Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعيش الأدب النسائي العماني عصره الذهبي؟

نهضة روائية تكسر ما كان محظوراً وتجارب شابة تطرح أسئلة الإبداع

لوحة للرسام العماني أنور سونيا (صفحة الرسام على انستغرام)

ملخص

يرى نقاد ومبدعون أن الأدب النسائي العماني يعيش الآن عصره الذهبي، بعد فوز كاتبات عمانيات بعدد وافر من الجوائز العربية والعالمية المهمة خلال السنوات الأخيرة.

يرى نقاد ومبدعون أن أالأدب النسائي العماني يعيش الآن عصره الذهبي، بعد فوز كاتبات عمانيات بعدد وافر من الجوائز العربية والعالمية المهمة خلال السنوات الأخيرة. وبفضل هذا النجاح أصبح الأدب العماني في صدارة الأعمال التي تجذب القراء، بعد سنوات طويلة عاشتها في عزلة.

قبل شهر فازت الشاعرة العمانية عائشة السيفي بلقب "أمير الشعراء"، لتصبح أول شاعرة عربية تحظى بهذا اللقب من البرنامج التلفزيوني الأشهر في تعامله مع الشعر. وعزز فوز السيفي حضور المبدعات العمانيات، ونجاحهن في اقتناص جوائز عربية وعالمية كبرى، خلال السنوات الخمس الأخيرة. ففي عام 2019 نالت جوخة الحارثي جائزة "مان بوكر العالمية"، لتصبح أول عربية تحصل على هذه الجائزة المهمة. وفي العام الماضي حصدت بشرى خلفان جائزة كتارا للإبداع الروائي، أما منى حبراس ففازت بجائزة السلطان قابوس للآداب خلال دورتها الأخيرة. 

وبفضل تلك الجوائز تم تسليط الضوء على الأدب العماني، وبدأ كثير من القراء العرب رحلة اكتشافه.

نجاح متوقع

 

وعلى رغم البيئة المحافظة وقوة التقاليد الاجتماعية هناك، فإن تميز الأدب العماني كان متوقعاً، بحسب الروائي المصري إبراهيم فرغلي، الذي عاش سنوات عدة في مسقط.  يقول فرغلي "كان لديَّ دائماً سؤال عن الأسباب التي تقف وراء عدم وجود رواية في بلد يملك هذا التاريخ الطويل من جهة، ويحظى بنسيج اجتماعي متنوع، إلى جانب وجود طبيعة ملهمة".

ويرى الحائز على جائزة نجيب محفوظ للرواية هذا العام "أن تراكم أجيال الخريجين المتعلمين تعليماً جيداً، سواء ممن ابتعثوا خارج السلطنة أو لا، كان له دور كبير في التحرر من الأطر التقليدية القديمة التي كانت تجد في القصص القصيرة (الرمزية) المجال المناسب لها، خصوصاً في تناول المسكوت عنه من تراث الجدات، ثم وجدت الكتابة الجديدة وسيلة لإظهاره".

ويؤكد الروائي والإعلامي العماني سليمان المعمري أن الانتباه لحضور الكاتبات العمانيات في المشهد الروائي العربي لم يأت إلا بعد حصولهن على جوائز كبرى، وهي آفة عربية مزمنة - بحسب وصفه - إذ لا يلتفت لأي عمل إلا من خلال تكريسه بالجوائز. واعتبر أن النقاد العرب في دول المركز تجاهلوا الأدب العماني لسنوات طويلة، ويضيف "كاتبة مثل بشرى خلفان تنشر أعمالها منذ عام 1995، ولها مجموعات قصصية لافتة، قبل فوزها بجائزة كتارا العام الماضي. وبالمثل فازت هدى حمد بجائزة في عام 2010، ولم يلتفت إليها إلا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، كما أن دار الآداب البيروتية لم تتحمس لمشاركة رواية "سيدات القمر" لجوخة الحارثي في جائزة البوكر العربية، وفضلت عليها روايات أخرى. ولم يلتفت للرواية إلا بعد أن نالت البوكر البريطانية في عام 2019.

انتصارات جندرية

 

يشدد المعمري على عدم وجود علاقة بين البيئة العمانية التي تبدو محافظة، من وجهة نظر البعض، والإبداع الجيد، لأن الكتابة الجيدة تلعب دوراً في كسر النية المحافظة والتمرد على التابوهات.

تتساءل العمانية هدى حمد، لماذا نعتبر الجوائز وحدها معياراً للقيمة؟ وهل من الضروري النظر لها كأنها انتصارات "جندرية"؟

ويتوقف القاص العماني محمود الرحبي أمام ملمح مهم يتعلق بالإبداع النسوي في بلاده، وهو التنافس الإبداعي بين الكاتبات العمانيات، وهذا أمر مفرح يدل ـ من وجهة نظره ـ على عصامية وانقطاع وإصرار من المرأة على التحرر، والانطلاق على رغم مما يحيط المرأة في الخليج من أطواق خانقة. ويلفت القاص العماني البارز النظر إلى أن معظم الكاتبات العمانيات حصلن على درجة الدكتوراه، ويضيف "اقتنصت المبدعة الكوة المتاحة، لكنها وسعتها باجتهادها وعصاميتها".

ويصف إبراهيم فرغلي أعمال الروائيات العمانيات بأنها ذات طابع حداثي، سعت إلى إحداث ثورة في المجتمع العماني الهادئ بطبيعته، فقد كتبت هدى حمد نصوصاً تتسم بالجرأة في التعبير عن واقع الفتاة العمانية المعاصرة المتعلمة، بينما اختارت بشرى خلفان أن تعود إلى التاريخ والتراث للتحدث عن الواقع السياسي وأثره في الاجتماعي والاقتصادي. وهو ما كان محظوراً في الماضي، ولو بفعل الرقابة الذاتية. وهذا ما فعلته جوخة الحارثي على المستوى الاجتماعي في روايتها "سيدات القمر" التي حازت على جائزة البوكر العالمية في 2019.

لم تكن ضربة حظ

ويوضح الروائي الكويتي عبدالوهاب الحمادي أن نجاح الكاتبات العمانيات والكتاب لم يكن ضربة حظ إلا لمن كان بعيداً من المشهد هناك، ويقول "من كان قريباً وراقب الإرهاصات، فلن يعدو ما يراه من نجاحات أكثر من لحظة قطف الثمار، إذ إن الكتابة العمانية كان زخمها يزداد طردياً، والتجربة تتعتق بفضل أقلام شابة منفتحة على الآداب العربية والعالمية، وتريد أن تكتب وتعبر عن هوية لها خصوصية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتؤكد الروائية العمانية بشرى خلفان التي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية العام الماضي عن روايتها "دلشاد" أن "الكتاب العمانيين ظلوا لسنوات طويلة يفضلون النمو في الظل، يراقبون، يقرأون ويكتبون، غير مشغولين بفكرة الحضور والشهرة والتنافس، مما أتاح لهم فرصة عظيمة للنضج، قبل أن يدخلوا إلى الآخر، في عالم الظهور والتنافس".  تنوه خلفان بطبيعة الكاتب العماني التي هي جزء من الطبيعة العمانية الهادئة والمتوارية، أما الكاتبات العمانيات فهن أصحاب تجارب متنوعة غنية بغنى الطبيعة وتنوع الثقافات في عمان.

تقول خلفان "سيأتي منهم الأجمل والأفضل، فعمان لم ولن تتوقف عن إنجاب الأدباء، سواء ركنوا في الظل أو خرجوا بكل طاقتهم الأدبية والإبداعية إلى العالم". ويرفض الناقد المصري محمد الشحات الحديث عن طفرة يشهدها الأدب العماني، معتبراً أن هذا الحكم هو اختزال غير دقيق للمشهد الثقافي هناك، فما حدث أخيراً هو تمثيل ثقافي لعدد من التيارات الأدبية البازغة التي بدأت في الذيوع والانتشار والاشتباك مع القارئ العربي، بحكم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي.

ضد النكوص

يرسم الشحات، الذي درس في جامعات عمانية، صورة بانورامية للمشهد الثقافي هناك، متوقفاً أمام الطفرة التي ترجع إلى مرحلة يسميها "صدمة الحداثة"، وهي التي واكبت تطلعات المجتمع منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي. ومع بدايات الألفية الجديدة، أي منذ عام 2000 على وجه التقريب، جاء الدور الكبير الذي لعبته مجلة "نزوى" التي يرأس تحريرها الشاعر سيف الرحبي، في موضعة المشهد الثقافي العماني على ساحة الأدب العربي، ومعها بزغت أسماء أصبحت ذات حضور ملموس، وبدأ القارئ العربي يتعرف إليها.

 

يوضح الشحات أن كل هذا الزخم السردي لم يقص التحولات الشعرية الحادة التي عرفها المجتمع العماني بعد موجة قصيدة النثر، أما القول إن الطابع المحافظ للبيئة العمانية يعكس تناقضاً مع حركة هذا الصعود، في حضور أسماء الكتاب والكاتبات في عمان، فهو قول يراه "غير دقيق" أيضاً، لأن المجتمع العماني ـ بحسب وصفه ـ يصعب اختزاله في مجرد فكرة المجتمع التقليدي أو المجتمع المحافظ التي يراها الشحات "فكرة استشراقية" غير دقيقة.

ترى خلفان أنه إن كان هناك من تحد أمام الكاتب العماني الشاب فهو الضغط المجتمعي المتنامي ضد الحداثة الأدبية، وهذا النكوص المجتمعي المنادي مرة أخرى بالانكفاء على الذات.

المزيد من ثقافة