Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ابتكارات فلسطينية واعدة... تعثرت بالإحباط والفشل

"اليد الصناعية"... المطلوب ترجمة الاهتمام بالإبداع إلى خطوات عملية

المهندس الشاب ناصر دلاش آخر شخص على اليسار مع مجموعة من الطلبة الخريجين (اندبندنت عربية)

داخل مكتب جميل وبسيط مزود بأحدث الأجهزة العلمية في إحدى الدول الأوروبية، تتزاحم تصاميمُ ثلاثية الأبعاد لأطراف صناعية مطورة، ستنهي معاناة آلاف الجرحى والمصابين حول العالم ممن فقدوا الأمل بعيش حياة شبه طبيعية وهادئة، كل ذلك ليس أكثر من حلم لم يتحقق، راود لسنوات فريقاً من المهندسين الشباب في جامعة بيرزيت وسط الضفة الغربية، بعدما حاز مشروعهم "اليد الصناعية"، على الميدالية الذهبية كأفضل مشروع ضمن فئة مشاريع الذكاء الصناعي، في فعاليات المعرض الدولي للإبداع، والمنتدى الدولي للإبداع والابتكار الذي عُقد أخيراً في مدينة فوشان بجمهورية الصين.

غارقون بالإحباط

المهندس الشاب ناصر دلاش (26 سنة) أحد المشرفين على المشروع الذي تقزّمت أحلامه وطموحاته بعدما أصبح موظفاً عادياً في قسم الصيانة في وكالة للسيارات في رام الله وسط الضفة الغربية، يقول لـ "اندبندنت عربية" إن "المشروع عبارة عن يد صناعية ذكية، يجري التحكم بها باستخدام الإشارات العضلية للذراع للقيام بحركات عدة أساسية، وذلك بغية مساعدة أصحاب الأطراف المبتورة، وتمكينهم من أداء المهام اليومية بشكل شبه طبيعي. وبين الحسابات النظرية والتطبيق الفعلي للمشروع على أرض الواقع، هناك عام كامل من العمل والجهد والضغط، وبعد عامين ونيف على التصفيق والتهليل والجوائز لمشروع "اليد الصناعية" أين نحن اليوم؟ مهندسون عاديون نعمل بمهن لم تخطر في بالنا يوماً، وعدد من مهندسي المشروع يعملون الآن، بعيداً من شهادتهم العلمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"اليد الصناعية" إلى النور

بعد عامين وأكثر من خروج مشروع "اليد الصناعية" إلى النور، حاول دلاش وزملاؤه الثلاثة النجاة بأنفسهم كمهندسين متفوقين، والابتعاد عن ركب الإحباط واليأس اللّذين زُج فيهما مهندسون كثر ممن سبقوهم باختراعات ومشاريع خلاقة وريادية، فعملوا جاهدين على تطوير مشروعهم وتصميم نموذج جديد ومحدّث، يمتلك مواصفات عالمية إلا أن الفريق لم يتمكن من إخراج النسخة المحدثة على أرض الواقع، بسبب التكلفة المادية الباهظة، فكل عملية طباعة ثلاثية الأبعاد تخرج على شكل مجسمات صغيرة بلاستيكية يصل سعرها حسب دلاش إلى 1000 دولار على الأقل، ولا يمكن لخريجين جدد أن يتحملوا هذا العبء المادي من دون مساعدة أو تمويل أو منحة، فتركوا مشروعهم يغرق في التساؤلات، وتخلوا عنوة عن أحلامهم .

واحد من فريق مشروع "اليد الصناعية"، حصد الكم الأكبر من الألم والمعاناة والإحباط، فالمهندس أحمد سجدية من مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين شمال القدس، كان المبادر الأول لفكرة المشروع، فكف يده اليمنى المبتورة بفعل رصاصة جندي إسرائيلي عام 2014 كان كفيلاً بدفعه إلى التفكير بإيجاد يد صناعية بديلة. سجدية الذي حاول وزملاؤه لسنوات تطوير ابتكارهم، يعيش اليوم بكف يد مبتورة، تذكّره في كل لحظة كيف تخلى مجتمعه الفلسطيني عنه كما عن 3500 حالة بتر لأطراف داخل الأراضي الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

حبر على ورق

عام 2015، أقرّت الحكومة الفلسطينية تأسيس برنامج وطني لرعاية الرياديين والمبدعين، الذي يسعى إلى تشغيل الشباب الخرّيجين، إذ يسهم البرنامج وفق القرار في توفير فرص عمل جديدة للشباب الخريجين لدى المؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة، ويعمل على رعاية الأفكار الإبداعية والريادية لدى الشباب الخريجين، وتطوير قدراتهم الإدارية والتقنية، وتحويلها إلى شركات إنتاجية وخدماتية، تدعم عملية التنمية الاقتصادية وتوفر فرص عمل جدية.

الدكتور سامح أبو عوّاد الذي أشرف على مشروع "اليد الصناعية" كما عدد من المشاريع الأخرى داخل جامعة بيرزيت وسط الضفة الغربية، قال لـ "اندبندنت عربية" "للأسف، الدعم الحكومي الذي جرى الحديث عنه قبل سنوات والترويج له والتصفيق، هو في الحقيقة صفر على أرض الواقع، لا أحد يدعم الطلاب ولا بدولار واحد، وجامعة بيرزيت الحاضنة للطلبة المبدعين لها ميزانيات محدودة وتعاني منذ سنوات من ضائقة مالية، إذ بدأت الجامعة بتقديم 1500 دولار دعماً للمشاريع الطلابية الريادية الجديدة، من حيث الفكرة، ومن ثم خفّضت المبلغ إلى 1000 دولار، فـ800 دولار، إلى أن وصلت اليوم إلى دفع مبلغ 500 دولار! لا تكفي لسد تكلفة الورق والحبر لأي مشروع طلابي، ومشروع اليد الصناعية الذي أشرفت عليه وكان مصيره الركود والإحباط ليس أول مشروع، ولن يكون الأخير في ظل تنصّل المؤسسات المحلية والرسمية من دعم الطالب المبدع والمخترع".

وتابع "المجلس الأعلى للتميز والإبداع الذي يدّعي دعم الرياديين والمخترعين، لا يطبق شيئاً من وعوده، فالمبدعون في فلسطين يُضطرون في كثير من الأحيان إلى المغادرة والهجرة في أقرب فرصة تُتاح لهم، والمطلوب فعلياً ترجمة الاهتمام بالإبداع والمبتكرين إلى خطوات عملية، وتوفير الحد الأدنى من المقومات التي تُتيح لهم تحقيق المزيد من الإبداع، لا أن تبقى الوعود والقرارات، حبراً على ورق".

مصنع فلسطيني للأطراف الصناعية

عام 2006، حالف الحظ جمعية قلقيلية للتأهيل شمال الضفة الغربية بالحصول على تمويل من جهات وهيئات خيرية عربية لإنشاء مشروع لصناعة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، الذي يُعتبر الأول من نوعه في فلسطين، إذ يوفر المصنع ما يزيد على 20 نوعاً من الأطراف الاصطناعية والأجهزة التعويضية لذوي الإعاقة والجرحى. يقول أحد فنيي الأطراف الصناعية صلاح عثمان "أعمل في المصنع منذ نشأته وأنا الوحيد حالياً الذي يعمل في تصنيع الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، إذ يعاني المصنع من صعوبات كثيرة، على رأسها شح الموارد والتكلفة الباهظة للطرف الاصطناعي، التي غالباً ما تشكل عبئاً على أسرة من فقد طرفاً، فالأطراف الصناعية غالية الثمن، والشخص نفسه ليست لديه مقدرة مادية لتوفير الحد الأدنى من سعر الوحدة (الطرف الصناعي) والمصنع يبيع إنتاجه بتخفيض يصل لحوالى 30 في المئة إلى 40 في المئة من إجمالي السعر، إذ يبلغ سعر جهاز الشلل مثلاً ما يزيد على ستة آلاف دولار في السوق المحلية أو الدولية، في حين أن المصنع يبيع الجهاز ذاته وبالمواصفات ذاتها بـ 4500 دولار، مراعاة للظروف المعيشية".

ويضيف "وعلى الرغم من تخفيف معاناة كثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يُقبلون علينا من كل الضفة الغربية بمعدل يتخطى 500 حالة سنوياً، إلا أننا لا نبيع أكثر من 150 وحدة سنوياً (أطراف صناعية وأجهزة تعويضية)، فالمصنع أُغلق لمدة عامين من قبل السلطات الإسرائيلية، واستؤنف العمل لإعادة الأمل لذوي الإعاقة وفتح آفاق جديدة أمامهم بهدف دمجهم في المجتمع الفلسطيني من جديد."

وفي الوقت الذي يطالب فلسطينيون وبشدة بوجود خطة استراتيجية شاملة متكاملة ومستدامة على المستوى الوطني، بغية دعم الإبداع والريادة والابتكار، أهم مقومات نمو العديد من المجتمعات والدول، تصدّرت إسرائيل حسب مؤشر "بلومبيرغ" للابتكار لعام 2019 الذي تضمن اقتصادات 60 دولة حول العالم، قائمة الدول الخمس الأول في بند كثافة الإنفاق على البحث والتطوير العلمي .

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات