Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل الألفية يجد الإنترنت منصة عدائية ومربكة ولا يعتبرها جذابة

إذا كان "تيك توك" في مرحلة يافعة، و"فيسبوك" في مرحلة هرمة، و"تويتر" منصة للعداء والسموم، فإلى أين يمكن أن يتوجه المواطنون الرقميون - الذين كانوا رواداً في استخدام التكنولوجيا الحديثة - في المستقبل؟

"كان الإنترنت  في الماضي نافذة سرّية ومحظورة يمكن التسلل منها إلى حياة الآخرين، بدلاً من أن تشكل منصّة يعرض فيها الناس تفاصيل حياتهم بفخر على أمل الحصول على اهتمام كافٍ للفوز بصفقة رعاية من إحدى الشركات" (رويترز)

ملخص

إذا كان "تيك توك" في مرحلة يافعة، و"فيسبوك" في مرحلة هرمة، و"تويتر" منصة للعداء والسموم، فإلى أين يمكن أن يتوجه المواطنون الرقميون - الذين كانوا رواداً في استخدام التكنولوجيا الحديثة - في المستقبل؟ 

بينما كنت أتصفّح ملفاً طويلاً لصور رحلة رياضة تجديف قام بها أخيراً صديقٌ لي في منطقة كورنوال في إنجلترا، انتابتني موجة من الوجودية. وتلاشت لحظات السعادة السامّة التي كانت تمنحني إياها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي استُبدلت بشعور بعارٍ شديد. وعندما فتحتُ تطبيق "إنستغرام" وأغلقته ثم فتحته مرّةً أخرى، لاحظتٌ أن "هذا المكان كان مثيراً وممتعاً، لكن كم يصبح مثيراً للشفقة أن يكون فردٌ من "جيل الألفية" مدمناً على وسائل التواصل الاجتماعي".

وبما أن التحديد المعطى لـ "جيل الألفية"Millennials   (الأفراد الذين وُلدوا في ثمانينيّات وتسعينيّات القرن الماضي) يشمل على حدٍّ سواء جيجي حديد البالغة من العمر 28 سنة (وهي عارضة أزياء وتلفزيونية أميركية)، وبيتبول البالغ من العمر 42 سنة (مغنّي راب وكاتب أغان وممثّل أميركي)، فسيكون تهوّراً من جانبي أن أعمّم حالة على جيلٍ بأكمله. مع ذلك، وبعد بحثٍ دقيق (تصفّحتُ الشبكة حتى نزفت عيناي)، والاستعداد المزعوم لفئتي العمرية لتحويل كلّ فكرة عابرة إلى حالة ميلودرامية نرجسية لمقالٍ عن حال الأمّة، يمكنني أن أعلن رسمياً أن "جيل الألفية" قد انتهى. لقد ولّى. ولم يعد لدينا وجود على الإنترنت في عام 2023.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال فترة الوباء، استسلمتُ على مضض للتحوّل الرقمي واعتنقتُ موجة "تيك توك" الصاعدة، حين عايشتُ تأثيراته الأولية. في البداية، كانت لديّ تحفّظات، فامتنعتُ عنه لبعض الوقت، ظنّاً منّي أنه مجرّد فقاعة عابرة وظاهرة موقّتة، لعرض رقص المراهقات وإرضاء فضول المعتدين الجنسيّين. وعلى رغم أنني لم أكن مخطئةً كثيراً، فقد اتّضح لي أن هذا التطبيق الصيني يتمتّع بشعبيةٍ دائمة وخوارزميّة أكثر تعقيداً  ممّا كنت قد اختبرته من قبل. ففي غضون ساعات قليلة، عرفتُ ما أريده وما لا أريده - بدءاً من المختارات الموسيقية المفضّلة، إلى المتطلّبات الغذائية، والنصائح لأمراض جسدية وعاطفية محدّدة بشكل لا يُصدّق. وقد أدهشني المحتوى الذي يتمتّع ببيئة مزدهرة - يقوده ويشرف عليه الجيل الذي عقِب أبناء جيلي.

مع ذلك، عندما تعمّقتُ في التطبيق، أدركتُ على وجه السرعة أنه لم يكن مرحِّباً بشخصٍ من فئتي العمرية. قد يسخر المستخدمون الأصغر سنّاً للتطبيق من "جيل الألفية"، للجوئه إلى رموزٍ تعبيرية ضاحكة، أو القيام بتكبير إحدى الصور، أو الإعراب عن إعجابهم بشخصية هاري بوتر، أو الاعتماد على الكافيين. حتى تجربة استخدام التطبيق بدت غير مريحة أو مألوفة - إذ كان الأمر أشبه بالذهاب إلى حفلة صاخبة لتوديع العزوبية في لاس فيغاس، حيث يُمكن أن يفقد الفرد الإحساس بالزمن، أو يجد صعوبةً في معرفة طريقة الخروج منها، فيما تنبض الأجواء إما بأنوار ساطعة بشكل مذهل، أو خافتة على نحوٍ ينذر بالسوء، ناهيك باستخدام كميّاتٍ مفرطة من المخدّرات بالنسبة إلى أمسية يوم ثلاثاء.

إن "جيل الألفية" لم يخترع الإنترنت. فقد كان مبتكرها هو تيم بيرنرز لي، الذي ينتمي إلى جيل Baby Boomers (الأشخاص الذين ولدوا ما بين عام 1946 وعام 1964). لكن "جيل الألفية" ابتكر وقام بمواكبة الكثير من تطوير المرحلة الثانية من الإنترنت التي تُعرف بـ Web 2.0، والمنصّات التي هيمنت على الأعوام العشرين الأخيرة: "فيسبوك"، و"إنستغرام"، و"سنابشات"، و"تندر"، و"بامبل". وعلى رغم أنني نادراً ما أقوم بإصدار منشوراتٍ خاصّة، فقد كنتُ أعكف بشغف على تتبّع ما يحدث، وأعمل على تطوير مهاراتي بهدوء بما يواكب وتيرة تقدّم الإنترنت: بدءاً من الخوض في مغامرات رومانسية عبر بوّابة "مايكروسوفت"، "أم أس أن"، ومنتديات الموسيقى، إلى الهوس تسريحات الشعر العصرية لمحبّي موسيقى الجاز على تطبيق "ماي سبايس"، والمتابعة الحثيثة للمحتوى الجريء الذي ينشره المدوّنون على منصّات مثل "تمبلر" وغيرها على الإنترنت.

على مدار العقدين الماضيين، كان لـ "جيل الألفية" دورٌ بارز في إنشاء مقدارٍ كبير من المحتوى المبتكر وغير التقليدي. ومع ذلك، غالباً ما يرتبط إرثنا بأنماطٍ معيّنة من التواصل تعرّضت للنقد، كاستخدام عباراتٍ في التغريدات تتضمّن كلماتٍ مثل: "هذا"  This، أو "هذا كلّ شيء. انتهت التغريدة"That’s it. That’s the tweet، أو "شكراً لمشاهدتك فيديو تيد توك خاصّتي" Thanks for coming to my Ted Talk. لدينا حتى بعض الارتباطات الجمالية التي قد يُنظر إليها على أنها سطحية أو تفتقر إلى الجوهر أو العمق، مثل الولاء للّون "الوردي الألفي" (الذي يشير إلى ظل معيّن من اللون الوردي غالباً ما يرتبط بثقافة الألفية) أو القيام بتعابير تحاكي مظهر "شفّة البطة" (تُضمر الشفتان لإعطاء وجهٍ تعبيري معيّن عن الصور) على سبيل المثال. ونظراً إلى أن صوتنا وأسلوبنا كان لهما حضورٌ قوي في العالم الرقمي لفترةٍ طويلة، فقد كان من الصعب علينا التكيّف بسلاسة مع عصر جديد.

ومع ذلك، فإن هذه المعضلة لا تتعلّق فقط بالتقدّم في السن والشعور بالانفصال عن الإنترنت: إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي لا تشبه حفلةً منزلية يتم استبعادك فيها في اللحظة التي تبدأ فيها في التفكير في أحذية تقويم العظام، أو البقاء لفترةٍ طويلة في تصفّح صناديق "تينا لايدي"  Tena Lady (العلامة التجارية لمنتجات سلس البول التي يستخدمها الكبار في السن).

إنه لغزٌ فريدٌ خاص بـ "جيل الألفية". فلا يزال تطبيق "تيك توك" المنصّة الأسرع نموّاً، مدفوعة بروح الدعابة والسخرية السخيفة لجيل  Gen Z (الأفراد الذين ولدوا بعد "جيل الألفية" وقبل "جيل ألفا" Gen Alpha). وقد أصبح "فيسبوك" ملاذاً آمناً لـ "جيل بومرز" و"جيل أكس" Gen X، مع احتمال مشاركة المستخدمين للمحتوى بنسبة 19 في المئة أكثر من أيّ جيل آخر. إنه جيلٌ نشط: أبناؤه يشاركون ويشكّلون المجتمعات، ويخوضون المحادثات. ولا يزال موقع الشبكات الذي كان مركزاً لزملاء الجامعة في يوم من الأيام، أكبر منصة وسائط اجتماعية في المملكة المتّحدة.

إن صفحتي تغصّ بمنشورات أشخاصٍ يبلغون من العمر 58 سنة يطرحون من خلالها مظالمهم السياسية ويشاركون صوراً تبعث على الحنين إلى الماضي، ولقطات ساخنة للألبوم الجديد لثنائي "أوربيتال" Orbital الغنائي.

اعتدتُ أن أتصفّح موقع "فيسبوك" بنوع من الغطرسة، معتقدةً أن كلّ شخص في المنصّة يفتقد المتعة. لكنني الآن أدخل إلى "فيسبوك" وأشعر بوخز الغيرة في داخلي - لأن هناك عدداً من الأصدقاء النشطين اجتماعياً، يقومون بالتفاعل مع المستخدمين الفاعلين، وغالباً ما يتحدّثون عن ثنائي "أوربيتال".

في غضون ذلك، فإن أصبح "تويتر" - الذي كان حدثاً للتواصل، ومساحة للمواعدة السريعة، ومنصّة فكاهية للارتجال- يبدو الآن وكأنه أرضٌ قاحلة تنذر بنهاية العالم. وما زلتُ أرى أننا نتجوّل فيه بلا هدف، متمسّكين بالأمل في أن توفر ملاحظة بارعة واحدة، التصريح الذي نحتاجه للتغلّب على كفاحنا المهني أو العثور على الحب الحقيقي. ومع ذلك، ثبت أن هذا السعي هو بلا جدوى.

ومنذ أن تولّى إيلون ماسك زمام المنصة، أجد نفسي أدخل إلى "تويتر" وأشعر على الفور بالارتباك من خوارزميته. لست متأكّدةً من السبب الذي يجعلني أرى تغريداتٍ من أشخاص لم أسمع بهم في السابق، وهم يناقشون مواضيع مروّعة لم أشارك فيها من قبل. إنه نقيض "تيك توك"، ويفتقر إلى الحدس السليم إلى درجة أنني أشعر برغبة في التربيت عليه والاقتراح بأن "ندعه وشأنه" ومشاهدة "نتفليكس" بدلاً من ذلك.

إلى أين إذاً يتّجه "جيل الألفية"؟ يمكن أن يضمّ تطبيق "إنستغرام" مجتمعاتٍ مؤيّدة له (ولا سيما في مجالات كالأبوّة والأمومة)، لكن بشكلٍ عام، يمكن أن يبدو لك كأنه عالمٌ غريب ومصطنع. فهناك شعور مأسَوي كما لو أن الجميع ما زالوا يشاركون في لعبةٍ انتهت منذ فترةٍ طويلة - لعبة تظاهرنا فيها جميعاً بأن حياتنا كانت رائعة إلى ما لا نهاية، وبأن بشرتنا خالية من العيوب بشكلٍ طبيعي.

جميع السيّدات اللواتي كنت معجبةً بهن، واللواتي كنّ يُعتبَرن "مثيرات"، قد انتقلن الآن إلى مرحلة الأمومة، أو أصبحن سيّدات أعمالٍ ناجحات. وكان يتمّ العمل على تلميع علاماتهن التجارية الشخصية بدقّة، بحيث لا تتخلّلها أيّ عيوب أو شوائب. وفي بعض الأحيان، قد يصدرن منشوراتٍ عن السيلوليت لديهن، وينصحن بـ "عدم تصديق كلّ ما ترونه على الإنترنت". لكن بعد بضع ساعات، يقمن بنشر لقطات لهن بالبيكيني، وصور لهن وهنّ واقفاتٍ على يديهن في ساعات الغروب. إنها منشورات يمكن لـ "جيل زد" الاستمتاع بها، في حين أن "جيل بومرز" لا يهتم بها كثيراً. نحن فقط، أي "جيل الألفية"، نحدّق في اللقطات البعيدة لركوب الدرّاجات أو بعض الأنشطة المنزلية العادية كتحضير رقائق البطاطس محلّية الصنع، أو أنشطة التجديف الرياضية المذكورة سابقاً، ونتوق إلى الإثارة التي كنّا نعيشها عند تسجيل الدخول إلى أحد التطبيقات في عام 2006.

هل منصّة "سابستاك"  Substack (لإنشاء نشرات إخبارية إلكترونية) هي الجواب؟ وهل يجب أن أبدأ بكتابة مدوّنة حول إعادة تجديد السقيفة الخشبية في حديقتي؟ أو حول طرق مبتكرة لجعل تحضير وجبة بالتوفو أكثر متعة؟ ربّما تحمل عنوان "الشغف بطهي التوفو؟". الحقيقة هي أنه لم يكن لديّ ما يكفي من الآراء والمشاركات على "تويتر"، ناهيك بالقدرة على تحرير مقال يتألف من 800 كلمة كلّ أسبوع، من أجل 6 مشتركين فقط، قد لا يقوم 4 منهم ربّما بالتحقّق من بريدهم الإلكتروني على الإطلاق.

أما موقع "ريديت" Reddit فيُعدّ خياراً قابلاً للتطبيق، خصوصاً أن "جيل الألفية" يشكّل أكبر قاعدة مستخدمين له في المملكة المتّحدة. مع ذلك، فإن هذه المنصّة نفسها تثير لديّ بعض القلق. فيدفعني فضولي لتصفّح المحتوى عبر الإنترنت، إلى مراقبة أشخاصٍ بالكاد أعرفهم، بدلاً من القيام بالبحث عن مراجع ثقافية رائجة كالتعليقات التي ينشرها مفسدو عامل التشويق في فيلم "ديدبول"  Deadpool أو الاطّلاع على الاتّجاهات الفكاهية عبر الإنترنت مثل ميمات القطط.

أثناء غوصي في المحيط الشاسع لشبكة الإنترنت، في إطار سعيي المتواصل إلى إشباع غريزة الفضول لديّ بتلك الإثارة الرقمية التي تسبّب نوعاً من الإدمان، أدركتُ أن المشكلة ربّما لا تكمن في نفسي، بل في المشهد المتغيّر لوسائل التواصل الاجتماعي. إن منصّات التواصل التي نشأتُ عليها لم تعد النافذة غير المفلترة التي أتاحت لي سابقاً استراق النظر من خلالها على حياة الآخرين، ما أفقدها عامل التشويق أو الجاذبية التي كانت آسرةً ذات مرّة.

لم أعد أكترث بالمحتوى الذي يعرضه مستخدمو تلك المنصّات حول مشترياتهم للعلامات التجارية العصرية كعلامة "آركيت"  Arket (متجر ملابس بالتجزئة). ما أتوق إليه هو تحميل 58 صورةً من حفلة منزلية صاخبة تكشف صورةً مختلفة وغير مرغوبة لشخص مشهور لطالما كنت أحسده. في الماضي، كانت الإنترنت نافذة سرّية ومحظورة يمكن التسلّل منها إلى حياة الآخرين، بدلاً من أن تكون منصّةً يعرض فيها الناس تفاصيل حياتهم بفخر، على أمل الحصول على اهتمام كافٍ للفوز بصفقة رعاية من جانب إحدى الشركات.

وسط الأجواء التي يطغى عليها الكثير من الاستهزاء السطحي بـ "جيل الألفية" وغياب التواصل المجتمعي الحقيقي، أصبح من الواضح أنني لم أعد أتوافق مع سلوكيّات الأداء الراهنة لهذه المنصّات الاجتماعية ومستخدميها. إذا كانت تلك هي الحال، فربّما حان الوقت بالنسبة إلي، وبالنسبة إلى بقية الرفاق من جيلي، القلقين والمرهقين من وطأة التبعات السلبية للإنترنت، لاتّخاذ أكثر الإجراءات صدقيةً على الإطلاق: المتمثّلة في تسجيل الخروج بشكل دائم. أقلّه إلى حين نصبح مستعدّين للترقية إلى "فيسبوك"، أو إلى منتجات "تينا ليدي".

كتاب هارييت غيبسون Is This OK?: One Woman’s Search for Connection Online متوافر في المتاجر الآن

© The Independent

المزيد من منوعات