Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جامعة الزيتونة... حامية هوية التوانسة أم "مؤسسة انتهى دورها"؟

انقسم الباحثون بين أهميتها في التصدي للتطرف وابتعادها عن العلم الحديث

لوحة لمصلين أمام جامع الزيتونة (مكتبة الكونغرس)

ملخص

متخصصون تونسيون يرون أن أهمية التعليم الزيتوني الديني يكمن في الحفاظ على خصوصية العقل الديني للبلاد وحمايته من التطرف لكنهم ينتقدون عدم مواكبتها التطور

لقرون عدة ارتبطت جامعة الزيتونة في تونس بكونها أقدم جامعات العالم القائمة حتى الآن، حيث يعود تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي، لكنها تقف اليوم في موضع تقييم بين محاولات إصلاحية لها وانتقادات بالجمود. وارتبط اسم الجامعة التونسية بجامع الزيتونة، الذي لعب بدوره دوراً علمياً وثقافياً واسعاً عبر العصور، وليس مجرد مسجد للصلاة والعبادة فحسب، إذ اضطلع بتدريس العلوم الإسلامية بداية من عام 737 ميلادية.

محاولات إصلاحية

وقد نال التعليم الزيتوني حظه من محاولات إصلاحية، طاولت كل المتدخلين في العملية التعليمية، بدءاً بالأساتذة الشيوخ والبرامج التعليمية مروراً بالتلاميذ وظروفهم المعيشية، وقد نتج من ذلك تأليف لجان ونشر كتب من بينها "أليس الصبح بقريب" للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، لكن هذه المحاولات لم تأت أكلها، وفقاً للباحث المتخصص في الدراسات الإسلامية أنس الشابي.

 

 

وقال الشابي لـ"اندبندنت عربية"، إن التعليم في جامعة الزيتونة بقي على ما هو عليه من تلقين وحفظ وغياب لأبسط الوسائل التعليمية المعاصرة، موضحاً أنه حين حصلت تونس على الاستقلال، خمسينيات القرن الماضي، كان أحد أبرز الأهداف هو "توحيد التعليم" ليجمع بين ثلاثة مدارس مختلفة.

ظلت تونس حينها تحتفظ بثلاث مدارس تعليمية أولها "الزيتونية"، وثانيها "العصرية" في الصادقية والعلوية، وأخيراً الفرنسية والإيطالية واليهودية.

آنذاك، اقتضت الخطة الحكومية التونسية، إدماج التعليم الزيتوني المتوسّط في المدارس الثانوية من خلال تدريس مادة التربية الدينية، أما العالي منه فقد أحدثت له دولة الاستقلال كلية الشريعة وأصول الدين ضمن الجامعة التونسية الوليدة وترأسها ووضع برامجها الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور وكلف بالتدريس فيها شيوخ الزيتونة وغيرهم من خريجي الجامعات الشرقية والفرنسية.


خدمات مجانية

بالعودة إلى الباحث أنس الشابي فإن كلية الشريعة وأصول الدين بقيت محافظة على نسق تعليمي متوازن وإشعاع أكاديمي، ودأبت على إصدار النشرة العلمية بجانب ما كان ينشره أساتذتها من كتب في مختلف المجالات والفنون الإسلامية كعلم الكلام وتحقيق المخطوطات وغيرهما، إضافة إلى استدعائها كبار الأساتذة من الخارج.

 

 

الشابي رأى أنه "بعد استلام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الحكم في ثمانينيات القرن الماضي، وفي محاولة منه لسحب البساط من تحت أقدام حركة الاتجاه الإسلامي، قدم لها خدمات مجانية وضعتها في خانة المكاسب، ولعل أهمها تحويل كلية الشريعة وأصول الدين إلى جامعة الزيتونة لتصبح الأقسام فيها كليات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدأت أعداد كبيرة من الطلاب تتوجه إلى الجامعة الجديدة، ووصل عددهم إلى الآلاف في التسعينيات، ومع انحسار سوق العمل لأن وظائف خريجيها تنحصر في تدريس التربية الدينية أو الإمامة فقط، أدى ذلك إلى تكوين جيش من العاطلين من العمل الذين مثلوا حزاماً للحركة الإسلامية يسهل استعماله في أي وقت، وفقاً لـ"الشابي".

الحركة الإسلامية

الباحث التونسي المتخصص في الدراسات الإسلامية واصل شهادته عن ظروف التحولات التي عاشها التعليم الديني في تونس، فقال "بعد جريمة باب سويقة التي أحرق فيها مواطنون أحد مقار الحزب الحاكم، عام 1991، باشرت الدولة مواجهة حركة الاتجاه الإسلامي التي أصبحت تسميتها النهضة".

و"قد نتج من التحركات الأمنية صوب جامعة الزيتونة في تقليص عدد الطلاب حتى حلول 2011، وهي السنة التي دخلت فيها المجال السياسي مدافعة عن حركة النهضة (الإخوان) من خلال تسمية أحد أساتذتها وزيراً للشؤون الدينية وإعلان آخرين على رأس إداراتها والتضييق على الأساتذة الذين لا ينتمون إلى الحركة بإبعادهم إلى مواقع أخرى"، بحسب الشابي.

ومضى في حديثه "كان من نتيجة ذلك انخراط جامعة الزيتونة في العمل السياسي الداعم لحركة النهضة في الانتخابات ومواجهة معارضيها، إذ نشرت بيانات ومقالات بإمضاء أساتذة هذه الجامعة مكفرين مخالفيهم من كبار الكتاب".

مقاومة الفكر المتطرف

من جهة أخرى، أعاد الباحث المتخصص في العقيدة والفلسفة، الإمام والخطيب بلقاسم القاسمي، "أهمية التعليم الزيتوني إلى ما سماه بإعادة المصالحة مع الهوية التونسية"، قائلاً "هويتنا ضاعت باعتبار العولمة التي نعيشها، فأصبح التونسي عموماً لا ينتمي إلى تاريخه ولا إلى أسلافه".

وأضاف القاسمي، في تصريح خاص، "حتى من الجانب الديني أصبحت لنا مناهج دينية تتمثل في تيارات مختلفة لا ننتمي لها وهي متطرفة ومتشددة بعيدة كل البعد من الفكر التونسي".

وتابع "لدينا خصوصية تعرف بالثلاثية الدينية، وهي العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والطريقة الجنيدية، وهذا الثلاثي يمثل العقل الديني في تونس الذي يتميز بالمرونة واستيعاب الآراء المخالفة والرجوع إلى سماحة الإسلام في البعد العقائدي".

وأوضح القاسمي أن "دور التعليم الزيتوني في إعادة المصالحة مع الانتماء التونسي نحتاجه أكثر من أي وقت مضى من خلال إسلام وسطي معتدل في ظل الاغتراب الديني الذي نعيشه".


تحويل وجهة

وفيما يرتبط بالاستغلال السياسي لجامعة الزيتونة بخاصة بعد ثورة 2010 في تونس، قال الإمام والخطيب بلقاسم القاسمي، "الحقيقة هناك نوع من تحويل وجهة صارت بعد الثورة من قبل تيارات إسلامية معينة لكن المقاومة الضاغطة انتصرت حتى لا تنفلت الجامعة على المرجعية التونسية".

وفسر كلماته السابقة بقوله "بعد الثورة كانت هناك إرادة بتحويل (الزيتونة) إلى الوجهة السلفية، وبالفعل تواجد التيار السلفي داخلها وأراد البعض فرضه بقوة لكن كل تحركاتهم باءت بالفشل، والندوات التي تنظم حالياً بالمعهد العالي للحضارة أكبر دليل على العقل المتطور والانفتاح والعقلية المرنة والنقدية والفلسفية لهذه الجامعة العريقة التي لا يزال إشعاع علمها يؤثر في المنطقة ككل وتحديداً الطلاب الأجانب".

"تعليم هجين"

من جانبها، ذكرت أستاذة الحضارة بتونس، زينب توجاني، أن "جامعة الزيتونة تجاوزها العصر، وعلى رغم أنها مؤسسة تجمع بين التعليم التقليدي والعصري لكنها تقبع خلف العلم الحديث".

وقالت توجاني "التغيرات الاجتماعية تقوم بها قوى تجديد وحداثة وليس رموز التقليد، أما ما يحدث اليوم في جامعة الزيتونة فلا يمكن أن يحتسب أنه تجديد ولا تقليد... صحيح هناك مقاومة للفكر المتطرف لكن هي في نظري مؤسسة انتهى دورها".

واستكملت حديثها، "لولا إصلاح التعليم الزيتوني في التسعينيات لكان الأمر أكثر خطورة مما هو عليه الآن"، معتقدة أن ما ينتج داخل هذه المؤسسة اليوم "هجين ولا علاقة له بالعلم الحديث".

واختتمت بقولها "الجرأة الحقيقية تتطلب رغبة من الناس في المعرفة والعلم ولكن المجتمع التونسي لا يزال محافظاً ومتعلقاً بالثقافة التقليدية المسماة اعتدالاً ووسطية"، قائلة "المؤسسات الدينية العلمية لا يمكنها أن تواكب تطور المجتمع بل تسهم في عرقلته".

المزيد من تقارير