ملخص
تسجل الجزائر 55 ألف حالة جديدة من السرطان كل سنة
كل عمل يبدأ بنية حسنة وفكرة طيبة يتطور بعدها إلى مشروع لا تكون الغاية منه دائماً ربحية، ليندرج ضمن القطاع الثالث المعروف بالتطوعي أو الخيري.
في بلدية برج الكيفان غرب الجزائر العاصمة زرعت سيدة بذرة مشروع خيري، يبدو بسيطاً في ظاهره لكن من شأنه التخفيف من معاناة فئة هشة من المجتمع، وهم المصابون بمرض السرطان.
هذه السيدة تبرعت ببيت من طابقين وقفاً لله وصدقة على روح أمها الحاجة زية التي توفيت بمرض السرطان، وتحول هذا العمل الوقفي إلى مشروع يحمل اسم "دور المتحدة لمرضى السرطان"، الذي أشرفت على إنجازه مؤسسة الجزائر المتحدة الخيرية.
وتسجل الجزائر 55 ألف حالة جديدة من السرطان كل سنة، بحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة أمراض السرطان كمال بوزيد، إذ يأتي سرطانا القولون والمستقيم في المرتبة الأولى عند الرجال والثانية لدى النساء بعد سرطان الثدي. وفي مقدم الأسباب لانتشار هذا المرض الخبيث إدمان التبغ والنمط الغذائي غير الصحي، بحسب أطباء اختصاصيين في هذا المجال.
رعاية مجانية ومرافقة
ويقول أوراري يوغرطة منسق لجنة الأوقاف والصدقات الجارية في مؤسسة الجزائر المتحدة الخيرية، "كنا نفكر في إنشاء هيكل صحي للتكفل بالمصابين بمرض السرطان لأننا رأينا حاجة المجتمع إليه، إلا أن جاءت امرأة وتبرعت بهذا الوقف الخيري وهو عبارة عن مبنى من طابقين أضيف له طابق ثالث، واقترحنا عليها أن يتحول إلى دار مجانية لرعاية وإيواء المصابين بالمرض الخبيث القادمين من خارج الجزائر العاصمة، أثناء فترة علاجهم في المراكز الاستشفائية المتخصصة في علاج السرطان، إذ تشمل الجراحة العلاج الإشعاعي والكيماوي.
ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن المشروع يستهدف مرضى السرطان من مختلف ولايات البلد ومرافقي المرضى أو القائمين على متطلباتهم، بخاصة ممن يصعب عليهم تحمل مصاريف النقل والمبيت والأكل والرعاية خلال فترة علاجهم، إذ تتسلم دار المتحدة التقرير الطبي لحالة المريض وجدول مواعيد جلساته العلاجية، وهو بطاقة استيعاب تصل إلى 30 سريراً، إضافة إلى ضمان مرافقة الأطفال المرضى في استكمال دراستهم طوال فترة العلاج والإيواء وكذلك تخصيص حديقة للعب.
ويتابع محدثنا أن "الهدف هو إنشاء دور وليس داراً واحدة للتكفل بهؤلاء في إطار ما يسمى بالوقف الصحي"، مبرزاً "يعتقد كثيرون أن القطاع الصحي هو من مهمات الدولة وحدها لكن ذلك غير صحيح، لأن المجتمع المدني أو القطاع الثالث الخيري أو التطوعي غير الربحي، قادر على المساهمة من خلال الأعمال الوقفية التي يتبرع بها الناس".
وهنا يشير يوغرطة إلى أن الاعتقاد السائد في المجتمع أن الأعمال الوقفية لا تشمل إلا حفر الآبار وبناء المساجد أو المدارس، وإنما هذا المجال شامل جداً، فهناك على سبيل المثال وقف الاستئناس، بمعنى أن يخصص الإنسان وقتاً للذهاب إلى المستشفى والجلوس مع المرضى للتخفيف عنهم وجبر خواطرهم خصوصاً هؤلاء البعيدين من أهلهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محطات الوقف
وفي الجزائر مر ملف الأوقاف بمراحل متقلبة عدة من العهد العثماني إلى حقبة الاستعمار الفرنسي وصولاً إلى استقلال البلاد عام 1962، ودائماً عكست هذه الأوقاف واقع الحياة الروحية للسكان من خلال وهب أملاكهم لمؤسسات دينية ومقاصد خيرية، وكذلك عبرت عن مدى اعتقاد العامة بالعمل لحياة ما بعد موتهم.
وفي دراسة أكاديمية حول الأوقاف أجراها الباحث ناصر الدين سعيدوني، ذكر فيها أن "الإدارة الفرنسية عمدت في فترة الاستعمار على محاربة الأوقاف لأنها رأت فيها أسلوباً منافياً لمشروعها الاستعماري، واعتبرتها إحدى العوامل الرئيسة في الحفاظ على تماسك المجتمع الجزائري والإبقاء على إطاره التقليدي، وتمكينه من مقاومة الخطط الاستعمارية الهادفة لتصفية إمكاناته الاقتصادية وأسسه الاجتماعية ومقوماته الثقافية والروحية، فسنت عديداً من القوانين الرامية إلى الاستيلاء على الأوقاف سمحت للإدارة بتقليص عددها قبل أن تلغى بفعل أحكام قانونية"، بحسب ما جاء في لبحث.
وقف العالية
ومن الأعمال الوقفية المتداولة بين الناس من جيل إلى جيل، تلك التي قامت بها امرأة جزائرية ثرية جداً حمزة العالية، التي وهبت قطعة أرض تبلغ مساحتها 800 ألف متر مربع، للحكومة الفرنسية التي كانت تحكم الجزائر آنذاك من أجل تحويلها إلى مقبرة لدفن موتى المسلمين، وطلبت بأن تكتب باسمها وما زالت تحتفظ بها إلى يومنا هذا وكان ذلك عام 1928.
وورثت هذه السيدة التي ولدت عام 1891 بمنطقة سور الغزلان في ولاية البويرة (شرق) وتوفيت عام 1932، ثروة كبيرة عن والديها محمد بوترعة وفاطمة شعبان، وعرفت بفعل الخير وكفالتها الأيتام لأنها لم تنجب أولاداً، كما عرفت بإقامة الولائم للفقراء والمساكين، مما جعلها تحظى باحترام وتقدير كبيرين عند الجزائريين.
وفي "مقبرة العالية" شرق الجزائر العاصمة يدفن الأغنياء والفقراء والبسطاء، كما يرقد فيها جثامين رؤساء الجزائر، وهم أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي وعبدالعزيز بوتفليقة، إضافة إلى "الأمير عبدالقادر" وهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وقائد أول مقاومة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي في 1830، إضافة إلى عدد من القادة عسكريين وسياسيين وسفراء.
السيدة العالية التي منحت أرضاً وقفاً كمقبرة في العاصمة لم تدفن فيها، إذ يوجد قبرها بمنطقتها سور الغزلان في محافظة البويرة. وتذكر بعض الروايات أنها توفيت مسمومة بعد عودتها من الحج، وتشير الروايات إلى أن بعضاً من أهلها وضع لها السم في الأكل ليرثوا أملاكها وثروتها.