Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحمل الأجيال القادمة في تونس أعباء الحاضر؟

تعاني البلاد عدم استقرار اقتصادي وسياسي يحول دون وضع استراتيجيات مستقبلية

ملف الدين الخارجي يثقل كاهل الأجيال القادمة (أ ف ب)

ملخص

هل يفكر صناع القرار في تونس بحقوق الأجيال القادمة في موارد طبيعية نظيفة ومنظومة اقتصادية متوازنة؟ 

نص دستور تونس الجديد الذي تمت المصادقة عليه عام 2022، بعد دخول البلاد في مسار جديد منذ 25 يوليو (تموز) 2021، على حقوق الأجيال القادمة الثقافية لكنه غفل عن الحقوق الاقتصادية والبيئية، وجاء في الفصل الـ49 للدستور الحالي "أن الدولة تحمي الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه".

في المقابل، نص دستور 2014 على إحداث مجموعة من الهيئات الدستورية المستقلة وبينها هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، إلا أنها لم ترَ النور ولم تكن لوحدها ضحية التجاذبات السياسية وقتها، إذ لم يتم حتى الآن إرساء المحكمة الدستورية. 

ومن بين ما نص عليه مشروع الهيئة "الحفاظ على تطلعات الأجيال القادمة، وحماية حقوقهم وبخاصة منها الحق في موروث ثقافي، وفي رصيد حضاري، وفي هوية وطنية، والحق في بيئة سليمة ومتوازنة، وفي مناخ اقتصادي واجتماعي مستقر، وفي موارد وثروات طبيعية مستدامة، تلبي حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتضمن لهم استمرارية الحياة الآمنة".

فهل يحسب صناع القرار في تونس حساب الأجيال القادمة؟ وهل وضعت التشريعات الكافية لضمان حقوقهم؟ 

الصعوبات اليومية

يؤكد المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد، حسن الرحيلي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "تونس اليوم باتت عاجزة عن توفير المياه سواء للشرب أو للري للتونسيين، فكيف لها أن تفكر في الأجيال القادمة، وهي تكابد من أجل الوقت الراهن؟"، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من التونسيين في المناطق الداخلية لا تصلهم المياه الصالحة للشرب ويلجأون إلى مصادر ملوثة وغير صحية. 

وأشار الرحيلي إلى أن "الشغل الشاغل لتونس اليوم هو توفير العملة الصعبة من خلال استخراج الفوسفات وبقية الثروات الباطنية وتصديرها بالكميات التي تطلبها السوق الدولية من دون إعارة أي اهتمام لاستنزاف تلك الثروات أو حقوق الأجيال القادمة".

وتعاني البلاد عدم استقرار حكومي وسياسي، وهو ما يحول دون وضع سياسات واستراتيجيات تراعي مدى استنزاف طاقاتها وتبحث عن حلول بديلة للحيلولة دون إهدار تلك الموارد.

ويؤكد الرحيلي أن "الحكومات المتعاقبة في تونس تضطر إلى التسيير اليومي للصعوبات التي تواجهها من دون وضع سياسات عمومية بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني، لرسم ملامح الوقت الراهن والمستقبل والعمل على الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في بيئة سليمة وثروات طبيعية متوازنة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ينبع التفكير في حقوق الأجيال القادمة من ثقافة التشبع بالحقوق في شموليتها، ومن الاستقرار الاقتصادي والمالي للدول، ولا يمكن لدولة تكابد من أجل توفير الحاجات اليومية الأساسية لشعبها أن ترسم سياسات لحقوق الأجيال القادمة.

فقدان الموارد

وتجدر الإشارة إلى أن التغيرات المناخية أثرت بشكل مباشر في تونس من خلال تداعيات الشح المائي وانحسار الأمطار وعدم توفر الأعلاف، علاوة على تراجع المساحات في الفلاحة المروية. 

وتنذر مؤشرات التغيرات المناخية بنتائج وخيمة على الأمن الغذائي، إذ أكدت دراسة حول "التغيرات المناخية في تونس: الواقع وسبل التكيف في قطاع الخدمات العامة"، نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن "الموارد المائية التقليدية ستنخفض نحو 28 في المئة بحلول عام 2030، وستتراجع المياه السطحية بنسبة خمسة في المئة، كما تشير الدراسات المناخية إلى تراجع مساحات الأشجار المثمرة بنسبة 50 في المئة مع نهاية القرن، و30 في المئة من مساحة الزراعات الكبرى بحلول 2030". 

كما أكدت دراسة أنجزتها وزارة البيئة عام 2021 أن "تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، مع نقص حاد في محاصيل الحبوب، بسبب الجفاف، وتراجع المساحات المزروعة بـ800 ألف هكتار، بحلول عام 2030" .

وإزاء هذه المؤشرات لم تضع الحكومات المتعاقبة سياسة اتصالية ناجعة للتوعية بما يتهدد التونسيين في حاضرهم ومستقبلهم حول السيادة الغذائية، كما لم تطرح تداعيات التغيرات المناخية بجدية في النقاش العمومي أو من خلال حوار وطني شامل لتعميق الوعي بخطورة تلك التغيرات التي تحتاج إلى استراتيجيات بعيدة المدى للحد من آثارها السلبية.

الانتقال الإيكولوجي 

في المقابل، يؤكد المتخصص الدولي في التنمية المستدامة عادل الهنتاتي، في تصريح خاص، أن "تونس وضعت التشريعات الضرورية لضمان حقوق الأجيال القادمة، إلا أن الإشكال يبقى في تطبيق تلك التشريعات"، لافتاً إلى أن "الظاهرة لا تخص تونس فحسب، بل أغلب دول العالم وضعت ترسانة من التشريعات وصادقت على اتفاقيات دولية لحماية الكرة الأرضية إلا أنها لا تلتزم بها".

ويرى أن "التفكير في الأجيال القادمة يبقى مسألة نظرية، أما تطبيقياً فقليلة هي الدول التي تفكر في الأمر بجدية".

وبخصوص الحالة التونسية، يؤكد الهنتاتي أن "تونس وضعت استراتيجية الانتقال الإيكولوجي من أجل وضع حد لاستنزاف مواردها الطبيعية، كالتعويل تدريجاً على الطاقات النظيفة، والبحث عن موارد متجددة للمياه"، داعياً إلى "وضع خارطة تراعي خصوصية كل منطقة من أجل دراسة وضعها الإيكولوجي ومواردها الطبيعية".

بينما تتسارع التغيرات المناخية على مستوى درجات الحرارة والجفاف والشح المائي ظلت مختلف هذه التغيرات خارج حسابات السياسيين وصناع القرار في تونس، وعليه لا بد من  تغيير طرق الإنتاج الفلاحي عبر توظيف التكنولوجيات الحديثة، والتخلي تدريجاً عن إنتاج المواد التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، والموجهة أساساً للتصدير، والاتجاه إلى الاقتصاد المنتج للثروة والذي يحافظ على التوازنات البيئية من أجل التكيف مع التغيرات المناخية، والمحافظة على الحد الأدنى من الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

كما يتطلب ملف الدين الخارجي الذي يثقل كاهل الأجيال القادمة حواراً مجتمعياً للتخفيف من حدته، بخاصة بعد أن تفاقمت ديون تونس بشكل لافت وطاولت 41 مليار دولار، بينما لا تزال البلاد مستمرة في نهج الاقتراض الخارجي، وباتت شبه عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها المالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير