Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قيادي بارز يدق آخر مسمار في نعش حركة "النهضة" التونسية

محمد القوماني ينتقد نهج راشد الغنوشي ويوجه ضربة قوية بإعلان استقالته

استقالة القوماني تعد ضربة قوية لحركة النهضة خصوصاً أنه كان مقرباً من الغنوشي الصورة (أ ب)

ملخص

في الواقع لم تكن استقالة القوماني التي تم إعلانها، أمس الخميس، مفاجئة بما أن الرجل سبق أن حذر من أنه سيستقيل، موجهاً انتقادات لنهج حزب حركة "النهضة" بقيادة الغنوشي

لم يكن ينقص حركة "النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان" في تونس، التي تواجه ملاحقات قضائية طاولت أبرز قياداتها، سوى استقالة القيادي البارز فيها محمد القوماني الذي أعلن، أمس الخميس، انسحابه في ضربة قوية للحركة.

جاءت استقالة القوماني تزامناً مع تصريحات للقيادي السابق بالحركة عماد الحمامي بدت لافتة ولم تخل من تشف في رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، إذ قال إن "السجن مكانه الطبيعي ما دام لم يعتزل الحياة السياسية"، وهو ما يعكس شرخاً عميقاً داخل الحركة الإسلامية في تونس.

الحمامي، الذي شغل مناصب وزارية عدة عندما كانت "النهضة" على الحكم في تونس، استقال منذ سنوات من الحركة بعد خلافات قوية مع راشد الغنوشي الذي يقبع في السجن منذ أشهر.

ولم يتوقف نزيف الاستقالات في حركة "النهضة" منذ سنوات بعد تعثر إجراء المؤتمر الـ11 للحزب وسط مطالبات للغنوشي بضرورة الانسحاب من قيادته، لكنه لم يقم بذلك إلى حين توقيفه، مما أدى إلى تفويض مهامه موقتاً إلى المنذر لونيسي الذي يعد من أبرز المقربين منه.

منعرج تاريخي

في الواقع لم تكن استقالة القوماني التي تم إعلانها، الخميس، مفاجئة، بما أن الرجل سبق أن حذر من أنه سيستقيل، موجهاً انتقادات لنهج الحزب بقيادة الغنوشي، لكن هذه الاستقالة قد تزيد من متاعب الحركة، خصوصاً أنها تأتي في وقت تسجن فيه معظم قياداتها، ويتم تجميد أنشطتها وقفل مقارها بالعاصمة.

ومن أبرز قيادات "النهضة" التي تم إيقافها خلال الآونة الأخيرة رئيسها راشد الغنوشي بسبب تصريحات رأت فيها السلطات "تهديداً بالحرب الأهلية"، ونور الدين البحيري الذي شغل في السابق منصب وزير العدل، وعلي العريض (وزير داخلية سابق)، وغيرهم.

وقال القوماني في نص استقالة نشره عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "اليوم نشهد منعرجاً تاريخياً اكتملت فيه عناصر اتخاذ قرار شخصي تأخر بعض الوقت، كل ما مضى، من دون استثناء، صار فعلاً جزءاً من الماضي، وسيعامل كذلك، أحيي عموم من شاركتهم بعضاً من مساري الفكري والحقوقي والسياسي، أو غير ذلك، وأعتز بمعرفتهم". وأضاف "لست نادماً على ما استدبرت من عمري، لكني راسخ الاقتناع بضرورة النقد الذاتي والتجديد والتشبيب، وأستقبل مرحلة جديدة ومختلفة على مستويات عديدة، والله نسأل الرضا والسداد".

وليست هذه أولى الاستقالات من حركة "النهضة" التونسية فقد سبقها استقالة 113 عضواً من بينهم وزراء ونواب برلمانيون سابقون في سبتمبر (أيلول) 2021 على وقع خلافات متأججة مع راشد الغنوشي قادها جناح معارض له بشدة داخل الحزب بقيادة وزير الصحة السابق عبداللطيف المكي، الذي أعلن إثر انسحابه من "النهضة" عن تأسيس حزب جديد، لكنه ظل قريباً بشكل كبير من الحركة من خلال الانخراط في جبهة الخلاص الوطني التي ينظر إليها على أنها ذراع لـ"النهضة".

خسارة لـ"النهضة"

لم تعلق الحركة على الفور على استقالة القوماني، لكن عضو المكتب التنفيذي سامي الطريقي قال إن "هذه الاستقالة تشكل خسارة لـ(النهضة) في الحقيقة، لأنه شخصية تتسم بالعقل الراجح والرؤية الثاقبة وهدوء فكري كبير، وهو ما تحتاج إليه الحركة، ويتميز بقراءة رصينة للواقع المتوتر في بعض الأحيان، ونحن نعيش أزمة سياسية واقتصادية في تونس تستحق عقولاً نيرة تنظر من خارج الصندوق إلى الأحداث".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الطريقي، في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "يبدو أن القوماني له قراءة ومقاربة للأوضاع، وهي مقاربة طرحها، وهناك من يشاطره الرأي ومن يختلف معه فيها، لكن موقفه تطور من الناقد والمطالب بالتقييمات إلى الموقف الذي أصبح يفضل الخروج من الحركة، خصوصاً في هذه الظروف، وهذا مفهوم، لكن حقيقة لم نكن ننتظر خروجه في هذه اللحظات الصعبة التي نعيشها".

وتمحورت الخلافات طيلة الفترة الماضية داخل حركة "النهضة" حول المؤتمر الـ11 الذي تم تأجيله في عديد من المرات تحت ذرائع مختلفة وسط غضب داخلي على الغنوشي، حيث إن هناك من يرى أنه يسعى إلى التمديد في قيادة الحزب، وهو ما نفاه الرجل.

ويمنع الفصل الـ31 من النظام الداخلي للحركة الغنوشي من الترشح مجدداً لرئاستها، وربما يكون ذلك الدافع وراء تأجيل مؤتمر الحزب مرات عدة في محاولة لتعديل الفصل المذكور.

وقال الطريقي "في الواقع مقاربة القوماني للأحداث ولطريقة قيادة حركة (النهضة) كانت تتطلب تحركاً سريعاً، لكن الواقع المفروض علينا اليوم يمنع ذلك، وهذه الاستقالة استقالة وازنة ومقلقة للحركة، ونرجو فتح حوار مع القوماني من أجل العدول عن الاستقالة".

وشدد على أن "الاستقالة تتعلق برؤية سياسية وكيفية التعامل مع الوضع السياسي الراهن، وهو يرى ضرورة عقد مؤتمر للحركة، لكن من الصعب ذلك في ظل وجود معتقلين سياسيين داخل السجون، وأكثر من قيادي في (النهضة) تم اعتقاله، وتم غلق مقارنا بشكل قسري من دون وجود قرار، لا يمكن عقد مؤتمر في هذا الوضع على رغم أن القرار بعقده اتخذ، وكان سيتم في يونيو (حزيران) الجاري، لكن الآن من الصعب عقده في ظل الظروف الراهنة".

تفكك "النهضة"

دخلت حركة "النهضة" التي حكمت تونس طيلة العشرية الماضية، وهي فترة شهدت فيها البلاد تدهوراً اقتصادياً مستمراً، في عزلة منذ عام 2021 عندما عاشت تونس على وقع خلافات بين رأسي السلطة التنفيذية، الرئيس قيس سعيد ورئيس الوزراء السابق هشام المشيشي المدعوم من "النهضة".

ويرى مراقبون أن الانشقاقات التي عرفتها الحركة الإسلامية، إضافة إلى الإيقافات وقرار غلق مقارها قد يسرعان بتفكيكها على رغم رسائل الطمأنة التي تحاول قيادات من الحركة توجيهها لأنصارها على غرار تصريحات لونيسي أخيراً التي قال فيها إن "النهضة" مستعدة لفتح صفحة جديدة مع الرئيس سعيد.

وقال الباحث السياسي التونسي محمد صالح العبيدي إن "حركة (النهضة) تعيش مرحلة من التفكك كانت متوقعة بالنظر إلى عديد من العناصر، أهمها انفراد الغنوشي بالرأي، وتراجع شعبية الحركة إلى أدنى مستوياتها، وأيضاً تراجع ثقة الناس فيها بعد أن خذلت ناخبيها عندما مسكت زمام الحكم".

وأوضح العبيدي في تصريح خاص أن "هذه الاستقالات وغياب الحركة عن المؤسسات السياسية المنتخبة مثل البرلمان وغيره قد يقود إلى نهايتها على رغم أنها مرتبطة بتفكير التنظيم العالمي لـ(الإخوان)، لأن الحركة لم تقطع مع هذا التنظيم في الواقع". ويرى أنه "كان بالإمكان تفادي ذلك بمجرد استقالة الغنوشي وتنظيم مؤتمر الحركة في وقت سابق والقيام بمراجعات في علاقة الحركة ببقية المكونات السياسية التونسية وبالتنظيم العالمي لـ(الإخوان)، لكن الآن في اعتقادي فات الأوان".

وعلى رغم تعدد الواجهات السياسية لحركة "النهضة" على غرار جبهة الخلاص الوطني المقربة منها، فإن مصير الإسلام السياسي بتونس في ظل الأزمة الراهنة يبقى ملفوفاً بالغموض، خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد، وهو ما جعل كثيرين يحذرون من أن الفشل في معالجة هذه الأوضاع قد يقود إلى عودة الإسلاميين إلى الحكم من جديد.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات