Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يطوي الأكراد عهد أردوغان بعد 20 عاما على هيمنته؟

في أحد أحياء إسطنبول، يشرح الأكراد لبورزو درغاهي سبب دعمهم لمنافس أردوغان الأبرز في الانتخابات الرئاسية المقبلة - الذي يمثل حزباً غالباً ما أقصاهم

حزب الشعب الجمهوري التركي يفتتح مكتباً جديداً لحملته الانتخابية في منطقة سلطان غازي في إسطنبول (يوسف سايمان)

ملخص

مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو يتحالف مع الأكراد ويعمل من أجل توسيع القاعدة الشعبية لحزب الشعب الجمهوري... فهل يسعفه ذلك في إقصاء أردوغان عن الرئاسة؟

يتجمع حشد في المركز التجاري بمحلة سلطان غازي، أحد أحياء إسطنبول الذي يقطنه تاريخياً الأكراد، حيث يفتتح حزب الشعب الجمهوري مكتباً جديداً لحملته الانتخابية. يحصل ذلك قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تعلق عليها أهمية بالغة، إذ من شأنها تحديد مستقبل تركيا- فيما ينظر إلى زعيم الحزب، كمال كليتشدار أوغلو، على أنه خطر حقيقي يهدد [فرص فوز] الرئيس رجب طيب أردوغان.

وهذا الموقع مهم، إذ يستند حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه باني تركيا العلمانية مصطفى كمال أتاتورك منذ قرن من الزمن، إلى ركيزة قومية متجذرة استبعدت جزءاً كبيراً من الأقلية الكردية في البلاد. لكن أكراد تركيا اليوم في خضم تغيير تاريخي لاصطفافاتهم السياسية. ويفصح عدد كبير من السكان الذين ألتقيهم في سلطان غازي عن نيتهم التصويت لكليتشدار أوغلو، فيما يسعون إلى إنهاء هيمنة أردوغان المستمرة منذ عقدين من الزمن على سياسة البلاد. ويحظى كليتشدار أوغلو بدعم ائتلاف معارض يضم ستة أحزاب كما بدعم ثاني أكبر أحزاب المعارضة التركية، حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

"الناس متحمسون ومتشوقون للإدلاء بأصواتهم لأن توقعاتهم كبيرة" كما تقول زبيدة إنجه، وهي مسؤولة محلية لحزب الشعب الديمقراطي الذي تنضوي حملته الانتخابية هذا العام تحت لواء حزب اليسار الأخضر. ويعود سبب ذلك لدعوى قضائية لم تبتها المحكمة بعد، تزعم بوجود روابط بين حزب الشعب الديمقراطي ومقاتلين أكراد، وهذه إحدى علامات حملة القمع التي شنها أردوغان خلال الأعوام الماضية. وتقول إنجه "إن قاعدة ناخبينا مسيسة جداً وتعرف كيف تعمل في الميدان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الواضح أن هناك تغييراً ظاهراً في الأجواء، وأحد الأسباب الأساسية لهذا التحول هو الجهود التي يقوم بها كليتشدار أوغلو من أجل تحويل شكل حزب الشعب الجمهوري بحيث تصبح لديه قاعدة دعم جماهيرية أوسع.

ويقول سيزجين تنريكولو، العضو الكردي في حزب الشعب الجمهوري الذي يتصدر المرشحين لعضوية البرلمان في منطقة ديار بكر الجنوبية الشرقية، أكبر المدن التركية ذات الغالبية الكردية "لم يكن حزب الشعب الجمهوري خياراً انتخابياً بالنسبة إلى الأكراد لكن هذا الوضع تغير. عملنا كثيراً خلال الأعوام الـ10 الماضية".

لا يزال أردوغان يتمتع بدعم جزء كبير، إنما يجوز القول إنه متضائل، من الأكراد المتدينين الذين يتعاطفون مع دعواته إلى التمسك بالدين والتقاليد. لكن لا يخفى على أحد سبب تدهور العلاقات بين أردوغان وكثير من الأكراد الذين ربما يشكلون خمس سكان تركيا.

فللأكراد لغتهم وثقافتهم الخاصة، وقاوموا عقوداً من محاولات إدماجهم في المجتمع- من بينها محاولات قام بها حزب الشعب الجمهوري.

بعد تودده للناخبين الأكراد خلال الجزء الأكبر من حياته السياسية، حول أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه، بجذوره الإسلامية، مسارهما عام 2015 من خلال الائتلاف مع حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهتشلي. ولهذا الحزب تاريخ من العداوة لتطلعات الأكراد أسوأ حتى من حزب الشعب الجمهوري.

بعد الشراكة التي جمعت حزب العدالة والتنمية بحزب الحركة القومية، شنت حملات قمع عنيفة أحياناً بحق الأحزاب السياسية والمؤسسات الكردية. أزيح عشرات المسؤولين المنتخبين من مناصبهم. فيما استهدفت مركبات مكافحة الشغب وخراطيم المياه المتظاهرين داخل أحياء مثل سلطان غازي. أرغمت منظمات تعليمية وثقافية على إقفال أبوابها. وسجن صلاح الدين دميرتاش، المحامي الجذاب ذو الـ50 سنة الذي برز كزعيم الأكراد واليساريين في البلاد.

في أواخر الشهر الماضي، ألقت السلطات القبض على 150 شخصاً، من بينهم صحافيون وسياسيون، بتهم الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني المحظور والمدرج على لوائح الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتفرض رقابة شديدة على الأحياء الكردية مثل سلطان غازي- والمناطق الريفية التي تسكنها أعداد كبيرة من الأكراد. في المقاهي، حيث يتحلق رجال كبار في السن حول لعبة طاولة النرد، يخاف كثيرون من التحدث في السياسة ويقلقون من احتمال وجود مسؤولي أمن بثياب مدنية في المنطقة.

وتقول إنجه التي دخلت السجن مرات عدة "يخاف الناس من الكلام. نحن مطوقون. وعليك إما أن تخرس وتستسلم أو تذهب إلى السجن".

خلال الأعوام الأخيرة، يتودد حزب الشعب الجمهوري للأكراد وغيرهم عبر ترويجه لرسالة يسارية وسطية غير إقصائية. عام 2021، سافر مسؤول كبير من حزب الشعب الجمهوري إلى شمال العراق حيث التقى بممثلين عن عشيرة بارزاني التي تقود الأكراد العراقيين في منطقة الحكم الذاتي، وهي منطقة برزت كشريك تجاري وإستراتيجي مهم لتركيا.

وربما الأهم من ذلك هو أنه في ظل حكم كليتشدار أوغلو، أقنع الحزب قاعدته الانتخابية العلمانية بأن الشراكة مع الأكراد هي السبيل لهزيمة أردوغان. وساعد في ذلك وجود تغيرات ديموغرافية وثقافية. فالهويات المركبة مقبولة أكثر الآن في تركيا، كما في جميع أنحاء العالم. والناخبون الأصغر سناً أقل اهتماماً بمواضيع الهوية العرقية من آبائهم وأجدادهم، كما أن التعصب الصريح تجاه الأقليات العرقية ليس مقبولاً بالدرجة نفسها.

ويقول فيدات دمير، مغني الراب والعامل في مجال الألبسة الكردي البالغ من العمر 27 سنة "لم يعد الناس اليوم يشبهون الناس سابقاً. أنا جزء من هذا البلد إلى أبعد الحدود".

وجاء أول اختبار ناجح لهذه الشراكة عام 2019، حين تحالف حماة العلمانية القدامى في إسطنبول- المعروفون باسم الأتراك البيض- مع الأكراد في محاولة لتحقيق فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، على مرشح حزب العدالة والتنمية.

وضع الأكراد الغاضبون من أردوغان عداءهم القديم لحزب الشعب الجمهوري جانباً وصوتوا بكثرة لإمام أوغلو. وتقول إنجه "أثبتنا له في إسطنبول بأن الشعب أكبر من رجل واحد. قررنا أن نثبت له ذلك من خلال تصويتنا لحزب الشعب الجمهوري".

ويقول تنريكولو إن انتخابات إسطنبول كانت نقطة تحول للأتراك العلمانيين أيضاً، إذ أقنعتهم بأن الأكراد يمكنهم أن يكونوا شريكاً سياسياً مفيداً. ويقول "اعتبر الأتراك البيض أن هزيمة أردوغان هي الأهم وهم ينظرون إلى الأكراد على أنهم أهم حصن للوقاية من الإسلاميين".

بدا أردوغان نفسه خائفاً من تحالف الأكراد والأتراك البيض الذين لطالما عارضوه، وبدأ بالهجوم عليهم. خلال خطاب ألقاه في الأول من مايو (أيار)، حذر أردوغان من أن الأتراك لن يقبلوا بتسليم السلطة إلى رئيس يدعمه الانفصاليون الأكراد المسلحون.

وقال "لن تقبل أمتي بتسليم السلطة لهم إن أوصلتهم الانتخابات إلى موقع الرئاسة بدعم من قنديل"، في إشارة إلى سلسلة الجبال التي يتحصن فيها مسلحو حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

كما أن هوية كليتشدار أوغلو الذي ينتمي إلى الأقلية العلوية التركية ويتحدر من منطقة كردية تاريخياً في شرق البلاد ربما تقربه إلى بعض الأكراد فيما تجعل بعض الأكراد السنة المتدينين ينفرون منه.

لكن كل مسائل الانتماء العرقي والديني، كما القيم الثقافية والتوجهات السياسية التي ميزت التاريخ التركي خلال القرن الماضي ربما لا تحمل أي أهمية في الانتخابات المقبلة. فالأتراك والأكراد على حد سواء مستاؤون إلى أبعد درجة من الوضع الاقتصادي. تمر تركيا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود وكثيرون يحملون أردوغان المسؤولية.

في سلطان غازي، قال الناخبون إنهم عاجزون عن تلبية حاجاتهم الأساسية. ارتفعت أسعار السلع الغذائية وبدلات الإيجار بشكل جنوني في كل أنحاء البلاد. وقالت إحدى الناخبات إنها لا تتذكر آخر مرة استطاعت فيها أن تشتري اللحم.

ويقول رجل متقاعد يبلغ من العمر 70 سنة لم يرغب في الإفصاح عن اسمه "لا يمكننا أن نشتري أي شيء ولا أن نتحمل كلفة أي شيء"، مضيفاً أنه يعيش على معاش تقاعدي توازي قيمته 225 جنيهاً استرلينياً (285 دولاراً). في هذه الأثناء، ارتفعت الإيجارات لتتخطى 400 جنيه استرليني (505 دولارات) مقابل شقة عادية. "لا يمكن للناس تحمل كلفة الذهاب إلى المقهى لأنهم عاجزون عن دفع ثمن الشاي".

ورافق الأزمة الاقتصادية سيل من المشكلات الاجتماعية من بينها تفكك الأسر والجريمة- بما في ذلك المخدرات والعصابات.

يقول تكين تان، البالغ من العمر 55 سنة الذي يدير متجراً لبيع التبغ والكحول إنه صدم عندما دخل عليه صبي بدا أنه بعمر الـ10 لا أكثر وطلب شراء ورق لف السجائر. صحيح أنه صدم، لكنه يعتقد بأنها إحدى نتائج تردي المجتمع، المنهار بسبب الوضع الاقتصادي السيئ وعدم تحرك أصحاب السلطة.

ويضيف "العدالة غائبة. والفساد مستشر. نريد التغيير".

© The Independent

المزيد من دوليات