Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروائية رشا عدلي: الترجمة النقلة الأهم للرواية العربية من المحلية للعالمية

القراءة أصبحت "حتمية" لمواكبة الركض المعرفي والتكنولوجي الذي يتجه إليه العالم

تعتقد عدلي أن العالم العربي أقل في نسبة القراءة من الغرب، ولكن هناك تحسناً كبيراً وجدته في زياراتها كثيراً من المعارض العربية الخاصة بالكتاب (اندبندنت عربية)

ملخص

شددت الروائية المصرية على أهمية القراءة، إذ إنها لم تعد متعة أو رفاهية أو هواية، بل أصبحت شيئاً حتمياً يستطيع الفرد به أن يواكب الركض المعرفي والتكنولوجي الذي يتجه إليه العالم

أكدت الروائية المصرية رشا عدلي أن الأدب العربي قطع شوطاً كبيراً في طريق المنافسة العالمية، لا سيما الرواية التي تمكنت من منافسة كتابات كبار الأدباء العالميين، لافتة إلى أن هناك أقلاماً عربية لا تقل جمالاً وأهمية عن أقلام الكتاب المعروفين، وكذلك أعمال مهمة ذات أفكار جديدة متطورة ومشاريع روائية يحتذي بها، ولعل الترجمات الكثيرة للروايات العربية أخيراً إلى لغات متعددة دليل على ذلك، فهناك عناوين روايات مهمة تترجم إلى لغات عدة، بعدما كان الأمر متوقفاً فقط على الإنجليزية والفرنسية، فالترجمة هي النقلة الأهم والأكبر للرواية العربية من المحلية للعالمية.

ولدى رشا عدلي عدد من الروايات المميزة، وصلت اثنتان منها وهما "شغف" و"آخر أيام الباشا" إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في 2018 و2020.

يتذكر كل كاتب الخطوات والطريق الأول الذي سلكه، فتقول رشا عدلي في حوار مع "اندبندنت عربية" إنها كانت تقرأ روايات "ألف ليلة وليلة" وهي في سن التاسعة، لكن موهبتها الحقيقية ظهرت في المدرسة عندما كانت معلمة اللغة العربية تطلب منها موضوعاً تعبيرياً وتحدد عدداً معيناً من الصفحات، لكنها تتفاجأ أنها كتبت كراسة كاملة، ثم اشتركت في صحيفة المدرسة لنشر قصص قصيرة بها، إلا أن الشرارة الأولى كانت عندما أنشأت "مدونة" على الإنترنت في 2007، وعلى رغم أنها كانت عن الفن التشكيلي لكنها كانت تنشر فيها قصصاً، وحظيت بعدد كبير من المتابعين والتفاعل معها، مما شجعها على كتابة روايتها الأولى "صخب الصمت".

في اعتقاد رشا عدلي أن قراءتها "ألف ليلة وليلة" في سن صغيرة ساهم في نمو مدراكها المعرفية وجعلها شرهة للقراءة والمعرفة، حتى باتت تتأثر بكل ما تقرأه، وأصبحت تحب الأدب الفرنسي وكتابات مارسيل بورست وباتريك موديانو وأني ارنو وغيرهم.

القراءة في العالم العربي

وتعتقد عدلي أن العالم العربي أقل في نسبة القراءة من الغرب، ولكن هناك تحسناً كبيراً وجدته في زياراتها كثيراً من المعارض العربية الخاصة بالكتاب، مضيفة "كذلك وجود تطبيقات تتيح القراءة الإلكترونية، كما أن تطبيقات الكتب المسموعة كان لها أثر كبير في تحسن الوضع، لأن القراءة لم تعد متعة أو رفاهية أو هواية، بل أصبحت شيئاً حتمياً يستطيع الفرد به أن يواكب الركض المعرفي والتكنولوجي الذي يتجه إليه العالم، فالتنمية الثقافية والمعرفية للطفل تكون الأسرة مسؤولة عنها في المقام الأول، إذ إنها مطالبة بشراء القصص له وتوجيهه للقراءة، وربما يفسر هذا أن أدب الطفل في عالمنا العربي أصبح أكثر انتشاراً ولاقى اهتماماً كبيراً من دور النشر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المؤلف العربي والكاتب الغربي

وتابعت الروائية المصرية القول "الغرب يهتم بالثقافة والنشر أكثر من عالمنا العربي، لأن عدد القراء هناك يفوقنا بمراحل، إذ أفاد إحصاء لمنظمة اليونسكو أن متوسط عدد الساعات التي يقرأها الغربي سبع ساعات في اليوم، بينما يقرأ العربي بمعدل ست ساعات في العام، وهو ما يعكس درجة الاهتمام بالكاتب والكتاب والمؤلفات والنشر، وبالطبع يمكننا الإقرار بأن المؤلف الغربي أكثر حظاً من العربي، فخطة النشر تسير وفق نظم وتقنية غير موجودة في الوطن العربي، فالدعاية للعمل تبدأ قبل نشره بأشهر عدة، وتشمل كل شيء من حوارات تلفزيونية ومقالات صحافية ومقاطع واقتباسات من العمل، وعند صدور الكتاب يكون موجوداً في جميع المكتبات في وقت واحد، لأنهم يستعينون بمهنة ’الوكيل الأدبي‘ التي تساعد المؤلف في الترويج والانتشار من خلال تنظيم حفلات توقيع، وعرض كتبه للترجمة وجلب أفضل العقود له، لكن في الوطن العربية الكاتب ينظم كل شيء لنفسه ويتولى جميع المهمات".

معايير نجاح الكاتب

ونوهت عدلي إلى ظاهرة حديثة وهي أن الكاتب أصبح يقيم بعدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي وعدد التفاعلات مع منشوراته، لافتة إلى ذلك سبب "اختلال التوزان والمعايير، وبات الكاتب الأهم هو الأكثر انتشاراً ووجوداً، بينما قيمة العمل وأهميته أصبحت في ذيل الأشياء، فلست ضد انتشار الكاتب والترويج لأعماله، ولكن بحدود وفي إطار ثقافي مفيد، إذ إن هذا النوع من الكتاب أشبه بفقاعة سريعاً ما تتلاشى وتختفي لأن في النهاية ما يبقي هو القيمة الحقيقية للعمل، وفي السنوات الأخيرة وجدنا محاولات للتأثير في الذائقة  القرائية من خلال تقديم عمل ضعيف والترويج له على أساس أنه الأفضل والأكثر مبيعاً وانتشاراً، لتتحول العملية إلى تجارية واستهلاكية بدلاً من أن تكون أدبية ثقافية".

خلط الماضي بالحاضر

واستطردت رشا القول "أحب التجول عبر أزمنة مختلفة، ففي الوقت الذي أكون فيه مفتونة بالتاريخ فإنني أعيش الحاضر وأعاني مشكلاته، ومهمة الكاتب التعبير عن واقعه من خلال عرض الرؤى والأفكار وطرحها في سياق أدبي، إضافة إلى ذلك فكوني باحثة أحياناً أستند إلى مراجع من ضمنها روايات صدرت في توقيت معين وعبرت عن مشكلات هذا الزمن وقضاياه، كروايات نجيب محفوظ مثلاً فهي مثلت لنا الحي الشعبي وشريحة من المجتمع المصري في زمن ما". 

 

رسالة للقارئ

وأوضحت الروائية أن "المهمة الرئيسة للأدب خلقت حالاً خاصة للقارئ، يستطيع معها أن يستمتع بجماليات العمل، ومن ثم سيكتشف بنفسه الرسالة التى أريد إيصالها، ومن خلال مشروعي الروائي القائم على المزج بين أزمنة متعددة وتقديم التاريخ والفن والقضايا المجتمعية المعاصرة، فرسالتي هي حث القارئ على البحث والمعرفة وتذوق أشكال الإبداع المختلفة وشحن طاقة التذوق الجمالي عنده، لأن الكتابة بالنسبة إلي هي نبش الأشياء النابعة من ثنايا الحكي، ويمكن من خلالها المساعدة في فهم ما نقوم به وفهم العالم من حولنا".

العواطف والمشاعر في الروايات

لفتت عدلي إلى أن "هناك فكرتين رئيستين تغذيان الأدب (الحب والموت)، لو نظرنا في كل الأعمال الأدبية سنجدها تدور حول الفكرتين، ومن خلال العاطفة تتضح أبعاد الشخصية وتطورها وطريقة سيرها، أحب أن تكون الشخصيات في أعمالي ممتلئة بالعواطف، لأن هذا ما يثري الشخصية ويجعل الخيط بين القارئ والشخصية أشد قوة وارتباطاً".

اختيارات مختلفة للمرأة

وقالت عدلي "أحب أن أقدم واقع المرأة المصرية والعربية، وأن أزيل هذه القشرة عنها وأقدمها على طبيعتها وليس كما تحب أن تظهر أو كما يظهرها لنا واقع مزيف، لذلك أتعمق في كتابة شخصيات بطلاتي، أطرح كل شيء حولهن من آمال وأحلام وانتصارات وخيبات وفشل، لا أمر على الشخصية مرور الكرام، لذلك دائماً ما تلتصق الشخصيات النسائية في أعمالي بعقول القراء من شدة ما وجدوا أنهن قريبات جداً منهم، إذ تتنوع شخصية المرأة في رواياتي بتنوع الأفكار التي تطرحها كل رواية، فهناك الأم والحبيبة والعشيقة، وكذلك المرأة المترفة والمقهورة والمتعالية والمتواضعة، وهناك بطلات ثانويات كن أشد تأثيراً في العمل من البطلات أنفسهن مثل الأم في رواية ’أنت تشرق.. أنت تضيء‘ ومديحة في ’قطار الليل إلى تل أبيب‘ وجوهرة في ’الحياة ليست دائماً وردية‘" .

طقوس الكتابة

وتحدثت رشا عن طقوسها في الكتابة قائلة "أحب أن تكون بداية يومي بالكتابة، لأن العقل يكون طازجاً، فبعد أن أستيقظ في وقت مبكر أصنع القهوة وأطمئن على النباتات في حديقتي حتى أستمد من الأخضر الطاقة والحيوية، وأستمع لمقطوعة موسيقية تكون غالباً من "الهاوس"، ثم أبدأ من حيث توقفت، وخلال اليوم لا أكف عن التفكير في سير الرواية وأحداثها، وكذلك تخزين الأفكار في عقلي، وأحياناً في مفكرة الهاتف على أن أكتبها في الصباح الجديد".

اختيار عنوان الرواية

وأشارت الروائية المصرية إلى أن "اختيار العنوان المناسب للرواية يحتاج إلى تفكير وجهد وذكاء بالتأكيد، ففي دراسة أخيراً عن العنوان في اللوحة التشكيلية نصح مؤرخ فني شهير بعدم تقديم عنوان صريح للوحة، بل من الأفضل تركها من دون مسمى حتى لا يؤثر ذلك في رؤية المتلقي، والأفضل أن ندعه يكتشف جمالياتها وفكرتها بذاته، وهذا ما أحبه أيضاً في أعمالي، لأنني لا أحبذ العنوان المباشر، بل أحب أن يكون فيه بعض الغموض، حتى يبحث القارئ بنفسه عن مدلوله داخل العمل، لكن وجدت أن هذا الأمر في كثير من الأوقات لا يعجب القارئ، لأن مقولة ’الكتاب يبان من عنوانه‘ راسخة في عقله، ويريد عنواناً صريحاً كما لو أنه سيدله على كل شيء، لذلك أكثر سؤال يضايقني هو ما علاقة العنوان بالرواية؟".

مفاجآت بعد النشر

وعبرت عن سعادتها بردود الأفعال تجاه مؤلفاتها قائلة "يفاجئني ويسعدني تجاوب القراء مع العمل وتلقيهم له بكل محبة، كما لو أنهم يستقبلون حبيباً بعد طول غياب، وأحب ردود أفعالهم المختلفة، والحمد لله أن جميعها إيجابية وداعمة ومحفزة، لكنر أكثر ما يفاجئني حقاً هو عندما يتواصل معي قارئ صغير في السن أو طالب في مدرسة، ويخبرني أن عملي أعجبه، وأني شجعته على قراءة وحب التاريخ، لذلك كانت فرحتي كبيرة عندما دعيت أخيراً لندوة في مدرسة ثانوية ببيروت، وهي مدرسة فرنسية، ولكنهم يدرسون رواية ’شغف‘ في منهج اللغة العربية، واستمتعت جداً بالوقت الذي قضيته مع هؤلاء الطلبة، وخصوصاً أني وجدت تفاعلاً كبيراً مع أحداث الرواية التاريخية، لأنه من الجميل أن تقرأ لك أجيال جديدة تترواح أعمارهم بين 16 و18 سنة".

وأضافت رشا "يعجبني أيضاً عندما أشعر باهتمام القراء من مختلف أنحاء الوطن العربي  وبعد ترجمة أعمالي أجد اهتماماً من القارئ الغربي، وبما أن ما أكتبه من روايات غارق في التاريخ والمحلية المصرية، فوقتها ينتابني شعور أني قدمت تاريخي ليعرفه مواطن من بلد آخر، وهذا هو دور الأدب الحقيقي".  

نشاط أدبي وروايات قادمة

وكشفت عدلي عن نشاطها خلال الفترة المقبلة قائلة "عدت من لبنان منذ أيام قليلة حيث كنت أشارك هناك في حفل إطلاق وتوقيع طبعة جديدة من رواية ’الحياة ليست دائماً وردية‘ مع الدار العربية للعلوم ’ناشرون‘ ببيروت، إضافة إلى أنني شاركت في أنشطة عدة ثقافية أخرى، وندوات في مناطق متعددة هناك، كما زرت سوريا بدعوة كريمة من مجموعة ثقافية لمناقشة وتوقيع رواية ’أنت تشرق.. أنت تضيء‘"، متابعة "روايتي القادمة عن فنانة فوتوغرافية شهيرة صنعت أعمالها ضجة كبيرة أخيراً أغرتني قصة حياتها بالكتابة عنها وعن فنها وحياتها التي يكتنفها كثير من الغموض، وهذا العمل أكتبه بتقنية جديدة تناسب الأحداث وطبيعة الشخصيات".

المزيد من ثقافة