Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نرى بديلا للدولار في المعاملات التجارية قريبا؟

العملة الأميركية فقدت جزءاً من نفوذها خلال العقدين الأخيرين لكن متخصصين يرون في البدائل الأخرى أضعف تهديداً

الدولار يمثل حالياً نحو 58 في المئة من الاحتياطات الدولية (اندبندنت عربية)

ملخص

96 في المئة من الفواتير التجارية في الأميركتين بالدولار... واليورو الأقرب للمنافسة "مستبعد"

ظل الدولار الأميركي، العملة العالمية في الجزء الأكبر من القرن الماضي، قبل دعوات عدة من قادة دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) العام الماضي إلى استبدال العملة الأميركية بعملة بديلة مشتركة.

تزامنت الدعوات مع الحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات غربية على روسيا، تضمنت استبعاد موسكو إلى حد كبير من المعاملات بالدولار ودفع الدولة المتحاربة إلى جارتها الأكثر تساهلاً الصين، مما يسفر عن زيادة حصة الرنمينبي (اليوان) الصيني المستخدمة في تمويل التجارة، بحسب بيانات "سويفت" (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) بأكثر من الضعف لتصل إلى 4.5 في المئة منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022.

الباحث المشارك في مركز "Trade Finance Global" ومقره لندن كارتر هوفمان يرى أن تزايد الحديث عن احتمال خلع الولايات المتحدة عن العرش كأكبر اقتصاد في العالم، يدفع نحو ضرورة التفكير في كيفية تغيير العملة العالمية السائدة.

حقبة الولاءات المنقسمة

في حين أن معظم سكان العالم لم يشهدوا سوى عالم يهيمن عليه الدولار الأميركي وأن تخيل عالم من دون هيمنة الدولار تجربة فكرية مثيرة، كما يراها هوفمان، فإن احتمال أن تكتسب العملات الأخرى تأثيراً متزايداً أمر مرجح بقوة مع دخول العالم حقبة جديدة من الولاءات المنقسمة.

في مذكرته البحثية المنشورة في مايو (أيار) الجاري، يشير الباحث إلى أنه "على رغم تمتع الدولار الأميركي بقوة أكثر بكثير من أي بديل آخر، إلا أن الإخفاقات المصرفية الأخيرة وعدم اليقين في شأن الاقتصاد الكلي وعدم الاستقرار الجيوسياسي أظهرت أنه يتعين علينا أن نتحلى بالذكاء".

ويلفت هوفمان إلى النفوذ المتصاعد لليوان فيقول إنه "من الممكن أن يبدأ تسعير فرص الاستثمار على مستوى العالم به، مما يجعل من الضروري للشركات الاحتفاظ بأرصدة أكبر من العملة إذا أرادت التعامل خارج حدودها، بما في ذلك المعاملات التي لا تشمل حتى الصين".

وسيؤدي هذا إلى تحولات كبيرة في القوة الاقتصادية العالمية، مع زيادة اعتماد الاقتصاد العالمي على "الرنمينبي"، بالتالي الصين، وستكون التداعيات الجيوسياسية هائلة ومن المرجح أن تغير ميزان القوى على المسرح العالمي.

تاريخ هيمنة الدولار

كان الدولار هو العملة الدولية التي يقوم عليها نظام سعر الصرف كما نعرفه اليوم منذ حوالى 80 عاماً، نابعاً من اتفاق "بريتون وودز" عام 1944، وفي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة في العالم لأنها القوة العظمى الوحيدة التي نجت من وطأة الدمار خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت لا تزال مستعرة في جميع أنحاء أوروبا والمحيط الهادئ، وهذا الشعور بالاستقرار النسبي منح الدولار آفاقاً واعدة كأساس لنظام سعر الصرف الثابت العالمي الجديد الذي كان يتم التفاوض عليه من قبل مندوبين من 44 دولة في فندق "ماونت واشنطن" المنعزل في بريتون وودز بمقاطعة نيو هامبشاير.

وبموجب الاتفاق، تأسس نظام سعر الصرف وفيه تقوم البلدان بربط عملاتها بالدولار الأميركي الذي كان بدوره مرتبطاً بالقيمة من الذهب بسعر محدد 35 دولاراً للأوقية، ونتيجة لهذا الاتفاق كان على البلدان مراقبة ربط عملاتها والحفاظ عليها عن طريق شراء وبيع الدولار الأميركي بعملاتها الخاصة.

كما أن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي (معظم السلع الأساسية والمعاملات التجارية في العالم مقومة بالدولار)، تجعل من العملة الأميركية أصلاً أساسياً لأي بلد لا يتمتع بالاكتفاء الذاتي ولديه حاجات خارجية، وبالنسبة إلى بعض الاقتصادات الناشئة يعتبر نقص الدولار مصدراً إضافياً للضائقة الاقتصادية، كما حصل العام الماضي في سريلانكا.

في مواجهة هذا الوضع المهيمن للغاية، يلفت محلل الأسواق في "كونفيرا" شركة تحويل الأموال والمدفوعات الأميركية جيليم ديغين إلى أن بعض الدول تفكر في طرق لتقليل تأثير الدولار وآثار التبعية، ويتمثل أحد الأهداف المحددة في تجنب التعرض لتقلبات العملة الأميركية التي يمكن أن تكون ضارة للغاية، خصوصاً للبلدان المستوردة بشكل كامل، الأمر الذي أدى إلى اضطرابات في عدد من الاقتصادات الناشئة.

اليوان واليورو

يرى ديغين أن الوزن الاقتصادي والمالي يجعل من اليورو واليوان فحسب منافسين محتملين للدولار، وعلى رغم ذلك فإن الافتقار إلى الاستقرار السياسي في أوروبا المرتبط بغياب التنسيق والتماسك حول مشروع مشترك يحد من توسع اليورو، كما أن السيطرة التي تفرضها السلطات الصينية على أسواقها واقتصادها تشكل أيضاً عقبة رئيسة أمام الاستخدام الأوسع لليوان في التجارة الدولية.

ويشير ديغين إلى أن هناك بالفعل اتجاهاً أساسياً نحو الحد من استخدام الدولار، إذ ظلت حصة الدولار في الاحتياطات العالمية تنخفض بشكل مطرد لمدة 30 عاماً كجزء من إستراتيجية تهدف إلى تنويع الأخطار وتقليل التعرض لسعر الصرف، متوقعاً أن يستمر الدولار في الهيمنة على عالم العملات الأجنبية والتجارة الدولية، على رغم أن تأثيره ربما يتضاءل تدريجاً بمرور الوقت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت إلى أن من الناحية النظرية قد يستمر الدولار في الانخفاض وربما يتدهور تصنيفه الائتماني بشكل حاد، إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها هذا العام، إذ سيكون هذا هو أول تخلف عن السداد في تاريخها، لكن لن يكون هناك نزع لـ"الدولرة" في المستقبل القريب.

يتحدث كبير الاقتصاديين في شركة "مارينر ويلث أدفايزرز" ويليام غرينر عن انحسار نفوذ العملة الأميركية خلال الأعوام الماضية وحصتها في السوق من الأرصدة الاحتياطية لدى البنوك المركزية، فيقول إن الدولار يمثل حالياً نحو 58 في المئة من الاحتياطات الدولية، انخفاضاً من 69 في المئة عام 2014 و75 في المئة عام 2000.

الدرس الروسي... الذهب بديلاً

إحدى العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، كما يقول غرينر في مذكرة بحثية الشهر الجاري، كانت تجميد 300 مليار دولار من الاحتياطات النقدية الروسية، في حين لم تخضع حيازات البنك المركزي من الذهب للسيطرة المباشرة لهذه العقوبات.

وتظهر البيانات أن عدداً من عمليات شراء الذهب التي تمت خلال العام الماضي من قبل البنوك المركزية في دول غير متحالفة سياسياً مع الغرب، ويبدو أن أحد دوافع مشتريات هذه الدول من الذهب هو العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو.

يستشعر ويليام غرينر تمرداً متصاعداً في دوائر البنوك المركزية ضد الدولار، خصوصاً في الاقتصادات الناشئة، إذ حولت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية والمالية كأسلحة ضد خصومها الاقتصاديين أو السياسيين، ويقول "أتلقى عدداً من الأسئلة حول استدامة الدولار الأميركي باعتباره العملة العالمية للبنوك المركزية وغيرها، لكن كما لوحظ، فقد الدولار قوته على مدى الـ20 عاماً الماضية كعملة احتياط عالمية، وأرى اتجاهات ربما تؤدي إلى مزيد من التدهور في مكانة الدولار في مرحلة الاحتياطي المركزي العالمي للعملات".

ويردف "أعتقد بأنه في حين أن مزيداً من التدهور وضعف سعر الصرف الأجنبي قد ينتظران خلال الأعوام القليلة المقبلة، فإن العالم لا يزال مرتبطاً بشدة بالدولار، وهو التعادل الذي لن يتلاشى بين عشية وضحاها".

بدائل لا تمثل تهديداً

على رغم الإجماع على فقدان الدولار قوته السابقة، لكن البدائل لا تمثل تهديداً كافياً لمكانة العملة الأميركية، كما يشير محلل "مورغان ستانلي" كريستوفر باكستر في مذكرة بحثية بداية الشهر الجاري، "لا يوجد حالياً بديل قابل للتطبيق. وتمت مناقشة العملات الأخرى كمنافسة محتملة للدولار الأميركي، ولكن أيّاً منها لا يقترب من تشكيل تهديد حقيقي على الأقل في الأجل القريب".

وعن اليورو، يقول "هو ثاني أكبر عملة احتياط في العالم، لكنه يحتل المرتبة الثانية على مسافة بعيدة، إذ يمثل 21 في المئة من الاحتياطات الأجنبية مقابل ما يقرب من 60 في المئة للدولار، والعوامل الرئيسة التي تمنع استخدام اليورو على نطاق أوسع، وفقاً للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، تتمثل في نقص في المعروض من الأصول عالية الجودة المقومة باليورو التي يمكن للمستثمرين الدوليين والبنوك المركزية استخدامها كمخزن للقيمة".

ويردف باكستر "يمثل الرنمينبي الصيني جزءاً صغيراً جداً من احتياطات النقد الأجنبي، وسيطرة صانعي السياسة الصينيين على سعر الصرف تجعل من غير المرجح أن يكتسب زخماً سريعاً، والذهب مستهلك للوقت ومكلف في نقله، مما يجعله أقل من مثالي كوسيط للتبادل أو وحدة حساب".

ويلفت إلى أنه لا تزال العملة الموحدة لمجموعة "بريكس" افتراضية للغاية، إذ تجد دول المجموعة صعوبة في التنسيق عبر البنوك المركزية وربما تثبت في النهاية عدم استعدادها لاستبدال اعتمادها على الدولار الأميركي بعملة يحتمل أن تكون متقلبة قد تكافح من أجل تحقيق اعتماد أوسع.

وفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، شكل الدولار الأميركي في الفترة بين 1999 إلى 2019 حوالى 96 في المئة من الفواتير التجارية في الأميركتين، و74 في المئة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ و79 في المئة في بقية العالم، والاستثناء الوحيد كان في أوروبا، إذ يعد اليورو العملة الأساسية للفواتير، بالنظر إلى التجارة المتكررة بين شركاء الاتحاد الأوروبي.

وأفادت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت" بأن الدولار الأميركي كان العملة الأكثر استخداماً في نظام الدفع العالمي، إذ يمثل 41.7 في المئة من المدفوعات، يليه اليورو، بالمقارنة مع 2.4 في المئة للرنمينبي الصيني على رغم ما تمثله بكين في هيكل التجارة العالمية.

اقرأ المزيد