ملخص
هونغ كونغ تحاكي الصين وسط توقف المملكة المتحدة عن رفع الصوت.
يوماً بعد يوم، تختفي الحريات في هونغ كونغ. يواجه القطب الإعلامي الشهير جيمي لاي، وهو مواطن بريطاني، عقوبة السجن مدى الحياة. وتصنف منظمة "مراسلون بلا حدود" هونغ كونغ في المرتبة الـ140 عالمياً في مجال حرية الصحافة، إلى درجة أن غالبية العقول المميزة واللامعة في هونغ كونغ هاجرت إلى المملكة المتحدة. وعلى رغم كل ذلك تلتزم بريطانيا الصمت، لماذا؟
هذه المرة لا يمكننا أن نلوم العاملين في وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث والتنمية الدولية، إذ إن تقرير الوزارة الأخير المتعلق بهونغ كونغ هو مثال على العمل الجاد، فهو يدرج القضايا القانونية السخيفة المرفوعة في المحاكم والمحاكمات الانتقامية والمضايقات التافهة والخرق العام المتعمد لحكم القانون. لقد خنقت الديمقراطية، وسجن الديمقراطيين. باختصار، تتحول هونغ كونغ إلى الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدبلوماسيون يعملون على إصدار مثل هذه الوثائق لأن لدى بريطانيا واجباً تجاه مستعمرتها السابقة وفق الإعلان المشترك الذي صدر في عام 1984، الذي على أساسه وافقت رئيسة الحكومة السابقة مارغريت ثاتشر على تسليم هونغ كونغ، شرط احترام النظام الصيني نظام العيش في هونغ كونغ لمدة 50 عاماً بعد 1997.
لسنوات كانت تلك التقارير عادية. حالياً، حتى أبرع واضعي التقارير السياسية البريطانيين في وايتهول، لم يعد في إمكانهم تجاوز الوقائع على الأرض. لقد أخلت الصين بوعدها. لكن ما خلاصة موقف وزير الخارجية جايمس كليفرلي؟ أه، حسناً، الصين "تبقى في خانة عدم الوفاء بالتزاماتها" وبريطانيا "ستواصل قيادة الجهود للتدقيق بالخطوات الصينية". إنها أمور مخيفة.
وقامت وزيرة الخارجية في حكومة الظل في حزب العمال كاثرين ويست، بنشر تغريدة تقول فيها إن الاطلاع على التقرير "كان محبطاً للغاية"، لكن المسألة لا يبدو أنها تؤثر في الأجواء السياسية في البلاد". إن مجموعة المسؤولين عن الملف الصيني عديمي الفائدة، والمكونة من سياسيين متملقين، وأكاديميين لا يخجلون، وتجار كل همهم القفز على الفرص يزحفون من جديد [إلى الواجهة]. هناك انحراف للعودة لتسيير الأعمال وكأن شيئاً لم يكن.
إن وزير الخارجية البريطاني يقول إنه ناقش قضية قطب الإعلام جيمي لاي مع نائب الرئيس الصيني هان زينغ، عندما حضر ذلك المسؤول حفلة تتويج الملك تشارلز. إنها الدبلوماسية الهادئة، لكن بعد ذلك، كانت تلك الدبلوماسية هادئة إلى الحد أن محكمة في هونغ كونغ قامت مباشرة بتوجيه الامر للسيد لاي، البالغ من العمر 75 سنة، أن يمثل للمحاكمة في سبتمبر (أيلول) المقبل، لمواجهة اتهامات موجهة له بالتحريض و"التآمر مع قوى أجنبية"، وفق قانون الأمن الوطني الذي فرض على هونغ كونغ في عام 2020.
في الولايات المتحدة، يتعاطى المسؤولون مع المسألة بشكل أكثر قوة، إذ إن لجنة الصين التنفيذية في الكونغرس التي تتمتع بموارد جيدة، قامت بتصنيف 29 قاضياً من هونغ كونغ ضالعين في تطبيق ما تطلق عليه اللجنة الأميركية "ثنائية النظام القانوني"، وقالت اللجنة إن على الحكومة الأميركية "دراسة فرض العقوبات" عليهم. ومن بين هؤلاء، القضاة الضالعين في قضية السيد لاي، وهم كل من إيستر توه Esther Toh، وسوزانا دا ألمادا ريميديوس Susana D’Almada Remedios (والاثنان كانا درسا القانون في بريطانيا) وأليكس لي Alex Lee.
إن مصالح السيد لاي، وهو كان ناشراً في السابق ليومية أبل Apple Daily، الصحيفة الأكثر شهرة في المدينة، دمرت. وهو حالياً يقضي عقوبة في السجن لإدانته بالغش، على الخلفية المثيرة للضحك بأنه قام وبشكل غير مشروع بتأجير 0.16 في المئة من مقره التجاري من دون إعلام صاحب العقار. السيد لاي، هو كاثوليكي ملتزم، يقال إنه يعتمد على إيمانه في مساعيه التعامل مع سلسلة الاتهامات الواهية، وإمكان أنه لن يخرج من السجن أبداً.
ويقول المحامي بالترافع كيولين غالاهر Caoilfhionn Gallagher KC، الذي يعمل في شركة "دوهتي ستريت تشامبرز" وهو جزء من فريق الدفاع الدولي عن السيد لاي، إن "هذه تعتبر حروباً قانونية" lawfare. وهناك درس خاص في إظهار السلطات لسطوة القانون هذا الأسبوع، يوم الرابع من يونيو (حزيران)، حين تحتفل هونغ كونغ في ذكرى مجزرة ساحة تيانامين في بيجينغ.
إن إقامة الاحتفالات بالذكرى توقفت، والجهات المنظمة لها كانت نالت نصيبها من القوة المفرطة للقانون، إضافة إلى السياسيين المنتخبين، وخمسة مراهقين ممن "تآمروا على التحريض على أعمال التخريب"، وثلاثة طلاب ممن "كان يمكنهم أن يقودوا عن طريق الخطأ الأطفال كي يعتقدوا أن هونغ كونغ لم تكن جزءاً من الصين"، إضافة إلى خمسة خبراء في تصحيح النطق speech therapists، لأن كتبهم المخصصة للأطفال التي تتحدث عن الذئاب التي تهدد الأغنام اعتبرت بأنها صور ترمز إلى "الفتنة".
لا غرابة إذاً أن يكون هناك أكثر من 144 ألفاً من أهالي هونغ كونغ وصلوا إلى بريطانيا منذ فتحت بريطانيا بابها أمامهم. إن وزير الخارجية البريطاني يقول عن وجه حق إنهم "يقدمون مساهمة هائلة للمجتمع البريطاني".
لكن، لا يتوجب على أحد أن يغادر وطنه الذي يحبه، لأن أعوان الرئيس شي جيبينغ والمدعيين العامين المطيعين، والقضاة الذين يتقاضون رواتب جيدة، حولوا هونغ كونغ إلى حقل تجارب على نوع من الاستبداد الخفيف. حتى الآن، إن العاملين في القطاع المصرفي، ورؤساء الشركات يعتقدون بأن لديهم مناعة. لكن الحزب الشيوعي لا بد أنه سيلاحقهم في الوقت المناسب.
لهذه الأسباب يبقى مصير هونغ كونغ مهماً. محامي السيد لاي المحامي بالترافع غالاهر كان قال في اجتماع عقد في حي ويستمنستر السياسي في لندن، إن الأساليب الصينية المستخدمة هي بمثابة تجربة يتابعها كثير من الحكام المستبدين في كل مكان. فأمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هما زعيمان متمرسان في انتهاك الأصول القانونية، وأثبتا على قدرتهما على التعلم بسرعة.
كشف المحامي غالاهر عن أربعة أساليب تنتهجها السلطات الصينية: الأول رفع عدد كبير من القضايا، واستخدام عدد واسع من القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق النشر أو الملكية الفكرية، واستهداف ناقلي الرسائل بتهم مثل الفساد أو الاحتيال بدلاً من رفع قضايا تشهير، ثم نقل التركيز إلى خارج الحدود واستهداف الأعداء المقيمين في الخارج.
أحد الأمثلة عن الأسلوب الأخير هو ما جرى لابن الـ18 سنة شوي هوي تشون Chui Hoi-chun. فهو حالياً ينفذ عقوبة ثلاث سنوات "لتحريضه على العداء" للصين، في تعليقات نشرها على شبكة الإنترنت حين كان مسافراً خارج الأراضي الصينية.
لم يعد الأمر مفاجئاً إذاً، عندما يقوم طالبان صينان ذكيان كانا يستمعان إلى المحامي غالاهر (أحدهما يدرس الطب، والآخر يدرس القانون) بالقول إنهما لا يشعران بالأمان، حتى داخل أم البرلمانات [مجلس العموم البريطاني]. أعتقد أنه في إمكاننا أن نبذل ما هو أفضل من ذلك تجاههما.
مايكل شيريدان كان مراسلاً دولياً ومؤسساً لصحيفة "اندبندنت" ولاحقاً محررها الدبلوماسي، وقبل ذلك عمل كمراسل في مناطق الشرق الأقصى لصحيفة "صنداي تايمز" على مدى 20 عاماً، وهو مؤلف كتاب "بوابة الصين: التاريخ الجديد لهونغ كونغ والجمهورية الشعبية" The Gate to China: A New History of Hong Kong and the People’s Republic(2021)، والرومان Romans (1995).
© The Independent