Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكّامة السودانية شادن غنت للسلام وقتلتها الحرب

الباحثة في الغناء سجلت مواقف مشهودة في أغنيات مصورة ورسائل صوتية وهي تتابع مجريات القتال

من قبيل المفارقة المفجعة أن تكون رسائل السلام هي أساس مشروع شادن الفني والبحثي (صفحة الفنانة - فيسبوك)

ملخص

الباحثة في الغناء سجلت مواقف مشهودة في أغنيات مصورة ورسائل صوتية وهي تتابع مجريات الحرب

قذيفة طائشة، أصابت منزل المطربة والباحثة السودانية في التراث الشعبي، شادن محمد حسين، الشهيرة بـ"شادن القردود"، في حي الهاشماب في أم درمان، فأردتها ضحية للحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، المندلعة منذ الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي.

ومن قبيل المفارقة المفجعة، أن تكون رسائل السلام هي أساس مشروع شادن الفني والبحثي، لكنها راحت ضحية للحرب، فقد جمعت طوال سنين  الفن الشعبي الذي يدعو للمحبة والسلام، في مواجهة ثقافة الحرب في المجتمع، كما يشير إلى ذلك الشاعر الغنائي هاشم الجبلابي.

وُلدت شادن، في منطقة أبو زبد، في إقليم كردفان غرب السودان، ونشأت في مدينة الأبيض، حاضرة الإقليم، ودرست فيها جميع مراحلها الدراسية، وتخرجت في كلية إدارة الأعمال، قسم البنوك والتأمين في جامعة أمدرمان الأهلية. وعمل والدها ضابطاً في الجيش مما أتاح لها الفرصة للتعرف على أنحاء السودان المختلفة. ومن أشهر أغاني شادن "السكر حبيبة" و"الغربة شالت حالي".

بدأت شادن مسيرتها الفنية، وهي في المرحلة الثانوية من خلال مشاركات إبداعات الطلاب والدورات المدرسية. في المرحلة الجامعية، بدأت رحلتها في البحث والتقصي عن التراث الكردفاني، وبعد تخرجها واصلت رحلتها الفنية بوصفها باحثة في التراث الشعبي، وسافرت إلى العديد من أنحاء إقليمي كردفان ودارفور غرب السودان، للبحث عن أغنيات تتحدث عن إنسان المنطقة وثقافتها.

ومن ثم بدأ اهتمام شادن يتسع بتراث منطقة غرب السودان ككل. ولتطوير أوإبراز غناء الحكامات - وهو نوع من الغناء منتشر في غرب السودان - كونت شادن فرقة موسيقية من الآلات الحديثة، لتستطيع تقديمه بشكل علمي عبر التنفيذ المتقن والتوزيع الموسيقي العالي.

غناء الحكامات

اهتمت شادن بالبحث عن قيم السلام في غناء الحكامات، المنتشر في غرب السودان. والحكامة تسمية شعبية للمرأة التي تكون في الأصل شاعرة ومغنية، واشتهرت على وجه الخصوص في أقاليم غرب السودان، وغالباً ما تنشئ الحكامة قولها على القضايا، فتحرض مجتمعها على الفضائل حيناً، وعلى ما يمكن أن تورده المهالك حيناً بالدعوة إلى الحرب بين القبائل. ولعل من أبرز القضايا التي كانت محل اشتغال الحكامات هي قضايا الحرب والسلام، وللحكامة رديف من الرجال يعرف بالهداي، وهو مثل الحكامة تماماً من حيث صلته بالشعر والغناء ومن حيث القضايا التي يتناولها.

 

 

وعلى رغم أن الشاعر الغنائي هاشم الجبلابي، يعد شادن، باحثة في التراث أكثر من كونها مغنية، إلا أنه يقول إنها وظفت معرفتها في تقديم منتوجها الفني. ويقول الجبلابي في حديث لـ"اندبندنت عربية": "اهتمت بثقافة الحكّامات وتجميل صورتهن للمجتمع من داعيات للحروب والاقتتال إلى مناديات بالحب والسلام من خلال بحث مضنٍ كلفها السفر في البلاد طولاً وعرضاً، فجمعت كثيراً من غناء الحكّامات الذي يدعو للمحبة والسلام والثناء والفخر وما شابه من قيم الإنسان السوداني في تلك المناطق". ويضيف: "أيضاً سافرت داخل السودان وخارجه وقدمت تجربتها بشكل وجد كثيراً من الاستحسان، ولم تهتم بالعائد المادي بقدر اهتمامها بنشر ثقافة السلام".

ويشير الجبلابي إلى استعانة شادن بالآلات الحديثة بخلاف العديد من فرق التراث التي تستخدم الآلات التقليدية، إضافة إلى الصوت البشري، لتوصيل رسالتها في السودان والعالم، واختارت مجموعة من أفضل العازفين، ويضيف: "أيضاً اجتهدت في توزيع الأعمال الغنائية موسيقياً من دون الخروج عن  القالب الغنائي للعمل التراثي".

السلام والمحبة هدفها وواجبها

بعد مصرع شادن انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي منشور من صفحتها يعود إلى العام 2017، تتحدث فيه عن حياتها وعلاقتها ببوادي كردفان وإنسانه، وتنتقد فيه الأدوار السلبية للحكامات، إذ تقول: "من الأكثر الأشياء المقلقة والمريعة، طريقة تفكير الناس في حلول مشكلاتهم، والحكامة واحدة من المحمّسين للحروب، ورغم وجود أدوار إيجابية لها، إلا أن إدارتها للحروب من أبشع واجباتها، وبسبب الحكامة تفقد القبائل عدداً كبيراً من أبنائها ورجالها، وحتى اليافعين". وتضيف موضحة الأساس الذي انبنى عليه مشروعها الفني والبحثي: "هدفي أن أغير هذا النهج المميت، وأكون تلك الحكامة المتعلمة المسالمة الواعية الطيبة حتى يعيش من حولي بسلام".

وتقول شادن في منشورها إنها ورثت من أهلها ملكة الكتابة وأضافت إلى ذلك المعرفة والتثقيف، ثم صقل تجربتها لتنمية لغة السلام. وتقول: "مهمتي هي إعادة أفضل العادات والتقاليد القديمة بثوب حديث يتماشى مع التفكير الحديث، حتى لا نختلف عن الآخرين ونبدأ من حيث انتهوا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن إنسان كردفان ودارفور تقول إنه "يحتاج إلى الاستقرار والأمان فقط... وإذا لم يكن هناك استقرار سيتضاعف الموت، ويقل الأكل والشرب وتشح الأرض وينعدم التعليم والصحة".

وترى شادن أن دور الحكامة يجب أن يكون في اتجاه تعزيز قيم السلام بدلاً من الدعوة إلى الحروب وسفك الدماء، فالحكامة هي التي "تأتي بالمحبة والسلام، وتفتخر بجذورها وتهجو من أخطأ بلسان عفيف ومفردة شفيفة. وتزرع فينا حب الوطن والتراب. وهي الحكم العادل والقيمة المقدرة... وهي التي تحافظ على اسم وعظمة الأجداد. ليست حماسة الحروب ولا سفك الدماء. هذا ليس دوراً إنسانياً أبداً". وتختم رسالتها: "فقط الاستقرار والسلام والمحبة هدفي وواجبي تجاه أهلي".

طوَّعت صوتها للسلام

رافق الموسيقي وعازف الأورغن هيثم صالح الباشكاتب، تجربة الفنانة شادن منذ بداياتها، وهو أحد الذين تستشيرهم في تقديم أعمالها. يقول الباشكاتب في حديث لـ"اندبندنت عربية": "وهي في السادسة عشرة كانت ملحاحة جداً وهدفها أن تصبح مغنية، وكان الفنان السوداني محمود عبد العزيز مثالها الفني وتحب ترديد أغانيه".

ورغم أن الباشكاتب يرى أن لدى شادن مشكلة في الصوت، لكنه يعتبر أنها استطاعت تطويعه باتجاه التراث والغناء الكردفاني وغناء السلام والتنمية. ويضيف: "كانت واعية بمشروعها ومسالمة ومحبة للجميع بشهادة الجميع. وكنت أتابع معظم أعمالها التي نُفّذت، لا سيما وأنها كانت تستشيرني عنها".

ويرى الباشكاتب أن شادن استطاعت أن تضع بصمة مميزة وأن تكوّن شخصية فنية مستقلة، لا تشبه التجارب الأخرى، لا من ناحية الكلمات ولا الألحان ولا الأداء، وهذا كان جزءاً من ترتيب حياتها، بسلوك طريق مختلف عن الآخرين.

ويضيف الباشكاتب: "باشرت رسالتها بكل حب وإخلاص حتى قيام الحرب اللعينة، فكانت لها مواقف مشهودة سجلتها في فيديوات ورسائل صوتية على صفحتها، وهي تتابع مجريات الحرب، ثم اختارها الله لتكون شهيدة من ضمن شهداء الثورة والحرب". ويقول: "كانت تغني ب"لا" للحرب و"نعم" للسلام فقتلتها طائرات الحرب".

يكتب أيمن هاشم وهو أحد الكتاب الشباب البارزين ناعياً شادن: "في مرات عديدة تصبح المغنيات، الحكّامات، ملائكة موت، لأنهن يوزعن العار والشرف بين فرسان القبيلة؛ بينما لعبت بعضهن دور ملائكة، فعندما ظهرت شادن محمد كمغنية، استطاعت بصوتها ترويض الإبل الشاردة، غنت للفرسان الضائعين، ومنحت أغنية رعاة الإبل الموسيقى بدلاً من الهمهمة الخافتة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة