Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإيجارات السكنية في لبنان: مشكلة تستعصي على الحل

الأزمة تتفاقم في ظل غياب الدولة عن المشهد

تثير عقود الإيجارات السكنية القديمة مشكلة كبيرة في لبنان (اندبندنت عربية)

ملخص

يدور سجال دائم حول تفسير قانون الإيجار الجديد في لبنان وتحديد تاريخ تحرير العقود.

تأخذ أزمة السكن في لبنان أبعاداً جديدة مع تعمق الانهيار المالي والاقتصادي. وبات الدولار شرطاً ضرورياً لإتمام أي عقد جديد حيث يحاول الملاك تجنب الكأس المرة التي تجرعها أهلهم في حقبة الحرب الأهلية اللبنانية، بما يعرف بأزمة "عقود الإيجار القديمة". وفشلت المحاولات التي انطلقت في عام 2014 وصولاً إلى تحرير العقود وإقامة توازن مستدام بين المالك والمستأجر

"لا يوجد بيوت للإيجار" بهذه العبارة يختصر أحد أصحاب المكاتب العقارية أزمة السكن في لبنان، مؤكداً "هناك طلب كبير على الشقق السكنية من فئة الشباب، ولكن العرض ضئيل جداً بسبب عدم إقدام الملاك على تأجيرها". في المقابل، يتشدد الملاك في تحديد بدلات الإيجار، وبـ"الدولار الفريش" من أجل ضمانة مداخيلهم، في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية. يعبر هؤلاء عن خشيتهم من تكرار سيناريو "عقود الإيجار القديمة" التي نشأت إبان الحرب الأهلية وما زالت تنتج مفاعيلها حتى يومنا هذا. 

انعدام الثقة

يتضح أن سوق الإيجارات السكنية تعيش في حالة من الشد والجذب بين الملاك والمستأجرين. وهذا الوضع ليس بالجديد، ولكنه تكرس مع الانهيار المالي والاقتصادي، وفقدان البدلات المحددة في عقود الإيجار قيمتها. ويمكن الحديث عن علاقة سجالية على مستويات عدة منها ما يتعلق بالتعاطي مع العقود الناشئة قبل عام 1992 والتي تشتهر بأزمة الإيجارات القديمة. وشق يرتبط بالعقود التي تحددت قيمة بدلاتها قبل الأزمة الحالية بالدولار الأميركي، ومن ثم جاء الانهيار وتآكلت القدرة الشرائية لأجور الموظفين، فعلى سبيل المثال: الأستاذ الجامعي الذي كان يساوي أجره 5 ملايين ليرة لبنانية كانت تتجاوز قيمته 3300 دولار عند سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، فهو لم يكن ليواجه مشكلة في استئجار شقة بـ 500 دولار في بيروت. ولكن اليوم، مع دولار قارب الـ 100 ألف ليرة لبنانية، أصبح هذا الإيجار خيالياً مقارنة بقيمة أجره. من هنا، ظهر السؤال حول الدولار المعتمد في تحديد بدلات الإيجار. وبين هذا وذاك، تظهر مشكلة عقود الإيجار للأماكن التي تشغلها مؤسسات تابعة للدولة اللبنانية. 

المالك "مغبون"

في مقابل شكوى لـ "المستأجرين الضعفاء"، تبرز الحسرة لـ "الملاك الفقراء". ويأسف باتريك رزق الله، ممثل تجمع المالكين، لأن إيجار بعض البيوت في بيروت ما زالت قيمته 200 ألف ليرة لبنانية، أي حوالى دولارين سنوياً فقط، فيما يعجز المالك عن شراء الخبز والدواء. لذلك يرفض الاتهام الموجه إليهم بالتسبب بأزمة سكن من خلال إصرارهم على تحرير العقود السكنية القديمة، مذكراً بأنه في عام 1992، صدر قانون لتحرير العقود، ولم تنشأ أي أزمة عنه. 

ويلفت رزق الله إلى تراجع عدد مستأجري الأماكن السكنية، فقد "بلغ 90 ألفاً منذ 4 سنوات، وقد تراجع العدد بعد الأزمة"، متمسكاً بوجوب تنفيذ قانون الإيجارات الجديد الصادر في عام 2014، الذي أطلق عجلة تحرير الإيجارات، وصولاً إلى "تحرير الإيجارات واعتماد بدل المثل نهاية العام الجاري"، متمسكاً بصدور مراسيم إنشاء الصناديق، وتشكيل اللجان القضائية الناظرة بطلبات المساعدة، وتعيين المساعدين القضائيين في عهد وزير العدل السابق ألبرت سرحان. 

كما يشير إلى بدء اللجان القضائية عملها، حيث تلقت حوالى 10 آلاف طلب للاستفادة من صندوق الدعم الذي أقره القانون، ويجب على الدولة تمويله. ولذلك، يرى الملاك ضرورة مباشرة النظر بتلك الطلبات وتحديد من يستفيد من الصندوق. 

ويضيف "فليطبقوا القانون القائم، وليتركوننا في مواجهة الدولة، وعندها سنطالب وزارة المالية بحقوقنا من الصندوق"، مكرراً موقف الملاك "نحن نخسر منذ 40 عاماً حقوقنا، وليس هناك مشكلة لدينا في انتظار بعض الوقت". 

يخشى رزق الله من أن "قدرة بعض الناس على ضبط أعصابها محدودة، لذلك فإن بعض الملاك قد يعملون إلى تحرير أملاكهم بنفسهم، لأنهم يعجزون عن إطعام عائلتهم أو شراء الدواء، فيما ملكه مشغول بالمجان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المحلات التجارية

كما يتطرق رزق الله إلى وجه آخر من وجوه الأزمة، ألا وهو "الإيجارات غير السكنية"، أي المحلات التجارية التي "دولرت" نشاطاتها بالكامل، إلا أن بدلات الإيجار ما زالت محددة بالعملة الوطنية. لذلك ينوه ممثل المالكين إلى قيام لجنة الإدارة والعدل بخطوة نحو تحرير تلك العقود من خلال دراسة اقتراح القانون الذي أعدته، وإحالته إلى الهيئة العامة لإقراره. 

ويكرر مطالبته إلى مجلس القضاء الأعلى بالبت في مسألة اللجان، ومن ناحية أخرى قيام مجلس النواب بتحرير الإيجارات غير السكنية فوراً. 

ماذا عن المؤسسات الحكومية؟ 

إلى ذلك، تبرز مشكلة بدلات الإيجار للأماكن التي تشغلها مؤسسات الحكومية، كالمدارس الرسمية المستأجرة أو دوائر النفوس ومراكز الوزارات والإدارات العامة. وفي هذا السياق، شكل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجنة لدرس موضوع بدلات إيجار الأبنية الحكومية المستأجرة لصالح الدولة. وحدد القرار 58/2023 مهمة اللجنة بدراسة موضوع البدلات، وتقديم الاقتراحات اللازمة لإيجاد حل شامل لمعالجة موضوع الزيادة على بدلات الإيجار المقترحة من قبل الملاك، "مع الأخذ في الاعتبار الوضع المالي لخزينة الدولة".

القانون والعراقيل

تميز الباحثة القانونية مايا السبع أعين (جمعية public works) بين المشاكل الناجمة عن عقود الإيجار الناشئة بعد عام 1992، التي تخضع لمبدأ الحرية التعاقدية حيث ترك للمالك والمستأجر أن يحددا شروط العقد. ولم يتدخل المشرع إلا بفرض بعض الشروط، على غرار إلزام المالك بعدم تغيير شروط العقد خلال السنوات الثلاث الأولى.

تنوه السبع أعين إلى أن عدم تحديد الدولة السقف للبدلات، فتح الباب أمام المالك لفرض الإيجار الذي يريده بالدولار. وتضيف "اللجوء إلى القضاء مكلف جداً مادياً وزمنياً ولذلك لا بد من تدخل الدولة لإقرار تشريع جديد قابل للتطبيق".

تحرير العقود 

في عام 2014، صدر قانون جديد للإيجارات، ولكنه ما لبث أن تعرض للطعن والتعديل، وصولاً إلى إصدار قانون معدل في 2017 بغية تحرير العقود بصورة نهائية من أجل التعاطي مع العقود المبرمة قبل العام 1992، التي قرر المشرع تجميد العقود الصادرة قبل ذلك التاريخ أي إبان الحرب الأهلية. 

حدد القانون الجديد للإيجارات والمعدل آلية تدريجية لتحرير العقود خلال مهلة تسع سنوات، كما أنشأ صندوقاً لمساعدة المستأجرين، وكذلك لجان للنظر بالطلبات للاستفادة من الصندوق. إلا أن تعديل القانون في 2017 سبب إشكالية حول التاريخ المحدد لتحرير العقود بصورة نهائية. يتمسك الملاك بانتهاء المدة في نهاية العام الجاري 2023، ومن ثم الانتقال إلى العقود الحرة. من جانبهم، يؤكد المستأجرون أن القانون الجديد صدر في عام 2017، كما أن قرارات المحاكم تؤكد على سريان أحكامه إلى عام 2026 ومن ثم الاستفادة من صندوق الدعم. 

غياب الدولة

تتفاقم أزمة السكن في ظل غياب الدولة عن المشهد، لذلك لا بد من التدخل لوضع سقف لبدلات الإيجار أو وضع معيار ثابت للتكيف مع معدلات التضخم المتزايدة من جهة، وإقامة مشاريع سكنية لمحدودي الدخل. وتقدر الباحثة مايا السبع أعين نسبة الشقق السكنية الشاغرة في بيروت بـ 23 في المئة وفق تقديرات عام 2019، ولا سبيل إلا لفرض ضريبة عليها من أجل تأمين حق السكن لسائر المواطنين. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير