Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئو السودان في مصر بين المكسب والخسارة

العقارات والوظائف أبرز القطاعات المتأثرة بموجات النازحين وخزانة البلاد تترقب العملة الصعبة

تشرد آلاف النازحين السودانيين عقب اشتباكات الجيش وقوات الدعم السريع  (أ ف ب)

ملخص

نزوح السودانيين نحو مصر وسط حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي بالأخيرة، فما السيناريوهات المتوقعة؟  

أثارت قضية نزوح السودانيين إلى الأراضي المصرية عبر المعابر الحدودية البرية وأبرزها معبر "أشكيت- قسطل" ومنفذ آرقين، 1181 كيلومتراً جنوب القاهرة، جدلاً واسعاً حول التأثيرات التي يمكن أن تلقى بظلالها في الاقتصاد المصري المنهك بالأساس الذي يعاني ارتفاع نسب التضخم التي قفزت خلال فبراير (شباط) الماضي إلى 40.26 في المئة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، جراء استقبال آلاف الفارين من الحرب الدائرة في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.

المخاوف ذاتها كانت محور حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مقابلة مع صحيفة يابانية خلال الشهر الجاري، حذر فيها من أن الصراع الدائر في السودان سيكون له "تأثيرات كبرى" في المنطقة بأكملها.

وأكد أن مصر "تعاني صعوبات اقتصادية" ناجمة عن حرب أوكرانيا، وأنها حتماً ستتأثر اقتصادياً إذا ما استمرت في استقبال مزيد من الفارين من هذه الحرب.

محللون في الشأن الأفريقي والاقتصادي عددوا الآثار الناجمة عن هذا النزوح، وأكدوا لـ "اندبندنت عربية" أن الأزمة ستكون لها تداعيات سلبية وإيجابية على الاقتصاد المصري.

ضغوط اقتصادية

وتقول المتخصصة في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أماني الطويل إن أبرز التأثيرات السلبية للأحداث في السودان على مصر تتمثل في مزيد من الضغوط الاقتصادية، فقد باتت مطالبة بأن توفر الأمن الغذائي للنازحين ما يضع ضغوطاً إضافية على الاحتياط النقدي المصري في ظل شح العملات الأجنبية والتزام مصر بسداد أقساط ديون ضخمة حتى عام 2025.

وأشارت الطويل إلى أن آلاف السودانيين وغيرهم من الأفارقة النازحين إلى مصر سيبحثون عن فرص العمل المتاحة، بخاصة في القطاعات غير الرسمية التي تعتمد على عمالة موسمية في مجالات تشغيل المطاعم والمحال التجارية، إذ يفضل أصحاب الأعمال الصغيرة تشغيل السودانيين عن المصريين بسبب التزامهم الشديد.

وأضافت أن الأنشطة الاقتصادية الصغيرة للسودانيين في الأسواق المصرية، بخاصة في أسوان تمثل تحدياً لأصحاب المحال هناك، وهو ما قد يخلق احتكاكات بين الطرفين.

وتابعت متخصصة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات أن رموز القوى السياسية السودانية بتشكيلاتها كافة امتلكت في مصر على مدى العقود الأربعة الماضية، مما يمكن تسميته بالملاذات الآمنة من التقلبات السياسية السودانية، وأن اندفاع مزيد من ممثلي الطبقة الوسطى بجميع شرائحها نحو مصر يخلق فرصاً ربما في استثمارات متوسطة الحجم في قطاعات مختلفة.

وحذرت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أولجا سارادو من التدهور الأمني في الدول المجاورة للسودان جراء نزوح اللاجئين ممن يقدر عددهم حتى الآن بأكثر من 100 ألف نازح نجحوا في الخروج من السودان إلى الدول المجاورة.

 

 

من جانبه، يقول المتخصص الاقتصادي محمد رضا إن استقبال مصر للنازحين من السودان يحملها مزيداً من الالتزام الأخلاقي والمادي باعتبارها دولة شقيقة تربطها بالسودان روابط تاريخية ودينية ومصاهرة.

وأشار إلى أن هذه الأعداد عبء اقتصادي على الدولة المصرية يمكن أن يقلل من تأثيره ما سيقدمه بعض النازحين السودانيين من مشاريع واستثمارات في السوق المصرية على غرار الوافدين من سوريا ممن أقاموا مشاريع وأنشطة اقتصادية تخدم الاقتصاد المصري، وتوفر فرص العمل للمصريين والسوريين على حد سواء.

ويقول نائب رئيس الأمانة الفيدرالية للهجرة والتنوع بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ومستشار منظور بهيئة الصليب الأحمر الألماني حسين خضر لـ "اندبندنت عربية"، إن المهاجرين أصبحوا عبئاً على كاهل الدول المتاخمة لها التي تعاني في الأساس مشكلات بعضها مرتبطاً بضعف البنية التحتية ونقص الموارد وزيادة معدلات الزيادة السكانية، مما يدفع إلى التساؤل "هل تستطيع البلدان العربية أن تتحمل ملايين من النازحين في المستقبل؟".

ويشدد خضر في الوقت نفسه على ضرورة أن تراجع البلدان العربية النظر في ملف اللجوء والهجرة لجهة إعادة توزيع عادل للاجئين، وأن تساعد البلدان الغنية نظيرتها الفقيرة في هذا الصدد.

أخطار التصنيف الائتماني

وفي السياق ذكرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في تقرير لها إن امتداد الاشتباكات في السودان لفترة مطولة خطر متزايد وسيكون له تأثير ائتماني سلبي في البلدان المجاورة وبنوك التنمية متعددة الأطراف.

وأضاف التقرير أنه في حال تطور الاشتباكات إلى حرب أهلية ودمار البنية التحتية وتدهور الأوضاع الاجتماعية، سيؤدي ذلك إلى عواقب اقتصادية طويلة المدى أبرزها تراجع جودة أصول البنوك متعددة الأطراف في السودان إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة والسيولة.

وأوضح أن أي امتداد إلى البلدان المجاورة أو تدهور عام في البيئة الأمنية للمنطقة من شأنه أن يثير مخاوف أوسع في شأن جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف بالدول ذات التركيز الأعلى على القروض، بينها مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.

أزمة التبادل التجاري

المتخصص الاقتصادي أبو بكر الديب أكد أن مصر تستضيف 9 ملايين لاجئ من دول عربية وأفريقية يمثلون عبئاً اقتصادياً على موازنة الدولة إلى جانب النازحين من دولة السودان، مشيراً إلى أن مصر تعامل الوافدين معاملة المواطنين، وهو ما يجعلهم يتمتعون بكل الخدمات والمرافق الخاصة بالمواطن.

وطالب الديب بسرعة تدارك أزمة التبادل التجاري وسلاسل الإمداد مع دولة السودان والبحث عن بدائل، إذ ستتأثر مصر بشكل كبير جراء الصراع الدائر هناك، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان بلغ نحو 1.4 مليار دولار عام 2022.

وتابع، "مصر كانت لديها خطة لزيادة التصدير إلى السودان في محاولة للتغلب على أزمة شح الدولار وهو ما تضاءل نتيجة الأحداث الجارية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري فقد سجلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعاً 18.2 في المئة خلال 2022 لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال 2021.

ويستحوذ السودان على 13.2 في المئة من إجمال قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الأفريقية، إذ بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما وصلت صادرات الأخيرة للأولى خلال 2022 لنحو 504.5 مليون دولار.

ارتفاع أسعار العقارات

قطاع العقارات المصري يعد الأكثر حساسية في قضايا اللاجئين، إذ إن ارتفاع الأسعار المفاجئ عقب الأزمات بالدول المجاورة مؤشر إلى طلب الشراء المتزايد والاستئجار من قبل النازحين من تلك الدول.

ويقول الوسيط العقاري أحمد فرغلي إنه عقب بدء الحرب في دولة السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تلقى العديد من الاستفسارات حول العقارات الشاغرة بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر بشرق القاهرة من سودانيين يقيمون في مصر منذ سنوات.

وأضاف في حديث خاص أنه لم تعد لديه أية عقارات شاغرة، إذ جرى تأجير أو بيع غالبية الوحدات السكنية الشاغرة خلال أسبوعين فقط، مشيراً إلى أن أسعار تأجير الوحدات السكنية تضاعفت لأكثر من 100 في المئة بعد الطلبات المتزايدة.

وأكد الوسيط العقاري أن متوسط إيجار الوحدة السكنية مساحة ما بين 150 إلى 200 متر مربع يتراوح شهرياً ما بين 2500 و 3000 دولار (90 ألف جنيه مصري)، وبعض ملاك العقارات يفضلون تأجيرها للسودانيين بواقع 300 دولار لليوم.

وأشار فرغلي إلى أن عدداً من النازحين يقيمون بشكل موقت مع أقاربهم الموجودين في مصر منذ فترة، وأن هؤلاء اشتروا بالفعل عدداً من الوحدات خلال الفترة الماضية لذويهم الفارين من الحرب، مؤكداً أنه في مدينة نصر فقط بيع 74 وحدة سكنية لسودانيين خلال الأسبوع الماضي بشكل مباشر ما بين المالك والمواطن السوداني وبعيداً من الوسطاء العقاريين، قائلاً إن "أقاربهم المقيمين في مصر جمعوا المعلومات عن الشقق الشاغرة وتعاقدوا عليها مع الملاك مباشرة من دون وسطاء".

من جانبه يتفق المتخصص الاقتصادي أبو بكر الديب مع سالفه في هذا الشأن، مؤكداً أن حالات النزوح تتسبب في ارتفاع أسعار العقارات في مصر كما حدث عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والأزمة السورية التي تفجرت عام 2011، إذ قفزت أسعار العقارات بشكل جنوني بسبب زيادة الطلب عليها.

وترى المتخصصة في الشؤون الأفريقية أماني الطويل إنه من الجوانب الإيجابية لهذا النزوح على الصعيد الاقتصادي المصري، خصوصاً من الطبقة الوسطى السودانية، هي رواج مبيعات السوق العقارية المصرية التي تعاني ركوداً في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار التي أصبحت في متناول السودانيين لرخص أثمان العقارات المصرية مقارنة بالسودان من ناحية، وبسبب حيازة النازحين للعملات الأجنبية من أخرى.

ويضيف صاحب شركة وساطة عقارية يدعى محمود خليل أن التنافس من السودانيين على العقارات يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل عام، لافتاً إلى الفوائد التي يجنيها القطاع العقاري المصري تتمثل في تحقيق عائد كبير للمستثمرين بقطاع التشييد والبناء خصوصاً أصحاب العقارات المعروضة للإيجار.

وتحدد المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية كبؤر يتمركز فيها 56 في المئة من السودانيون المقيمين في مصر.

 

 

وجهة رئيسة للنازحين

ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن مصر تستضيف أكثر من 288 ألفاً من طالبي اللجوء المسجلين واللاجئين من 60 دولة مختلفة، غالبيتهم من سوريا تليها السودان وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال.

وفي عام 2012 ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بشكل كبير ليقفز من 12800 شخص إلى أكثر من 145 ألف شخص نتيجة للأزمة السورية، مما دفع المفوضية إلى تدشين مكتب ميداني في الإسكندرية نهاية عام 2013.

وتشير المفوضية إلى أن تجدد الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي وكذلك الاضطرابات في العراق واليمن، دفعت آلاف الأشخاص من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا والعراق واليمن إلى اللجوء إلى مصر، ففي يونيو (حزيران) 2022 كان عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية يتكون من 146 ألف لاجئ من سوريا و59 ألفاً من السودان و25 ألفاً من جنوب السودان و23 ألف شخص من إريتريا و16 ألفاً من إثيوبيا و8 آلاف من اليمن و6 آلاف من الصومال و6 آلاف من العراق وأكثر من 50 جنسية أخرى.

800 ألف نازح محتمل

وفي السياق نفسه أكدت الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني أسماء الحسيني أن مصر استقبلت منذ بداية الحرب حتى الآن أكثر من 50 ألف سوداني، وهو الرقم المرشح للزيادة ليصل إلى 800 ألف بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وأن هذه الأعداد "ستشكل ضغطاً على الاقتصاد المصري".

وكشف الحسيني أن الوفود التي وصلت مصر "هي من القادرين مادياً على السفر، إذ ارتفعت تكلفة استئجار سيارة لنقل النازحين لتصل إلى 14 ألف دولار للوصول إلى الحدود المصرية، وهي كلفة مرتفعة بسبب ظروف الحرب"، مؤكدة أن عدد السودانيين المستقرين في مصر منذ سنوات يتجاوز عددهم 5 ملايين شخص وهم يمتلكون وحدات سكنية وعقارات وبعضهم استأجر وحدات سكنية وألحق ذويه بالمؤسسات التعليمية في مصر كخطوة استباقية بعد أن لاحت نذر الحرب في الأفق السوداني، بخلاف الأعداد التي لا تزال تصل مصر.

وأبدت الحسيني تخوفها من نزوح عدد من ذوي القدرات المالية الضعيفة والمشردين إلى مصر، وهو ما يشكل تهديداً أمنياً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة مما يتطلب من المنظمات الدولية دعم مصر في هذه الظروف لمواجهة تلك التحديات.

وأكدت أن من التأثيرات الإيجابية في الاقتصاد المصري دخول مزيد من التحويلات بالعملات الأجنبية البلاد، إذ يتسم المجتمع السوداني بالتكافل، وإقامة النازحين في مصر سيعقبها ارتفاع التحويلات المالية من ذويهم في الخارج مما ينعش خزانة الدولة.

دعم دولي

وطالبت الحسيني مصر بأن تخاطب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لدعمها في مواجهة أزمة اللاجئين، وكذلك الدول العربية للمساعدة في إعالة النازحين بتوفير دعم لوجيستي واقتصادي وسياسي لمصر حتى تتمكن من أداء واجبها على الوجه الأكمل، وهو النداء ذاته الذي كرره الديب، إذ على المجتمع الدولي والأمم المتحدة دعم مصر لتحمل عبء ونفقات اللاجئين على غرار ما يحدث مع الدول الأخرى، ومنها تركيا التي حصلت من الاتحاد الأوروبي على 3 مليارات يورو دعماً لمواجهة أزمة النازحين السوريين.

يذكر أن الدعم المالي المقدم من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في مصر خلال 2019 بلغ نحو 104 ملايين دولار بهدف حماية اللاجئين وطالبي اللجوء بالبلاد.

فيما تقدم المفوضية المساعدات النقدية للحاجات الأساس للاجئين في مصر، إما بانتظام مرة كل شهرين أو مرة واحدة بهدف تغطية حاجاتهم الفورية بما في ذلك الحصول على الملابس الدافئة والبطانيات خلال أشهر الشتاء (منحة الشتاء) والتي أطلقت في عام 2018 بقيمة 600 جنيه (19.82 دولار) للشخص الواحد للاجئين الأكثر احتياجاً إلى مساعدة شتوية من خلال مكاتب البريد بجميع أنحاء البلاد، خصوصاً في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط حيث يتمركز غالبية اللاجئين.

كما تقدم المنح النقدية الأخرى مثل سبل كسب الرزق والمنح التعليمية لمرة واحدة وفقاً للمعايير التي تطبقها المفوضية والشركاء الآخرون العاملون على المنحة مثل هيئة الإغاثة الكاثوليكية.

وأجلت مصر منذ أيام رعاياها المقيمين في السودان الذين قدر عددهم بنحو 10 آلاف مواطن، غالبيتهم من طلاب الجامعات السودانية، فيما يقيم أكثر من 5 ملايين سوداني في مصر، وفق أرقام رسمية للسفارة السودانية بالقاهرة، بينما يزيد عدد المسجلين السودانيين بصفتهم لاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على 60 ألف شخص.

وأعلنت الخارجية المصرية أنه تم تسهيل عبور أكثر من 16 ألف من غير المصريين إلى داخل مصر، بينهم أكثر من 15 ألف سوداني ونحو 2000 أجنبي من 50 دولة.

ويقيم في مصر بشكل كامل 4 ملايين سوداني منهم 37 في المئة يعملون بوظائف ثابتة وشركات مستقرة، بحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة.

المزيد من تحقيقات ومطولات