أجرى لوغان بول مؤخرا مقابلة مع قناة فوكس بزنس. وإذا كنتم ممن أنعمت عليهم الحياة بأفضالها لدرجة أنه ليس لديكم أي فكرة مَن هو لوغان بول، اسمحوا لي أن أخبركم: إنه مدوّن على يوتيوب، يبلغ من العمر 24 عاماً ولديه 19 مليون مشترك في قناته. تشمل إنجازاته، على سبيل المثال لا الحصر: تصوير جثة هامدة تتدلى من شجرة في غابة أوكيغاهارا اليابانية، إجرى مقابلة مدتها ساعتان مع ألكس جونز اليميني المتطرف معتنق نظرية المؤامرة، وقام بتحويل المياه في حمام السباحة الخاص بشقيقه إلى مادة لزجة.
اعتقد البعض أن مسيرة بول المهنية ستنتهي بعد أن أثار مقطع أوكيغاهارا المصوَّر إدانة عالمية. لكنها بالطبع، لم تنته - لقد احتاج فقط إلى أن يغيب عن الأنظار لمدة شهر كامل وأن يقدم فيديو اعتذار يذرف فيه الدموع. ما زال بول مستمراً بنشر مقاطع الفيديو، وعبر خدمة التدوين الصوتي ’بود كاست‘ جاعلاً من أي جانب متوفر في حياته محتوى قابلاً للنشر. أفترض أن هذه هي الطريقة التي جعلته يحل ضيفاً كخبير في قناة فوكس بزنس كجزء من ملف عن يوتيوب وفيسبوك و تيك توك.
بالطبع، انتشرت مقابلة بول مثل النار في الهشيم. خلال مدة سبع دقائق، أطلق بول على نفسه اسم "مدوّن سابق مثير للجدل على يوتيوب"، وقال إنه "موجود في كل مكان، يا أحبائي - أنا في كل مكان ولست في أي مكان، أنا مثل الشبح"، وأعلن أن نفقاته قد تجاوزت بالفعل أرباحه للمرة الأولى على الرغم من أنه حقق 14.5 مليون دولار في عام 2018 ، وادعى بإيجابية على طريقة الرئيس ترمب أنه قد يكون "أسرع رجل على هذا الكوكب" (كان يتحدث حينها عن الجري)، وكشف أنه كان يعاني من التهاب الملتحمة (لكنه لم يكن متأكداً مما إذا كانت الحالة معدية).
لم يَغفل بول نفسُه عن ردود الفعل على المقابلة. إذ إن لفْتَ الاهتمام هو صَنعة بول. إنه سبب وجوده على الإنترنت والطريقة التي يتربح منها مبالغ (طائلة على ما يبدو). وقد قام بالتعليق على مقابلته الخاصة يوم الثلاثاء قائلاً: "من المدهش بالنسبة لي أنني أستطيع، دون إخفاق، وفي كل مرة، أن أعتمد على سذاجة تويتر كأداة تسويقية، مجانية، لمادة إعلامية يحتاج نشرها إلى دفع مئات الآلاف من الدولارات." يبدو أن بول يعتقد أن استراتيجيته التجارية أكثر ذكاءً وأحدث مما هي عليه في حقيقة الأمر.
مثله مثل العديد من الفنانين الذين يتمتعون بمتابعة قوية بما فيه الكفاية، لقد أتقن بول فن الفشل المتصاعد - وهو تطور ربما نتج عن حادثة أوكيغاهارا. الاستمرار في مهنته، يعني قيامه بأشياء أمام الكاميرا. ليس بالضرورة أن تكون جديدة أو أموراً تتطلب مهارات أو شغفاً. يمكنه فقط الظهور أمام الكاميرا وسيشاهده الناس. بمقدوره جراء مقابلة سخيفة وسينتشر انتشاراً كاسحاً - ويعود ذلك إلى كل الأسباب الخاطئة، لكن بول لا يهتم بهذه الجزئية. كل ما يحتاج أن يكترث إليه هو عدد المشاهدات.
تصر ثقافتنا على أنه إذا تمكن شخص ما من جني الكثير من المال و/ أو اكتساب إعجاب الملايين، فلا بد أنه يفعل الشيء الصحيح. من المؤكد أنكم قد لا تتفقون معه أو تستمتعون بالمحتوى الذي يقدمه لكن ألا يتعين عليكم احترام مجهوده على الأقل؟
لا، لا يتوجب عليكم ذلك. أقل ما يمكن أن أقوله هو أن صعود بول إلى الشهرة وثروته المفترضة هي مثال على كيفية أننا كمجتمع نواصل مكافأة كل الأشياء الخاطئة. فكرة أن بإمكان مبتدعي المحتوى أن يخترقوا حاجتنا (البشرية جداً) للترفيه ويحولوها إلى ثروة تبلغ 8 ملايين جنيه إسترليني لا تثير فيّ إلا الرعب الوجودي. لا ترتبط الثروة بالأخلاق، وهي بالتأكيد ليست مؤشراً على الموهبة.
يجب أن أعترف أنني شاهدت مقابلة بول على قناة فوكس بزنس - كاملة. أعتقد أنني لن أتمكن من استرداد تلك الدقائق السبع أبداً. (إلا في حال كان هناك في الحياة الآخرة نظام لتعويض الوقت الضائع ولستُ على علم به؟ عندما تحين ساعتي، هل أستطيع أن أدفع أبواب الجحيم وأطالب بالحصول على سبع دقائق إضافية على الأرض؟) لقد فات الأوان بالنسبة لي- لقد سقطت في هوة يوتيوب التي لا قاع لها ولن أتمكن من الخروج منها تماماً على الإطلاق. لكن بالنسبة لكم، ما زال بإمكانكم الفرار بجلدكم.
في المرة القادمة التي يكون لديكم سبع دقائق أو أقل وتودون تجنب الإسهام في تقوية العصب الرئيسي لأعمال لوغان بول، فكروا في كل الأمور الأخرى التي يمكنكم القيام بها: الاستماع إلى تلك الأغنية التي صدرت عام 2012 وتتحدث عن كيفية ملء غسالة الصحون؛ القيام ببعض حركات اليوغا لمدة خمس دقائق. إرسال بريد إلكتروني إلى جداتكم أو أجدادكم أو خالاتكم أو أعمامكم أو أمهاتكم أو آبائكم أو أشقائكم أو أي شخص من أقربائكم الذين لم تتفقدوهم لمدة من الزمن، احجزوا موعداً مع طبيب الأسنان (ذلك الموعد الذي كنتم تؤجلونه)؛ تأمّلوا؛ اقرؤوا سلسلة منشورات مضحكة على تويتر كتلك التي يستعرض فيها الناس أشهر الأكاذيب التي قالوها لتحقيق مكاسب شخصية؛ أو ربما تفضلون الترفيه عن أنفسكم بذلك الموضوع الذي يقوم فيه مبتكر عبقري باستبدال وجوه أبطال ديزني بوجوه خصومهم.
إليكم بعض الاقتراحات التي تستغرق وقتاً أقل. اشربوا الماء. من الصعب جداً أن يكون شرب الماء أمراً سيئاً. تصفحوا كتاباً، أي كتاب سيفي بالغرض إلى حد كبير. عانقوا أحبتكم، أو حيواناتكم الأليفة.
يعتمد لوغان بول علينا، لذلك دعونا نتوقف عن الدعم غير المقصود لهذا الهراء الرأسمالي الذي ينشره على يوتيوب. آمل أن الأنشطة التي ذكرتها أعلاه ستحقق لكم المتعة، وستساعدكم على تعلم مهارات جديدة بالمجان وحتى أنها قد تجعل العالم مكاناً أفضل. لا يشتمل أي من تلك النشاطات على مناقشة ما إذا كان التهاب الملتحمة معُدياً (في الحقيقة إنه معد- طالما أنه ناتج عن بكتيريا أو فيروس، على عكس الحساسية).
© The Independent