Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ضيقت مكاتب الصرافة التونسية الخناق على السوق السوداء للعملة؟

محللون يرون أن السوق الموازية لا تزال تمتلك 50 في المئة من النقد الأجنبي المتداول وغياب البنية التحتية يجبر العملاء على التعامل معها

 دشنت تونس منذ عام 2019 مكاتب صرافة على غرار النظام المعمول به في عدد كبير من الدول العربية (اندبندنت عربية)

ملخص

قانون الصرف الجديد يقترح توسعة نشاط مكاتب الصرافة في تونس

وسط زحام منطقة "باب بحر" أحد أهم شرايين العاصمة تونس، ينتبه المارون من هناك إلى أصوات تجار العملة في السوق السوداء الذين يبدلون العملات أمام الفروع البنكية وأعين أعوان الشرطة.

ويلاحظ المار بهذه المنطقة والشوارع المتفرعة عنها، وهي إحدى أقدم أبواب العاصمة تونس وبوابة العبور إلى شرايين المدينة العتيقة، حركة وجلبة لافتة للأنظار في ظل ازدحام السيارات وآلاف المواطنين والسياح وتعالي أصوات التجار المتداخلة، ولكن أكثر ما يلفت الانتباه هو تلك الأصوات "الخفية" التي تهمس في آذان المارة وتسألهم عما إذا كانوا يرغبون في صرف العملة بعبارات صارت مألوفة لدى التونسيين.

"صرف...صرف" هذا النداء الأكثر شيوعاً، إذ ينادي أحد تجار صرف العملة الاجنبية على بعض المارين من جانبه بصوت خافت يلفت انتباههم لعلهم يحصلون على فارق سعر محفز يغنيهم عن التوجه نحو الفروع البنكية.

وعلى رغم أن الشوارع المؤدية إلى هذا المكان تعج بفروع المصارف ومكاتب الصرافة التي تمارس نشاط صرف العملة الأجنبية بصفة قانونية، إلا أن منطقة "باب بحر" في العاصمة تمثل القلب النابض لتجار العملة أمام أعين السلطات، والمقصد الرئيس للراغبين في تحويل الدينار التونسي إلى عملات أجنبية وخصوصاً اليورو والدولار أو العكس.

إقبال مهم

انتعاش هذا النشاط غير القانوني بعيداً من غض الطرف من قبل السلطات جاء نتيجة الإقبال المتزايد على اقتناء العملة الصعبة، في أعقاب التدني المتواصل في قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية أخيراً، إذ إن بعض التجار يقفون أمام فروع البنوك المنتشرة بالعاصمة بعد إغلاقها الساعة الرابعة لاصطياد الباحثين عن تغيير العملة.

 ويستمد كثير من التجار قوتهم من إغلاق البنوك بعد التوقيت الرسمي أو عطلة نهاية الأسبوع لفرض هوامش ربح يجنون منها أموالاً أكثر.

وحول الأرباح التي يدرها هذا النشاط غير القانوني يقول أحد هؤلاء تجار العملة، رافضاً الكشف عن هويته لـ "اندبندنت عربية"، إنه يجني أرباحاً متفاوتة على مدار اليوم لكنها تكفيه لسد نفقاته، علاوة على إرسال جزء من العوائد لأسرته التي تقيم في مدينة جلمة من محافظة سيدي بوزيد، والتي اشتهر أهلها بالتجارة في السوق السوداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانقطع تاجر العملة عن التعليم باكراً قبل أن ينزح إلى العاصمة تونس للالتحاق ببعض أقاربه، إذ عمل معهم منذ أعوام في بيع البضائع المهربة، لكن مشواره تغير منذ ثلاثة أعوام بعدما قرر اقتحام تجارة صرف العملة في السوق السوداء بحثاً عن ربح أوفر على رغم العواقب القانونية، إذ إن القانون التونسي يجرم الاتجار بالعملة خارج الأطر القانونية.

ويعلم تاجر العملة هذا أنه من الصعب على الدولة تلبية حاجة العملاء من العملة الصعبة عبر البنوك، فالقانون التونسي لا يسمح للمواطن سوى بتغيير 6 آلاف دينار تونسي (1900 دولار) وحسب خلال العام الواحد عند حصوله على تأشيرة سفر للخارج، وفي ظل محدودية هذه المنحة السياحية فغالباً ما يلجأ تونسيون إلى السوق السوداء.

إيقاف النزف

ولإيقاف نزف العملة الأجنبية وتداولها في مسالك موازية، قررت تونس منذ عام 2019 تدشين مكاتب صرافة على غرار النظام المعمول به في عدد كبير من الدول العربية، في خطوة لقطع الطريق أمام تنامي السوق السوداء للعملة في تونس، وإعادة الأموال المتداولة للمسالك القانونية.

 وترى السلطات المصرفية في تونس وفي مقدمها البنك المركزي التونسي أن إنشاء مكاتب الصرف اليدوي وجمع العملة يمكنها من استقطاب العملة المتداولة خارج القنوات الرسمية وإضفاء مزيد من الشفافية والحوكمة على هذا النشاط، وتطوير نشاط الصرف اليدوي وتنظيمه من أجل توجيه حجم العملات المتداول نحو القطاع المصرفي، فضلاً عن مكافحة سوق الصرف الموازية.

وقانونياً حدد السقف الأدنى للضمان البنكي المستوجب وشروط الترشح لممارسة نشاط الصرف اليدوي للعملة من طريق فتح مكتب صرافة وتوفير ضمان بنكي بقيمة 50 ألف دينار (16.6 ألف دولار) والحصول على شهادة تكوين من طرف أكاديمية البنوك والمالية.

إسهامات ملموسة

من جانبه يجزم نائب رئيس الجمعية التونسية لمكاتب الرف (جمعية مستقلة) كمال مقرش أن "مكاتب الصرف اليدوي للعملة التي أطلقتها تونس أسهمت في تعبئة ما يقارب 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) من العملة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، مستقطبة ما بين 40 و 60 في المئة من الأموال التي كانت تتداول في السوق السوداء، وتوجيهها نحو السوق الرسمية مما أكسبها دوراً فعالاً في سوق العملة.

ويتوقع مقرش أن تسهم مكاتب الصرف اليدوي للعملة في رفع مساهمتها في الكتلة النقدية إلى ما يضاهي 20 مليار دينار (6.4 مليار دولار) خلال الأعوام الخمسة المقبلة، شرط الاستفادة من التطورات التي تشهدها آليات المدفوعات الحديثة وتوسيع مجال تدخل هذه المكاتب لتشمل خدمات جديدة على غرار خدمات التحويل والدفع.

وتدخل العملة الصعبة ضمن العمليات البنكية وتخضع لضوابط وشروط حفظ ونقل واستعمال مقننين، وتفويض هذه العملية للأشخاص غير البنوك يتطلب قرارات جريئة وظروف ملائمة لم تكن متاحة على الساحة النقدية خلال تلك الفترة.

وتدفع هذه الوضعية المتعامل إلى الانتظار إلى حين فتح البنوك أبوابها في اليوم التالي أو بعد يوم السبت والأحد أو بعد العيد في بعض الأحيان، مما ينجر عنه في هذه الحالات فرص ضائعة وخسارة مباشرة للاقتصاد، إذ يعزف المتعامل عن العملية أو يسافر أو يلجأ إلى طرق أخرى غير قانونية.

مكامن القوة والضعف

وحول مكامن القوة والضعف يعتقد مقرش أن عدد مكاتب الصرافة زاد بشكل جيد، إذ تناهز 340 موافقة ممنوحة من البنك المركزي التونسي، علماً بأن 304 مكاتب دخلت طور العمل، وهو مؤشر جيد يكشف عن تزايد وتيرة تدشين المكاتب، خصوصاً مع إحصاء ما بين 18 و 20 مكتباً عام 2019.

لكنه استدرك أن "التوزيع الجغرافي لهذه المكاتب يحيل إلى تمركزها بالعاصمة ومحافظات تونس الكبرى والسواحل، وتستقطب ولايات تونس الكبرى لوحدها زهاء 120 مكتباً، بينما لا تزال الجهات الداخلية تشهد نقصاً في المكاتب.

تطويق السوق السوداء نسبياً

ورداً على سؤال حول دور مكاتب الصرف اليدوي في كبح السوق السوداء للعملة، أوضح كمال مقرش أن "مكاتب الصرافة في تونس أصبحت مكوناً أساساً في الاقتصاد الوطني وخلق الثروة، جازماً "لقد نجحنا في ضرب السوق السوداء في أهم معاقلها واستحوذنا على حصة تتراوح ما بين 40 و60 في المئة وقمنا بإعادتها للسوق الرسمية".

وأضاف، "بفضل امتصاص مكاتب الصرافة للعملات الأجنبية فإن السوق السوداء تعمد إلى زيادة الأسعار، وهو ما يُعد مؤشراً إلى أن السوق تعيش تحت وطأة الضغط بفعل اكتساح المكاتب لمعاقلها"، مستدركاً "لكن للأسف وجب الاعتراف بأن السوق السوداء للعملة لا تزال تمتلك حصة تقارب الـ 50 في المئة من النقد الأجنبي المتداول"، مشيراً إلى أن هذا ليس رأيه الشخصي، بل إن التقارير الرسمية تؤكد أن السوق الموازية تسيطر على قرابة 60 في المئة من الاقتصاد، وبالتالي فإنها لاتزال فاعلة على مستوى السوق، وعلى السلطات أن تعمل أكثر على مجابهتها".

وأشار إلى أن "غياب البنية التحتية للصرف اليدوي للعملة، خصوصاً في المناطق النائية والمناطق الريفية، يجبر العميل على التعامل في السوق السوداء، وبالتالي يتعين تطوير البنى التحتية لصرف العملة، خصوصاً أن عملية فتح مكتب صرف غير مكلفة، مقارنة بالاستثمار في الفروع البنكية أو البريدية.

توسعة نشاط مكاتب الصرافة

وفي تلك الأثناء يقترح مشروع قانون الصرف الجديد الذي تعكف الحكومة بمعية الأطراف المعنية على وضع اللمسات الأخيرة عليه، مراجعة منظومة نشاط مكاتب الصرافة.

وبحسب وثيقة مشروع القانون التي تحصلت عليها "اندبندنت عربية" فإن المقاربة المقترحة تنص على تجميع النصوص القانونية والترتيبية المنظمة لنشاط الصرافة، وتوسيع هذا النشاط إلى الذوات المعنوية المكونة في شكل شركات ذات مسؤولية محدودة أو خفية الاسم، إضافة إلى منح مدة ثلاثة أعوام لمكاتب الصرافة المرخصة حالياً لكي تتحول إلى شركات، مع ضبط رأس المال الأدنى وحجم الأموال الذاتية الصافية.

كما تم اقتراح تحديد الشروط المالية والكفاءة المهنية والسمعة والنزاهة الخاصة بالمسير بمقتضى نص ترتيبي مع الترخيص في ممارسة هذا النشاط، وتحديد الشروط التقنية المتعلقة بعمليات الصرف اليدوي من قبل البنك المركزي التونسي، إلى جانب تحديد قواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتدعيم الرقابة على مكاتب الصرف.

اقرأ المزيد