Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عجيب وعجيبة" مسرحية تستلهم أجواء "ألف ليلة وليلة"

المخرج المصري محمد الصغير قدم السامر الشعبي سعياً إلى استعادة الجمهور

من جو مسرحية "عجيب وعجيبة" المستوحاة من "ألف ليلة وليلة" (خدمة الفرقة)

ملخص

المخرج المصري محمد الصغير قدم السامر الشعبي سعياً إلى استعادة الجمهور

ميزة المخرج المصري الشاب محمد الصغير الذي برز أساساً في المسرح الجامعي أنه يتحلى بجرأة شديدة في تعامله مع المسرح، فمن يتابع أعماله يدرك أنه ينتمي إلى ذلك النوع من المخرجين الذين لا يقيمون وزناً لحذلقة النقاد الذين يقفون للمخرج بالمرصاد.

المسرح بالنسبة إليه لعبة يحبها ويمارسها بالكيفية التي تحرره من التقاليد والتعاليم الصارمة، لكنه في الوقت نفسه يعرف حدود لعبته وأهدافها وإلا صار كمن يضرب في الفراغ، وهو في كل الأحوال يسعى إلى تقديم عمل مسل وممتع على مستوى المبنى والمعنى يستطيع من خلاله تقديم المتعة البصرية والفكرية وإن بشكل بسيط، لكن لا يخلو من العمق وكأن لسان حاله يقول "ما الذي يريده الناس من المسرح أكثر من ذلك"؟

استلهام الموروث

يقدم محمد الصغير مسرحيته الجديدة "عجيب وعجيبة" على مسرح السلام وسط القاهرة من إنتاج المسرح الحديث - وزارة الثقافة، مستعيناً بنص شعبي كتبه سعيد حجاج يستلهم أجواء "ألف ليلة وليلة" وإن لم يستدعها، فالاستلهام هنا يكمن فقط في فكرة توالد كل حكاية من أخرى، أما الحكايات فحتى وإن تماست مع بعض حكايات المحتالين التي يزخر بها التراث العربي فهي من بنات أفكار الكاتب المعروف بتقديمه عدداً من النصوص الجيدة والمهمة للمسرح المصري.

لدينا راو الذي يقوم المخرج بدوره ويقدم لنا في ما يشبه السامر الشعبي، حكاية عجيب وزوجته عجيبة، والحكاية ببساطة أن الزوجين يتمتعان بدرجة عالية من الذكاء مكنتهما من خداع بلدة بأكملها والاحتيال عليها، فهما يبيعان حماراً لأحد العامة ويوهمانه بأن الحمار كلما كانت أحواله جيدة، طعاماً وإقامة، جلب لصاحبه الدنانير الفضية والذهبية، وعندما يكتشف الرجل أن الحمار لايجلب شيئاً يستعين برئيس التجار ليرد له حقه من عجيب وعجيبة، لكن رئيس التجار يقع هو الآخر ضحية خداع الزوجين اللذين يبيعانه الحمار مرة أخرى ويوهمانه بأنه سيجلب له رزقاً وفيراً، وعندما يكتشف الخدعة يستعين بالمحتسب الذي يخدع هو الآخر ويشتري منهما كلباً قالا له إنه يقوم بالأعمال المنزلية ويفهم لغة البشر، لكن الكلب يهرب من بيت المحتسب فيستعين بقائد الشرطة الذي يوهمه عجيب بأن لديه مزماراً يستطيع من خلاله أن يقتل زوجته ثم يحييها مرة أخرى، فيشتري منه قائد الشرطة المزمار ويقتل زوجته في محاولة لتأديبها، ثم يعزف لها بالمزمار فلا تعود للحياة، ليكتشف أنه وقع هو الآخر في فخ المحتالين، وحتى لا يفتضح أمره فإنه يبيع المزمار لآخر ويبيعه الآخر لغيره، وهكذا حتى يقتل عشرات الرجال زوجاتهم.

وتقرر البلدة الانتقام من عجيب بوضعه داخل أحد الأجولة وإلقائه في البحر، لكنه ينجو بحيلة ويضع راعياً للأغنام بدلاً منه في الجوال، ويحصل على أغنامه بعد أن يوهمه بأن أهل البلدة سيمنحونه مالاً وفيراً، وعندما يظهر عجيب في البلدة يستدعيه الوالي ليعرف منه سر نجاته من الغرق في البحر فيوهمه بأن جنية أنقذته وأن لديها من الذهب مايملأ الخالي من الأموال، وينصح الوالي بأن يلقي بنفسه في البحر مؤكداً له أن الجنية ستنقذه وتمنحه الذهب، وتقوم زوجته عجيبة بإشاعة الخبر في البلدة كلها فيلقي أهلها جميعا بأنفسهم في البحر طمعاً في الذهب، ويكون مصيرهم الموت غرقاً.

جزاء الطماعين

هكذا تدور الحكاية التي تتناول فكرة الطمع وتنتهي بغرق الطماعين جميعاً وبقاء عجيب وعجيبة في البلدة وحدهما، بعيداً من فكرة الأحكام الأخلاقية وانتصار الخير على الشر، فهما شريران وهمهما الطمع والنصب أو الخداع، لكن الطماعين هنا هم من لقوا جزاءهم.

لا شك في أن الحكاية بسيطة وتبدو طفولية وساذجة، لكن العبرة هنا في كيفية تقديمها في قالب مسرحي منضبط وجذاب، وهو ما فطن إليه المخرج متبعاً بعض تقاليد المسرح الشعبي كوجود راو أو حدوث بعض المشكلات لغياب ممثل أو ممثلة والاستعانة بآخر، حتى لو كان رجلاً لأداء دور سيدة، ووجود فرقة موسيقية ولاعب أراجوز هو سلام أحمد، والمزج بين التشخيص والغناء وتحويل جزء كبير من النص إلى مقاطع مغناة، وهي أشعار محمد على هاشم وألحان محمود وحيد، بخاصة أن الغناء كان حياً، وما إلى ذلك من أساليب يلجأ إليها صناع المسرح الشعبي، فضلاً عن فكرة المسرح داخل المسرح التي لجأ إليها المخرج ليخبرنا طوال الوقت أننا بصدد لعبة تمثيلية يجوز فيها إيقاف العرض وتعديل بعض المشاهد أو توجيه أحد الممثلين لطريقة معينة في الأداء، أو التحدث إلى منفذ الإضاءة وإعطائه بعض التعليمات، وكذلك نزول أحد الممثلين إلى الصالة والتشابك مع الجمهور لجعله جزءاً من اللعبة المسرحية.

هناك بالتأكيد بعض المشاهد المجانية وبعض الأدوات التي استعان بها المخرج ولم يستخدمها، ومنها على سبيل المثال الأراجوز الذي كان مجرد حلية للإمعان في وسم العرض بالشعبية، لكن المخرج لم يجعله جزءاً فاعلاً في الدراما ولم يكن غيابه ليحدث خللاً في العرض مثل بعض الرقصات، ليبقى المبرر الوحيد هو إضفاء الطابع الشعبي على العرض وإحداث نوع من المتعة البصرية والسمعية للجمهور الذي يتوجه إليه ويعرف أنه جمهور عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توالي الحكايات استلزم وجود مناظر عدة والانتقال من ساحة في البلدة إلى بيت عجيب وعجيبة ثم إلى قصر الحاكم وغيرها من الأماكن التي تعاملت معها مصممة الديكور سارة شكري بذكاء، فالثابت على الخشبة "بانر" في العمق يصور بلدة عربية قديمة وأراجوزاً في أقصى اليمين وفرقة موسيقية في أقصى اليسار، وفي العمق بيت عجيب وعجيبة الذي يتحول في وجهه الآخر إلى قصر الحاكم، وهناك كذلك شاشة نفذ المخرج بواسطتها مشاهد خيال الظل عبر نور سمير، وتماست مع طبيعة العرض الشعبية واستطاعت اختزال أجزاء من الحكاية بمشاهد صامته جسدتها ووصلت إلى المشاهد.

وقد جاء التمثيل في العرض مطابقاً لمقتضى الحال، بمعنى أن طبيعة العرض نفسها فرضت طريقة الأداء الكوميدي البسيط وإن لم يخل الأمر من بعض المبالغات، لكنها على أية حال مبالغات مقبولة، وقد نهض بالعرض سيد الرومي في دور عجيب ودودا اليوسف في دور عجيبة وإيهاب بكير قائد الشرطة ووليد أبو ستيت الحاكم ورضا طلبة شيخ التجار ومحمد الصغير الراوي ومعهم محمد مدين وحربي الطائر وعمر فتحي وأحمد مجدي ومحمد وليد وأنطونيس فؤاد، وصمم الاستعراضات أحمد سمير والملابس سماح نبيل شكري مع إضاءة أبو بكر الشريف.

ويمكن القول إننا أمام عرض شعبي يعرف صناعه غايتهم ويتوجهون إليها مباشرة، ويعرفون كذلك جمهورهم وما يحتاجه هذا الجمهور من المسرح، ولا ضير إذاً فليس كل الجمهور يريد الملك لير أو فيدرا أو أنتيغون أو" بيت الدمية" أياً كان المضمون أو الحكاية، والمهم في ظني هو على أي نحو كانت الصنعة؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة