريع تنموية، أو تقديم ما يمكن تسميته بإعادة الإعمار، كما حدث في الكثير من التجارب الغربية، كمشروع مارشال بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية"، مختتماً حديثه بأن الأمر سيبدو مختلفاً بخصوص حرب أوكرانيا، حيث ثمة تعهدات غربية لإعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الروسية، ما يكشف حجم الازدواجية التي تمارسه القوى الغربية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير