ملخص
تحتاج المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى حلول عاجلة للتصدي لإشكاليات التمويل المتفاقمة وفق طارق الشريف رئيس كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية
تمر المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس بصعوبات هيكلية ومالية حالت دون مواصلة النشاط لعدد مهم منها، وتعمقت الإشكاليات التي تعوق شركات القطاع الخاص التي تمثل أكثر من 90 في المئة من النشاط الاقتصادي التونسي، بعد أن تسببت أزمة جائحة كورونا بتوقف 300 ألف مؤسسة عن النشاط وخسارة آلاف مواطن الشغل، وتعاني المؤسسات إشكاليات مالية وإدارية وصعوبات تتعلق بالتسويق والبيروقراطية والفساد، وفي حال تمكنت تونس من الحصول على تمويل موجه لدعم مشاريع الشركات الصغرى والمتوسطة، تتواصل في المقابل الانتقادات من قبل المنظمات والمتخصصين المطالبين بتحسين مناخ الأعمال في المجمل وإحداث مؤسسات مالية متخصصة لمساندة هذه الشركات.
ووقعت تونس في فبراير (شباط)، اتفاقاً مع البنك الدولي للحصول على تمويل لمعاضدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة بقيمة 120 مليون دولار. وقالت المؤسسة المانحة إنه موجه إلى معالجة القيود الرئيسة على السيولة طويلة الأجل التي تواجهها الشركات التونسية، من خلال تمويل تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل. وقال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو إن هذه المؤسسات تلعب دوراً رئيساً في الاقتصاد التونسي، وأدت جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا إلى اختلال الاقتصاد الكلي في البلاد وتفاقم التحديات التي تواجه الشركات الصغرى والمتوسطة وضعف أدائها وسلامتها المالية، ويضع المشروع خطين اثنين للائتمان، يستخدم التسهيل الأول البالغ 24.5 مليون دولار من أجل إعادة جدولة القروض الحالية المستحقة على الشركات إلى آجال استحقاق أطول بهدف تخفيف أعباء الديون، بينما يوفر الخط الائتماني الثاني، البالغ 93.7 مليون دولار، قروضاً جديدة طويلة الأجل للشركات التي تمتلك مقومات الاستمرار، بينما يخصص المكون الثالث، الذي تبلغ قيمته 1.5 مليون دولار، لمساندة تنفيذ المشروع ومتابعته وتقييمه. وقال وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد إن الانتفاع بهذه القروض سيتجسد بداية الشهر الجاري.
معضلة الاقتراض
ويبلغ عدد المؤسسات في تونس 960 ألفاً تمثل الشركات الصغرى والمتوسطة 80 في المئة منها، وتشكو الشركات الصغرى والمتوسطة من عدم القدرة على الحصول على التمويلات، ولا تتمكن من تمويلات على ائتمان طويل الأجل بسبب نقص السيولة في القطاع المصرفي. وقال 34 في المئة من أصحاب المؤسسات إنهم قدموا مطالب للاقتراض سنة 2022 ينتمي 32.6 في المئة منها إلى القطاع الصناعي و26.7 في المئة لقطاع الخدمات و43.6 في المئة للقطاع التجاري، تحصل 26.6 في المئة منها على قروض استثمار مقابل عدم تمكن51.1 في المئة من الاقتراض وفق دراسة لمعهد One to One Survey (منظمة مستقلة).
ورأى 25.2 في المئة من أصحاب المؤسسات أن شركاتهم تعاني نقصاً في رأس المال، و23 في المئة قالوا إن مؤسساتهم تحتاج إلى إعادة هيكلة مالية، في حين تفتقر 43.4 في المئة منها إلى هيكل مالي صلب. وكشف 29 في المئة إنهم قاموا باستثمارات 91 في المئة منها في تونس و3.4 في المئة تتوزع بين تونس والخارج، و5.5 في المئة ببلدان أخرى، ومثل توسيع الاستثمارات السابقة بالنشاط الاقتصادي نفسه 38.5 في المئة من جملتها، كما عبر 51 في المئة من أصحاب الشركات عن رغبتهم في القيام باستثمارات جديدة سنة 2023.
عراقيل وفساد
وعبر 31.9 في المئة من المؤسسات غير المصدرة عن رغبتها في اقتحام مجال التصدير 36.7 في المئة منها ينشط في مجال الصناعة و26.4 في المئة في مجال الخدمات و29.9 في المئة في مجال التجارة، وذكر57 في المئة أنهم حصلوا على عملاء جدد سنة 2022 في حين خسر 39.6 في المئة منهم عميلاً مهماً، وحقق 50.4 في المئة أرباحاً سنة 2022 منها 64.1 في المئة مؤسسات مصدرة، أما الشركات التي لم تحقق أرباحاً فهي غير مصدرة بنسبة 37.9 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسجل 36.8 في المئة من المؤسسات تحسناً في رقم المعاملات لديها سنة 2022 منها 32.5 في المئة غير مصدرة و48.6 في المئة مصدرة ينشط 33.9 في المئة منها بالصناعة و40.7 في المئة في الخدمات و39.1 في التجارة، بينما تراجع رقم المعاملات لدى 45.5 في المئة منها، وهي مؤسسات غير مصدرة 44.5 في المئة منها تعمل بقطاع الصناعة و33.3 في المئة بالخدمات و43.6 في المئة بالقطاع التجاري.
كما واجه 27.5 في المئة من الشركات عراقيل إدارية وأخرى ضريبية و18 في المئة إشكاليات مع الجمارك و12.5 في المئة من المؤسسات تعرضت إلى صعوبات تتعلق بالرخص والتصاريح، بينما كشف 13.8 في المئة من أصحاب المؤسسات عن أنهم تعرضوا إلى مخاطر الرشوة والابتزاز في أكثر من مناسبة سنة 2022، بينما صرح 5.2 في المئة منهم أنهم تعرضوا لهذه الممارسات في أكثر من ست مناسبات وصلت في بعض الحالات إلى 20 مرة.
فاتورة التخلي عن بنوك التنمية
وتحتاج المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى حلول عاجلة للتصدي لإشكاليات التمويل المتفاقمة وفق رئيس "كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية" (منظمة مستقلة)، طارق الشريف، الذي أشار إلى أن الصعوبات انطلقت عندما وقع التخلي عن البنوك المخصصة للتنمية في تونس وتحويلها إلى بنوك تجارية، وقدم أمثلة على ذلك البنك التونسي القطري والبنك التونسي السعودي والبنك التونسي - الإماراتي، وعانى القطاع الخاص عند الاقتراض، منذ ذلك الحين، من قصر آجال الائتمان عند التمويل، إذ لا تتجاوز القروض سبع سنوات على أقصى تقدير، وهي آجال غير كافية لتنفيذ مشاريع ضخمة ومهمة لدى الاقتصاد التونسي ويتحتم التمديد فيها، علاوة على قيمة القروض التي تحتاج إلى إعادة الدراسة والنظر بسبب ارتفاع الفوائض على خلفية الزيادات المتتالية في الفائدة الرئيسة التي تبلغ ثمانية في المئة، مما رفع الفوائد إلى حدود 13 في المئة وأثقل كاهل المؤسسات، وهي عوامل تفقد المنتجات التونسية قدرتها التنافسية بحكم ارتفاع كلفة الإنتاج على خلفية كلفة الاقتراض. وطالب الشريف بتخصيص نسب فوائد مدروسة لمساندة الاستثمار، إلى جانب مراجعة كلفة الإنتاج في المجمل والعمل على عدم تجاوز معدلاتها مثيلاتها في البلدان المنافسة مثل المغرب وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، ما يوفر الحلول للشركات التونسية والمستهلك التونسي على حد سواء بالنظر إلى الانعكاسات المباشرة على الأسعار ونسب التضخم، علاوة على ضرورة الدفع نحو تحسين الخدمات العمومية وفق الشريف الذي أكد أن الصمود الذي أظهره الاقتصاد التونسي يعود بالأساس إلى أداء مؤسسات القطاع الخاص.
وفسر عضو المكتب التنفيذي لـ"كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية" شكيب بن مصطفى تراجع أداء القطاع الخاص بصعوبات هيكلية ولوجيستية، الأمر الذي يحول دون توسيع الاستثمارات أو تطويرها، بالتالي تراجع القدرة على الإنتاج، كما تفتقر الشركات إلى الإطار الإداري المؤطر للاستثمار. وأضاف ابن مصطفى أن 40 في المئة من الشركات التونسية تنشط في إطار إنتاجي مرتبط بمؤسسات ضخمة، وهي في آخر المطاف غير مستقلة النشاط ولا تنفرد بالمبادرة بسبب الافتقار إلى السيولة، وهي مؤسسات ضعيفة فقد 40 في المئة منها عميلاً مهماً سنة 2022 في حين تحصل نصفها على عميل جديد في السنة نفسها، ما أدى بالضرورة إلى خسائر مالية تفسر بمناخ الأعمال غير الملائم، وتهيمن الشركات الكبرى وتستحوذ على الأسواق العمومية في ظل غياب الحوافز للمؤسسات الصغرى والمتوسطة للاستثمار، الأمر الذي يواصل التأسيس للاقتصاد الريعي وتراجع نسبة النمو بفعل حجم تأثير المؤسسات الصغرى على أداء الاقتصاد التونسي، أما الحلول المطروحة من قبل الدولة فهي غير ناجعة بسبب البيروقراطية المرافقة لتدخل الهيكل العمومي.