Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحلام الليل طريقك إلى الإبداع نهاراً

العالم النفسي يونغ اعتبرها تنزلق متخفية بين الشعب المرجانية المتشابكة للعقل

يظهر للعلماء أثناء دراستهم للأحلام أن هناك نشاطاً كهربائياً عالي التردد يحدث داخل الدماغ فعندما ننام لا ننقطع عن التفكير (أ ف ب)

ملخص

عدد من الكتاب والفنانين والشعراء والعلماء أشاروا إلى فضل أحلامهم على إنجازاتهم وكيف أنها ساعدت على تزويدهم بالأفكار المبتكرة والبعيدة

"إن الإنسان عندما يحلم يمكن أن يجلب شيئاً له قيمته بالنسبة إلى مجتمعه، فالحالم المبدع لا يرجع من حلمه خالي الوفاض، إنه يسعى جاداً إلى اكتشاف عالم أحلامه ليعود منه بأغنية أو رقصة أو علاج أو بمعلومات بعيدة في زمانها ومكانها، أو بفكرة جديدة من أي نوع".

هكذا بدأ راجي عنايت كتابه "معنى الأحلام"، مورداً فيه عدداً من القصص التي تروي أحلام شخصيات غيرت حياتها ومعها التاريخ، فما رأوه في منامهم كانوا يبحثون عنه في واقعهم بشكل حثيث، لكن ما إن استسلمت أعينهم ليلاً للنوم وأفلتوا من سطوة العقل الواعي واتصلوا باللاوعي أو العقل الباطن الذي يخزن كل شيء بأبعاد أخرى، إلا وأتتهم رسائل في أحلامهم تنبئهم بخبر أو تمنحهم حلولاً لمشكلات عالقة أو ترسم لهم طريقاً يسلكونه كل في مجاله كالعلم والأدب والسياسة وغيرها.

حال الدماغ النشطة

يظهر للعلماء أثناء دراستهم للأحلام أن هناك نشاطاً كهربائياً عالي التردد يحدث داخل الدماغ، فعندما ننام لا ننقطع عن التفكير بعكس ما كان يعتقد سابقاً، فإن الإنسان (كما تؤكد الدراسات) يستمر خلال النوم في حال من الوعي الفكري النشط، وهذا يعني أنه لا ينقطع عن التفكير بما يعترضه يومياً من مشكلات حياتية، آملاً في الوصول إلى حلول ترضي طموحاته، لكن الفرق أن دماغه أثناء النوم لا يتعامل مع أفكاره بطريقة عادية، بل يتفاعل معها بيوكيماوياً ليظهرها بشكل صور أو أفلام مرئية تحمل أكثر من معنى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وربما تبدو الأحلام أحياناً غريبة ومن دون معنى، وهذا يعود بحسب الدراسات لتأثير كيمياء الدماغ في رؤية الأفكار التي تراودنا خلال النوم، إذ إن المعروف بحسب المعطيات المتاحة أن الأفكار التي تتكثف بعد الاستغراق في النوم وتتركز على مشكلات الحياة اليومية، تساعد على إيجاد حلول لها والدلائل على ذلك كثيرة.

وهذا ما يوافق عليه ابن خلدون إذ يقول "إن الإنسان إذا أعد نفسه قبيل النوم إعداداً نفسياً في سبيل فكرة معينة فإنه سيرى تلك الفكرة في منامه"، فهو يعتقد بأن "النفس البشرية إذا تشوقت إلى شيء قبيل نومها وقع لها في المنام ما كانت متشوقة إليه"، ويذكر في هذا الصدد طريقة قيل إنه وجدها في كتب أهل الرياضيات  واستعملها بنفسه فوقعت له رؤى عجيبة واطلع بها على أمور كان يتشوق إليها من أحواله الخاصة.

النوم على المشكلة

أشار معظم الكتاب والفنانين والشعراء والعلماء إلى فضل أحلامهم على إنجازاتهم وكيف أن الأحلام ساعدت على تزويدهم بالأفكار المبتكرة والبعيدة وتشكل الأشياء بطريقة لم يكن من الممكن أن تتوافر عن طريق التتابع التقليدي للعمليات العقلية الواعية، إذ إن عدداً من البشر مروا بتجربة الوصول إلى حل مشكلة ما عن طريق "النوم عليها"، أي النوم أثناء التفكير المركز فيها، وبعضهم يفسر هذه الظاهرة بأن اللاشعور أو العقل الباطن يقوم بمواصلة العمليات الفكرية أثناء النوم بالنسبة إلى العمليات التي كانت بدأت على المستوى الشعوري.

وعن هذه الظاهرة، كتب ابن سينا قائلاً "ومهما أخذني أدنى نوم، كنت أرى المسائل بأعيانها في نومي، واتضحت لي كثير من المسائل في النوم"، أي إنه كان يستيقظ ليدرك أنه وجد حل  المسألة العلمية التي استعصت عليه في اليوم السابق.

كذلك قالت الأديبة شارلوت برونتي للشخص الذي كان يسجل سيرتها الشخصية إنها غالباً ما كانت تستيقظ من نومها لتجد حلولاً لمشكلاتها في الكتابة، إذ تعمدت التركيز على المشكلة قبل أن تغرق في النوم.

وعن مثل هذه الحالات ذكر عنايت أنه يكون من المقبول افتراض أن عمليات التفكير العادية تواصلت أثناء النوم، ولكنه يستثني بعض الأحلام الابتكارية الموحية التي بحسبه تقود إلى نتائج قد يكون من الصعب الوصول إليها في حالات الوعي الشعوري.
 
حلول ابتكارية واكتشافات

ومن أمثلتها ما حدث مع الكيماوي الألماني كيكولي الذي أحدث ثورة في الكيمياء العضوية عندما اكتشف تركيب البنزين في منامه، إذ تحدث في مؤتمر ضم جمعاً من زملائه العلماء عما حصل معه فقال، "أدرت مقعدي لأواجه المدفأة وغرقت في حال من الاسترخاء بين النوم واليقظة، فرأيت الذرات تتجمع أمام عيني وتتلوى وتدور كالثعابين وذهلت عندما رأيت أحد الثعابين يلتقط ذيله، وعندما استيقظت انشغلت بقية الليلة في تأمل احتمالات ذلك الفرض".

لقد أوحت الصورة الدائرية التي صنعها الثعبان عندما أكل ذيله إلى كيكولي بالتركيب الجزيئي للبنزين، شكل سداسي تستقر ذرة كربون وذرة هيدروجين عند كل رأس من رؤوسه، وأنهى كيكولي حديثه آنذاك بخلاصة على شكل توصية قائلاً "دعونا نتعلم أن نحلم أيها السادة، ووقتها قد نصل إلى الحقيقة".

وعام 1893 قدم علماء الآثار من جامعة بنسلفانيا رسوماً تفصيلية لقطعتين من العقيق عليهما بعض النقوش غير المفهومة إلى دكتور هيلبريشت أستاذ التاريخ الآشوري في الجامعة لترجمة هذه النقوش أو تفسيرها، وبعد أسبوع من العمل الجاد وعلى رغم بعض التردد صرح بأن القطعتين هما خاتمان من خواتم بابل.

ولكنه عاد وغير رأيه بعد رؤيته لحلم غريب، إذ روى أنه "رأى في نومه كاهناً من عصر ما قبل المسيح قاده إلى حجرة الكنوز في المعبد وأخبره بحقيقة القطع وبأنها ليست خواتم بل إنها أسطوانة مفرغة من العقيق عليها نقوش قدمت كنذر إلى المعبد من أحد الملوك، وفي إحدى المرات اضطروا إلى صنع زوج من الأقراط المستديرة المصنوعة من العقيق ليزين بها تمثال أحد الآلهة ولعدم امتلاكهم العقيق كسروا هذه الأسطوانة إلى ثلاث حلقات واستخدموا حلقتين منها في صنع القرط وأخبره أنه إذا ما ضممت الحلقتين إلى بعضهما ستتأكد من صحه كلامي، أما الحلقة الثالثة، فلن تعثروا عليها واختفى الكاهن".

وبعدها بفترة زار هيلبريشت متحف إسطنبول حيث تحفظ القطعتان، ونظراً إلى أن أحداً لم يكن يتوقع وجود علاقة بينهما جرى عرضهما في مكانين مختلفين من المتحف، وعندما أتيح للدكتور هيلبر أن يضمهما إلى بعضهما كونا قطعة واحدة وأصبح من الممكن فهم معنى النقوش.

تفعيل قدرات الأحلام

إن المثل الأكبر للعلاقة بين الإنتاج الأدبي والأحلام هو الذي يعطيه الكاتب روبرت لويس ستيفنسون، إذ حرص على تنمية قدرته من أجل الوصول إلى أحلام قصصية.

وتوصل فعلاً إلى أحلام قصصية حافلة بالتفاصيل، وعلى درجة من التركيز في أحلامه، بل إن بعض هذه الأحلام كانت تأخذ شكل المسلسلات، ليلة في أعقاب ليلة، وقد أرجع الفضل إلى الأحلام في عدد من حبكاته ومشاهد وشخصيات قصصه ورواياته مثل "أناس صغار" و"براونيز".

يقول الباحث المتخصص في الأحلام ستيوارت هولرويد "إننا نعلم اليوم أننا لسنا في حاجة إلى أن نتعلم كيف نحلم، لأن الحلم من النشاطات التي نشترك فيها جميعاً في كل ليلة في حياتنا، والذين يحبون أن يجمعوا أحلامهم ليفهموا أشياء عن عقلهم الباطن بشكل أفضل، يمكنهم أن يضاعفوا حصيلتهم من مواد الأحلام بشكل كبير، عن طريق ساعة منبه توقظهم على فترات كل ساعتين أثناء الليل، كما يحتاجون إلى ضوء خافت وورقة وقلم أو جهاز تسجيل صوتي ليسجل وصفهم لأحلامهم قبل أن تتبدل تفاصيلها، وبهذا يستطيعون أن يجروا استكشافاً منظماً لعالم أحلامهم".

ويضيف أن "الثابت أن كل من يأخذ الأحلام مأخذ الجد ويعمل عليها بإصرار وذكاء لا بد من أن يكسب معرفة وقوة، والصياد اليقظ لأحلامه قد يثاب ذات يوم باصطياد أحد الأحلام الكبيرة"،  ويقول العالم النفسي يونغ وهو صاحب تعبير الأحلام الكبيرة ذات القيمة التنويرية إن "الأحلام الثمينة غالباً ما تنزلق متخفية بين الشعب المرجانية المتشابكة للعقل".

المزيد من منوعات