ملخص
جماعة الحوثي تحدد ساعات حفلات الزفاف على المواطنين، متوعدة من يخالف بالعقوبة الرادعة في إجراء جديد لم يعهده الناس.
بعد أن فرضت سلسلة قرارات على سكان العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، التي كان آخرها تحطيم ملصقات ومجسمات الملابس النسائية بمزاعم الحفاظ على الهوية والتقاليد ومحاربة الغزو الفكري، ها هي جماعة الحوثي تحدد ساعات حفلات الزفاف على المواطنين، متوعدة من يخالف بالعقوبة الرادعة في إجراء جديد لم يعهده الناس.
ونتيجة هذه الإجراءات برز أخيراً خلاف بين قادة ميليشيات الحوثي بسبب طلب أحد قادتها تضمن منحه ثلاث ساعات إضافية لحفلة زفاف ابنته كون الوقت المحدد لحفلات النساء لا يزيد على الثامنة مساء، وهو الطلب الذي اعتبرته الجماعة مخالفاً "لمبادئ الحكم" المبرمة داخلها وفقاً لطلب الأب يستجدي خلاله الحصول على الوقت الإضافي إياه.
حملات ضد التفسخ
ولم تكن هذه الإجراءات هي الأولى من نوعها، إذ سبق وشنت حملات عدة لمنع حفلات التخرج المختلطة في الجامعات، ووضعها شروطاً على مواصفات ملابس الطالبات، ومنعها رباط الخصر في الملابس النسائية، إضافة إلى إعلان مكتب الصناعة التابع للجماعة في صنعاء منتصف عام 2021 ضبط وإتلاف 750 من ملصقات الملابس النسائية الداخلية، بعد حملة شرسة شنها مسلحو الميليشيا استمرت لمدة ثلاثة أيام في الأحياء التجارية امتداداً لحملات سابقة طاولت مجسمات بيع الملابس الداخلية المنتشرة في الأسواق والمراكز التجارية التي تم تحطيمها باعتبارها من المنكرات التي تدعو إلى التفسخ والانحلال.
مخالف لقيم الزواج
أول من أمس الإثنين تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة تتضمن توجيهاً من مدير مديرية مدينة عمران إلى مالك صالة للمناسبات بالسماح لأسرة عبدالله العسمي أحد وجهاء القبائل الموالي للميليشيا بتمديد حفل زفاف ابنته حتى 11 مساء، الأمر الذي دفع مندوب لجنة الزواج بمديرية عمران المدعو وليد البوني إلى تقديم استقالته احتجاجاً على توجيهات مدير المديرية.
كما احتج جناح آخر داخل الجماعة على الخطوة واستغربوا إقدامه على منح الأسرة ثلاث ساعات إضافية لإتمام حفل زفاف ابنتهم، في حين أن قرار منع حفلات النساء بعد الثامنة مساء يطبق بشكل صارم تنفيذاً لتعميم لجنة الزواج الصادر منذ عامين.
هذه الحملة أثارت موجة انتقادات واسعة في أوساط اليمنيين الذين لم يعد لهم من متنفس للتعبير عن حنقهم سوى مواقع التواصل، مما أجبر قيادات بارزة في الجماعة على انتقاد القرار، ولهذا قام مكتب الصناعة والتجارة التابع لها بحذف بيان حولها من حسابه في موقع "فيسبوك".
تحديد شكل الزواج
من بين جملة الإجراءات التي تفرضها على الشعب في مناطق سيطرتها تحت مسمى "الحفاظ على الهوية الإيمانية"، سبق وأصدرت "لجنة الزواج" المستحدثة من قبل الجماعة المنقلبة على الدولة في عام 2014 تعميماً يحدد المواعيد المتاحة التي لإقامة حفلات النساء على أن تنتهي عند الساعة الثامنة والنصف مساء، إضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت إلى خارج القاعة، وهي السلوكيات التي اعتبرها مراقبون استنساخاً لما ينتهجه النظام الإيراني.
وشدد التعميم الحوثي على مشرفيهم في الحارات والمناطق بالإبلاغ عن المخالفين لتلك التعليمات والتعاون مع لجنة الزواج ورفع قوائم بأسماء أصحاب الأعراس في كل حي وحارة ومربع وبصورة مستمرة، ولم تنس أن تتوعد كل من يخالف هذه التعليمات بالعقوبة التي تتضمن الاعتقال ودفع غرامة مالية.
ضد الملابس الداخلية
واعتبر ناشطون أن جماعة الحوثي تحاكي تجربة حركة طالبان و"تنظيم داعش" في إجراءات تقييد المجتمع وفقاً لأهوائها وخدمة لمشروعها الطائفي، إلى حد بروز أصوات تنتقد هذه الإجراءات من داخل الجماعة نفسها، إذ دعا القيادي الحوثي عبدالملك العجري سلطة الميليشيا في صنعاء إلى معاقبة أصحاب تلك التوجيهات الصادرة ضد ملصقات الملابس النسائية، كونها "تسيء تفسير الهوية التي تسوق لها الجماعة كمشروع لضبط القيم في المجتمع اليمني".
وفي مطلع العام الماضي أغلقت السلطات الحوثية جميع الكافيهات والمطاعم بحجة منع الاختلاط ونشر الرذيلة.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تعميماً لإنشاء كتيبة نسائية جديدة أطلق عليها اسم "البتول"، تدخل ضمن ما يعرف بكتائب "الزينبيات"، ومهمتها الإشراف على ملابس النساء خلال المناسبات الاجتماعية التي تقام في المنازل وقاعات الأعراس.
تجريف الثقافة
ودائماً ما تتحجج الميليشيا بأن مثل هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز "الهوية الايمانية" والقيم المجتمعية بغية "تحقيق النصر على أعداء الأمة ونصرة للمجاهدين في ميادين البطولة"، وهي أدبيات تتشابه وتلك التي يكرسها النظام الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتفسيراً لهذه الممارسات قال المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام إنه "لعقود طويلة تعرض اليمن لتجريف في الثقافة والفكر ومسخ للهوية اليمانية الإيمانية". وأضاف خلال تغريدة له "لمواجهة ذلك يجب الاعتناء بالمجال الفني وبالدراما". وهو ما اعتبر شرعنة صريحة لجملة الإجراءات الحوثية التي وصفها حقوقيون بالقمعية التي تتعدى على حريات الناس وحياتهم الخاصة التي كفلتها الشرائع والقوانين.
هوية دخيلة
وعلاوة على المناهج الدراسية التي تم صبغها بألوان طائفية وتكريس فكرها المتشدد بالقوة من خلال المراكز الصيفية والدورات الثقافية، يسعى الحوثيون وفقاً للكاتب ثابت الأحمدي إلى تسخير وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة المختلفة لاستنساخ هوية دخيلة يسمونها الهوية الإيمانية، التي هي أقرب إلى الشخصية الفارسية كبديل للهوية اليمنية بطابعها العربي الإسلامي المنسجم مع جوارها الشقيق ومع مكونات مجتمعها السياسية والدينية المختلفة وتشبعها بروحها الأصيلة وفولكلورها الغني والزاخر المستمد من تراثها التاريخي الضارب في حضارات اليمن القديم.
لاقتلاع الجذور
في ما يتعلق بما يمكن تسميته حالة الصراع الهوياتي وفقاً للأحمدي، "فالواقع أن الحوثي ينتمي روحياً وفكرياً إلى قم وطهران وخراسان أكثر من انتمائه إلى صنعاء أو إلى مكة المكرمة روحياً، وهو ارتباط تاريخي من قديم الزمن، مذ جاء يحيى حسين الرسي ورفاقه الديالمة والطبريون إلى اليمن، وتبعتهم هجرات فارسية أخرى لا تزال مرتبطة ثقافياً وروحياً بإيران الخمينية إلى اللحظة، لذا لا عجب إن رأينا صور قاسم سليماني والخميني وحسن نصر الله ترفع داخل صنعاء".
ولا يستغرب الأحمدي رؤية الاهتمام المتزايد باللغة الفارسية داخل جامعة صنعاء الذي برز منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة في عام 2014، "لأن اللغة حين تنتقل إلى أية أمة أو جماعة تنقل معها فلسفتها وثقافتها وروحها، واليوم نرى ثقافة مغايرة تماماً للثقافة اليمنية وللروح اليمنية ولتعاليم الإسلام الصحيحة، وهي خطوة تهدف إلى طمس الهوية اليمنية الضاربة في جذور التاريخ".