Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية لا تريد أن تخيم استفزازات الخرطوم على أجواء محادثات جدة

وزير الخارجية فيصل بن فرحان أكد أن خيار بلاده هو الوقوف إلى جانب السودان حتى يصل إلى "بر الأمان"... ومحللون يؤكدون أن المفاوضات تركز في جولتها الحالية على هدنة أكثر جدية

أسفرت المعارك المستمرة منذ 23 يوماً عن سقوط مئات القتلى، مما دفع المجتمع الدولي إلى التحذير من أزمة إنسانية "كارثية". وأدى اندلاع النزاع إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص في الداخل ونحو دول مجاورة. (ا ف ب)

وظفت الحكومة السعودية في وقت مبكر من اندلاع الأزمة السودانية ثقلها السياسي والإنساني، وقادت تحركاً إقليمياً ودولياً، كانت أبرز نتائجه إطلاق جسر بحري مستمر حتى الساعة لإجلاء أكبر عدد من العالقين والتوصل إلى إقناع أطراف الأزمة بالتوافق على هدنة إثر الأخرى، مع أن الالتزام بها غير كامل، إلا أنها سمحت بتوافد الفرقاء إلى جدة لبحث تهيئة أجواء يمكن معها إيقاف حمام الدم في الخرطوم وبحث آفاق الحل الممكنة.

وفي الوقت الذي لا يزال سكان الخرطوم يسمعون أصوات أزيز الطائرات الحربية ودوي الانفجارات، استقبلت السعودية أمس مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، بينما ترعى محادثات بين أطراف الأزمة في السودان، معلنة أن هدفها الأبرز هو "بحث القضايا الإنسانية".

لكن محادثات وقف إطلاق النار التي وصفتها السعودية وأميركا الداعمة لها بالأولية لم تحرز بعد "تقدماً كبيراً"، على ما أفاد دبلوماسي سعودي وكالة الصحافة الفرنسية الإثنين، إلا أن الآمال لم تنقطع بالتوصل إلى اتفاق لا يزال بحسب المؤشرات بعيد المنال، وسط تحذير الرياض من انعكاس التصعيد في الخرطوم على المباحثات في جدة.

الطرفان تعهدا برفع معاناة الشعب

في غضون ذلك قالت وزارة الخارجية السعودية صباح الإثنين في أول بيان لها بعد الشروع في المفاوضات إن الطرفين "أعربا عن تحملهما مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب السوداني، بما يتضمن الوصول إلى اتفاق على الإجراءات الأمنية لتيسير وصول المساعدات الإنسانية العاجلة واستعادة الخدمات الضرورية لمن هم في حاجة إليها"، مؤكدة أن الجانبين شرعا أثناء المباحثات في مراجعة إعلان الالتزام "بحماية المدنيين وتيسير واحترام العمل الإنساني في السودان، وقد بدآ أيضاً مناقشة الإجراءات الأمنية التي عليهما اتخاذها من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية العاجلة واستعادة الخدمات الضرورية بما يتفق وإعلان المبادئ".

أهداف واقعية

وأكد البيان السعودي أن استضافة ممثلي الجنرالين المتصارعين كان لتحقيق أهداف محددة، هي "تحقيق وقف فعال قصير المدى لإطلاق النار، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة، واستعادة الخدمات الأساسية، ووضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للوصول إلى وقف دائم للأعمال العدائية".

 غير أن مناشدات السعودية الفريقين باحترام وقف إطلاق النار القائم حالياً، "والامتناع عن القيام بأي أفعال استفزازية على الأرض للحفاظ على مناخ إيجابي للمحادثات التمهيدية الحالية"، لا يبدو أنها تلقى آذاناً صاغية بما فيه الكفاية وفق الأنباء الواردة من السودان، إلا أن الخارجية السعودية على رغم ذلك أكدت أن المحاولات "ستستمر خلال الأيام التالية على أمل الوصول إلى وقف فعال وموقت لإطلاق النار حتى يمكن إيصال المعونات الإنسانية إلى من هم في حاجة إليها".

وأرسل قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ممثلين عنهما لمدينة جدة السبت لعقد مباحثات، مدفوعة باعتقاد دولي خصوصاً من الرياض بأن جارتها الأفريقية الشقيقة "تمر بأزمة غير مسبوقة"، وفق تعبير وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الذي علق على بيان وزارته بالتأكيد أن خيار بلاده "هو الوقوف إلى جانبها (السودان) ودعمها للوصول بها إلى بر الأمان".

أوهام القدرة على الحسم العسكري

بدوره أشار دبلوماسي سعودي إلى أن "المفاوضات لم تحرز تقدماً كبيراً حتى الآن". وتابع أن "وقفاً دائماً لإطلاق النار ليس مطروحاً على الطاولة. كل جانب يعتقد أنه قادر على حسم المعركة".

وكان الجيش السوداني ذكر في وقت سابق أن وفده إلى المفاوضات "لن يتحدث سوى عن الهدنة وكيفية تنفيذها بالشكل المناسب لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية".

ولم يقدم المسؤولون السودانيون والسعوديون سوى معلومات قليلة عن جدول المباحثات أو مدتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الصدد وجهت القيادة السعودية بتقديم مساعدات إنسانية متنوعة وعاجلة بقيمة 100 مليون دولار أميركي، لتخفيف آثار الحرب التي يمر بها الشعب السوداني حالياً، وأطلقت حملة وطنية لإغاثة المنكوبين في البلد العربي العريق.

ويشير المحلل السياسي محمد بن مصلح الحربي إلى أن الوضع الحالي في السودان مترهل وبالغ الصعوبة من جهة نقص في الغذاء والدواء، لذلك جاء اجتماع جدة مهتماً بالمسار الإنساني والتنموي، وسيكون الحديث في المسار السياسي في مرحلة لاحقة.

وأضاف "بدأت السعودية في خطوات أولاها إجلاء الرعايا والمبعوثين والمواطنين، ومن ثم تقديم إغاثة عاجلة متنوعة من غذاء ودواء للشعب السوداني، إذ تهدد المجاعة 19 مليون شخص، ومن ثم بحث حلول لإيقاف إطلاق النار وفق ضمانات، فيما يرجح أن تكون الخطوة الثالثة بحث تفاصيل آفاق الحل الطويل الأمد على المستويين العسكري والسياسي"، لافتاً إلى أن الأطراف الإقليمية بما فيها السعودية تخشى من تمدد الصراع إلى شكل عرقي وقبلي "قد يؤدي إلى تقسيم السودان الذي ترفضه السعودية جملة وتفصيلاً، في حال لم يتم تدارك الأزمة في صورتها الحالية بسرعة".

أولوية الجانب الإنساني

من جهته يرى المحلل الآخر عبدالرحمن الروقي أن "تثبيت الهدنة وفتح الممرات الإنسانية الآمنة وتوفير الحماية للبنية التحتية ستكون مكسباً كبيراً في الوقت الحالي، إذا تمكن الطرفان من بلوغه"، معتبراً أن الوسطاء الدوليين الذين حضروا لمحادثات جدة أولويتهم "إنقاذ عاجل لحياة ملايين الأشخاص إنسانياً وتنموياً، بوضع هدنة جادة توقف حمام الدم الذي لم يتوقف منذ اندلاع الأزمة منتصف أبريل (نيسان) الماضي".

وينظر الكاتب الصحافي السوداني عبدالله أبوالبشر إلى المفاوضات الجارية في جدة بوصفها فنية أكثر منها سياسية، إذ الهدف منها إنساني بحت، وهو إتاحة الفرصة للمواطنين داخل الخرطوم للوصول إلى الخدمات الصحية والمياه والكهرباء، إلى جانب تسهيل دخول المساعدات الطبية وغيرها إلى السودان.

وأضاف "المفاوضات بهذا الشكل مهمة جداً في هذا التوقيت ويثمن السودانيون مبادرة السعودية بها، إلا أن الاعتقاد السائد في الداخل السوداني يتجه إلى أن العمل العسكري هو الطريق الوحيد لحل الأزمة في حال لم تستسلم قوات الدعم السريع بقيادة دقلو"، في إشارة إلى أن تمسك كل طرف بقدرته على الحسم العسكري قد يعوق التوصل إلى حل في الوقت الراهن، خصوصاً وسط اعتقاد من جانب الجيش بأنه يملك تفويضاً شعبياً بإنهاء ما يصفه بالتمرد.

 لكن أطرافاً ترى أن الدعم السريع باعتباره قوة ذات سند قانوني، فإن شطبها من المشهد من دون اتفاق سياسي يصعب تحقيقه عسكرياً، ولهذا يرى المحلل الحربي أن احتفاظ السعودية بعلاقات وثيقة مع الطرفين يجعلها أكثر قدرة على إقناعهما بمراجعة مواقفهما، بخاصة أن كليهما يدرك كم "وقفت الرياض إلى جانب السودان في أزمته الاقتصادية ودعمت الجهود الرامية إلى حل أزمته السياسية منذ 2019".

وأسفرت المعارك المستمرة منذ 23 يوماً عن سقوط مئات القتلى، مما دفع المجتمع الدولي إلى التحذير من أزمة إنسانية "كارثية". وأدى اندلاع النزاع إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص في الداخل ونحو دول مجاورة.
ولعبت السعودية دوراً مركزياً في عمليات الإجلاء من السودان، وأرسلت بوارج حربية وسفناً تجارية لنقل آلاف المدنيين من مرفأ "بورتسودان" عبر البحر الأحمر إلى جدة.

المزيد من متابعات