Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مأزق حكومي" عراقي في مواجهة تظاهرات الموظفين

يحتاج تعديل سلم الرواتب إلى رؤية اقتصادية جديدة

 موظفو الدولة يطالبون بتعديل سلم الرواتب المعمول به حالياً (رويترز)

ملخص

العراق في حاجة إلى رؤية اقتصادية جديدة لتعديل "سلم رواتب" الموظفين لا سيما أن هناك 250 ألف عراقي يتسلمون أكثر من راتب

شهدت ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، الثلاثاء الماضي، تظاهرة لمئات من موظفي الدولة تطالب بتعديل سلم الرواتب المعمول به حالياً، وذلك بجعله موحداً لجميع الوزارات من دون استثناءات لبعض الدوائر والمؤسسات، ورفع المحتجون شعارات معبرة عن استمرار التحرك لحين إقرار قانون للمساواة في رواتب جميع الموظفين.

وجاءت التظاهرة بعد أيام من أخرى مماثلة استغلت اليوم العالمي للعمال في الأول من مايو (أيار) الجاري للمطالبة بتعديل أجور العاملين في المؤسسات العراقية، ومن خلال الشعارات والكلمات التي رددها عدد من الموظفين المشاركين يبدو أنها ستستمر حتى تقدم الحكومة الحلول لمطالبهم، خصوصاً مع وجود دعم سياسي غير قليل لتعديل سلم الرواتب برفع المتدنية منها وخفض رواتب الدرجات العليا والخاصة.

وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي جداول مقترحة لتعديل سلم رواتب موظفي الدولة، بحيث أوجدت زيادات للموظفين ليتجاوز مقدار الزيادة الضعف لبعض الفئات، إذ تتراوح رواتب الموظفين بين الوزارات والمؤسسات العراقية، فعلى رغم أن الرواتب الاسمية للدرجات الوظيفية هي نفسها في جميع الوزارات، إلا أن بعض الجهات تمنح مخصصات لمنسوبيها بمسميات مختلفة تصل إلى 200 في المئة أو أكثر من رواتبهم.

وبات إصلاح منظومة الرواتب ذا أولوية لدى المسؤولين، فبحسب تصريحات إعلامية لنائب رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي ياسر الحسيني يحتاج سلم الرواتب إلى 16 تريليون دينار لغرض تطبيقه، فيما أكد المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح وجود رواتب منحدرة تماماً لبعض موظفي الدولة وأن هنا مقترحاً لرفع تلك الرواتب وتعديل المنظومة كاملة.

مخصصات سريعة

وقال صالح في تصريح صحافي إن "هناك حلين لهذه القضية أولهما إعادة النظر في جميع رواتب الموظفين وتكون هناك قاعدة تأخذ في الاعتبار الخدمة والمؤهلات، كما تنص عليها معايير مجلس الخدمة"، مبيناً أن "الحل الثاني يتمثل في إسناد الدرجات الوظيفية الدنيا بمخصصات سريعة لغلاء المعيشة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء أن "هذا الإجراء يمكن تعديله من خلال المخصصات، إذ كان معمولاً به في العراق خلال العقود السابقة ويعد أكثر إنصافاً للموظفين"، مشيراً إلى أن "سلم الرواتب في العراق ابتعد كثيراً عن قانون الخدمة المدنية الذي كان يرتبط به سابقاً، لا سيما بعدما ظهرت تشريعات كثيرة عليه وامتيازات اقتضتها مرحلة ما بعد عام 2003.

تفاوت كبير

وأوضح صالح أن تعدد التشريعات في الأعوام الـ20 الماضية أدى إلى تفاوت كبير بين أقل وأعلى راتب للموظف نفسه ونظيره في الخدمة والمؤهلات بوزارة أخرى، مشيراً إلى أن "الجانب الأكثر حساسية الدرجات العاشرة وما بعدها لأن مستواهم المعاشي منحدر تماماً ولا يتناسب مع ما يأخذه بعض أقرانهم في وزارات أخرى أو من الرواتب العليا".

وتابع "تعديل سلم الرواتب بشكل كامل يحتاج إلى تشريع برلماني يحظى بتوافق سياسي كبير داخله لإعادة النظر في إعطاء الشخص أكثر من راتب"، لافتاً إلى أن "هذه القضايا لها تشريعات ولا يمكن التلاعب بها، الأمر الذي يحتاج إلى وقت طويل لحدوث هذا التوافق".

وقال المتظاهر فارس كريم "شاركت في التظاهرة للمطالبة بحقي في تعديل راتبي الذي اعتبره متدنياً قياساً مع ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وتقلبات سعر صرف الدينار العراقي"، لافتاً إلى أن "رواتب معظم الموظفين لا تنسجم مع الغلاء المعيشي وغير مساوية للدرجات الوظيفية نفسها والتحصيل الدراسي وأعوام الخبرة في وزارات أخرى".

مأزق سياسي

ورأى الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد بجامعة "المعقل" نبيل المرسومي أن الأحزاب السياسية وضعت نفسها في مأزق سياسي نتيجة وعود أطلقتها لتحسين سلم الرواتب، مما جعلها في "مواجهة جمهور الموظفين الذين يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين موظف"، وقال إن "مقترح سلم الرواتب تم تحويله إلى اللجنة المالية، لكن الحكومة سحبته لصعوبة إدراجه ضمن موازنة 2023 بسبب مجموعة من القرارات التي أضرت بالقرار العراقي منها خفض قيمة الدينار مقابل الدولار، مما أدى إلى تراجع الإيرادات الحكومية بمقدار 11 تريليون دينار (8.2 مليار دولار)"، مشيراً كذلك إلى حملة التعيينات الواسعة التي زادت على 800 ألف موظف، بالتالي زيادة فاتورة الرواتب بنحو 17 تريليون دينار  
(12 مليار دولار) لترتفع من 42 تريليون دينار سنوياً (31.8 مليار دولار) إلى ما يقارب 60 تريليون دينار (45 مليار دولار) فقط للموظفين"، فضلاً عن فاتورة المتعاقدين والحماية الاجتماعية ليصبح المجموع الكلي 90 تريليون دينار(68 مليار دولار).

غير جادة

وأضاف المرسومي أن الحكومة غير جادة في إعداد سلم الرواتب لأنها لم تضمن هذا السلم في موازنة  2023، خوفاً من وصول فاتورة الرواتب إلى 71 تريليون دينار(53.7 مليار دولار) والتسبب في حدوث عجز أسطوري"، داعياً إلى إعادة توزيع الرواتب مرة أخرى من خلال القضاء على الاستحقاقات المالية المتعددة لأن هناك 250 ألف عراقي يتسلمون أكثر من راتب، فضلاً عن خفض رواتب الدرجات الخاصة.

الحل في المخصصات

ورجح المرسومي أن "تلجأ الحكومة إلى منح مخصصات لبعض الدرجات الدنيا من أجل امتصاص نقمة الموظفين الكبيرة"، مبيناً أن التظاهرات الحالية جاءت للرد على وعود غير جادة من قبل الجهات السياسية بتعديل سلم الرواتب.

تظاهرات جديدة

وعن المقترحات بإعادة توزيع الرواتب بين الموظفين من خلال استقطاع المخصصات التي يتقاضاها الموظفون في بعض الوزارات مثل الكهرباء والنفط والأكاديميين بالجامعات والقضاة والأطباء ومنحها لموظفي بقية الوزارات، قال المرسومي إن هذا "سيؤدي إلى تظاهرات مقابلة من تلك الوزارات، وبعضها هدد بالإضراب" متوقعاً أن تواجه الحكومة والبرلمان أياماً عصيبة، بخاصة إذا لم تقر الزيادة في الرواتب، ودعا حكومة بلاده إلى "إيجاد طريقة تحقق بها مطالب الموظفين، وفي الوقت ذاته لا تكلف الدولة أعباء مالية إضافية كبيرة".

اقرأ المزيد